صحيفة المثقف

حسن عزيز الياسري: الفقير أين يذهب؟

الفقير وين يروح؟!*

ثلاث كلمات في مفهوم،، واي مفهوم هذا الذي يختزل مضمون كلمة ٌ قاسيةٌ، ظالمة ٌ، شرسة ٌ، كالفقر !!

كلمة نرددها كثيرا في ومضة ٍ نفسية ٍ سريعة ومسترسلة يبعثها الذهن للعقل، فينطلق اللسان بها في مواجهة الصدمة، التي تنطلق من بائع او صاحب متجر او بقالة او حتى موظف مول!! عند اخبارنا عن سعر حاجة نود شراءها .

- ما اثار دهشتي قبل يومين من احدهم (ممن ابتسم له زمان اللصوصية الموحش، مؤخرا) وهو يتحدث عن شراء مركبة حديثة دفع رباعي، وكيف دخل في صراع لفظي لا يخلو منها تواشيح زمننا المقرف، لمؤثرات دينية وتأثيرات عشائرية ليس لها محل، مع صاحب المعرض من اجل كسب رهان الفوز بهذه السيارة التي اشتراها اخيرا مُعقِبا حديثه الممل والسَمِج ْ، بحسرة انسانية رثة (صدك لو كَالوا: الفقير وين يروح)!!

- ان ترديد هذه الكلمة التي يطلقها امثال هؤلاء وبهذا الاسلوب المبتذل الرخيص، يجرح مشاعر المواطنين الفقراء وتخدش اسماع المحرومين وتحط من كرامتهم التي داستها قسوة رغبات الفاسدين وصعاليك السلطة وعبيد الاصنام، على انها حميدة الاثر، لو انها تجري بعفوية على السنة العابرين من الناس وعامتهم، وهم يهّموُن بشراء حاجاتهم الضرورية كالمواد الغذائية في هذه الايام التي ارتفعت اسعارها كثيرا بارتفاع سعر الصرف للدولار الامريكي والذي تزامن قبل بلوغنا شهر رمضان الكريم بأيام قلائل !!، على ان هذه الحاجات التي تكفي الفقراء والبسطاء والميسورين كذلك، كانت متوفرة بأريحية تامة في مواد البطاقة التموينية قبل ان تظهر صورة المؤمنين المتقين في الاحزاب الاسلامية وتبوأهم كرسي السلطة بعد ٢٠٠٣  .

هنا لسنا بصدد المفاضلة بين القائلين وممن لم يقولوا، كون القول دون الفعل، ممقوتا مهما كان مشفوعا بحسرة او آه او تعبيرا عن حزن، فليس في تفاصيل الحدثين ما يُدخل فرحة، او يصنع مسرّة في قلوب المحتاجين والفقراء الذين هم في الغالب من حولنا اجتماعيا وجغرافيا، وقريبين منا، مالم تكن مبادرة واضحة مهما كان حجم، ضآلتها وقلتها، فلا حياء من إعطاء القليل، فالحرمان اشد منه، على قول الامام علي عليه السلام .

- وهناك من يبالغ اكثر في ترديد حسرته على الفقراء وهو ينطق بتلك الكلمة (المفهوم !) ممن هم احد اهم الاسس، في تثبيت اركانه وتطبيقه على ارض الواقع، ليَجّثو كالجبال الراسيات على كواهل الفقراء والمعدمين، فكم من موظف حكومي سارق للمال العام ومتاجرا في وظائف الدولة او سمسارا فيها او مسؤولا حكوميا تابعا لاحزاب السلطة الفاسدة ومن غيرها ممن يتشاركون قيم الفساد والسمسرة والمتلوثين باخلاق الانحطاط والرذيلة، هو ممن يردد تلك الكلمات (الفقير وين يروح؟!) دون وازع من انسانية او هاجس من ضمير .

(في سلطة اللاقانون، تفشل المجتمعات الرثة في تربية الضمير وانمائه، حين ينعدم الضمير يغدو كل فعل وسلوك مباحا، فالمركز الروحي والوجداني والعقلي الذي يحصن الانسان ضد الانحراف هو الضمير، فاذا ضَمُر الضمير او مات فكل شيء جائز ومباح ويمكن تبريره وشرعنته ... وقد عبر عنه شاعر العرب الاكبر محمد مهدي الجواهري ابلغ تعبير بقوله :

من لم يخف حكم الضمير،،، سواه ُ لن يخافا) *٢

- ومن سخرية الاقدار ان اغلب الاصنام الحاكمة في عراق اليوم تبادلوا التهم في تثبيت سعر الصرف او ارجاعه على ما كان عليه، فالقائلين بعودته يُصّرحون بدعوتهم تلك، من اجل الفقير وقوت عياله، والداعين لتثبيته صرّحوا بنفس الدعوى، على الرغم من ان الطرفين هم من ارسى دعائم الفساد والمحسوبية والسبب المباشر بانتشار قيم الانحطاط والابتذال والتي ادت الى زيادة نسبة الفقر والفقراء في عراق ما بعد القائد الضرورة، ويكفي ان يطالب صنم ما بطلب ما، حتى تسرح العبيد من بعده للمطالبة بما يطلب ذلك الصنم !

- المؤمنون الراسخون في عبادة الاصنام من المتحزبين في احزاب الاسلام السياسي، والمدرجة اسماؤهم في سجلات رواتب الخدمة الجهادية والسجناء والشهداء والمهاجرين الى يثرب والانصار في مدن الضباب، يرددون (اكو الله) فلا تهتموا، فللفقراء (رب يحميهم) !!

وبعضهم الاخر لعله يردد (صوج الله)، وفي كلا الحالين فإن العبيد، تردد ما يقوله الاوغاد، الذين اضحى بيدهم مقاليد حكم عيال الله على هذه الارض التي طالما توارث حكمها الطغاة العتاة من المستبدين الفاسدين، والاغبياء الحمقى !

- وما دمنا نعيش اليوم ذكرى سقوط الصنم في التاسع من نيسان عام ٢٠٠٣ على ايدي قوات الاحتلال الامريكي، ولربما بسبب تنوع الاصنام وتوحد مسالك العبيد، هو ما دعاني لتقصي ذكرى مقالة، كتبها الاستاذ الفنان التشكيلي وائل المرعب، معزيا بمناسبة الذكرى ال ١٩ لرحيل الشاعر العراقي رشدي العامل، حيث كتب هذه السطور في نهاية تلك المقالة :

((أخيراً .. لابد من أن أذكرُ أن صديقنا المشترك النحّات نداء كاظم أخبرني أن رشدي قال له قبل رحيله (أطرقوا ثلاث طرقات على قبري اذا سقط الطاغية حتى أعلم ان ليل العراق قد انتهى)، وقد وفىّ نداء، تنفيذ هذا الرجاء مشكورا ً، ولكن الليل زاد عتمة واسى، للاسف الشديد))

 

حسن عزيز الياسري

 ٩-٤-٢٠٢١

.......................

*١ جملة عراقية باللغة الدارجة، ترمز بحزن ل واقع حال الفقير .

*٢ ص ٢٥٩، سعد محمد رحيم، الرثاثة في العراق، مجموعة مقالات حررها، د. فارس كمال نظمي .

  

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم