صحيفة المثقف

بكر السباتين:عجلة التطبيع وبذر معطياتها في حرث الدراما العربية.. مسلسل "موسى" ذروتها

بكر السباتينقبل الولوج إلى تفاصيل مسلسل ملحمة "موسى" الخلافي، والعوم في غياهبه لا بد من طرح بعض الأسئلة لاستجلاء ما يضخ المسلسل من أضاليل حتى يميز المشاهدُ فيه الغثَّ من السمين، وكيلا يتذوق اللسانُ في الدسمِ سماً زعافاً، ومنذ البداية، وخلال كلمات أغنية المسلسل التي كتبها محمد أبو نعمة ولحنها مصطفى شكري، ستأخذك الطريق إلى الرؤية المشبوهة للمسلسل التي غفل عنها منتقدوه، لانشغالهم بانتقاد الفنان محمد رمضان إلى درجة الهوس بجلده، فلا بأس وإن كانوا على حق؛ ولكن السمَّ ظلَّ منتشراً في تفاصيل المسلسل الذي ما يزال يحقق النسب الأعلى من المشاهدة في موقع "شاهد نت " السعودي. وهذا مقتطف من كلمات الأغنية، التي تقول:

"حواليه دياب كيف الذياب انيابها مقصوصة

ولكل وقت وله جواب وعبرةكيف فرعون

وعشان يعود الحق لازم يتوجد موسي

موسي النوبةدي ماهوش نبي ولا بحر ليه يتشد

بس اللي وكل ربنا بيشوف بعين الحق

وولدنا عالظالم عفي بتحل برزانه

ولسانه حلو مع الاصيل وعالواطي خرزانه"

وتدور أحداث المُسلسل في الخمسينات مُرورًا بالستينات، أثناء الاحتلال البريطاني لمصر، حول رحلة صعود شخص يتوفى والده منذ صغره، ويتحمل مسؤولية أشقائه، وهو من محافظات صعيد مصر، ويضطر لترك بلده والانتقال إلى القاهرة بعد أن قتل شقيق شيخ القرية بدون قصد، أثناء المبارزة بالعصا، وفي القاهرة حيث وجد فيها ملاذه، أخذ يعمل في تصدير واستيراد بعض الأشياء من غزة لمصر والعكس ومن بينها المخدرات، ويعجب بفتاة فرنسية، وتتوالى الأحداث في إطار درامي مكثف، إذْ وُفِّقَ كادر العمل في تحقيق منجزهم الدرامي وفق رؤية إخراجية ناجحة فنياً ولكنها ضبابية على الصعيد الفكري، وهو محور ما سنتتطرق إليه في هذا المقال.

والمسلسل من تأليف ناصر عبد الرحمن وإخراج محمد سلامة وبطولة محمد رمضان وسمية الخشاب ورياض الخولي وسيد رجب، وآخرون.

ففي مسلسل ملحمة"موسى" تشير الدلالات الدينية إلى رؤية تطبيعية مع الموروث اليهودي الديني توطئة لتعويد العقل العربي على رموزه واستحضارها كمنقذ للإنسان العربي من الأزمات التي تحيق به بدلالة ما جاء في محتوى المسلسل وتحديداً أغنية المقدمة، وقد تجلت المقاربات الرمزية في السياق الدرامي لموسى الصعيدي مع مصدر استلهامها المتمثل بالنبي موسى، والتلاقي على رؤية تطبيعية بين الموروث اليهودي والواقع العربي المحتقن بالأزمات، ويتجلى ذلك الاستلهام من خلال تقارب شخصية موسى الصعيدي في أحداث المسلسل، وبعض ما تضمنت سيرة النبي موسى حينما قتل فرعونياً نصرةً لليهودي، ثم كيف انه هرب من بطش فرعون، وفي المسلسل يهرب موسى الصعيدي من بطش شيخ القرية على خلفية قتله لشقيقه، ويلتقي موسى بأخيه زكريا أثناء الطوفان الذي دمر القرية وشرد أهلها، ثم يعمل متخفياً في القاهرة، وهناك أيضاً سيطرة موسى الصعيدي (محمد رمضان) على الثعابين كما حدث مع النبي موسى حينما حوّل عصاه إلى أفعًى التهمت أفاعي السحرة الفراعنة، الأمر الذي حقق معجزة موسى النبي الذي سخره الله لنجدة المؤمنين!! موسى النبي الذي أعاد بني إسرائيل إلى مصر ثم خرج بهم بعد أن شق البحر بعصاه..  وقياساً إلى ذلك يأتي"موسى" الصعيدي الذي مثل دوره الفنان "المطبع" محمد رمضان ليمثلَ التمازج الوجداني التطبيعي مع الاحتلال الإسرائيلي في رسالة خفية ضمنية لإنقاذ مصر من براثن المتآمرين كون طرفي الرؤية ( ورثة النبي موسى وموسى الصعيدي) قاوما الإنجليز، وقد شق الأخير بعصاه بحراً زاخراً من الصعاب تيمناً بالنبي موسى الذي شق بعصاه البحر؛ ولكن!! بالنسبة للحقيقة فإن مقاومة الإنجليز على صعيد التاريخ المصري فقد قادها سعد زغلول زعيم مصر  الوطني إبّان ثورة 1919م حيث خرجت الصهيونية من عباءة الاستعمار البريطاني وكانت من أخطر أدواته.. أما ما تسمى ب"إسرائيل" التي يمثل رؤيتها التضليلية النبي"موسى"، فقد أقيمت على أنقاض الشعب الفلسطيني الذي شرده المحتلون الصهاينة إلى المنافي ونكلوا به كما نكلوا بأهل سيناء المصرية.. وفي الوقت الذي وظف فيه المسلسل شخصية موسى كمنقذ لمصر من براثن الاستعمار وعبودية الباشوات وأذيالهم، قام بتصوير غزة كمصدر للخطر الداهم الذي يتهدد الخاصرة المصرية ويساهم في شطب وعي الشباب المصري من خلال المخدرات.. غزة التي أخذ يشيطنها المسلسل هي نفسها التي اغتصبها ورثة موسى، جيش الاحتلال الإسرائيلي من أصحابها الفلسطينيين الشرعيين، عندما كانت تابعة إدارياً لمصر، ليشيطنها الكاتب من خلال إسقاطاته المشبوهة!!ولم يشر ولو ضمنياً إلى ما يثبت حسن نيته، حتى في توظيف البعد الإنساني لقضايا العالم ابتعد الكاتب عن المذابح التي تعرض لها الشعبان الفلسطيني منذ نكبة 1948، والمصري في سيناء، مروراً بمذبحة مدرسة بحر البقر بالشرقية عام 1970 من قبل الإسرائيليين، مستعيضاً عن ذلك بقضية الأرمن والمذابح التي تعرضوا لها من قبل الأتراك في الحرب العالمية الثانية؛ وذلك نكاية بتركيا كإسقاطة سياسية مكشوفة، ثم مطاردة الإنجليز لأتباع موسوليني (حليف هتلر) من الإيطاليين وتصويرهم كضحايا في سياق هزيمة دول المحور أمام الحلفاء وعلى رأسهم بريطانيا العظمى بقيادة تشيرشل.

هذا هو ألدسم الذي استطابه  المشاهدون في مسلسل موسى المليء بالسم الزعاف، الذي من شأنه لو ترسخت رموزه في العقل العربي الجمعي أن يُعَوِّدُنا على قبول الصهيونية من باب التعامل افتراضياً مع الشخصيات اليهودية كشريكة في المنجز العربي والنضال ضد الاستعمار البريطاني الذي قدم للصهيونية وعد بلفور المشئوم! فموسى في المسلسل ينقذ مصر أما غزة فتدمر شبابها.. ومن هنا تشتعل الأسئلة لتدين هذا المسلسل الذي يمثل حصان طروادة لعقول الشباب الذي يتهاتفون على متابعة أخبار ومسلسلات محمد رمضان الذي يمثل البلطجة بكل أبعادها رغم أنه فنان موهوب ومن الطراز الرفيع.

من جهة أخرى، اتهم الفنان المصري الخلافي محمد رمضان باستهداف رموز مصر والحط من قدرها، فعلى سبيل المثال اتهم بالسخرية والانتقاص من الفنان الكوميدي المصري المعروف إسماعيل ياسين. وسجل ضده كذلك بلاغ "بالقتل المعنوي للطيار أشرف أبو اليسر" ويواجه أيضا أربعة بلاغات ضده من الإعلامي عمرو أديب.

ونشرت حفيدة الراحل إسماعيل ياسين، السيدة سارا تدوينة على فيسبوك تعبر فيها عن "اعتراضها على إقحام اسم جدها في هذا العمل".

وقالت سارة ياسين، إنها ليست المرة الأولى التي يسيء فيها محمد رمضان لإسماعيل ياسين، لكنها لا تلومه على ذلك لأنها ترى أن "تصرفاته تثبت مشاكل نفسية أهمها عدم الثقة بالنفس" حسب قولها.

تلا ذلك منشور من الشاعر أيمن بهجت قمر يقول فيه إن "محامياً قد كلف لاتخاذ الإجراءات القانونية حيال ما حدث، ومواجهة المسؤول عنه".. ورغم ذلك لم يضع أحدٌ من منتقدي المسلسل اليدَ على الجراح! لأن الخطر الحقيقي يكمن في رؤية المسلسل التي غفل عنها الجميع.

وللتذكير فإن خطورة محمد رمضان تكمن في جماهيريته بين الشباب الذين يعجبون بأفلام الإثارة التي يقدم رمضان من خلالها مشاهد البلطجة والعنف.. وهي المنطقة الهشة التي من خلالها يتسلل المطبعون لإعادة برمجة جيل الشباب المصري، وتفعيل الرموز اليهودية في قضاياهم الحياتية وتصوير تلك الرموز اليهودية كمنقذة للإنسان العربي من مخرجات الأزمات التي تجتاح عالمنا العربي، مع أن الاحتلال الإسرائيلي من عوامل نشوئها منذ احتلال فلسطين وأجزاء من الوطن العربي بما فيها سيناء المصرية.. وبالتالي الاعتياد على هذه الشخصيات في ظل تغييب تفاصيل نكبة فلسطين التي تسبب بها الاحتلال.. وهو مشروع إعلامي تضليلي إسرائيلي تساهم فيه بعض الدول العربية المطبعة لتبرير تحالفها مع الاحتلال الإسرائيلي.. وهذا يحيلنا إلا ما غرد به عبر تويتر، الإعلامي الإماراتي حمد المزروعي الذي يمثل وجهة النظر الإماراتية التي تحالفت مؤخراً مع الاحتلال الإسرائيلي، بعد نشر صورة تجمع بطل مسلسل موسى، محمد رمضان، بالمغني الإسرائيلي عومير آدم في دبي، وعلق المزروعي حينها قائلاً " أشهر فنان مصري مع أشهر فنان إسرائيلي.. دبي تجمعنا"، وذلك قبل أن يحذف التغريدة بعد دقائق من نشرها.

حينذاك نشرت "إسرائيل تتكلم بالعربية" الصورة، وأرفقتها بتعليق "الفن دوما يجمعنا.. النجم المصري محمد رمضان مع المطرب الإسرائيلي عومير آدم في دبي".

وتدور عجلة التطبيع من خلال بذر معطياتها في حرث الدراما العربية والتي يمثل مسلسل "موسى" ذروتها؛ ولكن الحقيقة تبقى ساطعة حيث يبهت التضليل القائم على ضخ الأكاذيب والخيال.

 

بقلم بكر السباتين

28 أكتوبر 2021

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم