صحيفة المثقف

جمال العتّابي: لناقدة العراقية فريال جبوري غزول.. تُثري بمنجزها البلاد الغريبة

جمال العتابيلم أجد بأساً في التوجه بالسؤال لأحد الاساتذة الأكاديميين المتخصصين في الأدب والنقد العربيين، عن ناقدة عراقية، اسمها فريال جبوري غزول، كونها من أوائل النقاد العرب الذين تمثلوا النظريات النقدية الغربية الحديثة، البنيوية، وما بعد البنيوية، كما لم أتفاجأ  بجواب الأستاذ عدم معرفته الأسم، لأن المشكلة لا تكمن فيه، والإجابة أو عدمها ليست هي المعيار الصحيح في تقييم الكفاءة المعرفية، فهذا الأمر يحتاج إلى تفصيل وإنارة تكشف أسباب القطيعة مع الثقافة في الخارج، وليس لدي أدنى شك في موهبة الاستاذ وتمكنه من تخصصه، وتميزه على اقرانه في هذا المجال، فهو من من جيل توترَ، وقاوم، وتأوه، وصبر، وتحمل عذاب الحصارات بعيداً عن مخاضات الإبداع العالمي ، فالأزمة الحقيقية تتمثل ببعد المسافات المعرفية، بين جيلين من المثقفين، جيل أتاح له الإستقرار خارج الوطن، التعرف على التحولات الثقافية الجديدةفي العالم بيسر وسهولة، وجيل آخر ظل يقاوم في البحث الشاق عن الإضاءة في المعاني الجديدة، وتراه مدفوعاً بسبب الإنقطاع القسري، إلى التسامي عن مأزق القصور المفروض عليه، وحين تغيب حرارة البحث، تنعدم الأسئلة، ثم يبدأ المثقف تحاشي النظر إلى المرآة، خشية أن يرى نفسه منفياً.

فريال جبوري غزول المولودة في الموصل عام 1939، درست في الموصل وفرنسا، وإنگلترة، والولايات المتحدة، نالت شهادة الدكتوراه في الأدب المقارن من جامعة كولومبيا عن إطروحتها (شعرية ألف ليلة وليلة) بإشراف الدكتور أدوارد سعيد، صدر لها العديد من الكتب، ونشرت العشرات من الأبحاث والدراسات، في مجلات عالمية وعربية، باللغات الثلاث، العربية والإنگليزية والفرنسية.

إستطاعت فريال جبوري أن تبني عالمها الخاص، ولنقل لغتها الخاصة، في الكتابة بمستويات واجناس أدبية متنوعة، إلا انها انصرفت للتعريف بمنجز أدوارد سعيد، وقدمته للقارئ العربي في مقالتها المنشورة في مجلة فصول عام83، عن كتابه (العالم والنص والناقد)، قبل ترجمته إلى العربية، وأسهمت غزول في تشكيل وعي جديد في الأدب، وبالدرس النقدي العربي، وفي الترجمة كذلك، الأمر الذي يدعو المؤسسات الثقافية الغربية والعربية، الإحتفاء بها، لما تحمل كل هذا القدر من المعرفة، لتنتقل إلى المكان الأبعد والأعمق في البحث والدرس والكشف، وهكذا أتيح لها أن تضاعف من وتائر إنتاجها الغزير في النقد، فكتبت عن (الريادة في الرواية، ثلاثية الخراط)، وكتبت عن تجليات الجنس في الرواية العربية، وتابعت كتابات أحلام مستغانمي، ودرست لغة الضد الجميل في شعر الثمانينات - الإنموذج الفلسطيني-، وترجمت لأودنيس، ومحمود درويش، وأمل دنقل، كما ترجمت (النظرية النقدية) لمجموعة من النقاد، منهم ادوارد سعيد، وألتوسير، وترجمت عن الفرنسية دراسات عن فلوبير، وشهرزاد ما بعد الحداثة، والرواية العراقية القصيرة.

هذه الحقائق الأولية عن منجز غزول، تقودنا إلى النظر والتأمل في هذه التجربة، التي تحتفي بها دولة المغرب، وتنال الجوائز من الإمارات العربية، فالدكتورة فريال، ظاهرة نقدية بلا شك، وفكر نير متجدد يحمل الكثيرمن صفاء الروح والعقل، وهما عدّتها ومادتها، تفرّدت بتأنيها ودقتها في البحث، فضلاً عن موقفها الإنساني المنحار إلى قيم الجمال، وهي حالياً أستاذة ورئيسة الأدب الإنگليزي المقارن في الجامعة الأمريكية في القاهرة، ومن المؤكد ان فريال إحدى الكاتبات المثيرات للجدل، فلها إمتياز إقتحام القناعات المتأصلة فينا، ولأن الحداثة عندها تعتمد المعرفة العقلانية، إلى جانب الإرادة والحرية، إن حداثة أي مجتمع، برأيها، مرهون بعقله، وبناءً على ذلك، فالكاتب مؤسسة عقلية وإبداعية، تمتلك خزيناً من المعارف والرؤى، مهمته تبدأ في إنجاز فعل إضافي، ومن دون هذا الإنجاز، تظل تلويناً مكرراً لما هو قائم، وقد أدركت فريال هذه المهمة، لذا فأن هاجس الحداثة يسكنها بشكل معلن، تختصره بعبارات بليغة، وجمل ذكية، وبإسلوب رشيق.

أمام ثراء هذا المنجز الإبداعي الذي ينطلق كالنجوى على البعد، للوطن، انه إحدى المآثر اللاتي لا تغرب عن أفق العراق، والعراق، هكذا كان ومازال يتحاشى ان ينصف مبدعيه.

 

جمال العتّابي

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم