صحيفة المثقف

بدر الدين شيح رشيد: الرؤية الحضارية الاسلامية المعاصرة للتعاون بين الأمم

بدر الدين شيخ رشيد"تضامن الحضارات"

تنطلق رؤية الحضارة الإسلامية للتعان بين الأمم، من مفهوم وحدة الإنسان، وأنه كائن واحد خلق من آدم، وأنه مستخلف في الأرض، كما تنطلق بوحدة رسالة الإنبياء في التوحيد، وبالتالي، جعل الله الإختلاف سنة كونية إلهية، مفادها للتعرف فيما بينهم من مشتركات الأخلاق والأعراف والمتباينات فيما بينهم. فمن خلال التعرف بين القبائل والشعوب والأمم، تنتج الحضارات، لأن الحضارات تتولد، بحيث كلما ضعفت حضارة تقوم أخرى. فالحضارة الأقرب إلى التقوى هل الأكرم عند الله وأبقى. كما يدعو الإسلام إلى وحدة البشر، والعمل تحت شعار البر والتقوى والإحسان. فالحضارة الإسلامية تقوم بين علاقة الله بالأنسان. فالقرآن يبدء في سورة الفاتحة بالحمد لله، ويختم بسورة الناس بلفظ الناس، كما قال المفكر علي شريعتي. فالحضارة إذن، تقوم بعلاقة تتكون: بين الله، والعالم، والإنسان والعقل.

فرؤية الحضارة الإسلامية للتعاون بين الأمم تنطلق من خلال مناقشتنا في هذا المقال من ثلاثة محاور أساسية:

المحور الأول: مراجعة المسلمين مفهوم آليات حضارة الإسلام روحا، وطبيعة، وإنسانا، وعقلا.

المحور الثاني: مجالات تعاون الحضارات وتضامنها.

المحور الثالث: الحوار والمقاومة.

المحور الأول: تنطلق مراجعة المسلمين بمفهوم آليات حضارة الإسلام روحا، وطبيعة، وإنسانا، وعقلا. وقد عبر عنها المفكر مالك بن نبي: إنسان- تراب- زمن- حضارة.

فلكل حضارة دائما، تقوم بإندماج هذه العناصر الأربعة الأسياسية:الروح، والطبيعة، والإنسان، والعقل. فالروح هو الإيمان والدين، والطبيعة هي الآلة القابلة للتعمير، والانسان هو العنصر الممثل بالمركزية والرابط بين الروح والطبيعة والعقل، والعقل هو المكون الأول للحضارة والموجه لأستمراريتها. فهي أربعة عناصر أسياسية لقيام أي حضارة.

فروح الحضارة الإسلامية تعتبر القرآن والسنة النبوية وهي المقصود بالإيمان والدين، فهما يصيغان الحضارة الإسلامية من خلال تفاعلهما بالطبيعة، والإنسان، والعقل.

لكن أصيب بالإسلام منذ صدر الإسلام بالفصل بين نظريته حول الإيمان والدين، والطبيعة، والإنسان، والعقل وبين ما تم تطبيقه في الواقع التاريخي المديد.

فقد أصيب من حيث مفهوم تكوين حضارة الأمة الإسلامية، بعد النبي صلى الله عليه وسلم، كما أصيب من حيث آليات تكوين العقل، والفكر الإسلامي. فقد أصيب المسلمون من حيث مفهوم تكوين الأمة بعد النبي بالصراعات الداخلية التي رافقت الأمة الإسلامية، منذ بيعة أبي بكر الصديق بالسقيفة،والتي أنتهت بقتل علي ابن أبي طالب،و بالتالي، تحول الحكم إلى ملك عضوض إستبدادي.

كما أصيب المسلمون من حيث آليات تكوين العقل والفكر الإسلامي، وذلك بغرس عقيدة الجبر، والغاء دورالعقل، ومبدءالسببية الحتمية للطبيعية في صدر الإسلام، وخاصة في عهد بني أمية.

فبسبب هذا الإنفصال بين نظرية الإسلام حول الإيمان والدين، والطبيعة، والإنسان، والعقل، وبين ما نتج في واقع تاريخ المسلمين، أصبحت حضارة الإسلام من حيث روحها تنحصر ب" نص الخطاب أو التكليف" كما عبر عنها يحي محمد، (هو مفكر وباحث عراقي معاصر من مواليد 1959م). ويقصد بنص  الخطاب، التكليف الشرعي وهو: الواحب، والمحرم، والمندوب، والمكروه والمباح، ومن هنا نفهم من أن خطاب حضارة الإسلام إنحصر تطبيقيا، في دائرة الفقه.

ومعنى هذا، فقد ألغي في الخطاب القرآني والسني النبوي، نحوأيات التعقل، والتفكر، والتدبر، للكون.

وقد جاء هذا الإنحصار في مفهوم بنية الحضارة الإسلامية بنص الخطاب أو التكليف الشرعي، بعد تعاون حكام المسلمين المتسبدين ببعض العلماء والفقهاء وإبعاد الفلاسفة والمفكرين، حيث لصقوا بهم ألقابا شنيعة مثل المبتدعة والزندقة والكفر، بحجة التخلص منهم، وبالتالي، أصيب في الحضارة الإسلامية بالجمود الحضاري، والإنحطاط الفكري، والتخلف، والخمول، والتطرف، والإنعزال، والرهبانية، والعلمانية وأحادية المعرفة[1].

ومن أهم مراجعة آليات الحضارة الإسلامة إعادة قراءة كافة أنواع العلوم المختلفة التي أنتجت علماء المسلمين في جميع العصور المختلفة القديمة والحديثة، كعلوم الفسلفة، والأخلاق، واللغة، وعلم الكلام، وعلم النفس، وعلوم الكون، إضافة إلى ذلك بالإستفادة مما أضافته قريحة رواد فلاسفة الغرب المعاصرين من العلوم العقلية والفلسفية.

المحور الثاني: مجالات تعاون الحضارات وتضامنها:

تنطلق رؤية الحضارة الإسلامية بإيمانها العميق بفلسفة وحدة الإنسان، وآنه خلق من أصل واحد، وهو أبو البشر أدم عليه السلام، وأن الإنسان مستخلف عن الله في تعمير الأض. هذا، وأن الحضارات تعمل وفق السنن الكونية الألهية كالثبات والإطراد، والعموم، والتغير، وسنن التدافع الحضاري. كما تؤمن بالتنوع، والإختلاف، حيث جعل الله الإختلاف والتنوع من سنن الكونية الألهية. كما تنطلق رؤية الإسلام نحو تضامن الحضارات من مبادئ التعاون بين الإنسان بالبر والتقوى والإحسان. وإنطلاقامن هذه المبادئ الإسلامية الأصيلة في روح الإسلام، يوجد مجالات عديدة يمكن التواصل والتعاون والتضامن، بين الحضارات وخاصة بين الحضارة الإسلامية والغربية ومنها:

مجال بث القيم والأخلاق الحسنة في الحضارة الغربية ومن أهما: القيم الإخلاقية والرحمة والضمير. فالحضارة الغربية حضارة مادية تؤمن بالهيمنة،والبطش، والقوة، والتعالى على الأخر.

مجال طرق البحث في المعرفة، كالمذهب العقلي، والمذهب التجريبي،والمذهب الحسي، والمذهب البراكماتي، بالمقارنة مع المناهج الذي إستعمله المسلمون للوصول إلى الحقائق، كمنهج البياني، والعرفاني، والبرهاني.

مجال في القصيايا المشتركة بين الحضارات، وخاصة الجوانب الإيجابية في كل حضارة بحيث يستفيد المسلمون الجوانب الإيجابية من الديمقراطية، كما يستفيد الغرب من جانب المسلمين الإيمان الصحيح، فهو الذي يزرع في نفوس الغرب الطمأنينية.

مجال مبدء حوار الحضارات، لأن الاسلام يؤمن بالحوار بدل الصراع والتصادم بين الحضارات. أنطلاقا من قوله تعالى:(قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) البقرة:111 .

مجال مسألة مكافحة الإرهاب والتطرف لأن الإرهاب والتطرف أصبح خطرا عالميا، يهدد العالم كلي. ورغم أن الغرب هو الذي يغذي ويمول التطرف، بيد، أن كلا من العالم الإسلامي، والغربي عليهم، مواجهة التطرف والإرهاب فكريا وعسكرا.

مجال حقوق الإنسان من الحرية والمساواة والعدالة الإجتماعية.

مجال تبادل المصالح وهي- كما يقول آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله- طبيعية قائمة على دراسة تجرية الآخرين سواء في المجالات العلمية أو العملية، أو الفكرية، وبالتالي، فعلى المسلمين مقارنة هذه التجارب وبين الخطوط الإسلامية، فإن وجدنا في الغرب ما ينسجم مع العناوين الإسلامية نستفيد بها ولا نرفض الغرب جملة وتفصيلا.

مجال التعاون في جميع هيئات مجلس الأمم المتحدة، فرغم أن الغرب يستغل بقرارات مجلس الأمم المتحدة، لمآربة ومصالحه الخاصة، لكن ينبغي من جانب المسلمين أن يعملوا في هيئات الأمم المتحدة تحت قيم ومبادئ الإسلام.

المحور الثالث: الحوار والمقاومة:

الإسلام يؤمن بالحوار، كمايؤمن بالدفاع النفسي، والمالي، والعرضي، والوطني. فهو ينطلق من مبدء الحوار والإقناع بالدليل، والحجة، والبراهين العقلية. ومن ثم إذا كان هناك إعتداء، فمأمور عليهم بأن يدفعوا بالتي هي أحسن . فالحوار مع المقاومة تجاه حضارة الغرب اليوم توأمان متلاحمان لا ينفصم أحدهما عن الآخر.

وبما أن الحضارة الغربية اليوم تهمين العالم بقوة وتشجع التطرف الديني، والنعرات القومية، والجاهلية، وتساند إسراسئيل بإحتلال فلسطين، بل تدافع عنها بكل ما أوتي من قوة، فالإسلام يدعو إلى الحوار تارة، والمقامة تارة أخرى، فهما يعملان جنبا الى جنب. فالمقاومة حق شرعي طبيعي لكل مظلوم ومستضعف وعلى هذا، فعلى المسلمين اليوم إسترداد أرض فسطين من إسرائيل.

و بناء على هذا، فالحوار بين المسلمين والغرب، يشمل كافة أصعدة مسائل التوتر القائمة بينهما، كمسائل: مفهوم الحريات، والمساواة، والعدالة، وإشكالية الهوية، والأقليات التي تعيش تحت أغلبة تختلف عنها، إما من ناحية الدين، أو من جهة الأثنية والعرقية. وإشكالية الدين والعولمة، وموازين قوى العالم، حيث أصبح القطب الغربي يقود العالم، ويسعى فرض نفسه على الأخرين. ومسألة حقوق المرأة، والحداثة، والديمقراطية، وإشكالية الدولة الحديثة.

كما أن مفهوم المقاومة يشمل مفهوم مقاومة الغزو الفكري الغربي، كما يشمل المقاومة المسلحة، نحو إسرائيل من أجل إستعادة واسترداد أرض فلسطين المباركة، فما "أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة".

 

الدكتور: بدر الدين شيح رشيد إبراهيم

كاتب واحث: في القضايا الإسلامية المعاصرة

مدير مركز شرق إفريقيا للدراسات والبحوث: مقدشو الصومال

.......................

[1] - د. عبد الحليم عويس، حضارتنا الإسلامية.. من المرض الى النهضة،  النشر: 1-2-2014م،الزيارة: 5-1-2021م، موقع الألوكة www. Alukah.net

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم