صحيفة المثقف

محمود محمد علي: حسين عبد القادر.. عاشق المسرح العربي

محمود محمد عليفقدت مصر والعالم العربي واحدا من أقدر علمائها إلا وهو أستاذ علم النفس و المخرج المسرحي ورئيس جمعية الأطباء  النفسيين العرب ورئيس الجمعية المصرية للتحليل النفسي ومدير مسرح الغد الأسبق ألا وهو الدكتور حسين عبد القادر الذي غيبه الموت بعد صراع مع المرض عن عمر ناهز ال85 عاما، فقد توفي هذا العالم الجليل صباح يوم الثلاثاء الماضي الموافق الثاني من شهر مارس الجاري 2021 وليواري الثري جسده بمدافن العائلة بمقابر السادس من أكتوبر،

والدكتور حسين عبدالقادر من جيل الرواد في المسرح، وواحد من القلائل الذين استطاعوا الجمع بين العلم والفن ، فهو عضو بفرقة المسرح القومي، ومن مؤسسي فرقة مسرح الغد وتولى إدارتها، درس علم النفس بالتوازي مع المسرح، حيث كان أستاذا لمادة التحليل النفسي وأثرها على الدراما، واستخدم المسرح في العلاج النفسي والعقلي باستخدام السيكودراما.

كذلك يعد الدكتور حسين عبد القادر من رواد علم النفس في مصر، لما لا وهو الذي ربط منهج علم النفس بالدراما؛ وتحديداً السيكو دراما، ويعود ذلك الفهم العميق من خلال ربط وتوظيف الدكتور حسين عبد القادر لعلم النفس المتعلق بالشخصية، ومراحل حياتها المختلفة من المهد إلي اللحد، وما يصدر عنها من أعراض مرضية، كالهفوات، والأمراض، والكوابيس، والأحلام، ودراسة مناهج، والمدارس المختلفة لعلم النفس قبل وبعد ظهور العلم، واهتمام الدكتور حسين بتدريس مادة علم النفس، كعلم ثم ربطه بتاريخ الدراما؛ وبخاصة إبراز الحالات والشخصيات المسرحية المتميزة منذ نشأة الدراما عند الإغريق واهتمامه بتدريس ما يسمي بالمنهج النفسي للشخصية من خلال محاضراته العملية الشيقة خلال سنوات عمره مع طلابه من أكاديمية الفنون وكليات الآداب والمسرح الجامعي، لتظل محاضراته عن علاقة علم النفس بالدراما، وشرحه المتميز، والمتعلق بالهفوات، والأمراض، والأحلام في علم النفس مرجعاً مستنيراً لكل الأجيال الدارسة، والمتخصصة في علم النفس، ولدارسي المسرح والفنون، وبخاصة دارسي النقد، والإخراج، والتمثيل، والديكور، وباقي عناصر العرض المسرحي، ولهذا لن ينسي له أبداً تلامذته بأكاديمية الفنون الذين درسوا معه عن قرب عبقريته في تدريس مناهج علم النفس؛ وبخاصة إبرازه للحالات المسرحية النفسية المرضية، وإظهار اعرضاها المرضية، مروراً بكل عصور ومذاهب الدراما، وأشهر كتابها لن ينسي له طلابه له هذا الفضل وهذا العلم، ومع هذا العلم الواسع تميز الدكتور حسين عبد القادر بحسن الخلق، وبالنباهة، والفراسة في علمه، كما تميز الفقيد الراحل بشكره وثنائه علي أساتذته الراحلين في مجال علم النفس والدراما، وعلي رأسهم الدكتور الراحل "يوسف مراد"، كما تميز بالتواضع والقرب من تلامذته، بسبب حسن خلقه، وتمكنه من علمه؛ إضافة إلي خبراته، وثقافته، وآدابه التي تأثر بها أثناء دراسته وتنقله في بلاد وأوربا، وقربه من أشهر علماء ومدارس علم النفس من أجل نقل تلك الخبرات إلي بلده مصر، ناهيك عن زوقه الرفيع وحبه للفنون وانعكاس ذلك علي شخصيته، وعلي تلامذته وكل المقربين منه، وذلك حسب تعبير صالح أبو مسلم .

ولد الدكتور حسين عبدالقادر بحي الحلمية الجديدة بالقاهرة في 4 إبريل 1936،  والتحق بكلية الآداب جامعة عين شمس قسم علم النفس، إلا أنه وفي بداية أعوام الدراسة قام ببطولة مسرحية “سيأتي الوقت”  لرومان روملان من إخراج عبد الرحيم الزرقاني، وفاز العرض بالجائزة الذهبية للجامعات، وفي عام   1962  حصل على ليسانس الآداب قسم علم نفس عام ، وكان قد شارك ببطولة مسرحية “الأب” لأوجستيا سترنبرج” عام1961 من إخراج نور الدمرداش.

وقد أوردت جريدة " مسرحنا"، في عددها 524 الصادر بتاريخ 11سبتمبر2017، فإنه وعقب تخرجه التحق بالمسرح القومي عام 1962، وهو أول جامعي يلتحق بالمسرح القومي  وفي نفس العام أخرج مسرحية  "العادلون" لألبير كامي”  لجامعه الأزهر، وبعدها أشار د. محمد إسماعيل موافي في تقديمه لهذا النص في سلسلة (المسرح العالمي) إلى هذا الإخراج كأحد الأسباب لنشر هذا النص الذي ربما تعترض عليه الرقابة، ويواصل (حسين) تجاربه الإخراجية في (المسرح الجامعي)، فقام بإخراج مسرحية “الكل في الميدان” لجامعه الأزهر 1963، و”الإخوة كارامازوف” لديستويفكي لآداب عين شمس 1966، وفي العام التالي قدم لجامعه حلوان (كلية التجارة) مسرحيتين “بيكيبت -  شرف الله” لجان انوي 1967، و” كوميون باريس” لبرتولد بوريخت 1968، وفي العام التالي قدم مسرحية “كوميديا أوديب” أو  “انت اللي قتلت الوحش” علي سالم 1969،  وفي السبعينيات تتوالى تجاربه الإخراجية في المسرح الجامعي إلى جانب حصوله على رسالة الماجستير في التحليل النفسي، وعنوانها (الفصام) بحث في العلاقة بالموضوع كما تظهر في (السيكو دراما) عام 1973، ويربط فيها ما بين التحليل النفسي والعلاج بأساليب السيكو دراما مؤصلا لهذا الأسلوب في التراث العربي عند ابن سينا، وفي نفس الوقت  مع مزاولته الأداء التمثيلي في المسرح القومي والمسرح العالمي يواصل تجاربه في الإخراج في المسرح الجامعي ففي عام 1974 يقدم مسرحية “الشعلة” لـ كيستورز لجامعه حلوان يتلوها “القصة المزدوجة للدكتور بالي “لبيارو بيوخي  1975، ثم “حالة حصار” 1978 لجامعه حلوان أيضا تأليف البير كامي، “لكع بن لكع “ عن رواية “ يوميات أبي النحس المتشائل” لإميل حبيبي  1979  لمنتخب جامعه القاهرة،  إلي أن يعود لتقديمها بعد ثلاثة عشر عاما لمنتخب جامعه المنصورة، وقام بإعداده عن رواية “الكاتب الفلسطيني”، والذي حشد عشرات الممثلين والمجاميع يزيد عن المائة ممثل في كلا تجربتي جامعة القاهرة وجامعه المنصورة، واستطاع بعد ذلك أن ينقاش رسالة الدكتوراه في التحليل النفسي عام 1985 بعنوان “العلاج الجماعي والسيكودراما دراسة في الجماعات العلاجية لمرض السيكو دراما)، وانتدب ليدرس مادة التحليل النفسي في أكثر من جامعة.

أما عن إسهاماته في الأداء التمثيلي (بما أنه كان رافضاً الإخراج في ظل (المؤسسة)  لاعتبارات الوصاية والرقابة من الإدارة  سواء في المسرح القومي، أو المسرح العالمي الذي انتدب للعمل فيه -لذا كان يفضل العمل في (المسرح الجامعي)– دون هذه القيود فكان يختار تلك النصوص المتمردة الرافضة للواقع، والتي لم تقدم من قبل على خشبات المسرح المصري، وكانت بداية مشاركاته بالأداء التمثيلي في المسرح العالمي في مسرحية شكسبير “عطيل” إخراج حمدي غيث.

وقام بدور كاسيوس عام 1963، وفي عام 1964 شارك في مسرحية “هاملت” شكسبير، إخراج السيد بدير علي مسرح دار الأُوبرا في دور هوارشيو، وعلى نفس المسرح شارك في مسرحية “أنتيوجونا” لسوفوكليس، إخراج سعد أردش عام 1965 في دور الحارس، بالإضافة إلى مساعد مخرج، وفي عام 1966 شارك في مسرحية “الكلمة الثالثة” تأليف إليخاندرو كاسونا، وإخراج أنور رستم، وقام بدور أستاذ علم الأجناس على خشبة مسرح الطليعة، وفي عام 1967 قام بدور أستاذ الفلسفة في كوميديا موليير” البرجوازاي النبيل” إخراج سعد أردش في مسرح الجمهورية، وفي عام 1969 شارك في مسرحية “وطني عكا” تأليف عبد الرحمن الشرقاوي وإخراج كرم مطاوع، وقام بدور الراوي بمشاركة "نجاة علي"، وقام بدور راوٍ آخر في عرض مناسبة رحيل عبد الناصر بعنوان “28 سبتمبر” وقصيدة لأحمد عبد المعطي حجازي عام 1971، وفي عام 1978 يشارك في عرض “السيرة النبوية” تأليف "أسامة أبو طالب" - إخراج "عبد الغفار عودة".

كما قدم كممثل عدداً من العروض المسرحية منها عطيل، هاملت، البرجوازي الصغير وغيرها، عمل مع كبار مخرجي المسرح منهم نور الدمرداش، عبدالرحمن الشرقاوي، كرم مطاوع، سعد أردش، وغيرهم.

إلا أن ظهوره على خشبات المسارح جاء على فترات متباعدة نظرا لانشغاله بالكثير من دراساته الأكاديمية والخاصة بعلم النفس، مثل “جُناح الأحداث والسيكودراما” 1995 (بالاشتراك)، “ التحليل النفسي -  ماضيه ومستقبله” 2002 دار الفكر المعاصر – لبنان، “يونس الصغير في ضوء التحليل النفسي” 2005  – دار أزمنة-  الأردن.

بالإضافة إلى قيامه بدوره النقابي في نقابة المهن التمثيلية لفترتين من 1978 -  حتى 1981 كسكرتير للنقابة، وإلى جانب تدريسه مادة علم النفس في معاهد أكاديمية الفنون ما بين أعوام1985 – 1990، وعضوية لجنة المسرح بالمجلس الأعلى للثقافة، وعضوية المكتب الفني للمسرح القومي 1985، 1990، وكذلك عضويته في الجمعيات العلمية المتخصصة، وفي لجان معهد التليفزيون، وإعداد أوراق بحثية في كثير من المؤتمرات العلمية في مجال علم النفس والفنون مثلما تناول المخرجين (شادي عبد السلام وصلاح يوسف ويوسف شاهين) في السينما على سبيل المثال، وغيرها من الدراسات في الفنون الأخرى، وكذلك حواراته في برنامج “العيادة النفسية” في إذاعة البرنامج الثقافي، ومشاركته في تحرير موسوعة” الطب النفسي العربي” 2000 بيروت.

كذلك أسس (الجمعية المصرية للتحليل النفسي) 2001 لتصبح عضوا في الرابطة العالمية للتحليل النفسي، وعقد لها مؤتمرا دوليا في القاهرة 2008. أما عن نشاطه الأكاديمي في الجامعات المصرية فقد قام بتدريس مادتي التحليل النفسي والتحليل المرضي في جامعتي المنصورة والزقازيق، وذلك خلال الأعوام 1976 – 1990.

وفي هذا الخضم من النشاط المسرحي والعلمي يكلف في نهاية حياته الوظيفية في المسرح بإنشاء (فرقة الغد للعروض التجريبية)، ولم يكن قد تم الانتهاء من إنشاء دار عرض لفرقة الغد، وكتب دراسة بعنوان: (فرقة الغد والعروض التجريبية ورؤى المستقبل) توقف فيها عند محاور ثلاثة هي: غياب الفلسفة، ترهل الإدارة، الأموال المهدرة، رافعاً شعار (المسرح الغني الفقير)، وبدأ العمل بعد تعيينه مباشرة في مايو 1994، في (بروفات) سبع مسرحيات في وقت واحد بعد ورشة فنية درس فيها  أعضاء الفرقة (تدريب الممثل والباليه والسيكودراما بل والعرائس)، والمسرحيات هي: “الليلة نضحك” لميخائيل رومان وإخراج محمد دسوقي، “رحلة الحلاج” لعز الدين المدني وإخراج  د.محمد أبو الخير، “فصيلة على طريق الموت” أو “ كتبية إعدام”  لألفونسو ساستري وإخراج محمد عمر، “ الطريق” لوول سوينكا وإخراج إسماعيل مختار، “ أرض لا تنبت الزهور” لمحمود دياب وإخراج هناء عبد الفتاح، “ فيلو كتيتوس” لسوفكليس وإخراج عاصم رأفت، “المولوية” لمحمد السيد وإخراج  جمال الشيخ.

وأضاف إلى هذه المسرحيات السبع ثلاث مسرحيات وهي: “ملك الغرفة المظلمة” لطاغور وإخراج سامح مجاهد،”بانوراما فرعونية” تأليف مصطفي سليم وإخراج شريف صبحي و”امرؤ القيس في باريس” لعبد الكريم بوشيد وإخراج جلال عثمان، وأقامت هذه العروض (450) ليلة عرض على مدى ثلاثة شهور في أقاليم مصر في طنطا والمحلة والمنصورة وغيرها من الأقاليم، وفي القاهرة في مواقع متعددة، وهي عروض من المسرح العالمي والإفريقي والعربي والمصري، وقد وصلت (د. حسين) برقية بالإسبانية من (ألفونسو سستري)، وكان قد شهد عرض “كتيبة إعدام” في المحلة يعبر عن إحساسه بالفرحة مع عمال النسيج بالمحلة، وهي الرسالة التي أرسلها إلى د.أحمد يونس أستاذ اللغة الإسبانية يشير فيها إلى تأثره بشجاعة (حسين) لتقديم هذا النص، واستطاع د.حسين أن ينشر تلك النصوص لتكون في متناول المثقفين والمهتمين بالمسرح مع بيانات لكل المشاركين في كل عرض.. وبعد صراعات طويلة مع المسئولين، وفي 2 أكتوبر 1995 قدم حسين عبد القادر استقالته بعد صدام عنيف مع البيروقراطية، هذه الاستقالة الأخيرة التي سبقتها استقالتان بسبب المعوقات التي تواجهها الفرقة، وأشار إليها في الصحف.

وواصل د. حسين عبد القادر دراساته في مجال المسرح وفي مجال علم النفس وإن كان قد انقطع نشاطه الفعلي في المسرح منذ خروجه إلى المعاش في إبريل 1996.

لكن "حسين عبدالقادر" ظل لسنوات طويلة يبحث في مشكلات المسرح ومعوقاته و ينقب عن أسباب نهوضه وازدهاره.. دون أن تقعده شيخوخة.. ومكث حتى وفاته يمارس التحليل النفسي، ويعرض لمشكلات المسرح المصري عن عمق ووعي بالحماسة نفسها.

وفي النهاية فإن الكلمات لا تستطيع أن توفي الدكتور حسين عبد القادر هذا المثقف الشامل حقه، صحيح أن هذه الكلمات جاءت متأخرة فكثير ممن يطلقون علي أنفسهم لقب أساتذة لا يعرفون قدر هذا الأستاذ الاكاديمي، فتحية طيبة للدكتور حسين عبد القادر الذي كان وما زال يمثل لنا نموذجاً فذاً للمفكر الموسوعي الذي يعرف كيف يتعامل مع العالم المحيط به ويسايره في تطوره، وهذا النموذج هو ما نفتقده بشدة في هذه الأيام التي يحاول الكثيرون فيها أن يثبتوا إخلاصهم لوطنهم بالانغلاق والتزمت وكراهية الحياة، وإغماض العين عن كل ما في العالم من تنوع وتعدد وثراء.

رحم الله الدكتور حسين عبد القادر ، الذي صدق فيه قول الشاعر: رحلتَ بجسمِكَ لكنْ ستبقى.. شديدَ الحضورِ بكلِّ البهاءِ.. وتبقى ابتسامةَ وجهٍ صَبوحٍ.. وصوتًا لحُرٍّ عديمَ الفناءِ.. وتبقى حروفُكَ نورًا ونارًا.. بوهْجِ الشّموسِ بغيرِ انطفاءِ.. فنمْ يا صديقي قريرًا فخورًا .. بما قد لقيتَ مِنَ الاحتفاء.. وداعًا مفيدُ وليتً المنايا.. تخَطتْكَ حتى يُحَمَّ قضائي.. فلو مِتُّ قبلكَ كنتُ سأزهو.. لأنّ المفيدَ يقولُ رثائي.

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

.....................

1- سمية عبدالمنعم: وفاة د.حسين عبدالقادر ..حدوتة مصرية في الطب والمسرح .. مقال بجريدة الوفد المصرية الاثنين, 01 مارس 2021 23:14.

2- عبد الغني داود : حسين عبد القادر فتي المسرح المتمرد.. مقال بجريدة المسرح العدد 524 صدر بتاريخ 11سبتمبر2017.

3- صالح أبو مسلم: حول رحيل الدكتور حسين عبد القادر.. مقال منشور ضمن في حب مصر بوابة الكترونية .. الأربعاء 3/3/2021 الساعة 8:50 مساء..

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم