صحيفة المثقف

صالح البياتي: زمن الشواش

صالح البياتيهذا ما سيحدث في زمن الشواش، لكن العراف لم يستطع ان يتنبأ به، قال انه لم ير في الأفق القريب اي نذر توحي بحرب وشيكة، ولكن روحي توهو و بوهو*، تتوجسان شرا ما، كانتا ترفان على مياه نهر الكحل، ولا تعودان عكس التيار، نحو الغمر، ولا تنحرفان يمينا بإتجاه نهر الدموع، فهما في حالة تململ وعدم استقرار، لأنهما لو سلكتا طريقا نحو الغمر، فسوف يجرفهما التيار نحو  الأهوار، او تنتهيان الى البحر العباب، اما لو سلكتا طريق مشرق الشمس، فسوف تنتهيان الى الغبار والضياع،  فلذا هما ترفان على مياه النهر، كما ترف اجنحة النوارس فوق مياهه، هما في طبيعتهما الأثيرية، خلافا للأنهار.  التي تضيق ذرعا حين تجري بين الضفاف، فهي تتمرد دائما، وتفر الى الهور المتسع والبحر الأوسع، وظيفتهما ضبط الشواش، وهما في عدميتهما خلاف الروح في إمتلائها، وقد قال العراف ايضا، ان توهو وبوهو سيكونان شاهدين اذا حدثت المذبحة، بالمقياس الزمني الأرضي، وأنها ستكون في عمق الأرض التي يجري فيها نهر الدموع، وان الدماء ستبلغ ركاب الخيال، عند جسر الغزالة الشاردة، الأحداث المروعة والراعبة، تعتمل كالمرجل في صدر القدر، وعندما يأتي الأوان، ينفجر كالبركان، يسمعه القاصي والداني، ويعتقد العراف ان توهو و بوهو سيشهدان الإنفجار عن كثب، فهما يلازمان نهر الدموع، حتى لا تفوتهما رؤية المهيلات وهن يمخرن النهر، متمايلات بوسق احمالهن، وحين يقتربن  من الجسر، يرفع ذراعيه مرحبا بهن، هناك بعد اجتيازهن، يرسين عند فرضة النهر، لتفريغ حمولتهن القادمة من الريف، على البواري، بسواعد الحمالين، هنا تمتزج صفرة القصب الباهتة، ولون حبات القمح الذهبية،  واشعة شمس الربيع، تشعل في الكدس نيرانا مقدسة، لتجف وتعيد للسماء آخر قطرة ماء ارتوت بها، عندما كانت قابعة في رحم الأرض، التي انجبتها ورعتها ثم اينعتها، تأتي العصافير  تتقافز جذلة، في احتفالية يرقص لها توهو وبوهو، تلتقط الحبات الأصغر من طول مناقيرها القصيرة،  تلك الحبات التي بارك الرب بالذين بذروها، توهو وبوهو راقبا ملحمة العمل كلها، من الفها الى ياءها، رأوا الرجال الأقوياء يسحبون السفن الشراعية بالحبال عكس تيار النهر، وشاهدوا سواعد الذين افرغوها على سوابيط القصب، اشفق الأثيريان على هؤلاء كلهم، وعرفا ان جهودهم وتعبهم ستؤول اموالا في خزائن الطفيليين، وان هؤلاء الفقراء سيكونون وقودا للحرب اذا نشبت، سارعا لعمل شئ يردعها، ويكف الناس شرها، راحا يفتشان عن الآلة الجهنمية، في نفق معتم، اجتازا آلة الكوارث الطبيعية، وساعة مواقيت اعمار الأمم، حتى عثرا على ساعة ينبعث منها نار ودخان،  وتطلق صرخات مرعبة، تصيح انا ساعة الكوارث البشرية، تسلقا الجدار العالي، الذي علقت عليه، وامسك احدهما بعقرب القرون والآخر بعقرب التاريخ، واداراهما للوراء دورات سريعة، حتى استقرا على اشارة كتب تحتها احداث مؤجلة، لم يبت بها بعد. وقعا على الأرض من شدة التعب، لكنهما انجزا العمل بنجاح، فكانا في قمة السعادة.

***

صالح البياتي

...............

* هما: "عديم الشكل"، و"الفراغ"، في الميثولوجيا البابلية، وسفر التكوين.

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم