صحيفة المثقف

عباس علي مراد: التاريخ الاسترالي والمصالحة المطلوبة

عباس علي مرادعلى الرغم من الاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي والمستوى المعيشي الجيد إلا أن أستراليا لا تزال تواجه تحديات ومن أهمها قضية المصالحة مع السكان الأصليين، والاعتراف بهم في الدستور، التي تحتاج لتعبيد الطريق لمستقبل أفضل من خلال الاعتراف بمعاناة السكان الأصليين والظلم الذي لحق بهم منذ بدء الاستيطان الأبيض في البلاد.

كانت الحكومة الفيدرالية رفضت  بيان أولورو من القلب الذي اطلقه السكان الاصليين بعد مؤتمرهم في أولورو عام 2017 والذي دعا إلى وجود صوت مكرس في الدستور للسماح لمجتمعات السكان الأصليين بمساهمة أكبر في سياسة الحكومة التي تخصهم.

يشكل السكان الاصليون ثلاثة في المائة من مجموع السكان، ويشكلون ما يقرب من 30 في المائة من المحتجزين خلف القضبان، وتتفاوت النسب بين الولايات فتصل الى 40% في ولاية غرب أستراليا وقرابة 80% في مقاطعة المناطق الشمالية.

ما زالت نسبة وفاتهم في السجن هي الاعلى نسبة الى عددهم على المستوى الوطني، فبعد  مرور ثلاثين عامًا على اللجنة الملكية  التي درست وحققت باسباب وفاة السكان الاصليين في السجن وتوصياتها لوضع حد لتلك المأساة ساءت الأمور، وتوفي أكثر من 400 منهم  في الحجز منذ عام1991.

إذن، أين أصبحت المصالحة التي نتحدث عنها؟

يعتبر تعليم التاريخ من الأسس التي تعتمد للتعلم من أخطاء الماضي وتفاديه من أجل مستقبل أفضل ومصالحة حقيقية،

وهذا ما حاولت القيام به هيئة تقييم المناهج الأسترالية ، التي كشفت يوم الخميس 29/4/2021 عن تغييرات مقترحة على تعليم تاريخ أستراليا، وبموجب التغييرات المقترحة ، سيتم تعليم الأطفال أن السكان الاصليين "ألابوريجنال الذين تم استعمارهم من قبل البريطانيين واعتبار ذلك الاستعمار "على أنه غزو وسلب للأراضي والبحر والسماء" وتلحظ التغييرات المقترحة إزالة الإشارات إلى "التراث المسيحي" في أستراليا من مناهج التربية المدنية والمواطنة لصالح مصطلحات مثل العلمانية ومتعددة الأديان.

رحب كثيرون بالمقترحات، كاثرين بارون، رئيسة جمعية معلمي التاريخ في أستراليا قالت:"يجب أن يتعلم الأطفال الأستراليون عن الثقافات الأسترالية القديمة"

هايلي ماكواير، منسقة التحالف الوطني لتعليم الشباب من السكان الأصليين، قالت: إن الشباب كانوا يدعون إلى هذه التغييرات وأضافت "من المهم حقًا أن يطلع جميع الشباب الأسترالي على حقيقة ماضينا".

مارك سبنسرمدير السياسة العامة في المدارس المسيحية أستراليا رحب بالتغييرات المتعلقة بتاريخ السكان الأصليين وسكان جزر مضيق توريس ، قائلاً إنه يأمل أن تؤدي إلى فهم أكبر لوجهات النظر المختلفة.

الوزير الفيدرالي للسكان الأصليين الأستراليين كين وايت وهو من السكان الأصليين قال إنه من المهم أن يتعرف ألطلاب على تراث السكان الأصليين في أستراليا ولكنه لم يعطي تفاصيل عن تغييرات محددة.

ولاقت التغييرات المقترحة معارضة من نواب ووزراء وبعض المؤسسات الكنسية.

وزير التعليم الفيدرالي آلان تودج قال إنه قلق بشأن بعض التغييرات المقترحة على المناهج الدراسية الوطنية، مضيفاً أنه مع الإضاءة على تاريخ السكان الاصليين وتعليمه لكنه  اشار الى ان ذلك لا ينبغي أن يكون على حساب الإساءة إلى تراث أستراليا الغربي ، الذي جعلنا الديمقراطية الليبرالية التي نحن عليها اليوم، يجب أن نحقق التوازن بشكل صحيح وأنا قلق من أننا لم نشارك في المسودة التي تم طرحها.

وزير الهجرة أليكس هوك ، وهو مسيحي ملتزم قال إن المناهج الدراسية يجب أن "تستمر في تعليم ثقافتنا وتاريخنا وقيمنا" وأضاف إن القيم اليهودية والمسيحية والغربية في أستراليا "أساسية لنجاح مجتمعنا المستمر".

النائب من  الحزب الوطني وعضو لجنة التعليم في مجلس النواب بارنابي جويس،انتقد التغييرات واعتبرها عملية تحريفية تحمل عقدة الذنب.

الرئيس التنفيذي للمدارس الكاثوليكية في نيو ساوث ويلز دالاس ماكينيرني، قال إن بعض التعديلات المقترحة تتطلب مزيدًا من الدراسة وإعادة التوازن ، "لا سيما المتعلقة  بهوية أستراليا المسيحية واعتبارها تراثًا وفعلاً ماضياً".

حتى يتم تبني التغييرات يجب ان يتم الموافقة عليها من قبل وزراء التعليم في الولايات ووزير التعليم الفيدرالي، هذا من الناحية القانونية، لكن من الناحية الوطنية، لا بد من مقاربة المسألة مقاربة موضوعية، وإعطاء الموضوع حقه من الدراسة للوصول الى مناهج مدرسية تعكس البعد الديمغرافي لأستراليا القرن الحادي والعشرين، ولا تغفل البعد التاريخي سواء تاريخ السكان الأصليين الذين عاشوا في هذه البلاد منذ 65000 سنة، او ما يتعلق بالإستيطان الابيض والثقافة الغربية التي لعبت دوراً مهماً في تشكيل أستراليا المعاصرة والتي لا يمكن إغفال ممارساتها بحق السكان الاصليين.

عليه، نرى أن ما إقترحته هيئة تقييم المناهج الأسترالية ضروري لبداية جديدة وتناغم وانسجام وطني، علماً اننا نحتفل بيوم للتناغم أو الانسجام في أستراليا في 21 مارس من كل عام والذي يحتفل بالتنوع الثقافي في البلاد والذي نريده أبعد من الفلكلور.

 

عباس علي مراد

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم