صحيفة المثقف

عبد الخالق الفلاح: باب الشيخ حافلة بالتاريخ (1)

عبد الخالق الفلاحليس من السهل الكتابة عن اي موضوع تاريخي ويكمن أهمية البحث في فهم الثقافة من خلال الأحداث التي يكتب عنها والأحداث التي مرت في تلك الفترة، البحث التاريخي هو الأسلوب الوحيد الذي يدرس ظواهر تطور الحدث بمختلف جوانبه،ويجب إدراك وإستيعاب مجموعة من الضوابط والقواعد الأساسية التي يجب احترامها أثناء كتابة أو إنشاء اي موضوع سواء في مجال التاريخ او اي موضوع اخر، وخاصة عندما يكون أحد اطرافه الطيف المتنوع من العلاقات التي تعبر عن الهوية الكاملة التي يجري فهمها من خلال أفكار التجلي والظهور والحديث عن تجاوز الحقيقة الجوهرية أو الاتحاد والتشارك فيها، وفي الطرف الآخر، يعبر عن هذه العلاقة من خلال ترتيبات قائمة بذاتها على المحاكاة والتقليد.ويتطلب الكتابة تضمين الكثير من التفاصيل والمعلومات التاريخية من الكلمات أو الصفحات المطلوبة من المهم أيضا أن نكون أمناء في نقل التاريخ والحوادث والشخصيات التي يتكون منها المجتمع في تلك منطقة ومن المهم تقديم حقيقة المعلومات المطلوبة، ولكن  تقديمها بطريقة متماسكة وأمور ينبغي الانتباه إليها قبل الشروع في الكتابة ومنها التأكد من ماهية ما تكتب قبل أي شيء.وللحقيقة فهذه المقدمة وددت بتقديمها قبل ان أبدأ بالكتابة عن منطقة مهمة من مناطق بغداد وهي  باب الشيخ ذات التأريخ البغدادي العريق بإمتياز - منذ نشأتها وخلال تطورها-حيث كانت مركزاً دينيا واجتماعيا وسياسيا مهما في تأريخ بغداد حتى قرابة نهاية منتصف القرن العشرين وعالم الدين كان له هيبة خاصة وتقدير من قبل كل مكونات هذه البقعة، برغم  من فعل الكثير من الأمور بعيدا عن أعين الرجال الذين يمثلون المؤسسة الدينية ؛ هذه المحلة التي قد جمعت سكانها في مساحة لا تزيد عن ثلاثة كيلومترات مربعة وسط بغداد وتمتاز يالكثرة السكانية والتي ربطتهم بساطة العيش المشتركة والتنوع الديني والمذهبي والقومي وتقع في الجنوب الشرقي من المدينة في جانب الرصافة وكانت ترتبط بالقرب من نهر دجلة الخالد بمساحات زراعية وجداول مائية حيث تجري المياه فيها  وتنقل بواسطة الدواب المختلفة. وأكتسبت أهميتها لأنها مقراً لنقابة الأشراف من ذرية الشيخ الكيلاني وتمثل عوائل الكيلاني والنقيب بمنازلهم في المنطقة النقطة الشاخصة لحد يومنا هذا حيث لازالت تلك الدورقائمة رغم قدمها، وتوجد بالقرب من الحضرة الكثير من التكايا الصوفية، وكانت الحضرة القادرية في القرن الثامن عشر وبداية العشرين  مقراً للعديد من الانتفاضات الشعبية ضد الولاة الظالمين حيث يتجمع الناس في الحضرة ويخرجون منها للتعبير عن مطالبهم وكذلك التظاهرات التي كانت ضد الحكومات المتعاقبة بعد تاسيس الدولة العراقية  وتحتوي على العقود والمحلات التالية: عقد الحروب، والجنابيين وعقدالأغوان (الأفغان) وعقد الشيخ الألغي، وعقد الحروب ومحلة الطاق وعقد القصاب خانة، وقهوة سلمان المزملة (المزنبلة)، وعقد العسلان، والقهوة أم النخلة، والسوامرة، وعقد الشيخ رفيع، وعقد المطبخ، وعقد المندلاوي، وعقد فضوة عرب، وعقد الخناق، وعقد تكية البندليجي وتقع في محلة فضوة عرب، وعقد تكية البكري، وتكية الطيار وعقد النبكة وتكية النقيب وتكية ابو خمرة وعقد الجلبي وراس الجول والدوكجية ويجاورهاعقد الاكراد (الفيلية) حاليا والذي يجاور لباب الشيخ ويجاوره لمحلة سراج الدين والصدرية وراس الساقية وفضوة عرب وكذلك شارع الشيخ عمر من الجانب الشرقي من المنطقة ومنذ قرون عديدة عبر تتابع الأجيال؛ وتبدل الأحوال؛ بقيت تحافظ على سماتها وتكاتف المواقف في أوقات مختلفة؛ وحفظهم الذكريات وبطيب العلاقات بينهم وقوة ترابط الصلات الشخصية بالجوار والصداقة والمصاهرة والتآزر الاجتماعي بمواقف معروفة تأريخيا؛ وبوحدة المذاهب؛ وتسامحهم مع المذاهب والمشارب الأُخرى والعيش معهم بالحسنى؛ وشهرة أسواقهم المعروفة بالصدق في المعاملات كل ذلك قد صهرهم بمعالم تمييزهم بشخصيتهم المتفردة والمختصة بهم عن باقي المحلات البغدادية الأخرى المحيطة بهم؛ عندهم اعتزاز خاص بحب جذرهم الاجتماعي المتشرب في ثنايا شخصيتهم المتفاعلة في أعماق شعورهم المرتبط بهذه المحلة الخاضعة لمؤثرات الثبات والمتغيرات الطارئة عليها من خارجها بفعل أحداث كثيرة عانتها في أزمات الصراع حول العراق عبر التاريخ والجغرافية فبلورت أبرز معالم كل جيل مما سجل أبناؤه تاريخهم بوعي علمي في جغرافية الذاكرة الاجتماعية كحافظة لهم من ضياع وجودهم أو اندثارهم بتربص الآخرين. فمن اضمحل وجوده انتفى أثره اجتماعياً ولله في خلقه شؤون وحِكَم ومساجلات تأريخية والمنطقة هي منسوبة لاسم الشيخ الجليل عبد القادر الكيلاني الحسني نسباً، الامام المعروف، الذي  استقر طالباً في احدى مدارسها الشهيرة واصبح أستاذاً جليلاً، يقصده الطلبة من كل صوب من العالم، فصعد صيته في الآفاق وعرف بين الناس والذي اشرف على توسيعها وتكوين سمعة صوفية تسمى" بالطريقة القادرية " وأضحت لها طريقة خاصة وأتباع منتشرون في ربوع الدولة العباسية وانتشرت في طول البلاد وعرضها وفي  الهند وباكستان حتى بلاد المغاربة واسيا الوسطى وسمرقند وافريقيا. ولما توفى الشيخ الجليل عبد القادر الكيلاني تمَّ دفنه في غرفة بمدرسته واصبح  مسجده يكتظ بالمصلين في اوقات الصلاة اليومية الخمسة  وخاصة في يوم الجمعة وخلال المناسبات الدينية وشمل مسجده التوسع في البناء كما يلاحظ اليوم في الثمانينات من القرن  الماضي حيث تم ضم مساحات واسعة للبناء،، فأضحى العامة يتبركون بزيارة مرقده وظلت مدرسته مركز أشعاع قائمة حتى اليوم،ولها دور كبير في بغداد أيام الدولة العثمانية حيث اضحت مقراً للبغداديين في تلك الأيام الخوالي وكانت تسمى ايام الدولة العباسية" بباب الأزج" ولها ذكر كبير في التاريخ العباسي والعثماني على السواء وهذا دليل أهميتها التاريخية والثقافية والاجتماعية. وكانت  تكتظ بالزوار ولازالت في المناسبات وتكاثرت أسواقها  ويردها زوار من مختلف بلدان العالم  مثل الهند وباكستان والبلدان العربية والاسيوية فقد شهدنا خلال تواجدنا في المنطقة زيارات لرؤوساء من تلك البلدان مثل الرئيس  ألاندونيسي أحمد سوكارنو والملك المغربي محمد الخامس والرئيس الباكستاني والرئيس الجزائري أحمد بن بله والكثيرين من الرؤساء والمسؤولين من دول مختلفة وتنوعت تجارتها وكثرت بضاعتها وتنوعت تعاملاتها، فتوسعت مساحة سكن الناس في هذه المحلة، واسست مراكز ثقافية وعلمية وخيرية لمجموعة من المؤسسات النافعة مثل وزارة ألاوقاف سابقاً والوقف السني لاحقاً ، منها زاوية لإطعام الفقراء والمحتاجين حيث توزع الخيرات يومياً للفقراء وكذلك للتبرك، وحجرات لإيواء المنقطعين، وخزانة كتب تضم ألاف من الكتب الثمينة والمخطوطات، وتلحق بها مقبرة تضم أعلام وشخصيات سياسية  كرؤوساء  حكومات ووزراء في أدوار متعاقبة منذ تأسيس الدولة العراقية ومن طبقات الناس، فضلاً عن تأسيس مدرسة دينية تلحق بالجامع، ينتظم فيها الطلبة الوافدون من أقطار المشرق والمغرب،،،،يتبع

 

عبدالخالق الفلاح

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم