صحيفة المثقف

صدور كتاب: البحث العلمي العربي.. هوامش وملاحظات للدكتور بليغ حمدي إسماعيل

هذا الكتاب : يسعى المؤلف في هذا الكتاب إلى أن يضعنا بمواجهة حقيقية ومباشرة أمام ثمة حقائق ومشاهد لا يمكننا الفكاك منها؛ مثل الجائحة الكونية التي تسارعت بل وتصارعت مع الكرة الأرضية وهي جائحة كورونا التي تمارس بطشها الاستثنائي بصورة عجيبة وبدون سابق إنذار أو ترقب، وهذه الجائحة الكونية التي تتبارى وسائل الإعلام في الحديث عنها وعن أخبارها بشتى الصور الثابتة والمتحركة والأشكال البيانية التي تصف حقيقة الجائحة وكيفية انتشارها وجهود العلماء والبشر لمواجهتها.

الحقيقة الثانية التي يوضحها هذا الكتاب هي المشهد الراهن للبحث العلمي في الوطن العربي، وهو ما يهمنا، فبرغم الانتشار الكبير لكليات العلوم في الوطن العربي وهذا التباري والتنافس في إنشاء معامل علمية ذات مواصفات قياسية، مرورا بمئات المبتعثين إلى جامعات متقدمة في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا الغربية وبعض دول الشرق الآسيوي ؛ إلا أن هذه البعثات لم تضف سطرا واحدا عقب أهم وأكبر بل وأعظم بعثة علمية ترأسها النابغة المصري رفاعة رافع الطهطاوي إلى فرنسا . 

2407 بليغ حمدي

وهذا الكتاب الصادر عن وكالة الصحافة العربية بالقاهرة هو الكتاب الثاني والعشرون للدكتور بليغ حمدي إسماعيل (أستاذ المناهج وطرائق التدريس بكلية التربية بجامعة المنيا) يشير فيه إلى أن مجمل البعثات التعليمية بأصحابها الذين يظنون أنفسهم يقفون في مصاف العلماء الحقيقيين وضعنا إلى رصد ما تم تقديمه إلى الشارع العربي من معلومات وبيانات عن علوم المستقبل، وجعلتنا نفكر بقصد عن المعرفة المجتمعية التي تمت إضافتها إلى المواطن العربي العادي الذي لم يكترث يوما بالعلوم التطبيقية ومدى جدواها في تغيير وتحسين ظروف الحياة. 

وصولا إلى آلاف الأكاديميين العلميين الضاربين بانتشارهم من مشرق الوطن العربي إلى مغربه / وهم بحق يمثلون قوة بشرية حقيقية تمكننا من الوصول إلى مراقي عالمية، هذا هو الافتراض، بل بتوصيف لغوي دقيق هذه هي الفرضية التي لم تثبت صحتها ونحن نواجه اجتياح فيروس كورونا بمفردنا وممارسات شعبوية بسيطة قد تقترب من حافة الجهل، والجدل أحيانا، وألجأتنا إلى وصفات أهل العطارة وبائعي التوابل بعض الأحايين.

هؤلاء الأكاديميون بأبحاثهم التي استهدفت الترقية الجامعية أو الحصول على وظائف عمل بجامعات أجنبية متقدمة اصطفوا بجوار البسطاء والمواطنين الأكثر تتويجا بالجهالة العلمية المعاصرة، لأننا كنا نتوقع منهم تقديم أسلحة علمية حقيقية وصادقة في مواجهة الجائحة، وكم كان حزينا أن يكون الرد الأكاديمي من هؤلاء أن البحث عن لقاحات ومضادات وتركيبات كيميائية وبيولوجية متطورة لمواجهة فيروس كورونا سيأخذ عدة سنوات وأن الإمكانات المتاحة حاليا لا تؤهلهم للوصول إلى بدائل مساعدة . 

بل ربما يمكننا رصد مشهد موازٍ آخر، هو هذا الاهتمام الرائع من الصحافيين العرب في متابعة آخر أخبار الجائحة بصورة تفوق اهتمام هؤلاء الأكاديميين، وفترة تعليق الدراسة ببعض الجامعات العربية جعلت أصحاب العلم أنفسهم بمنأى عن التواصل المعرفي العالمي مع علماء العالم اللهم سوى الاستعانة بشبكات التواصل الاجتماعي أو عن طريق البريد الإلكتروني.

وكم كانت دعوة الرئيس المصري صادقة لعلماء مصر منذ عدة أسابيع حينما طابهم أن يستبقوا العالم في البحث عن عقار أو لقاح أو ثمة وسائل تتيح لبني آدم مواجهة هذا الفيروس اللعين، ومن هنا فإن هذا الكتاب وهو يرصد المشهد العلمي العربي الراهن، يستهدف تقديم جملة من الإرشادات التي قد تبدو بسيطة بعض الشئ إلا أنها مخلصة في توعية العلماء والمتخصصين بإدارة العلوم ومستقبلها في الوطن العربي، آملا في استنهاض حقيقي للعلوم العربية التي ظلت رائدة لقرون طويلة وبعيدة. 

ويأتي هذا الكتاب ضمن سلسلة من المحاولات والاجتهادات التي تحاول استنهاض علماء الوطن العربي عموما والعلماء المصريين أو بالأحرى أساتذة كليات العلوم في الوطن العربي لأن كلمة عالم كلمة خطيرة الاستخدام هذه الأحايين وربما جاز أن نطلق عليهم لفظة " باحثين " لأنها الأقرب والأفضل بل والأصدق في ظل غيبوبة علمية مستدامة من بعضهم إزاء مواجهة الجائحة الكونية التي تديرها الحكومة المصرية بكفاءة عالية وبقدرة تعد نموذجا تاريخيا، لكن وسط تقاعس غير مبرر بالإمكانات أو بقلة المصادر أو بندرة الكفاءات من الباحثين المنتشرين بسرعة ضوئية وصوتية في كليات العلوم بالجامعات العربية، وذلك من أجل الخروج بنا من هذا النفق المظلم أعني نفق جائحة كورونا . هل البحث العلمي في مصر يواجه أزمة حقيقية ؟ بالضرورة تأتي الإجابة من قبل المتخصصين بأن الأزمة الراهنة هي أزمة إمكانات مادية ونقص في عدد المعامل المجهزة  وندرة بعض الأدوات والخامات ونلك المصطلحات التي اعتاد من يطلق عليهم بالعلماء على سبيل المجاز استخدامها .

 بينما المواطن البسيط لا يهمه لون المعطف الأبيض الذي يرتديه المعملي وهو داخل مكان عمله، ولا تعنيه أسماء المركبات العلمية أو المفاهيم الكيميائية والبيولوجية التي يستخدمها فقط أصحاب الياقات البيضاء وهم يظهرون على شاشات الفضائيات يتحدثون عن جائحة كورونا بمنطق الفاهم رغم أنهم يدورون معنا في نفس الفلك الحائر. وبصورة أخرى فإن هؤلاء يمثلون أقل نسبة مشاهدة فضائية لأن العالم بحق أصبح مهتما بالتفاصيل والأرقام والبيانات والمعلومات السريعة لا الحديث عن تاريخ ظهور الوباء وكيف كانت كليات العلوم والطب في طليعة المجاهدين للتصدي لوباء الطاعون في القرن الثامن عشر وغير ذلك من الأحاديث الباهتة . 

 

المؤلف: الدكتور بليغ حمدي إسماعيل

الناشر: وكالة الصحافة العربية (ناشرون) 2021

تاريخ النشر: 25 / 4 / 2021 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم