صحيفة المثقف

كريم المظفر: السكين التركي أعمق وأعمق في ظهر روسيا

كريم المظفرمن باب الأمانة الفكرية، استميح العذر لأحدى الصحف الروسية كوني قد اخترت ذات العنوان لمقالنا، الذي تناول تصريحات الرئيس التركي طيب رجب أردوغان ، خلال المؤتمر الصحفي المشترك مع نظيره الاوكراني فلاديمير زيلينسكي، والذي كان فيه رئيس تركيا هو العازف المنفرد، بتصريحات فاجأت الأوساط السياسية والبرلمانية والمحللين السياسيين الروس، وكذلك الصحفيين الذين حضروا هذا المؤتمر الصحفي، والتي وصفوها بانها تصريحات صممت خصيصًا لجذب انتباه الصحفيين.

المراقبون الروس يرون ان الرئيس التركي، الذي وصف الرئيس الأوكراني بأنه صديق (كما يسمي الرئيس بوتين)، أعرب عن الموقف المبدئي لبلاده، بان أنقرة الرسمية غير مهتمة بتزايد التوتر في المنطقة، وهو ما يمكن تفسيره على أنه إدانة لروسيا، التي تتواجد قواتها العسكرية داخل أراضيها في المناطق المحاذية لأوكرانيا، وقال الرئيس التركي: "نعتقد أنه يمكن حل الأزمة الحالية بالوسائل الدبلوماسية السلمية على أساس مبادئ وحدة أراضي أوكرانيا والقانون الدولي" "وإنهاء احتلال جمهورية القرم المتمتعة بالحكم الذاتي ومدينة سيفاستوبول، وكذلك الأراضي في منطقتي دونيتسك و لوغانسك".

وأدلى الرئيس أردوغان، خلال محادثات بين قادة أوكرانيا وتركيا، بعدد من التصريحات المتضاربة، من وجهة النظر الروسية، فانه من ناحية، دعا إلى تنفيذ اتفاقيات مينسك التي اعتبرها بانها الأساس لتحقيق السلام في المنطقة ودعا إلى السلام في البحر الأسود، ومن ناحية أخرى، رفض أردوغان مرة أخرى الاعتراف بشبه جزيرة القرم على أنها روسية، وأيد فكرة عضوية أوكرانيا في الناتو، تلقته الأوساط الروسية ومنهم رئيس اللجنة البرلمانية في القرم للدبلوماسية الشعبية والعلاقات بين الأعراق، يوري غمبل الذي اكد بالقول "أردوغان، إذا كان سياسيًا حكيمًا وشجاعًا حقًا، يمكنه القدوم إلى شبه جزيرة القرم "، باعتبار ان شبه جزيرة القرم منفتحة، وان روسيا تسعى الى إجراء حوار مفتوح مع جميع الدول، وبناء علاقات حسن الجوار، لكن، بحسب غمبل " لسوء الحظ، من جانب أردوغان حتى الآن لا نسمع سوى تصريحات قصيرة النظر ومهينة لشعب القرم ".

لقد ذكر الرئيس أردوغان عبارة "تتار القرم" عدة مرات في خطابه، وان تركيا مستعدة للمشاركة في مشاريع بناء المساكن لممثلي هذه المجموعة العرقية الذين انتقلوا إلى الأراضي الأوكرانية، في وقت كان رئيس أوكرانيا في الآونة الأخيرة حذرا للغاية بشأن تتار القرم كحلفاء في عودة شبه الجزيرة، ولم يرد ذكر لأي استقلال ذاتي لهم حتى في استراتيجية إنهاء احتلال شبه جزيرة القرم، التي اعتمدها مجلس الأمن القومي والدفاع الأوكراني في مارس / آذار، بعدها تدارك الامر أردوغان، واعرب على الفور عن دعمه لتطلعات كييف الأوروبية الأطلسية، ووعد أيضًا بتعزيز التنسيق بين البلدين على غرار وزارتي الخارجية والدفاع، وتأكيد دعمه لـ "منصة القرم"، (التي اقترحها الرئيس الاوكراني والمخصصة لتوحيد أراضي أوكرانيا، وأعلنت الولايات المتحدة فقط عن استعدادها للمشاركة فيها، على الرغم من ان الدول المطالبة بعودة القرم تشمل بريطانيا وكندا وفرنسا وعدد من الدول الأخرى )، وتمنى أن تصبح هذه المنصة حلاً لتتار القرم وأوكرانيا، مع التشديد على أن التعاون العسكري الأوكراني التركي الذي يتطور بشكل نشط وطويل الأمد ليس موجها "ضد دول ثالثة"، ولا يمكن أن تكون هذه الفقرة مضللة: فالتعهد بالضغط من أجل قبول أوكرانيا في الناتو لن يستقبله الكرملين بشكل جيد بالتأكيد.

ولم تمر تصريحات الرئيس التركي بالنسبة لروسيا مرور الكرام، فقد طالب نائب دوما الدولة الروسي ميخائيل شيريميت، الرئيس أردوغان، بتخفيف حماسه وعدم النظر إلى الأراضي الروسية، وشدد على انه بالنظر إلى خطاب أردوغان العدواني، " أعتقد أننا يجب أن نفكر في حث مواطنينا على الامتناع عن السفر إلى تركيا، حيث لا يمكن لأحد أن يضمن سلامتهم هناك"، وكانت الاستجابة الروسية سريعة لمثل هكذا مطلب واتخذت موسكو خطوة فورية بتقليص عدد الرحلات الجوية النظامية و المستأجرة إلى تركيا ( التشارتر) اعتبارا من 15 ابريل الجاري، وأن الرحلات بين البلدين ستقتصر على رحلتين عاديتين أسبوعيا بين موسكو واسطنبول على أساس متبادل، وان أكد الكريملين ان هذا الاجراء مرتبط بالوضع الوبائي الصعب في تركيا ، ويأتي لمنع استيراد طفرات جديدة من فيروس كورونا من هذا البلد، الا ان هذه التصريحات أعطت أسبابًا للعديد من وسائل الإعلام لبدء موجة جديدة من التصريحات حول طعنة في الظهر من حليف مفترض، وحساب خيارات الانتقام - من إغلاق الطرق السياحية إلى رفض التدفق التركي .

كما ان السناتور أليكسي بوشكوف، أكد انه في الظروف التي يمكن فيها لأوكرانيا استخدام الطائرات بدون طيار التركية في اتجاه واحد فقط - ضد جمهورية دونباس ولوغانسك، والتي في حالة العدوان الأوكراني ستحميها روسيا، فإن البيان بأن توريد الأسلحة التركية "ليس موجهًا ضد دول ثالثة" تبدو كاذبة وساخرة، وانه لا يمكن احتساب هذه "الانتقادات" تجاه أنقرة - كلمات جوفاء، فالتعاون العسكري مع أوكرانيا مع أي بلد موجه حتما وحتميا ضد روسيا، وهذا واضح سواء مع "المنحنيات" أو بدونها.

تصرفات الرئيس أردوغان بأنها "سياسة شرقية كلاسيكية"، كما وصفها بدوره عالم السياسة في كييف ميخائيل بوغريبنسكي، وانه لا تناقض في تصريحاته، لأنه يحاول المناورة بين لاعبين خارجيين كبار، على سبيل المثال، إذا كان من المهم لأردوغان الحفاظ على علاقة مقبولة مع بوتين، فإنه يتحدث عن دعم اتفاقيات مينسك، وقال بوغريبنسكي: "إذا كان من المهم بالنسبة له الحفاظ على تصدير الطائرات بدون طيار، فيمكنه أن يقول شيئًا ممتعًا لزيلينسكي"، أما فيما يتعلق بالدعم المزعوم لعضوية أوكرانيا في الناتو، فإن هذه الإشارة لا توجه إلى روسيا بقدر ما توجه إلى ألمانيا وفرنسا.

وترى بعض وسائل الاعلام بان هذا فهم خاطئ للمصالح الوطنية للدول في السياسة الخارجية، وهو ما يميز ثرثرة المطبخ أكثر من فهم السياسة الحقيقية، ولا ينبغي لأنابيب الغاز من روسيا، والطرق السياحية، وحتى إمدادات إس -400 أن تزرع الأوهام حول إمكانية دمج تركيا في قناة أهداف السياسة الخارجية لروسيا، فتركيا، في فلك الولايات المتحدة، أما بالنسبة لروسيا، فبعد انهيار الاتحاد السوفيتي، فإن المطالبة بذلك من تركيا أمر أكثر غباءً، ويرون بان أردوغان ليس صديقًا ولا حليفًا، ولم يقل هذا أحد من قبل، وان تركيا وروسيا تسعيان إلى تحقيق أهدافهما الجيوسياسية في الساحة الخارجية، وهنا لا أحد يطلب شيئًا من الآخر ولا يفرض شيئًا ولا سيما بالقوة او التهديد، فلا ضرر من تصريحات أردوغان لروسيا، إذا باع أي شيء لأوكرانيا، فإن " الشقيق" لوكاشينكا سيبيعها أكثر، رسميا، كلهم مستقلون وذو سيادة، لكن أردوغان لا يتجاوز الأعلام، وهذا هو الشيء الرئيسي بالنسبة لروسيا.

وبصفتها عضوًا في الناتو، لا يمكن لتركيا أن تتخذ فجأة موقفًا مؤيدًا تمامًا لروسيا، علاوة على ذلك، تتصرف مثل قمرها الصناعي أو حتى تابع لها، ومع ذلك، تمتنع تركيا عن المواجهة المنهجية مع روسيا، وان تضارب المصالح يتم تسويتها في إطار إجراءات التفاوض، وبالنسبة لروسيا فإن هذا يصب في المصلحة الوطنية، وفي شبه جزيرة القرم، لا يتسلق أردوغان حقًا - ولن يتسلق، طالما أن روسيا قوية وتتحكم في كل شيء، وإذا ضعفت، فسيصعد الجميع هنا، وليس تركيا فقط تعتبر إمدادات الغاز عبر تركيا مهمة حقًا لروسيا، ليس للإمدادات التركية، ولكن كطريق التفافي إلى أوروبا بدلاً من أوكرانيا، وقد حققت روسيا هذا الهدف.

كما أثار الإعلان المشترك الذي أعقب المحادثات بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، والذي بموجبه دعم الزعيم التركي فكرة انضمام أوكرانيا إلى الناتو، غضبًا بين مستخدمي الإنترنت الروس، فمنهم من يرى ان الرئيس التركي مرة أخرى قد اشهر بسيفه من خلف ظهره، ويبدو هذه المرة أنه لن يتناسب مع الجزء الخلفي من روسيا، ولكن في مكان ما تحت الظهر، بحسب احد المدونين، في حين ذكّر عدد من المعلقين الزعيم التركي بأن روسيا هي التي مدته يد العون عندما قرر خصوم أردوغان السياسيون القيام بانقلاب، وكتب ديمتري ك " أردوغان، السلطان الفاشل، يلعب "برشاقة"، لقد نسي كيف أخرجته روسيا من مؤخرته أثناء الانقلاب " ، وكان هناك أيضًا من طالبوا القيادة الروسية بالتوقف عن الأمل في إقامة علاقات جيدة مع جارتها التركية، وأن تدرك أخيرًا أن أنقرة تشكل تهديدًا خطيرًا لروسيا الاتحادية، وإن السلطات الروسية بحاجة ماسة إلى إنهاء أي علاقات مع الأتراك، فهم خونة بحسب تدويناتهم، وإنهم لا يقدرون روسيا الصديقة، بل يتصرفون مثل البرابرة ، " كلما حاولنا بناء علاقات معهم، كلما قاموا بإلصاق سكينهم بظهرنا! "، كتب إيغور ك.

الدعوات لتحطيم الأواني ومعاقبة تركيا لن تؤدي إلى النتيجة المرجوة، من وجهة نظر العديد من المحللين الروس، والتي برايهم قد تضر بالمهام الجيوسياسية الروسية، وهذه المهام أكثر طموحًا من العلاقات مع تركيا، وان عدم القدرة على ملاحظة هذا إما يتحدث عن سوء فهم للسياسة، أو يخون محرض، وبعد كل شيء، فان دفع روسيا إلى صراع مع تركيا ممكن فقط من أجل تفاقم الاصطفاف قبل الانتخابات لصالح الغرب، ومن أجل التأثير على موقف تركيا، وان روسيا تمتلك أوراق رابحة وخطيرة للغاية، وما عليها سوى تطبيقها في الوقت المحدد وبجرعات مناسبة.

 

د. كريم المظفر

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم