صحيفة المثقف

أحمد الحلي: جناحا الزورق

احمد الحليكلَّما حاولتُ مَحوَكِ

من ذاكرتي

أراني أتآكلُ من الداخل

 

نِكايةً بدهائِهِ

السيِّداتُ يتلفَّعنَ بفِرائِهِ

الثعلب

**

كفّتا الميزان

أضعُ في كفَّةِ الميزانِ شيئاً من فرحي وأضعُ في الكفَّةِ الأخرى شيئاً من حزني، وأبقى هكذا آخِذُ منهما، وبعد لحظاتٍ ألتفِتُ فأجِدُ كومَ فرحي قد نفِدَ بينما تلُّ حُزني باقٍ على حالِهِ يضحكُ بانتشاءٍ كأني لم آخِذ منه شيئاً .

**

النورس والسنونو     

لم اجد طائرينِ أعجبَ من النورسِ والسنونو، فعلى الرغمِ من أن كليهما مهاجرانِ إلا أن الأولَ يُهاجرُ هرَباً من الحرِّ بينما الثاني يهاجرُ هرَباً إليه.

**

ممحاة

في إحدى المراتِ واتتني فكرةٌ غرائبية . قلتُ مع نفسي: لماذا لا أشتري ممحاةً من تلك التي يستعملُها التلاميذُ لمحوِ  أخطائِهم في الكتابةِ لكي أمحو بها ما علقَ وتراكم في ذاكرتي من خيباتٍ ومراراتٍ تنغِّصُ عليَّ عيشي . وبالفعلِ حصلتُ على واحدةٍ وشرعتُ أمحو وأمحو، وفي آخرِ الأمرِ حصلتُ على صفحةٍ بيضاءَ لذاتي، لكن سُرعانَ ما  داهمني إحساسٌ غريبٌ بأن قَدميَّ بدأتا بالإرتفاع عن الأرضِ  وها أنذا أُحلِّقُ في الفضاءِ من دونِ جناحين .

**

أغنيةُ السُنبلة

تستيقظ السُنبلةُ فجراً على خريرِ صوتِ الماءِ في الساقيةِ .

تنتابُها نشوةٌ غريبةٌ تسمو بذاتِها وتحلِّقُ بها بعيداً، فها هي لحظتُها الأثيرةُ التي تسمعُ فيها أغنيةَ النهرِ نقيّةً صافيةً من دونِ أن تختلطَ بأصواتٍ أخرى .

**

كينونة

بقيتِ الصخرةُ أمداً طويلاً عَصِيَّةً على المواسمِ والفصولِ تحملُ كبرياءَها واعتدادَها بنفسِها، وعلى حينِ غفلةٍ وبينما هي تُصغي لولولةِ الريحِ حطّت بين ثناياها بذرةٌ محمولةٌ بمظلةٍ وبقيت ملتصقةً هناك  طوالَ موسمِ الصيفِ، ومرَّ شتاءٌ قاسٍ عليها برعودِهِ وزوابعِهِ وأمطارِهِ، وبعدَ أن أطلَّ الربيعُ أحسَّت الصخرةُ أن شيئاً ما بدأ يتململُ في أحشائِها، وأن نوباتٍ من الدوارِ والغثيانِ بدأت تنتابُها، ولم يمُرَّ سوى وقتٍ قصيرٍ حتّى أطلَّ برعُمٌ صغيرٌ برأسِهِ داخلَها ، عندَها بدأت تتفتحُ في أعماقِها كينونةٌ أخرى ومعنىً آخرُ أكثرُ ديمومةً ورسوخاً .

**

جناحا الزورق

بعدَ أن انتهى مدرّسُ مادةِ الأحياءِ من شرحِ الدرسِ انتبهَ إلى أذكى تلاميذِ الصفِّ وهو شاردُ اللُّبِ يُمعنُ النظرَ في لوحةٍ فوتوغرافيةٍ معلَّقةٍ على الجدارِ، يبدو فيها زورقٌ يطفو على صفحةِ الماءِ  قالَ له يُمازحُهُ:

" ماذا تُراكَ وجدتَ فيها ؟

قالَ: ألا يُمكنُ لنا أن نعتبرَ الزورقَ من الطيورِ المائية ؟

ابتسمَ المدرّسُ لغرابةِ الفكرة وطرافتِها قالَ: وكيف يكونُ ذلك لا سيّما ونحنُ نعلمُ أن لكافةِ الطيورِ أجنحة ؟

قال: بلى، وها أنا أرى جناحيَ الزورقِ بوضوحٍ وبوسعكَ انتَ أن تراهما أيضاً .

أنظر يا أستاذي إلى المجدافينِ، فهما جناحاهُ .

***

أحمد الحلي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم