صحيفة المثقف

عباس علي مراد: أستراليا واحتواء الصين

عباس علي مراد"مبادرة الحزام والطريق هي أداة الصين لنفوذ سياسي واستراتيجي أكبر في المنطقة"

وزيرة خارجية أستراليا السابقة جولي بيشوب

في ظل المتغيرات الجيوسياسية التي يشهدها العالم خصوصاً في منطقة جنوب شرق آسيا بدأت الصين تصبو للعب دور يتناسب مع نموها الإقتصادي وموقعها الجغرافي بعدما أصبحت ثاني أكبر إقتصاد على المستوى العالمي.

ومن أجل تأكيد حضورها على المسرح العالمي ولتأمين الموارد الأولية وطرق الإمداد طرحت الصين مشروع "مبادرة الحزام والطريق" والذي تستثمر فيه ترليونات الدولارات في قطاعات الإتصالات والمرافيء والمطارات والنقل البري والقطارات وأنابيب النفط والغاز والأمن.

لاقت الخطوة الصينية ردود فعل بين المرحبة والحذرة والمشككة بالنوايا الصينية التي أتت بشكل خاص من الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها، من المعروف أن لدى الولايات المتحدة نية لإحتواء الصين لم تعد خافية منذ عهد باراك اوباما والتي اظهرها بفجاجة دونالد ترامب، وتستمر مع جو بايدن وإن كانت بأسلوب ومقاربة مختلفة.

الرئيس الصيني شي جيبنك ردّ على المشككين بالنوايا الصينية بقوله: "ليست لدينا نية للتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، أو تصدير نظامنا الإجتماعي ونموذج التنمية الخاص بنا، أو فرض إرادتنا على الآخرين".

أستراليا التي تحتفظ بعلاقات إقتصادية متميزة مع الصين حيث وصل التبادل التجاري بين البلدين لحوالي 160 مليار دولار قبل بدء انتشار فيروس كورنا.

كانت أستراليا من الدول المشككة والمتخوفة من الإندفاعة الصينية الإقتصادية والعسكرية خصوصاً في محيطها الجغرافي فبادرت إلى اتخاذ بعض الإجراءت لمواجهة النفوذ الصيني.

في العام 2016 قررت الحكومة الأسترالية منع شركة هاواوي للإتصالات من المشاركة في بناء الجيل الخامس من شبكة الهاتف المحمول في أستراليا لتكون من أوائل الدول التي تتخذ هكذا إجراء للحد من التأثير الصيني على الإقتصاد الأسترالي، وأقرّت الحكومة عدة قوانين للحد من النفوذ الخارجي والتدخل في الشؤون الداخلية الأسترالية، والتي اعتبرتها الصين مواجهة لها بشكل خاص.

في العام 2020 أقرّت الحكومة الفيدرالية الأسترالية قانوناً جديداً عرف "بقانون الفيتو" المعارضة العمالية وافقت على القانون الذي يعطي للحكومة الفيدرالية صلاحيات إلغاء الإتفاقيات التي تبرمها الولايات والأقاليم والحكومات المحلية والجامعات مع حكومة خارجية إذا كانت تتعارض مع المصلحة الوطنية لأستراليا.

على الرغم من حرص الحكومة الأسترالية على التأكيد من أن القانون لا يستهدف أي دولة بعينها بل انه يهدف إلى حماية المصالح والقيم الاسترالية، إلا أنه من الواضح ان القانون موجهاً باتجاه الصين.

هناك قضية أخرى ساخنة تؤثر سلباً على العلاقات بين البلدين، ألا وهي قضية حقوق الأقليات  في الصين كالأقيلة المسلمة "الايغور"  والوضع في هونغ عونغ والتبيت، حيث تعتبرأستراليا الإجراءات التي تتخذها الصين تتعارض مع حقوق الإنسان، بينما تعتبرها الصين تدخل بشؤونها الداخلية. وفي العام الماضي اتهمت الصين أستراليا بالنفاق بعد انتشار أخبار جرائم الحرب التي ارتكبها بعض أفراد القوات المسلحة الأسترالية في أفغانستان.

في العام 2018 وقع رئيس ولاية فكتوريا العمالي دانيال أندروز مذكرة تفاهم مع الحكومة الصينية ليكون شريكاً في "مبادرة الحزام والطريق" الصينية وفي العام 2019 تم توقيع الاتفاقية بين ولاية فكتوريا والحكومة الصينية، وقد انتقد خطوة اندروز كل من الحكومة الفيدرالية وحزب العمال المعارض الذي ينتمي إليه اندروز، لكن اندروز أصرّ على الإستمرار في الإتفاقية.

في خطوة هي الأولى من نوعها  على المستوى العالمي وتعتبر سابقة، أعلنت وزيرة خارجية أستراليا موريس باين عن إلغاء إتفاق مبادرة الحزام والطريق الذي وقعته ولاية فيكتوريا مع الصين، وأيضاً تم إلغاء إتفاقيات تعليمية مع كل من سوريا وإيران كانت وقعتها حكومة فكتوريا عامي 1999 و2004 في محاولة للإيحاء بأن الإجراء يستهدف دولاً أخرى رغم عدم أهمية الإتفاقيتين الأخيرتين.

هل سيؤدي هذا الإجراء إلى المزيد من التوتر في العلاقات الأسترالية الصينية المأزومة أصلاً؟

الرد الصيني لم يتأخر كثيراً فقد أصدرت السفارة الصينية بياناً قالت فيه: "هذه خطوة أخرى غير معقولة واستفزازية من الجانب الأسترالي ضد الصين" "ويظهر كذلك أن الحكومة الأسترالية ليس لديها نية صادقة في تحسين العلاقات بين الصين وأستراليا وأن هذا الإجراء لا بدّ أن يتسبب في مزيد من الضرر للعلاقات الثنائية، ولن يؤدي إلا إلى إلحاق الضرر بأستراليا  نفسها" وأوضح أيضًا أنه سيكون لهذا القرارعواقب لم يوضح طبيعتها. كذلك صدر عن وزارة الخارجية الصينية بيان عنيف اللهجة ضد أستراليا.

من المعروف أن العلاقات بين البلدين تدهورت إلى أدنى مستوى لها منذ عقود بعد ان طالبت أستراليا بإقامة لجنة تحقيق دولية بمصدر نشوء فيروس كورنا والذي أعتبرته الصين موجهاً ضدها، ورداً على السياسة الأسترالية اتخذت الصين إجراءات عقابية وفرضت تعريفات جمركية على بعض المنتجات الأسترالية (النبيذ، الشعير، الفحم وغيرها) كما أوقفت إستيراد بعض المنتجات الأخرى التي كلّفت الإقتصاد الإسترالي حوالي 20 مليار دولار.

على المستوى الداخلي الأسترالي كان هناك شبه إجماع على تأييد إلغاء الإتفاقية (الخضر، العمال والنواب المستقلين)، واعتبرت الخطوة ضرورية لحماية المصلحة الوطنية الأسترالية، وكانت هناك مطالبات للحكومة الفيدرالية لتأمين أسواق بديلة للمنتجات الأسترالية. 

المتحدثة بإسم الشؤون الخارجية للمعارضة العمالية  بيني وونغ قالت: "إن إلغاء الاتفاقية كان خطوة صحيحة، لكن حكومة موريسون بحاجة الآن لإدارة التداعيات مع بكين والعمل لحماية التجارة والاقتصاد الأسترالي".

وزيرة التوظيف والأعمال الصغيرة في فيكتوريا جالا بولفورد قالت أن إلغاء الإتفاقية مسألة تخص الحكومة الفيدرالية ولن يكون له تأثير سلبي على خطط مشاريع البنية التحتية في الولاية.

مايكل شوبريدج ، مدير برنامج الدفاع التابع لمعهد السياسة الإستراتيجية الأسترالي قال إن أستراليا لديها الآن سياسة وطنية أكثر تماسكًا بشأن الشراكة الإقتصادية مع الصين، واعتبر القرار الحكومي بأنه يوضح حقيقة الترابط بين المصالح الأمنية والدبلوماسية مع المصالح الإقتصادية، وان أي قرار لا ينطلق من هذا المفهوم يعتبرقراراً سيئاً حقًا مثل اتفاقيتي فيكتوريا في مبادرة الحزام والطريق.

صحيفة سدني مورننغ هيرالد قالت في افتتاحيتها (22/4/2021): يمكن للصين أن تكون شريكاً اقتصادياً مرحباً به وهذا صحيح، لكن يجب على الصين أن تدرك أن لأستراليا مصالح وطنية أكثر أهمية من الحسابات المالية وهذا صحيح أيضًا.

إذن بعد عدة أشهر من ضبط النفس النسبي من كلا الجانبين عادت العلاقة بين أستراليا والصين إلى التوتر.

يبقى السؤال إلى أي مدى ستصل هذه العلاقات وهل يمكن وقف تدهورها إلى الأسوأ خصوصاً ان أستراليا من الدول التي تنشط في عملية أحتواء الصين والحد من نفوذها وهي شريكة رئيسية في مجموعة الأربعة (كواد) والتي تضم إلى جانب أستراليا كل من الولايات المتحدة، الهند واليابان التي تعمل لمواجهة النفوذ الصيني في المنطقة. 

أخيراً، هل من علاقة بين انسحاب الولايات المتحدة وحلفائها ومنهم أستراليا من افغانستان في أيلول القادم؟ وما هي تداعياته الإقليمية وتأثيراته على مبادرة  الحزام والطريق الصينية في حال عودة الفوضى إلى ذلك البلد أو عودة سيطرة طالبان على الحكم؟

 

عباس علي مراد

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم