صحيفة المثقف

صلاح حزام: هل الادخار فضيلة أم رذيلة اقتصادية؟

صلاح حزاملقد كان الادخار من وجهة نظر مؤسس علم الاقتصاد آدم سمث، فضيلة من الفضائل، وكان يحثُّ عليه لانه كلما زاد الادخار، زاد الاستثمار. فالادخار يعني مزيد من الاموال في البنوك جاهزة للإقراض للراغبين بالاستثمار .

وهكذا يتوسع الاقتصاد وتقام مشاريع جديدة وتتوفر فرص عمل جديدة الخ..

ففي الفصل الثالث من الكتاب الثاني في كتاب سمث المشهور ثروة الأمم، يقول سمث: "الادخار والتوفير هما مفاتيح النمو الاقتصادي".

كذلك فأن الاقتصادي الفرنسي الكبير

جون باتيست ساي، صاحب القانون المشهور ب: قانون ساي للأسواق، يتفق تماماً مع آدم سمث بالتأكيد على دور الادخار وبالتالي الاستثمار في النمو الاقتصادي. وهو يقول ان الادخار مفيد للنمو الاقتصادي ورَفضَ الكلام القائل ان الادخار والتوفير قد يقودان الى انخفاض الانفاق والناتج .

فهو يرى ان الادخار هو شكل من اشكال الانفاق، بل ربما كان افضل من الانفاق الاستهلاكي لانه سوف يستخدم في انتاج السلع الرأسمالية ( عندما يتم استثماره).

وساي كما يبدو تأثر بآراء بنجامين فرانكلين احد الآباء المؤسسين في الولايات المتحدة الامريكية التي دافع فيها عن الأدخار باعتباره فضيلة ودأبه على ترداد الامثال التي تقول ان قرشاً ادخرته هو قرش كسبته..

لكن الأمور انقلبت فيما يخص الموقف من الادخار عندما ظهرت النظرية الكينزية على يد كينز في الثلاثينيات على أثر ازمة الكساد العظيم.

لقد دعى كينز الى زيادة الانفاق الشخصي والحكومي واعتبر الادخار عملاً ضاراً تَجبُ محاربته لانه يخفض من الطلب الكلّي الفعّال وبالتالي يلحق الضرر بالنمو الاقتصادي والتشغيل.

ودعى الحكومة الى زيادة الانفاق العام عن طريق العجز المتعمّد لزيادة الطلب الكلي.

والغاية من إحداث عجز مُتعمَّد هي ان يكون التوسع في انفاق الحكومة ليس على حساب انفاق الافراد (القطاع العائلي)، بل عن طريق الاصدار النقدي..

لذلك تلجأ الحكومات (من خلال السلطات النقدية) الى خفض اسعار الفائدة واحياناً جعلها سالبة لعدم تشجيع الأفراد على الادخار ..

الدول الرأسمالية كلها لازالت تتبع المنهج الكينزي في أطاره العام للخروج

من ازماتها، وحُزَم الإنقاذ التي تعلنها والتي هي بالترليونات من الدولارات، كلها تأتي عن طريق الاصدار النقدي وليست عن طريق المصادر الحقيقية المعروفة والتي من ابرزها الضرائب.

فلو فرضت ضرائب ثقيلة لتمويل هذا الانفاق الجديد، لكانت النتائج كارثية على قطاع الاعمال والقطاع العائلي حيث الجميع يعانون من تأثير الأزمة .

فالحكومات التي تعاني من عجز مُزمن في ميزانياتها ودَين عام هائل، لايمكن ان تُعلن عن برنامج انقاذ ضخم وبشكل فوري وتبدأ بارسال الشيكات الى العوائل، الّا أن يكون ذلك ممولاً عن طريق الاصدار النقدي . والاصدار النقدي لدى تلك الدول ليس فوضوياً كما حصل في العراق اثناء الحصار في تسعينيات القرن الماضي، حينما اصبحت طباعة العملة عملية لامركزية وتقوم بها اكثر من جهة وبشكل مأساوي وفاضح، بل هي عملية اقتراض من البنوك المركزية تكون دَيناً للبنك المركزي في ذمة الحكومة.

الاصدار النقدي يشبه عملية طباعة العملة في بعض البلدان النامية ولكنهم لايحتاجون مثل البلدان النامية،الى طباعة اوراق وانما الى مَنِح حقوق مالية وهي نفس فكرة وفلسفة الطبع كما حصل في العراق أثناء الحصار . حيث ان العادات النقدية لدى الأفراد في الدول المتقدمة تعتمد على البطاقات الأئتمانية وعدم التعامل بالدفع النقدي المباشر . ذلك يجعل حصة العملة في التداول من مجموع عرض النقد تقل عن ٣٪؜ او ٢٪؜ في بعض الدول. لذلك يكفي ان يصل الفرد اشعار بان لديه رصيد في حسابه مقداره كذا من الأموال لكي يبدأ بالانفاق من خلال بطاقته دون حاجة لسحب الاموال، حيث ان حيازة الاموال تعتبر عملية خطيرة ناهيك عن عدم الحاجة اليها..

كما ان الدفع النقدي يكون تسهيلاً للتهرب الضريبي لذلك فالسلطات تشجع استخدام البطاقات لضمان السيطرة على عمليات المكلفين بالضريبة. ومن لايمتلك مكائن الدفع بالبطاقة لايستطيع العمل لانه لايستطيع ارغام الناس على التعامل بالنقد.

يقول كينز: "كلما كنا اكثر اخلاقية كنا اكثر ميلاً للادخار، كلما كنا اكثر ارثوذكسية في ماليتنا الشخصية والوطنية، انخفض دخلنا ."

انه هجوم ساخر على ارثوذكسية آدم سمث الذي اعتبر الادخار فضيلة .. في حين يقول كينز انه يخفض الدخل .

بول سامويلسون أحد اكبر الكينزيين كان سعيداً بهجوم كينز هذا على ارثوذكسية سمث وقبله فرانكلين.

وقال سامويلسون: "ان ماهو جيد لكل شخص على حدة ليس من الضروري ان يكون جيداً للمجموع، كما ان فضائل فرانكلين القديمة الخاصة بالادخار قد تكون رذائل اليوم".

 

د. صلاح حزام

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم