صحيفة المثقف

محمود محمد علي: من دمروا خطّ بارليف لن يتردّد في تدمير سدّ النهضة الإثيوبي!

محمود محمد عليمن دمروا خطّ بارليف لن يتردّد في تدمير سدّ النهضة الإثيوبي.. عبارة أطلقها الصحفي الفلسطيني "عبد عطوان" بسبب الموقف الإثيوبي يتسم بالجمود في ملف سد النهضة برغم أن إثيوبيا في أسوأ أوضاعها على المستوى الداخلي والخارجي خلال الفترة الحالية.

إثيوبيا تنتهج سياسة الخداع والمراوغة في مفاوضتها، لكن مصر أكدت أن الملء الثاني خطر أحمر»، معربا عن أمنيته بسماع أديس أبابا لصوت العقل، وتغليب المصالح المشتركة مع مصر والسودان.

الرئيس عبد الفتاح السيسي كسر حالة الصّمت التي التزم بها طِوال السّنوات الماضية، وهدّد إثيوبيا علانيّةً من عواقب تعنّتها عندما قال “محدّش حيأخذ نقطة ماء واحدة من مِصر، واللّي عايز يجرّب يتفضّل يجرّب، وفي هذه الحالة ستُواجِه المِنطقة حالة عدم استِقرار لم يتوقّعها أحد ويَدُنا طويلة”.

منطقة “بني شنقول” التي أُقيم عليها السّد مِنطقة سودانيّة، وأهلها سُودانيّون لُغَةً وثقافةً، وكانت تابعة للسودان، وانتزعتها إثيوبيا بتواطؤٍ بريطانيّ، تمامًا مثلما انتزعت إقليم أوغادين الصّومالي، وضمّته إلى إثيوبيا.

مصر والسودان قدموا الكثير من المبادرات التي تدل على حسن نيتهما، وهذا لا يمثل عامل ضعف، بل يمكن استغلاله لصالح الجانب المصري على المستوى الإقليمي، مع ضرورة أن يراعى المسئولون الإثيوبيين في تصريحاتهم حقيقة الوضع للأزمة، وأن تكون -التصريحات- في ضوء قواعد القانون الدولي الحاكمة للإنشاءات والسدود على الأنهار.

لا نتمنّى الحرب لمِصر والسودان، ونتضرّع إلى الله العليّ القدير أن تتمخّض جولة المُفاوضات في مجلس الأمن عن اتّفاقٍ مُلزمٍ لحلّ الأزَمة سلميًّا وبِما يُخَفِّض حُقوق الجميع، ولكن إذا كُتِبَت عليهما فإنّهما لن يتَردّدا عن خوضها مهما كان الثّمن، وعلينا أن نتذكّر كما قال عبد الله عطوان أنّ مِصر لا تخشاها، وخاضت أربع حُروب ضدّ العدوّ الإسرائيليّ المدعوم أمريكيًّا وأوروبيًّا، ولم تخش من قنابله النوويّة، ومن دمّر خطّ بارليف على قناة السويس، لن يعجز حتمًا من تدمير سد النّهضة.. “إذا كان آخِر العِلاج الكيّ”، والشّعب المِصري الشّقيق لن يجوع، ولن يركع، ولن يُغيّر آبي أحمد وداعِميه مسار التّاريخ ومجرى النّيل.. والأيّام بيننا.

والسؤال الذي أود أن أساله: لماذا التعنت الإسرائيلي في كل المفاوضات التي خاضتها من 2011 وحتي الآن؟

اعتقد أن إثيوبيا تستقوي بطرف أجنبي، الأمر الذي قد يجعل خيار استخدام القوة أقرب من الخيارات الأخرى التي لم يكن لها أي نتائج ملموسة خلال السنوات السابقة، لأن المصريين والسودانيين لا يستطيعون الاستمرار على هذا الوضع إلى ما لا نهاية.إن هناك أزمة ثقة بين مصر والسودان من ناحية ، وإثيوبيا من ناحية أخري ، فمصر تري في “السيطرة الإثيوبية المطلقة دون اتفاقيات أو قيود تهديدا وجوديا للشعب المصري”.

فالمخاوف متصاعدة من دمار الرقعة الزراعية المصرية (الضئيلة أصلاً) وانخفاض حصص المياه المخصصة للشرب، إذ تعتمد مصر بأكثر من 90% على نهر النيل كمصدر للمياه في الحياة اليومية والأنشطة المختلفة؛ وبدورها، تخشى السودان من تأثر سد “الروصيرص”، أحد أهم مصادر الري والتوليد الكهربائي بنقص الموارد المائية التي تصل إليه عبر إثيوبيا، إلى جانب التأثيرات المتوقعة على القطاع الزراعي.

أما إثيوبيا فتري في السد وسيلة للتنمية الاقتصادية وإخراج البلاد من الفقر، كانت طوال عقود طويلة “تنظر إلى مصر والسودان بأنهما يستوليان على حقها من مياه النيل، مما تسبب في حالة الفقر التي عانت منها طويلا”، كما ترى ان الوقت قد حان “لتتصرف في ما تعتقده من ممتلكاتها (نهر النيل الأزرق) بالكيفية التي تحقق بها رفاهية شعبها.

إن قرار إثيوبيا الفردي بملء خزان سد النهضة على نهر النيل “يعد تهديدا للأمن القومي” وأن “مضي إثيوبيا قدماً في ملء خزان السد في يوليو المقبل “سيهدد حياة نصف سكان وسط السودان، فضلاً عن المساس بالزارعة وتوليد الكهرباء.

لكن اللهجة الأعنف جاءت، ولأول مرة، على لسان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي قال: “نحن لا نهدد أحداً، ولكن لا يستطيع أي أحد أخذ نقطة مياه من مصر (..) وإلا ستشهد المنطقة حالة عدم استقرار لا يتخيلها أحد”. وأضاف: “لا يتصور أحد أنه بعيد عن قدرتنا (..) مياه مصر لا مساس بها والمساس بها خط أحمر وسيكون رد فعلنا حال المساس بها أمر سيؤثر على استقرار المنطقة بالكامل”. وهنا اعتقد أن تعنت إثيوبيا سوف ينذر بدق طبول الحرب ضد سد النهضة ، ومحاولة ضرب جزء منه لتعطيله عن الملء الثاني .

وهنا نتساءل: هل تستطيع مصر والسودان ضرب سد النهضة؟

اعتقد أن أمام مصر والسودان ثلاث سيناريوهات، للتصرف في حال أصرت إثيوبيا على موقفها بشأن سد النهضة، أولهما أطلق عليه “تسونامي نهري” وتقوم فيه مصر والسودان بضرب السد كاملا بكل ما يملكان من قوة عسكرية، برا وبحرا وجوا، ويعني هذا تدمير السد بشكل كامل لكنه يعني أيضا انطلاق المياه في موجة فيضان مدمر يصل ارتفاعها حوالي 25 مترا ، وهذه الموجة العالية ستهدد السودان وقد تطيح بسد الروصيرص، وستصل المياه إلى مصر خلال 17 يوما بعد أن تكون دمرت شمالي السودان.

في المقابل، يستدعي هذا الخيار محاولات انتقام إثيوبية قد تصل إلى ضرب سدي الروصيرص السوداني والسد العالي المصري، مستبعدا قدرة أديس أبابا على إصابة السد العالي، علاوة علي تطور محتمل للأزمة قد تسعى فيه الأخيرة لغزو السودان.

والسيناريو الآخر هو “الضرب الجزئي للسد” حيث تقوم الطائرات بضربة محدودة في جسم السد ليحدث “خرم” يتدفق منه الماء.

وبالتالي تخسر إثيوبيا ولا تضار مصر والسودان، وسيكون حافز أديس أبابا - للانتقام الشامل ضد سدي الروصيرص والعالي أو غزو السودان- أضعف في هذه الحالة؛ ، هذا الخيار هو البديل الأوقع حيث إن طائرات رافال وميغ 29 التي تمتلكها مصر قادرة على أداء المهمة، موضحا أن السد يبعد 1400 كيلو عن قاعدة بيناس المصرية على البحر الأحمر، وهذان النوعان من الطائرات مداهما أعلى من 2800 كيلو دون التزود بالوقود، مع احتمالات الهبوط في مطارات وقواعد دول صديقة.وفيما يتعلق برد الفعل الدولي، فسيكون في هذه الحالة أكثر هدوءً من خيار تدمير السد بالكامل.

في حين ستوصل مصر والسودان رسالة واضحة لإثيوبيا مفادها أنه “لا سدود إلا بموافقة الكل”، ولو قرأنا التاريخ جيد فسنجد أن هناك حالات مشابهة لوضع ثقب في أي سد: أنظروا إلي ما فعلة الإنجليز في الحرب العالمية الثانية في السدود الألمانية.. واعتقد أن هذا ما سوف تلجأ إليه مصر والسودان.. ننتظر ما تسفر عنه الأيام المقبلة خاصة بعد التدخل الأمريكي في الملف..

 

أ. د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل- جامعة أسيوط

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم