صحيفة المثقف

كريم المظفر: التشيك وعدواتها مع روسيا.. من المستفيد

كريم المظفرطرد 18 دبلوماسيا روسيا من البلاد، وإلقاء اللوم على روسيا في التفجيرات والبحث عن "بتروف وبوشيروف"، ومنع شركة Rosatom من المشاركة في استكمال محطة الطاقة النووية، حدث كل هذا في جمهورية التشيك مساء السبت الماضي، والأمر قد لا يقتصر على هذا، وهكذا، انتقل  هذا البلد إلى عدد من المعارضين الخطرين لروسيا، ولا ينبغي أن تستمر مثل هذه الأعمال دون رد شديد القسو ة كما تقول موسكو.

وفي اول ردود فعلها وبعد استدعاء سفير براغ لدى موسكو، فيتيزسلاف بيفونكا، للإعراب عن احتجاج حاسم له على إجراء السلطات التشيكية بحق السفارة الروسية، أعلنت وزارة الخارجية الروسية، الأحد، عن طرد 20 دبلوماسيا تشيكيا باعتبارهم شخصيات غير مرغوب فيها، وعليهم بمغادرة أراضي روسيا حتى انقضاء يوم 19 أبريل، واصفة الخطوات التشيكية بانها "عدائية" وتمثل استمرارا لسلسلة إجراءات معادية لروسيا اتخذتها التشيك خلال السنوات الأخيرة، وشددت على انه  لا يمكن ملاحظة الأثر الأمريكي في هذه الأحداث،  وفي سعيها إلى إرضاء الولايات المتحدة على خلفية فرضها مؤخرا عقوبات جديدة على روسيا، "تخطت السلطات التشيكية حتى أصحابها في الطرف الآخر للمحيط".

واعتبرت موسكو  التصريحات التشيكية الأخيرة المناهضة لروسيا ، بان الغرب كان يحتاج إليها لحجب تدفق معلومات عن محاولة انقلاب في بيلاروس، وفي تصريحاتها المتلفزة، علقت المتحدثة باسم الخارجية ماريا زاخاروفا على تزامن الأنباء عن طرد 18 دبلوماسيا روسيا من جمهورية تشيكيا مع إعلان السلطات البيلاروسية والروسية عن إحباط محاولة انقلاب في بيلاروس، وقالت: "هناك شعور - وتدعمه وقائع - أنه في المجال الإعلامي، وخاصة في جزئه الغربي، كان شركاؤنا الغربيون مهتمين بحجب الطابع الملح وأهمية المعلومات التي تم نشرها من قبل كل من روسيا وجمهورية بيلاروس حول ما لم يكن مجرد مؤامرة، بل خطة لانقلاب على الدستور (في بيلاروس).

وفي عملية خاصة قالت هيئة الأمن الفيدرالية الروسية انها أوقفت شخصين في موسكو كانا يخططان لانقلاب عسكري في بيلاروس وفقا لسيناريو "الثورات الملونة" واغتيال رئيسها ألكسندر لوكاشينكو، وأن الانقلاب المخطط له في التاسع من مايو، كان يستهدف تغيير النظام الدستوري في بيلاروس وإلغاء منصب رئيس الدولة مع تسليم السلطة لـ "هيئة مصالحة وطنية، ووفقا للرئيس لوكاشينكو، فأن التحقيقات الجارية كشفت عن ضلوع الاستخبارات الأمريكية في التخطيط للعملية، معلومات نفاها ممثل رسمي لوزارة الخارجية الامريكية، واصفا إياها " خاطئة تماما " محذرا في الوقت نفسه، حتى من التلميح بها .

المراقبون الروس يشددون على ان حدث طرد 18 دبلوماسيًا روسيًا بتهمة التجسس، مبالغ فيه من قبل السلطات التشيكية، وتجاوزت جمهورية التشيك جميع حلفاء الناتو في هذا الصدد، حتى الولايات المتحدة نفسها التي طردت 10 دبلوماسيين فقط، وبولندا، المعادية لروسيا علانية، ثلاثة فقط، فقد، فقط بريطانيا هي التي أبعدت  المزيد كجزء من "قضية سكريبال"، ولكن حتى ذلك الحين فان الحديث يدور عن دولة ذات حجم أكبر بكثير، لذلك قررت القيادة التشيكية تقويض العلاقات مع روسيا بضربة واحدة.

ويسخر المحللون الروس من الادعاءات التشيكية، ويشيرون بالامر بالنسبة لتشيكيا لن يقف عند هذا الحد، فقد أعلن رئيس الوزراء بابيش أن روسيا مشتبه بها في انفجار في ساحة تدريب فربتيس العسكرية في عام 2014، مما أسفر عن مقتل شخصين،  ويصفون مايحدث " بالكوميديا " كما يقول موقع (EADaily)  وبدأ في وضع "بتروف وبوشيروف" على قائمة المطلوبين، وهما نفس هؤلاء "بتروف وبوشيروف"، الذين يعتبرهم البريطانيون ممن سمموا سكريبال، ويقولون إنهم دخلوا جمهورية التشيك تحت أسماء مولدوفا بوبا وطاجيك تاباروف.

علاوة على ذلك، فكرت سلطات جمهورية التشيك في حرمان شركة Rosatom من حق المشاركة في مناقصة استكمال وحدتين للطاقة في محطة الطاقة النووية في دوكوفاني، ودعا توماس بيتتشيك، الذي حُرم من منصبه كرئيس لوزارة الخارجية في بداية الأسبوع المنتهية ولايته، صراحةً إلى "طرد روساتوم"، مشيرًا إلى وجود تهديد للأمن القومي، ووعد زعيم الحزب المدني الديمقراطي المعارض، بيتر فيالا، بأن تتخذ جمهورية التشيك إجراءات جديدة "للحماية من روسيا".

كما يمكن أيضًا إضافة عمل رابع مناهض لروسيا، فقد كان وزير الخارجية Hamacek بصدد الذهاب إلى موسكو لمناقشة توريد لقاح Sputnik V، لكن رئيس الوزراء بابيس عارض بشدة مثل هذه الرحلة، وبعد إجراءات يوم السبت، يتجه احتمال شراء جمهورية التشيك للقاح نحو الصفر،  وربما لن تبيعها روسيا نفسها، بالنظر إلى سلوك الجانب التشيكي هذا، ومن الواضح أن الموضوع مغلق بغض النظر عن كيفية التعامل مع فيروس كورونا في كل بلد.

وإذا تم اتخاذ كل من الإجراءات على حدة، يمكن أن يتم اتخاذها بهدوء، كدليل على التضامن مع الولايات المتحدة وبريطانيا من جانب دولة صغيرة في الناتو أو كنتيجة "لمساعدة" علماء نوويين من فرنسا في إطار من معاهدة يوراتوم، أو كيف ببساطة عدم الرغبة في الحقن بلقاح "روسي" مشبوه، ولكن، نظرًا لتزامن الإجراءات، فإن الحديث يدور بوضوح عن رغبة القيادة التشيكية في قطع العلاقات فعليًا مع روسيا.

وجمهورية التشيك هي إحدى الدول التي تشكل سياسة الاتحاد الأوروبي في فضاء ما بعد الاتحاد السوفيتي، ولعب التشيك دورًا نشطًا في الميدان الأوروبي في أوكرانيا، وهم اليوم يعملون بنشاط كبير على تغيير السلطة في بيلاروسيا، وإنهم يساعدون بشكل علني المعارضة الموالية للغرب في روسيا نفسها، ولا يترددون في التدخل في شؤوننا الداخلية، ويدرس في هذا البلد آلاف الطلاب من روسيا وبيلاروسيا وأوكرانيا على نفقة الدولة.

كما ان جمهورية التشيك ليست القوة العسكرية الأخيرة، وإنها، أدنى من روسيا، لكنها تحتل مكانة جيدة في السوق العالمية في عدد من المناصب في الأسلحة الصغيرة وطائرات التدريب والاتصالات والذخيرة، وللتشيك ممثلين بشكل جيد للغاية في كل من سوق الأسلحة الأفريقية والآسيوية، ويكفي التذكير بحالة الصحفي إيفان سافرونوف المشتبه في أنه يعمل لصالح المخابرات العسكرية التشيكية.

ويستخدم شركاء الناتو "الكبار" أيضًا التشيك، فالنسبة لهم، كونهم سلافًا، من الواضح أنه من الأسهل إتقان اللغة الروسية والعمل في الاتجاه الروسي على طول خط الذكاء، ويقع المقر الرئيسي لراديو ليبرتي في جمهورية التشيك (وسائل الإعلام هي وكيل أجنبي في الاتحاد الروسي)،  ومؤسسة Nemtsov، وهي منظمة تهدف علنًا إلى تغيير الحكومة في روسيا، وهي تعمل في جمهورية التشيك، لذلك، فإن التهديدات الصادرة من الاتجاه التشيكي يجب أن تحظى بأكبر قدر من الاهتمام الجدي وعدم إهمالها.

والحال هذه يدور في الاذهان هو: كيف ينبغي لروسيا أن ترد على مثل هذه الأعمال الجريئة؟ الجواب الأول مع "سبوتنيك" يقترح نفسه، إن إقناع جمهورية التشيك بشراء اللقاح بعد ما حدث هو نسيان للشرف، وفي ظل الظروف الحالية، قد يصبح هذا البلد هو البلد الوحيد الذي يجب على روسيا من حيث المبدأ أن ترفض توفير اللقاح، حتى لو لم تؤذي جمهورية التشيك نفسها كثيرا، والجواب الثاني هو بعد طرد الدبلوماسيين، ال 20 ،  وهذا الإجراء في الواقع يفسد تمامًا عمل السفارة التشيكية في موسكو، وبعد هذا الترحيل، يجب إغلاق القنصلية العامة في يكاترينبورغ، كما سيكون عمل القنصلية العامة في سانت بطرسبرغ موضع تساؤل، ومن الممكن تمامًا التفكير في إغلاق القنصليات الروسية العامة في برنو وكارلوفي فاري.

ويؤكد الكثيرون انه يجب أن تكون روسيا مستعدة لحقيقة أن جمهورية التشيك من خلال الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي ستعمل بنفس الطريقة التي تعمل بها بولندا أو دول البلطيق، وستبدأ على الأرجح في معارضة نورد ستريم 2، على الرغم من أنها حتى وقت قريب لم تكن مترددة في المشاركة في هذا الأمر، ويمكنها البحث عن أسلحة إضافية لأوكرانيا، وقد تطالب بفرض عقوبات أشد على روسيا، لذلك  لا يوجد سبب للاعتماد على الفطرة السليمة للسلطات التشيكية الحالية، ويتمتع الرئيس ميلوس زيمان بصلاحيات قليلة جدًا لتصحيح الوضع، وأصبحت جمهورية التشيك عدوًا خطيرًا لروسيا، ويجب تقليص العلاقة معها إلى الصفر حتى الأوقات الأفضل.

 

بقلم الدكتور كريم المظفر

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم