صحيفة المثقف

ظريف حسين: فقه الاستحلال!

ظريف حسينإنه إذا كان فقه الحلال يعني بالوجوه التي حددها الشرع للتحليل والتحريم، طبقا لقاعدتين وهما ألا حرام إلا ما حرمه الله بنص قاطع، والأصل في الأشياء التحليل. وبالتالي فإن وظيفة الفقهاء هي استنباط الأحكام الشرعية علي الأشياء بناء علي هاتين القاعدتين، قياسا علي ما نصت عليه الآيات المحكمات.

و بصفة عامة فإن التحريم الذي يوجب الحكم بالكفر، أي الحكم بتكفير مرتكب الفعل المحرم لا يمكن أن يكون بناء علي الاشتباه أو الظن، لأن التكفير عملية تنقل الإنسان من الجنة إلي النار في الآخرة، ومن دار السلام إلي دار الحرب في الدنيا.و لذلك فقد حذرت السنة النبوية من الافتاء بالتكفير، وإلا وقع المكفر فيما حكم علي غيره به.

وهذا يعني ببساطة أن الكافر هو من أنكر بندا من بنود الإيمان والإسلام إنكارا صريحا، وبالأوْلي كل من اعترف بخروجه علي حدود الدين. وهكذا لا يعتد بأية فتوي تتجاوز هاتين القاعدتين، أي كل اجتهاد شخصي من شأنه خلع المسلم من ربقة الدين بهدف استحلاله هو وذويه وماله!

وعلي ذلك فإن كل محاولات إخراج الناس من حظيرة الإيمان بعصا الفقه هي من قبيل فقه الاستحلال، أي العمل علي تحليل الحرام وتحريم الحلال لأسباب غير شرعية ولغايات دنيوية.

وإذا كان من المعلوم بالضرورة أن هناك حالات يحل فيها القتل ويعد واجبا شرعيا مثل قتل الأعداء في الحروب، والقتل قصاصا أو تنفيذا لعقوبة شرعية أو قضائية، أو دفاعا عن النفس والمال والعرض، فإننا لم نسمع يوما أن أمة أو ديانة أو نحلة أو مذهبا وضعيا مهما كانت درجة شذوذه قد أباح السرقة أو أفتي بجوازها إلا في حالات المجاعات، طبقا لقاعدة الضرورات تبيح المحظورات.

وفي المقابل نجد أقطاب الجماعات التكفيرية من تلاميذ أبي الأعلي المودودي وخليفته سيد قطب يكفرون  مخالفيهم-بفقه الاستحلال- في كل قطاعات المجتمع وأفراده وخاصة الحكام ومؤسسات الجيش والشرطة، واصفين إياهم بالجاهليين!

وهم بناء علي وصمة الكفر التي ألصقوها بهؤلاء-بهتانا وافتراء-يستحلون دماءهم وممتلكاتهم وأعراضهم باستحلال أطفالهم ونسائهم، بوصفهم كفارا، أي أعداء في الدين؛فلهم الحق إذن في اغتنام ممتلكاتهم  باعتبار أنها رزق طيب ينفقون منه علي تجهيز الفخاخ للإيقاع بالأبرياء وتفجيرهم، وكل ذلك ابتغاء مرضاة الله!

وقد رتبوا ذلك الانحراف في العقيدة، كما رأينا، علي حجة فاسدة متواترة صدورا عن زعمائهم الدينيين الموتورين المختلين نفسيا واجتماعيا.

وهم من حيث لا يدرون يسعون في الأرض مفسدين، مدعين أن ذلك من صحيح الدين!

و قد بلغوا الحد الذي به يظاهرون ألد الخصوم ضد أهليهم الأقربين، وبما لم يكن يحلم به مردَة الشياطين، أولئك الذين  يحركونهم في الصحاري كأنهم بشر آليُّون، وقد سلبوهم عقولهم وباتوا كفئران البرية يهدمون بيوت الآمنين، ويؤَمِّنون حصون مواليهم الملاعين.فأي مصير هم ملاقون؟إلي الجحيم هم ومن إليه يلتحدون.

فبذلك كان علي المواطنين المخلصين أن يتنبهوا إلي ذلك الخطر المقيم مدافعين عن الوطن والمواطنين بكل رخيص وثمين، أو أنهم سيواجهون مصير ذلك البائس القديم، إذ أنشأ في يوم مشئوم:"أضاعوني وأي فتي أضاعوا... " ذلك يوم يكون الندم علي ما لا يفيد عليه الندم!

 

د. ظريف حسين

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم