صحيفة المثقف

كريم المظفر: هل اغتالت روسيا الأرشيدوق النمساوي فرانز فرديناند؟

كريم المظفرالازمة بين روسيا والاتحاد الأوربي، بدأت تأخذ مدى أبعد في التصعيد، بعد أن أقدمت موسكو على اتخاذ خطوة جوابية مفاجئة، بحظر سفر ثمانية مسؤولين أوروبيين إلى أراضيها وعلى رأسهم رئيس البرلمان الأوروبي ديفيد ماريا ساسولي، ردا على تبني المجلس الأوروبي في 22 من مارس الماضي إجراءات تقييدية بحق ستة مواطنين روس.

والخارجية الروسية أكدت ان القائمة السوداء الروسية الجديدة تضم أيضا شخصيات أوربية رفيعة المستوى كرئيس النيابة العامة في العاصمة الألمانية برلين يورغ راوباخ، ونائبة رئيس اللجنة الأوروبية لشؤون القيم والشفافية فيرا يوروفا، وعضو الوفد الفرنسي في الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا جاك مير، ورئيسة مختبر الحماية والأمن الكيميائي والبيولوجي والإشعاعي والنووي التابعة لوكالة أبحاث الدفاع السويدية، أسا سكوت، ونائب المجلس الوطني الخاص بوسائل الإعلام الإلكترونية في لاتفيا إيفارس أبولينش، ومدير مركز اللغة الرسمية في لاتفيا ماري بالتينش، ورئيس إدارة اللغات في إستونيا إلمار توموسك.

موسكو تشدد على أن مواصلة الاتحاد الأوروبي انتهاج سياسة الإجراءات التقييدية غير الشرعية أحادية الجانب بحق المؤسسات والمواطنين الروس تتناقض مع ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، محتملة وسائل الإعلام الغربية المسؤولية عن تأجيج هستيريا معادية لروسيا، وأتهمت الاتحاد بتجاهل أو رفض أي اقتراحات روسية رامية إلى تسوية المشاكل العالقة من خلال حوار مهني، وترى في تصرفاته بأنها لا تترك هذه التصرفات من قبل الاتحاد الأوروبي مجالا للشك في أن هدفها الحقيقي يكمن في كبح تنمية روسيا بأي ثمن وفرض مفهوم (النظام العالمي المبني على القواعد) الذي يقوض القانون الدولي، والتحدي بشكل واضح لاستقلال سياسات روسيا الخارجية والداخلية، وذلك بشكل منفتح و ممنهج، وبطبيعة الحال بمعرفة وتشجيع من الولايات المتحدة التي لا تخفي اهتمامها بإعادة تحويل أوروبا إلى لعبة لمواجهة جيوسياسية حادة .

التصعيد الروسي جاء بعد تبنى البرلمان الأوروبي قرارا (وإن كان غير إلزامي) دعا الاتحاد الأوروبي فيه إلى اتخاذ خطوات بحق روسيا منها تجميد مشروع خط أنابيب الغاز "السيل الشمالي-2" ، وصوت 569 نائبا (مقابل 67 معارضا وامتناع 46 نائبا عن التصويت) لصالح القرار الذي تبناه البرلمان الأوروبي في ختام مشاوراته بشأن روسيا، وذلك بدعوى الرد على قضية سجن الناشط الروسي المعارض أليكسي نافالني، وحشد موسكو قواتها قرب حدود أوكرانيا على خلفية التصعيد في منطقة دونباس، واتهام السلطات التشيكية الاستخبارات الروسية بالوقوف وراء انفجارات هزت عام 2014 مستودع أسلحة في بلدة فربيتيتسي.

ويدعو القرار المجلس الأوروبي والمفوض السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، جوزيب بوريل، إلى تبني نهج استراتيجي جديد في العلاقات مع روسيا والحد من التعامل مع سلطات هذا البلد والتركيز أكثر على "مساعدة المجتمع المدني" فيه، وينص القرار على أن "أي حوار مع روسيا يجب أن يعتمد على احترام القانون الدولي وحقوق الإنسان".

الدول الشرقية نجحت في تبني 569 نائبا (مقابل 67 معارضا وامتناع 46 نائبا عن التصويت) لصالح القرار الذي تبناه البرلمان الأوروبي في ختام مشاوراته بشأن روسيا، وعلى ضرورة أن يقلص الاتحاد الأوروبي اعتماده على روسيا في مجال الطاقة، وحث لذلك مؤسسات الاتحاد والدول الأعضاء فيه إلى تجميد بناء "السيل الشمالي 2" (وهذا بالضبط ما تسعى اليه الولايات المتحدة)، ودعا الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ خطوات بحق روسيا وذلك بدعوى الرد على قضية سجن الناشط الروسي المعارض أليكسي نافالني، وحشد موسكو قواتها قرب حدود أوكرانيا على خلفية التصعيد في منطقة دونباس، واتهام السلطات التشيكية الاستخبارات الروسية بالوقوف وراء انفجارات هزت عام 2014 مستودع أسلحة في بلدة فربيتيتسي.

الوعود التي أشار اليها قرار الاتحاد بان روسيا "ستدفع الثمن الباهظ" في حال أدى حشد قواتها عند حدود أوكرانيا إلى تدخل عسكري في هذا البلد، موضحا أن هذا السيناريو يجب أن يؤدي فورا إلى تعليق جميع كل واردات النفط والغاز إلى الاتحاد من روسيا وإقصائها من نظام SWIFT للتعاملات المالية، بالإضافة إلى تجميد أصول جميع رجال الأعمال المرتبطين بالحكومة الروسية ومنعهم من السفر إلى أراضي الاتحاد، قللت موسكو منه، وشدد الكريملين، من إن روسيا ستعثر بسرعة على بديل لنظام سويفت، إذا دعت الحاجة، إن البديل عن النظام الدولي للمدفوعات بين البنوك سيظهر على الفور إذا "أظهر عدم موثوقيته"، وقال السكرتير الصحفي للرئيس الروسي ديميتري بيسكوف "نحن نعيش في عالم متقدم بحيث يتم العثور على نظائرها أو بدائلها الجانبية بسرعة كبيرة لهذا النظام، ومن المستحيل تقييد روسيا في أي شيء"، وبدوره، أشار وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إلى أن البلاد لديها أساس لإنشاء نظيرها الخاص من SWIFT. وأوضح الوزير أنه يجب أن يكون هناك ضمان ضد الضرر الذي يمكن، من الناحية النظرية، أن يحدث بشكل إضافي من قبل أطراف ثالثة.

وترى موسكو في قرارات البرلمان الأوروبي، بانها قرارات توصية وليست إلزامية، ولم يتم تبنيها من أجل التأثير على شيء ما، موضحا إن مثل هذه القرارات تعكس، كقاعدة عامة، الطموحات السياسية لمؤلفيها بدلاً من احتواء مقترحات حقيقية حول مشاكل حقيقية - لذلك، يجب أن تكون روسيا مصممة في رد فعلها ليس إلى حد كبير على هذا النوع من القرارات، بل على الإجراءات المحددة للاتحاد الأوروبي في الاتجاه الروسي، وقال قسطنطين كوساتشوف، نائب رئيس مجلس الاتحاد " وبالطبع نحن نراقب هذه الإجراءات عن كثب، لكننا نتابعها، وليس قرارات البرلمان الأوروبي ".

ووفقًا للخبراء، لا يوجد تهديد حقيقي وراء دعوات البرلمان الأوروبي، والنقطة هنا ليست فقط في الطبيعة الموصى بها للقرار - فالمتطلبات الواردة في الوثيقة محفوفة بمخاطر عالية للغاية، والتي من غير المرجح أن يجرؤ الاتحاد الأوروبي على القيام بها، فمثلا سيؤدي فصل روسيا عن نظام SWIFT إلى تحركات خطيرة للغاية في الأسواق المالية، وأوضح إيفان تيموفيف، مدير برنامج مجلس الشؤون الدولية الروسي ونادي فالداي، أن المبادرين لم يحققوا أي أهداف سياسية، وسيكون الضرر هائلاً - في المقام الأول للعلاقات بين روسيا والاتحاد الأوروبي مع دورانها الكبير، وشددوا على انه إذا أفلتت مثل هذه العقوبات على إيران، فمن الأفضل عدم تكرار هذه الحيلة مع روسيا - بسبب الأضرار والعواقب السياسية التي ستكون أكثر خطورة مما كانت عليه في حالة طهران.

وبالنسبة للعقوبات المفروضة على جرائم الفساد، فإن مثل هذه الآلية القانونية موجودة بالفعل في المملكة المتحدة، وفي الواقع، في الولايات المتحدة (في إطار "قانون ماغنتسكي")، ويشير الخبراء الى انه قد يظهر أيضًا في الاتحاد الأوروبي، ولكن حتى إذا أخذ مجلس الاتحاد الأوروبي الأمر على محمل الجد، فإن إدراج الروس في هذه القوائم لن يؤثر بشكل أساسي على مؤشرات الاقتصاد الكلي للاتحاد الروسي، وبالنسبة لإيقاف Nord Stream 2 - لم يبد للمرة الأولى، وللمشروع العديد من المعارضين في الاتحاد الأوروبي، ولكن في الواقع أعيقت بنائه عقوبات الولايات المتحدة، وليس دعوات البرلمان الأوروبي للعرقلة، ووفقا لهم، لن يكون من الممكن إعاقة المشروع .

كما يعرب الخبراء عن أعتقادهم، بانه من غير المرجح أن تنفصل روسيا عن نظام سويفت، لأن هذا يمثل خطرًا كبيرًا على سمعة نظام التسوية الدولي، لأنها منظمة دولية، مستقلة رسميًا، وكان هناك مثل هذا سابقة بعد هجمات 11 سبتمبر التي هزت مصداقية SWIFT بشكل كبير، وأشار يعرب رئيس لجنة مجلس الدوما للأسواق المالية أناتولي أكساكوف، إلى أن مثل هذا الإغلاق ممكن نظريًا، وقال "لكننا أعددنا لذلك بطريقة معينة "، وإذا كان الحديث عن السوق المحلية، أي أن جميع اللاعبين في الاتحاد الروسي يستخدمون النظام الداخلي لإرسال الرسائل المالية (SPFS) ، أما بالنسبة لاستخدام الروبل الرقمي، هذا أيضًا احتمال محتمل، لكننا بحاجة إلى ضمان أنظمة التوافق التكنولوجي، وهو اتفاق بين الدول.

ويشدد جيمس أندرو لويس خبير الأمن السيبراني في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن لرويترز إن الإجراء الأكثر صرامة قد يكون فصل روسيا عن نظام سويفت، والتي قد تضر بالمصالح المالية أو البنية التحتية للدول الصديقة للولايات المتحدة بادئ ذي بدء، فان الحديث يدور عن الاتحاد الأوروبي، حيث تحتل روسيا حوالي ثلث سوق الغاز وما يقرب من ربع سوق النفط، وكذلك صناديق الاستثمار العالمية، والتي، وفقًا لإحصاءات البنك المركزي، تمتلك 27٪ من سوق الغاز.

وبشكل عام لن تقطع بروكسل العلاقات مع موسكو على خلفية المواجهة الحالية، ووفقا للمحلل السياسي الألماني ألكسندر راهر، فانه يعبر عن تأكيده من أنه لا شيء يمكن أن يوقف هذا المشروع، ومن غير المرجح أن تقطع أوروبا العلاقات مع موسكو، بسبب نافالني، وسيبقى عاملاً مزعجًا، لأن حقوق الإنسان في أوروبا تظل إحدى النقاط الرئيسية، ومع ذلك، يدرك السياسيون الأوروبيون الجادون أنه من العبث تغيير العلاقة التاريخية بسبب شخص واحد، في حين سخر النائب الأول لرئيس اللجنة الدولية لمجلس الاتحاد فلاديمير دشاباروف من هذه العقوبات، واكد إن الاتحاد الأوروبي سيتعين عليه دفع ثمن النفط نقدًا في حقائب إذا تم فصل روسيا عن نظام سويفت.

وسخرية الوزير لافروف من ادعاءات الدول الشرقية واتهام روس في أحداث مضى عليها من الزمن وكما هو الحال في الادعاء البلغاري واتهامها بتورط مواطنين روس في سلسلة انفجارات وقعت بمصانع أسلحة بالبلاد منذ عام 2011، وإن الانفجارات تزامنت مع وجود هؤلاء المواطنين الروس على أراضي البلاد، ودمرت المنتجات العسكرية المخصصة للتصدير إلى جورجيا وأوكرانيا، معتبرة أن هدف أفعال المواطنين الروس كان وقف إمداد الذخائر لهاتين الدولتين، وأنه على مدى السنوات العشر الماضية، لم يكن الجانب البلغاري يعرف أي شيء وفجأة الآن، وبعد مزاعم التشيك عن انفجار عام 2014، قرر التفوق على هؤلاء وإعادة النظر بشكل أعمق في أحداث الماضي.. أو أنهم كانوا على علم طوال هذا الوقت بما حدث لكن لسبب ما لم يكشفوا عنه.

ان تسابق الدول الشرقية (سابقا ) ودول البلطيق، والتي باتت محط انتقاد حتى الدول الأوربية الاساسية، وترى في الدول الجديدة في الاتحاد بأنها تتسابق حتى مع بعضها، من اجل اظهار درجة الولاء والطاعة للولايات المتحدة الامريكية في إلحاق الأذى في العلاقات مع روسيا، بغض النظر عن مدى تأثير هذا الأذى على العديد من الدول الاوربية التي ترتبط بعلاقات جيدة مع موسكو كألمانيا وإيطاليا واليونان، وأخرى ترى مصلحتها في تعزيز التعاون التجاري والاقتصادي والسياسي مع روسيا، لكنها مقيدة بالقرارات التي يتخذها الاتحاد الأوربي ، وتطورات الاحداث بعد ادعاءات تشيكيا ، وآخرها بلغاريا، باتت موضع سخرية لوزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف الذي قال ساخرا " أنه لم ينسب لروسيا بعد التورط في اغتيال الأرشيدوق النمساوي فرانز فرديناند، والذي أشعل فتيل الحرب العالمية الأولى في أغسطس عام 1914، وأضاف جيد أننا لم نُتهم بعد بقتل الأرشيدوق فرديناند، لكن من الواضح أن الأمور تسير في هذا الاتجاه".

 

د. كريم المفظر

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم