صحيفة المثقف

ناجح المعموري: داخل المكان للكاتب جمال العتابي

2205 جمال العتابيالذاكرة.. روح المكان ودلالته

لم يكن صعباً الدنو أكثر من المكان، لأن المهتم به عارف له. بلوذ به وجمالياته. ويسجل كل صفاته الجميلة، المهمة والصامتة/ الصارخة، الملوثة، بالهامش فيها لكن كل الامكنة جماليات، اللغة تمنحه السمو وتعدد الألوان والايقاعات مثلما

اكتشفت في حديث جمال العتابي وهو يدنو الى الاماكن ويملأ ما فيها من فضاءات بكائنات تعرف عليها جيداً.

ونجد بأن د.جمال العتابي يمنحها جماليات الذاكرة وقوة المتخيل، بحيث تزدحم الاماكن بالشعرية، لأنها لن تتسامى بعيداً عن ايقاعات الجمال والشعر.

وتذهب ذاكرة المتلقي الى معارف العتابي الجمالية، هو فنان يزيل تشوهات المكان ويقود اليه الأسماء.

التي صاغتها ذاكرات الامكنة، وجعلت من تلك الاسماء حضوراً، مضافاً لحقائق متخيلات تمتد عميقاً في الماضي. وكأن العتابي يتوسل بالأماكن القديمة والمدن الصغيرة من أجل توصيف مستقبل جديد.

هذا مستقبل نحلم به دائماً، ونحمله معنا، لأنه منتظر وسيظل يرنو نحو زمن البدئية الاولى، الطفولة التي يتباهى بها الحلم... طفولة الجمال والجوع والفقر، لكن كل ذلك. يقودنا الى رسم توصيفات. نمنحها للمكان مثلما نريد له أن يكون جميلاً.

كان جمال العتابي مخلصاً، وهو يلتفت للوراء، ويضع عقله شاهداً، ليقول ما يستحقه مظفر النواب/ غانم الدباغ/ سعدي الحديثي... ذاكرته خزان فيه المهابة يستدعي كل ما قاله جمال من مرايا أو كسر مرايا للذات، التي رآها موزعة عليها، يلتقطها ويرى فيها وعليها كل ما كتبه ولم يذهب الى مسح غبار الماضي عن المرايا، لأنه يرى عميقاً وبوضوح تام.

لايستطيع القارئ لكتابه الجديد أن يتجاهل الحضور الحيوي للكائنات ذات العمق الاجتماــثقافي عبر بها عن حيوية تاريخ وقوة شعرية للمستعاد، لأنه يدرك المكامن الخاتلة فيها. يستدعيها من مخاتل الماضي ويعيد تلوينها بما يعشق من الالوان ويدنو اليها، لأنها تمثيل له.

كل واحدة من شخصيات الاماكن التي عرفها أو عاش معها، ترسم لنا ظلال جمال أو تمنحنا طاقة استذكار تاريخ علاقة معه. لكني لم أجد سرديات النكتة التي عرفاناها لديه.

ولا أدري سبب ذلك لان العتابي مقترن بالنكتة لمرويات باقية مختزنة في ذاكرته، مصاحبة لأسماء حافظت على رمزيتها حتى هذه اللحظة.

وأنا واثق بأن جمال أمين وله ذاكرة حافظة تمنحنا روحاً تلوذ به لكائنات عاشت كثيراً وعانت، لكن للأسف ذاكرة الثقافة تنسى، ولذا كم من الرموز لاذت بصمت الثقافة.

كل الذين عرفهم العتابي هم بعض حي وجوهري من ذاكرته. حتى حسن العتابي اختصر مكونات أسرة كبيرة من الابناء. وهو الذي منحهم كل العناصر المكونة لهم. وبرزت وظائفهم المميزة لهم.

المكان أرواح ودلالات وليس المدن فقط

لأن شعرية الريف هي الروح الباقية والقانعة بالاستعادة والحضور بكل ما يمتلك من طاقات. لذا وجدت الملاذ الثقافي في كتاب د.جمال العتابي "داخل المكان/ المدن روح ومعنى/ هي الباقية، حاملة تجوهراتها وكأنه يومئ لنا، بأن الماضي مستعاد ملوحاً لنا، كي يكون في عتبة الحاضر والمستقبل.

لغة جميلة، شفافة، يقظة، تستل المرويات البليغة، العميقة، يمنحها شفافية لغته، يغطيها بألوان توصيفاته، فتبدو لنا مبتكرة، مقبولة حتى بفجيعتها وصدقها، مثلما حصل مع غانم الدباغ، هذا

المعلم الذي كنت وفهد الاسدي نلتقيه يوم الخميس ونقرأ القصص لثقافة الطريق، ونسجل ملاحظتنا عليها. نحن الشباب آنذاك وهو الرمز المهم.

يبتسم لما نقوله أنا وفهد ويذهب لتأكيد ما هو محقق بالأكثرية.

عرفنا آنذاك مأساته... على الرغم من غيابه، كان حاضراً في كل كسر المرايا التي تعيش في الذاكرة وخزانها وارادتها.

شعرت بالحزن وأنا أقرأ ما كتبه جمال العتابي، لكن يفترض به الانتباه للتداخل بين الكائن الحاضر والموجود وبين الغائب.

قرأت الكتاب واستمتعت به كثيراً وأدعو لمن لديه ذاكرة عتابية أن يقدم لنا مثل هذه السرديات.

 

ناجح المعموري

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم