صحيفة المثقف

علي رسول الربيعي: الشر والغرض الكوني لله (1)

علي رسول الربيعيالمقدمة: تستخدم مشكلة الشر فرضية أخلاقية شائعة ("إذا كان الله ... فهو ليس خيرًا"). لذلك قد تؤثر نظرتنا حول الأخلاق في كيفية فهمنا لمشكلة الشر.[1]

لنفترض أنك ملحد، بناءً على مشاعر أو بعض النظريات الأخرى، فترفض الحقيقة الأخلاقية الموضوعية. لا يمكنك عندئذ استخدام حجة مشكلة الشر بالطريقة المعتادة المعروفة، حيث لا يمكنك أن تعتقد أو تصدق أن فرضيتها الأخلاقية صحيحة من الناحية الموضوعية.[2] ولكن هناك ثلاث خيارات أخرى على الأقل.

أولا: يتجنب فيلسوف نظرية الخطأ[3] ماكي[4] تأكيد المقدمات التي يمكن مقارنتها بالحقائق الأخلاقية. ويجادل بأن الإيمان بالله الواحد غير متسق في الجمع بين المعتقدات الثلاثة: الله كلي القدرة؛ الله خير تام أو محض. والشر موجود. يتطلب اشتقاق أو استنباط التناقض، كما يقول، مبدأين إضافيين يستندان إلى معنى القدرة المطلقة "و "الخير التام. لكن لألفين بلانتينجا[5] رأيً آخر، إذ يرى أن هذه المبادئ الإضافية مشوهة وأن الصياغة الصحيحة تحجب التناقض. لقد جادل، ايضًا، في اتساق المعتقدات الثلاثة من خلال كشف أن الثلاثة جميعًا سيكونون صحيحين في حالة محتملة موصوفة من خلال صيغة تقوم على تقاليد الثيودسي (وهي صيغة مشهورة وتعني إثبات الخير الإلهي والعناية الإلهية في ضوء وجود الشر). وعليه، يمكننا قبول أن بلانتينجا دحض بنجاح تهمة التناقض التي قدمها ماكي.

ثانيا: تجنب أنتوني فلو[6] أيضًا المقدمات التي يمكن تفسيرها على أنها حقائق أخلاقية. لكنه سأل المؤمنين ما هي التجارب التي ستقودهم، بشكل صحيح، إلى التخلي عن القول أن "الله يحبنا". ورأى أن المؤمنين الذين قالوا إنه لا توجد تجارب ستقودهم إلى رفض هذا، فأنهم يعيدون القول بأن هذا الاعتقاد بلا معنى. طبعًا من الواضح يستند هذا الاستنتاج إلى صيغة من الوضعية المنطقية التي فقدت مصداقيتها الآن. ويمكن للمؤمنين أن يجيبوا، "إذا رأيت أن الله يجعلنا نفعل الشر ثم عاقبنا بشدة إلى الأبد على فعل ذلك، فسنتوقف عن تصديق أن الله يحبنا".

ثالثًا: يمكن أن يعطينا العاطفيون حقائق مزعومة حول كيف أن الله، إذا كان موجودًا، سيكون قاسياً لخلقه هذا العالم، على أمل أن يقودنا هذا إلى قول إن الله يحبنا. لذلك، تتوفر عدة أشكال من اعتراض مشكلة الشر من قبل الفلاسفة الملحدين الذين يرفضون الحقيقة الأخلاقية الموضوعية. ويمكن للمؤمنين الدفاع عن أنفسهم باستخدام ما يعرف بـ الثيودسي الإيرياني. [7]Irenaean theodicy

إن حل نظرية الأوامر الإلهية التقليدية لمشكلة الشر؛ الخير = إن فعل ما يريده الله هو خير بشكل تلقائيً؛ وهي بهذا تستند أخلاقيا على إرادة الله الحكيم والمحب. فتكون القضية هي ما إذا كان عالمنا، سوف ينتصر على عذاباته وبؤسه، فيمكن أن يكون قد خلقه إله حكيم ومحب. والجواب هنا طبقًا لـ  Ireanaea theodicy  سيكون بنعم. لكن. هذا غير قابل للتصديق؛ لا بد أن يكون الشر مشكلة للمؤمنين

اعتبرت نظرية القانون الطبيعي أن البشر يخضعون لمعايير أخلاقية من ثلاثة أنواع: عقلانية وبيولوجية وروحية. كيف ينطبق هذا على الله ومشكلة الشر؟ يرى المؤمنون أن:

المعايير الروحية: قد ينطبق حب الله قبل كل شيء على الله أيضًا، لكن هذا لا ينطوي على مشكلة الشر.

المعايير البيولوجية: من بين القواعد البيولوجية التي تنطبق على البشر، تلك التي تمنع السرقة والكذب والقتل والزنا هي القواعد الأساسية. تستند مثل هذه القواعد إلى تطبيق العقل العملي على الطبيعة البشرية ولا تحتاج إلى تطبيقها على كائن عقلاني آخر. تخيل الملائكة وهم لا يحوزون ممتلكات مثل البشر وبالتالي لا يسرقون من بعضهم البعض، ويعرفون بالفعل كل الحقائق فلا يرتكبون الزنا. الله أيضًا له طبيعة مختلفة تمامًا عن طبيعتنا ولن يخضع لمعاييرنا البيولوجية. هل يمكن أن يكذب الله؟ إنه يتحدث إلينا بشكل غير مباشر فقط. هل يسرق الله؟ لا. أنه يملك الله كل شيء. فهل يزن؟ طبعا لا لأنه ليس جنسيا. هل يقتل الله؟ نعم، أنه يقتل الجميع في النهاية. لكن هذا مطلوب في عالمنا الحالي لإفساح المجال للجيل القادم[8]

لقد اتبع الله معيارًا يناسب طبيعته بوصفه الموجود الأسمى. فقد صمم العالم ليست ليجعل الحياة سهلة أو ممتعة، ولكن بالأحرى ذات مغزى مكثف. وضعنا الله في رحلة مليئة بالتحديات للحياة الأبدية، حيث نكافح ضد الشر لننمو في الحكمة والمحبة. سيكون مصيرنا النهائي أكثر قيمة وذات مغزى لأنه يأتي بعد صراع طويل.

المعايير العقلانية: إن الله، ككائن عقلاني على دراية بالحقائق والوقائع، ولايصدر عنه الكذب، وثابتًا. إنه بصفته كائنًا مثاليًا يستوفي هذا تمامًا. لكن هل يتسق هذا حقًا مع القاعدة الذهبية؟ هل يعامل الله، في خلقه العالم، البشر المعذبين كما يمكن أن يتعرض هو نفسه (أو أي شخص يحبه بشدة) للكثير من الألم والمعاناة من أجل حياة ذات معنى بطولي.

يعتقد المؤمنون أن الكسب الذي يحصلون عليه يستحق الألم من وجهة نظر الأبدية.

 

الدّكتور عليّ رّسول الرّبيعيّ

....................................

[1] أنظر:

Carson, Thomas (2007) "Ontology, realism, and the problem of evil," Philosophy and Phenomenological Research 75: 349-68.

[2] جيم لويس وآخرون يدعون أن أي فرضية أخلاقية تتطلب الإيمان بالحقائق الأخلاقية الموضوعية وبالتالي الإيمان بالله. يتجنب ماكي المشكلة من خلال عدم التأكيد على حقيقة الفرضية الأخلاقية ولكن فقط الإشارة إلى التناقض في نظام معتقدات المؤمن.

[3] أنظر:  الربيعي، علي رسول : نظرية الخطا في الأخلاق  وصلتها بنظرية الأوامر الإلهية

 https://www.almothaqaf.com/a/b12-1/944895    

[4] Mackie, J. L. (1955) "Evil and Omnipotence, Mind 64: 20-12.

[5]Plantinga, Alvin (1974) God, Freedom, and Evil. New -York: Harper and Row.

[6] Flew, Antony (1955) "Theology and falsification, New Essays in Philosophical Theology, ed. Flew arts Macintyre, New York: Macmillan,96-99.

[7] https://en.wikipedia.org/wiki/Irenaean_theodicy

[8] Clancy, Tim (201:2.) "Engineering immortality: Radical life extension and its crit­ics," Proceedings of the Jesuit Philosophical Association (2012): 17-32.

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم