صحيفة المثقف

بكر السباتين: أين يكمن سر الدعم الجزائري لقضية فلسطين؟

بكر السباتينالجزائر، بلد المليون شهيد تُعد علامة شرف في جبين الإنسانية في الوقت الذي تَخْلَعُ فيه بعضُ الدول عباءَةَ القومية العربية؛ لارتداء قناع الواقعية (وقبولها للأمر الواقع) بنياشينها المزيفة، لتهرولَ نحو التطبيع المهين مع كيان الاحتلال الإسرائيلي، إلى درجة مقايضة بعض الدول العربية بمواقفها إزاء فلسطين لصالح تل أبيب والتجرد فعلياً من مسئولياتها تجاه ملف القدس الذي تتبناه.. وهنا تكمن الحيرة بأسئلتها المحرمة، والعاصفة للعقل العربي المصاب بالغيبوبة والدوار! وهذا بدوره يحيلنا إلى مقولة الرئيس الجزائري الخالد هوراي بومدين "الجزائر مع فلسطين ظالمة او مظلومة" حتى بات كل أبناء الجزائر يرددونها علي مسامع العالم في المنتديات والمؤتمرات والبرلمان الجزائري بكل مكوناته وصولاً إلى الموقف الرسمي للبلاد والذي بقي ثابتاً حتى الآن.

فقد توارث الجزائريون هذه المقولة التي جأر بها صوت الرئيس بومدين والذي قاد الجزائر في مرحلة البناء بعد تحريرها من نير الاحتلال الفرنسي البغيض، لذلك كان يأنف الظلم ويرفض الغدر؛ حتى تحولت مقولته إلى دمغة تذيل الخطاب الجزائري بكل مستوياته الشعبية والحكومية، وظلت تلك البلاد الحرة حاضنة لحقوق الفلسطينيين.. لا بل ومثلت الخندق القومي العميق الذي يتمترس فيه المدافعون عن الحقوق الفلسطينية ضد التطبيع المهين مع الاحتلال الصهيوني.. فتحول الموقف الجزائري إلى محفز على الصمود، ونبراس يضيء المسالك الصعبة لهداية الباحثين عن الحقيقة في زمن الرياء.. وأصبح الجزائر شعلة للحرية ومبعثاً للطاقة الإيجابية، وسنداً قوياً للشعب الفلسطيني في تصديه للاحتلال ومن يدور في فلكه من المتربصين بقضية فلسطين ممن يساندون صفقة القرن الموءودة.

وللتاريخ، فعلى مدار عقود بقيت الجزائر متمسكة بموقفها الداعم لفلسطين والرافض للاحتلال الإسرائيلي والتطبيع معه، منذ الحركة الوطنية الجزائرية (1918-1954)، ثم ثورة التحرير ضد المستعمر الفرنسي (1954).

ويتجلى ثبات الموقف الجزائري ورسوخه بالعودة إلى جذوره الراسخة عقب الاستقلال عام (1962) حين شاركت الجزائر في حروب الشرق الأوسط ضد ما يسمى ب"إسرائيل" عامي 1967 و1973.

وخلال السبعينيات كانت عبارة الرئيس الراحل هواري بومدين، "الجزائر مع فلسطين ظالمة أو مظلومة" عنواناً للموقف الجزائري ونبراساً لكل من يبحث عن مثال يحتذى به في الوطنية والقومية والانحياز إلى حقوق الشعب الفلسطيني من منطلقين: قومي وإنساني.. كدأب الشعوب التي ناضلت من أجل نيل استقلالها وبذلت الغالي والرخيص لأجل حريتها.

وفي 15 نوفمبر 1988، أعلن الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، في مؤتمر بالعاصمة الجزائرية، قيام دولة فلسطين وعاصمتها القدس.. وهي مناسبة وضعت الجزائر أمام مسؤولياتها الأخلاقية باتجاه القضية الفلسطينية ومساندتها في السراء والضراء.

وعليه، فما زالت الجزائر ترفض الاعتراف بدولة الاحتلال الإسرائيلي، لا بل ورفضت اتفاقات "أوسلو" بين فلسطين وما يسمى ب"إسرائيل"منتصف التسعينيات.. واعتبرت هذه الاتفاقية فخاً وقع فيه الفلسطينييون.. وقد صدق حدس الجزائريين فيما خابت مساعي المطبعين العرب الذين فتحوا أبواب التنازلات المجانية دون مقابل بدءاً من كامب ديفيد، ووادي عربة، وأوسلو وما تبعها من اتفاقات خليجية ومغربية وسودانية مع الاحتلال الإسرائيلي، وكانت أوسلو قد استنزفت حقوق الشعب الفلسطيني وأطالت أمد الاحتلال وحولت الأراضي المحتلة إلى سجن كبير.

وتجلى الموقف الجزائري في خلاصته، برفض التطبيع المهين عقب الهرولة الإماراتية والبحرينية نحو التحالف مع تل أبيب، وما تبع ذلك من مؤشرات سعودية تطبيعية من خلال السعي للاستحواذ على رعاية المقدسات الإسلامية في القدس المحتلة وسحب البساط من تحت الرعاية الأردنية الهاشمية، وصولاً إلى التطبيع المغربي في 20 سبتمبر الماضي، الذي أقيم على مبدأ المقايضة بالموقف المغربي إزاء القضية الفلسطينية مقابل الاعتراف الإمريكي بسلطة المغرب على الصحراء المغربية، في عهد ترامب، وما نجم عن ذلك من خطاب مغربي يتباهى بالمكون المغربي اليهودي في دولة الاحتلال دون الإشارة إلى أنه مكون صهيوني احتلالي لا يمت بصلة إلى الشعب المغربي الشريف.

وما كان على الجزائر حينذاك إلا أن جددت موقفها الثابت الداعم للقضية الفلسطينية والرافض للانخراط في هذا المسعى، وهو موقف يرى مختصون أنه كان متوقعاً وله خلفية تاريخية.

حينها قال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، "نرى أن هناك نوعاً من الهرولة نحو التطبيع ونحن لن نشارك فيها ولن نباركها".

جاء ذلك في مقابلة تلفزيونية مع وسائل إعلام محلية، وأضاف حينها أن "القضية الفلسطينية بالنسبة للجزائريين مقدسة وأم القضايا وحلها لا يكون إلا بقيام دولة فلسطين وعاصمتها القدس وبحدود عام 1967".

إن تصريحات وتأكيدات الرئيس تبون تؤكد على عدة حقائق ما زالت تشكل الوعي الجزائري وترسم الخطوط العريضة للخطاب الرسمي، أهمها:

أولا:- الإيمان بحقوق الشعب الفلسطيني وعشق فلسطين وشعبها المغبون بات ثقافة جماهيرية راسخة في الجزائر، لذلك فالشعب الجزائري ينحاز بقوة إلى جانب حقوق الشعب الفلسطيني ويتجلى ذلك في المعاملة المتميزة التي يحظى بها الفلسطينييون في الجزائر، أو من خلال الحراك الشعبي بكل أطيافه.. ويمكن رصد موجات التأييد الجزائري لتفاصيل الوجع الفلسطيني من خلال مواقع التواصل الاجتماعي لتكتشف بأن قضية فلسطين في المقدمة جزائرياً بينما التطبيع خطيئة لا تغتفر.

ثانياً:- الموقف الجزائري الرسمي المعلن والثابت والمؤيد لحقوق الشعب الفلسطيني بما في ذلك حقة في دولة مستقلة على حدود السابعة والستين وعاصمتها القدس.. ورفضه للاحتلال وممارساته الإجرامية بحق الفلسطينيين في القدس المحتلة والضفة الغربية والعدوان الهمجي المتكرر على غزة المحاصرة.

ثالثاً:- الموقف الجزائري وإحياء الثقة بالقومية العربية، وإخراجها من غرفة الإنعاش.. إذ ينبغي التذكير بأن الموقف الجزائري بات في غاية الاهمية ويشكل انطلاقة متجددة لرسم معالم التضامن العربي المشترك، والسعي دوما لبناء علاقات قومية معبرة وهادفة وتعبر عن اماني الشعوب العربية وتطلعاتها الاستراتيجية، وبالتالي ضرورة البناء عليه، والتأكيد على الرفض العربي لاستمرار المتاجرة بالحقوق الفلسطينية، وأن الأمن لا يعم المنطقة إلا بجلاء الاحتلال والتقيد العربي بقرارات قمة بيروت عام (2002).

هذه مهمة أنيطت بالجزائريين من باب الواجب القومي والإنساني، وموقف كتب بحروف من نور في ظل الظروف الحرجة التي تمر بها القضية الفلسطينية وقد انحسر الغطاء القومي عنها وتركها نهباً للذئاب المتربصة بحقوق الشعب الفلسطيني الصابر على الضيم والقابض على الجمر، ليؤكد موقف الجزائر مجدداً على أهمية الدعم العربي للشعب الفلسطيني، وأن فلسطين ليست وحدها، وأن الموقف القومي والعمق العربي واضح ولا مجال للشك به، حيث تقف الجزائر مع القضية الفلسطينية منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية مروراً بتأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، وإعلان استقلال دولة فلسطين في المجلس الوطني الفلسطيني وصولاً إلا تذكير العالم في الوقت الراهن بأن القضية الفلسطينية هي جزائرية بامتياز، وإن بلد المليون شهيد لن تتنازل عن شبر من فلسطين وترفض التطبيع جملة وتفصيلاً.. وكما قال بوميدن " الجزائر مع فلسطين ظالمة او مظلومة".. لذلك فالجزائر تعتبر البعد الأقوى لنضال الشعب الفلسطيني في كافة الصعد حتى تحرير الأرض والإنسان..

 

بقلم بكر السباتين

1-5-2021

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم