صحيفة المثقف

صلاح حزام: سقطة سارتر وتحمل المسؤولية الفردية

صلاح حزامالفيلسوف الوجودي الفرنسي الراحل، جان پول سارتر، يستخدم في كتاباته مصطلح يطلق عليه: السقطة .

وبشكل مختصر، يستخدمه سارتر، للأشارة الى ان السقطة تعني " قيام الانسان بفعل معيّن او اتخاذ قرار معيّن بشكل حر، لكنه يرفض تحمّل تبعاته السلبية مهما كانت ويبدأ بالتذمّر وإلقاء مسؤولية ذلك القرار على الآخرين".

ويرى سارتر ان الانسان عندما يُلقي اللوم على غيره فأنه يفقد انسانيته بالكامل، لأنه يعترف بفقدانه للحرية.

وسوف استعير التعريف ادناه الذي جاء في أحدى الدراسات عن الفلسفة الوجودية.

(فالسقوط (او السقطة) هو عندما يتخلّى شخصٌ عن خَلقِ نفسه وخَلق وجود حقيقي خارجًا عن الظروف التي وجد نفسه بها، فَيبتعدُ عن ذاتهِ الآنية، ويكرر فقط ما يُقال له، ويحولُ عن صنع القيمة والمعنى، أي سقط في "سوء النيّة" للحدّ الذي لم يعدْ يدرك أو يعترف بحرّيتهِ.)

اردت بهذا التقديم الموجز ان اجعله مقدمة لتناول موضوع سلوكي ونفسي لدى الكثير من الأفراد والمجتمعات، التي اعتادت إلقاء اللوم على جهة معينة او حدث معيّن، عند اتخاذ قرارات خاطئة تترتب عليها نتائج سيئة.

الرجل الذي يقول: ورّطني فلان او خدعني، هو في الحقيقة يُعلِن عن نقصه وفشله وفقدان حريته، وبالتالي انسانيته.

مجتمعات كاملة تعتقد ان مصائبها كلها من وراء جهة معينة (دولة او منظمة الخ ...)، دون ان تعي ان السماح لتلك الجهة بالتلاعب بها هو عَيب خطير ولايجوز للمجتمع ان يتغنّى به ويعلّق عليه خسائره.

نفي القصور الذاتي وادّعاء الكمال والقاء اللوم على الآخرين، سلوك خاطيء وخطير لأنه يمنع اي امكانية لمراجعة السلوك، سواء للفرد او المؤسسة، ولذلك تتكرر الاخطاء.

دولة تقوم بارادتها الحرة ومع سبق الأصرار والتخطيط (كما اعلنت قياداتها لاحقاً واعترفت)، بغزو واحتلال دولة أخرى مستقلة، لكنها عندما تتلقى صفعة المجتمع الدولي والقوى النافذة في العالم، تصرخ بقوة:

لقد غدر الغادرون !!

من غَدَرَ بِمَن؟

يفشل الطالب في جامعة اجنبية، فيبرر ذلك بوجود استاذ يكره العرب والمسلمين !!! مع ان الطالب فاشل وكسول ولايستحق الذهاب للدراسة في تلك الجامعة..

لقد تعبنا من تكرار القاء اللوم على المؤامرات الاجنبية واعداء الأمة الخ ..

الى متى تستمر حياكة المؤامرات ضدنا ونحن نتفرج؟ اذا كنا قد ادركنا الجهات التي تتآمر علينا، لماذا لانمنع تلك الجهات ونجعل مهمتها التآمرية غير ممكنة؟

بعضنا وصل به الأمر الى حد تفسير الاحداث العالمية الكبرى باعتبارها وقعت نتيجة مؤامرات خارجية او عمالة وخيانة شخص معين.. قالوا ان سقوط الاتحاد السوفيتي يعود الى مؤامرة ونتيجة خيانة غورباتشوف!!

هل يُعقل ان كياناً عملاقاً كالاتحاد السوفيتي يُسقطه تآمر فرد؟؟ بعد ان كان قائماً لأكثر من سبعين عاماً؟ وأي كيان هش هذا الذي يُسقطهُ فرد؟؟

قادة الاتحاد السوفيتي ومفكروه قالوا ان النظام نفسه ارتكب اخطاء ادت الى سقوطه، لكن البعض لدينا يرفض ذلك التفسير ويُصِر على فكرة المؤامرة الامبريالية !!! انهم لايمنحون انفسهم فرصة للتفكير لتفسير الأحداث واسباب وقوعها..لذلك تتكرر لدينا الأخطاء.

قال أحد المسؤولين الحزبيين في الثمانينيات، في ندوة للطلبة خارج العراق: هل تعلمون لماذا تُطيل ايران أمد الحرب؟ ولماذا يساعدها اعداء العراق والعرب؟ انهم يستهدفون تجربة العراق العظيمة، انها تخيفهم ويريدون سرقة التجربة !!!

في نفس الليلة اتصل بي صديق بعد منتصف الليل تلفونياً، وقال لي: أني أشعر بالأرق والقلق والخوف ولا استطيع النوم .سألته: سلامات، لماذا تقلق؟

اجابني بحزن: انه يخاف على التجربة!!بعد التحذيرات التي سمعها من ذلك المسؤول حول امكانية سرقة التجربة..

ضحكنا طويلاً، خاصة عندما قال ساخراً: ماذا سنفعل اذا ضاعت التجربة؟ ومن اين سوف نأتي بتجربة مثلها؟

يومها كانت مجازر معركة نهر جاسم تدور،،،،، دفاعاً عن التجربة!!!!

قلت له: اخشى ان تتكشف هذه التجربة اللعينة عن مهزلة ومأساة كبرى ..وهذا ماحصل ...

 

د. صلاح حزام

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم