صحيفة المثقف

أحمد عزت سليم: كيف نواجه العداء الوحشى الصهيوني؟

احمد عزت سليملقد آل الحال الأن بالقضية الفلسطينية برمتها نحو المحو والاقتلاع من الذاكرة العربية والدولية، تحت عملية غسيل مخ كامل لا يستثنى فيها طفل فى مدرسة أو واعظ فى مسجد أو مثقف أو صحفى كما قال أمريكى صهيونى، بل وأحياناً كثيرة ما تهم هذه الأنظمة لدفع العدو الإسرائيلى بالفتك بهذه القلة الإرهابية علها تريح رؤوسها المتعبة ، ووصل الأمر إلى أن أصبح من المبادىء التى تحكم الاستراتيجية الإسرائيلية والتى لم تتغير أبدا مهمتها، على حد تعبير شلومو غازيت المدير السابق للاستخبارات العسكرية، هى أن قدر "إسرائيل" أن تكون حارسا مخلصا للاستقرار فى جميع البلاد المحيطة بها وأن دورها هو حماية الأنظمة القائمة !! .

ونؤكد أيضا أن تحويل الصراع إلى صراع دينى يشكل من الخطورة الكبرى النى تهدد كيان المجتمع العربى وتفضى إلى تغييب حقيقة الكيان الصهيونى "الإسرائيلى" العنصرى ككيان استيطانى إحلالى ذو وظيفة قتالية، وكقاعدة استعمارية استراتيجية للغرب، تستهدف اقتلاعنا واجتثاثنا من جذورنا الممتدة فى أوطاننا بعمق التاريخ ذاته، وتحويلنا إلى مادة استعمالية تستهلك ذاتها وتنتهى من التاريخ وتضيع بانتهاء الغرض منها وبانتفاء وجودها بالهزيمة والاستسلام، أو كشعوب متخوفة تستهلك ما يلقى إليها من فضلات العالم الغربى، وفى ظل أنظمة ترفع رايات القداسة فى الوقت الذى يطأ فيه الصهاينة عروشها وهى تضع تحت أقدامها مصالح شعوبها مستغلة هذه الرايات فى وضع غمامة كثيفة على العقل والروح والنقد والعلم .

وعلى الرغم من ذلك فلقد فتحت المقاومة اللبنانية وانتصارها أكثر من مرة على العدو الصهيونى على الرغم مما استخدمته الآلة الصهيونية العسكرية من أسلحة وعتاد وأجهزة معلومات لم يعرف التاريخ لها مثل، وبمعاونة الغرب الاستعمارى الأمريكى كله، أبواباً للمقاومة والثقة فى الانتصار، وأكثر من ذلك أبرز انتصار المقاومة مرة أخرى ـ وثبات المقاومة الفلسطينية فى الأراضى المحتلة ـ " الفشل الحقيقى الذى يسيطر على الفكر الأمريكى- والصهيونى– لقد جمع معلومات ورصد أحداثاً وملأ خزائنه بما يسميه الأبحاث التجريبية ولكنه لم يستطع لا أن ينظر ولا أن يفسر، ولم يخرج عن كونه بوب معطيات ترتبط بمجتمعات معينة لها تاريخها وأوضاعها ولا تتعدى ذلك القدر من أنها نموذج للسلوك وللتعامل بين نماذج أخرى عديدة لا حصر لها ومن ثم فإن دلالتها تتقيد بذلك الإطار" (حامد ربيع، الثقافة العربية بين الغزو الثقافى وإرادة التكامل القومى). وليس أدل على هذه الحقيقة من موقف أسلحة المعلومات هذه مما حدث فى إيران، جميع المعلومات التى جمعت وبإتقان - لم يعرف له التاريخ مثيلاً - لم يسمح للإدارة الأمريكية أن تعرف حقيقة وجوهر النفسية الإيرانية، كما بين ووضح لنا العلامة الراحل الدكتور حامد ربيع وبالمثل لم تعرف الآلة الصهيونية " إسرائيل " ومن خلفها الغرب كله جوهر المقاومة اللبنانية الحربية لحزب الله .

لقد أعاد هذا الانتصار مرة أخرى وثبات المقاومة الفلسطينية البطولى فى الأراضى المحتلة إمكانية المقاومة ضد العنصرية الصهيونية بمستوياتها المتعددة مما جعل الكثير من الصهاينة وأنصارهم يعتقدون أن مستقبل الـ "دولة " الصهيونية ومكانها القائم فى قلب الشرق الأوسط محك التهديد والتساؤلات حول إمكانية الاستمرار فى البقاء ونيل الاستقرار الدائم وكما لم يكن من قبل ومن هنا إزداد التركيز الإسرائيلي الصهيوني المتزايد على فكرة "يهودية الدولة"، وعلى فكرة "التراث اليهودي" وإعادته بالتهويد سعيا نحو إعادة مزاعم "مملكة داود وسليمان"وإعادة إنتاجها مرة أخرى .

وفى الوقت نفسه وبالرجوع إلى التصرفات الإجرامية العنصرية والمجازر الدموية الوحشية الصهيونية والتى تمارسها " إسرائيل " بشكل يومى ومعتاد كصورة شرعية وكما انتهى الباحث الأمريكي بار يليخمان فى دراساته حول الانتقامات الإسرائيلية، " بأن الانتقام الإسرائيلى هو سلوك قومى إسرائيلى .. وأن "إسرائيل" تعتبر الانتقام صورة شرعية من صور السلوك القومى "، والذى تمارسه الجماعات الصهيونية فى فلسطين المحتلة ضد الشعب الفلسطينى وضد ما تطوله الآله الصهيونية الوظيفية " دولة إسرائيل" وحيث تتعاظم هذه الشرعية الدموية مع تخاذل الأنظمة العربية، فإننا نجد أن العناصر الدينية اللاهوتية التى تجعل من اليهود البشر الوحيدين مركزاً للقداسة وتجعلهم الشعب البشرى الوحيد الأسمى والمختار وتجعل "الدولة" "دولة" أنبياء ومملكة كهنوت بالإضافة إلى كونها ذات طبيعة إحلالية مادية تعاقدية ونفعية، فإن هذه العناصر تمثل الغطاء وفى نفس الوقت الدوافع وراء هذه التصرفات الإجرامية اليومية، الفردية والجماعية والتى تصدر عن هذه الجماعات الصهيونية وتقف وراء تفسير سلوكياته البشعة ويراها الغرب غير ذلك منذ دعوات بابوات روما فى القرن الحادى عشر إلى إعادة أرض " إسرائيل " ووضع حداً لكل التعاليم المحمدية .

وبناء على خلفية توحد الديانتين اليهودية والغربية الأمريكية فى كتاب واحد مقدس واعتبار أن الديانة الثانية منبنية على الديانة الأولي لأولئك المقدسين، وإعطاء أرض الرب – المزعومة– من النيل إلى الفرات لأبناء الرب كفكرة مركزية صهيونية يسعى إليها الصهيونى اليهودى أياً كانت الطائفة التى ينتمى إليها وهو ذاته سعى الأصوليين الغربيين الصهاينة، وكما قال مناحم بيجن للسادات فى الكنيست : لا يا سيدى لم نأخذ أرضا عربية، بل عدنا إلى بلادنا والصلة بين شعبنا وهذه الأرض أبدية، ومن قبله قال بن حوريون عقب إعلانه الجرب على مصر عام 1956 : أن السبب الحقيقى للحرب هو إعادة مملكة سليمان إلى حدودها التوراتية، وفى عام 1993 دعا آرييل شارون بقوة قى مؤتمر الليكود أن تتبنى "إسرائيل" الحدود التوراتية كسياسة رسمية، كما يجرى تداول الخرائط اليهودية لهذه الحدود التى تصل فى بعضها إلى ضواحى القاهرة، ثم عودة التعبيرات الصليبية والمسيانية فى الخطاب الغربى الأمريكي وعلى لسان قادة النظام العالمى الجديد وهذا ما قاله جورج دابليو بوش عن أنه يشن حرباً باسم السماء وأن الرب قد اختار الشعب الأمريكي لأداء هذه الرسالة وما تقوله عصابته عن القرآن الكريم بأنه كتاب يدعو إلى الإرهاب وأن محتوياته هى السبب المباشر فى الإرهاب وأنه يحض على العنف وأن إله المسلمين وثن وعندما نحاربهم فنحن نحارب الشيطان، كما أكد الرئيس الأميركي باراك أوباما فى الأول من مارس 2012 إن أحد أهداف الولايات المتحدة على المدى الطويل هو تجاوز دعم القدرات العسكرية التي تحتاجها إسرائيل إلى تأمين التفوق العسكري الضروري لها في "منطقة خطرة جدا"، معتبرا ذلك الدعم " التزاما مقدسا " .

ثم تصير - وبناء عليه - التصرفات الإجرامية الوحشية الصهيونية من أجل سعادة الإنسانية والتخلص من الشرانية وقوى الشر والنفايات البشرية، ثم هى شكل من أشكال الدفاع المقدس عن الوجود اليهودى فى الأرض المقدسة، وصادرة عن ذات مقدسة حل فيها الإله وطبقاً للمخطط التوراتى بأكل ثروات الأمم التى تطأها بطون أقدامهم المقدسة، وتسييد العالم حتى تصير صهيون ملكاً لصهيون التى سيرون فيها الرب وينزل الماسيح اليهودى المخلص فيحكم البشر اليهود ويقهر الأغيار الحيوانات، هكذا انخلق الارتباط والتوحد بالماضى التاريخى وباللاهوتى مع التحالف الاستعمارى الغربى الذى يسعى لإحكام سيطرته على العالم، وجعل هذا الارتباط والتوحد مبرراً للحتمية الدموية التى تتفق والأهداف العنصرية الصهيونية العالمية والغربية، وحيث يؤمن كل القادة فى "إسرائيل" ومعهم جميع الطوائف والألون "الإسرائيلية " بالأيديولوجية اليهودية التى تقضى بأن لايعترف مطلقا وأبدا بأى جزء من أرض " إسرائيل " يعود لغير اليهود، وأن كل الأرض ستسرد فى الوقت المناسب، أى ستصبح ملكية يهودية، وأنه من الواجب علينا أن نعرف هذه العقيدة الاستراتجية الصهيونية " الإسرائيلية " وأن نعيها تماما وألا ننخدع بغيرها مما يجرى تسويقه فى العالم العربى.

كما أن مواجهة هذا العداء الوحشى الذى تتميز به العنصرية الصهيونية وهو ممثل ومتجلى فى "الدولة الإسرائيلية" لن تتم إلا بمواجهة ثقافية وحضارية وعلمية لا تستند إلى فراغ أو عدم، ولكن تستند بالضرورة إلى مرتكزات القوة فى الذات العربية بتراثها النضالى العميق والتى تؤسس لحركة مقاومة دائمة، هذا التراث الذى يتهم بالتخلف وأنه السبب الرئيس الذى يكمن وراء المساوئ التى تعم العالم العربى - بل والعالم كله، هذا الاتهام الذى يمثل إحدى منطلقات الدعاية الصهيونية العالمية المضادة والموجهة ضدنا والتى أستأنسها الصهاينة العرب ووكلاء الغرب الأمريكى الصهيونى، ومنها ينطلق الغرب، بناء على ميراث تاريخى من الخوف والكراهية لكل ما هو عربى وإسلامى، للغزو والاعتداء منذ الحروب الصليبية الأولى والتى دامت قرنين من الاعتداءات الوحشية على المسلمين وذبح نحو سبعين ألفاً من المسلمين عند دخولهم القدس، ومروراً بحركة الاستعمار الحديث التى وضعت العالم العربى تحت سيطرته وانتهبت فيها ثروته ثم امتداداً للحملة الصليبية بقيادة جورج بوش حيث تم غزو أفغانستان وغزو العراق وتكررغزو لبنان وتهديد وتفتيت سوريا وتفتيت السودان وتدمير غزة وإشعال حروب الفتنة والغزو فى الصومال ولبنان وفلسطين ومحاربة التقدم العلمى الإيرانى، ومع أنه لم تقم أية دولة عربية وإسلامية بالاعتداء على العالم الغربى، لكنه الهدف الغربى الأزلى الذى عبر عنه إرنست رينان عام 1862، إن الشرط الأساسى لانتشار الحضارة الغربية هو تحطيم الإسلامية، وتلك الحرب الدائمة، حرب لن تضع أوزارها إلا بعد أن يموت بؤساً آخر حفيد لإسماعيل أو يرد على عقبيه إلى أعماق الصحراء، لأن الإسلام هو أكبر نفى لأوربا، ستفتح أوربا العالم وتنشر دينها المتمثل فى القانون، فى الحرية، فى احترام الإنسان .

ولا شك أن هذا هو الذى نراه يتحقق فى العراق وفلسطين وفى العديد من المناطق العربية أمام أعيننا جميعاً الآن !! ورآه آباؤنا وأجدادنا مع حركة الاستعمار القديم، والحديث الماثل أمامنا الآن بكل قـوة وعنفوان !!

 

أحمد عزت سليم

عضو إتحاد كتاب مصر

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم