صحيفة المثقف

لطفي شفيق: حدث على حين غرة! رقم (1)

لطفي شفيق سعيد(قصة قصيرة وفريدة)

بدأ الحدث حينما كنت اراقبها منذ أن وصلت إلى ذلك المكان المرتفع حتى جعلتني أتساءل مع نفسي: كيفت تمكنت هذه الصغيرة أن تتسلق هذا المكان المرتفع وتصل اليه بهذه السرعة بعد أن قطعت مسافة طويلة بين منطقتنا هذه وبين المكان الذي انطلقت منه؟ ولو أنني لا أعرف شيئا عن مكان اقامتها بالضبط، وعلى العموم فإن أمكنة تجمع هؤلاء المشردين والمتشردات أمثالها غالبا ما تكون بعيدة عن أحياء سكان منطقتنا والتي تشتهر بالنظافة والعناية المستمرة بمرافقها، إن أكثر ما شد انتباهي هو كيف سمح لهذه الصغيرة أن تأتي إلى هذا المكان بمفردها من دون أن يرافقها أحد؟ وهذا خلاف للواقع حيث أن من أمثالها ينطلقون نحو الأرجاء بمجاميع يساعد بعضهم البعض خلال ما يحصلون عليه من رزق، وإنهم يفضلون المواد العينية أكثر من العملات النقدية! والغريب في الأمر إن هذه الصغيرة التي أتت لوحدها إلى هذا المكان كونه مكتظا بأنواع مختلفة من الأحياء قد يشكل خطرا عليها خلال تجوالها فيه فحركة السيارات مستمرة ليلا ونهارا إضافة لوجود بعض الأعداء الذين قد يتصدون لوجودها على حين غرة.

من الطبيعي أن حالة  هؤلاء المتشردين تعكس صورة من صور البؤس لأن كثيرا منهم أو لنقول جميعهم حفاة ولا لديهم إمكانية الحصول على زوج نعال وهذا الأمر ظهر جليا على حركة تلك الصغيرة وخلال مشيها على ذلك المكان المرتفع والأملس فقد كانت تنزلق على سطحه وتترنح يمنة ويسرة كمن أصيبت بدوار أفقدها التوازن أو أنها قد تعاطت نوعا من أنواع المخدرات التي يشاع تعاطيها بين البعض من سكان الولاية فقراء كانوا أو أغنياء وشبابا أو كهولا ومن تلك المخدرات الشائعة والتي يمكن الحصول عليه بسهولة ولا رقيب عليها أو حسيب (الماريجونا) التي تنتشر رائحتها في الأجواء كافة  بسبب تعاطي البعض منها حتى لو كان أثناء عمله أو خلال قيادته  لسيارته. إن كثيرا من المتسولين ومن الذين يشاهدون وهم يقفون على ارصفة الشوارع يبدو على محياهم البؤس والمرض وينتظرون من يتصدق عليهم بمبلع ما من أجل الحصول على حاجتهم من تلك المخدرات كي يداووا فيها نفوسهم وبالتي كانت هي الداء ويطلق على هؤلاء هنا تسمية ( Home less) أي بدون مأوى.

لقد كان مظهر تلك الصغيرة المتشردة والمتجولة بمفردها لا يختلف عن هؤلاء بسبب عدم ارتدائها شيئا يقيها حر الصيف وقر الشتاء.

لقد بدا لي أن تلك المخلوقة الصغيرة قد شعرت بحراجة موقفها أضافة لخيبة أملها بسبب عدم عثورها على مبتغاها من رزق وبعد أن أصبح وضعها ظاهرا للعيان بسبب الأضواء المسلطة عليها في وضح النهار والتي قد تشكل خطرا عليها وخاصة من بعض الأفراد المعادين والذين يتربصون بها شرا على الدوام فيقضون عليها في أي وقت يظفرون بها. وللحقيقة فقد كنت واحدا من هؤلاء البعض فقد راودتني فكرة أن أنهي حياتها ولكنني تريثت وقلت في نفسي أي فائدة ترجى في القضاء على هذه المخلوقة الصغيرة فقد كان بإمكاني أن أدعسها بأصبع واحدة وأنهي حياتها وأخيرا قررت أن أتركها لتلتحق بجماعتها من النمل عسى أن تجد لها هناك من يحقق لها رغبتها من مؤنة جرى تجميعها خلال فصل الشتاء وبالفعل فقد اختفت من فوق منضدتي مثلما ظهرت على حين غرة.

***

لطفي شفيق سعيد

رالي في الثامن عشر من نيسان 2021

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم