صحيفة المثقف

قاسم حسين صالح: الأنتحار في العراق.. ومفوضية حقوق الأنسان

قاسم حسين صالحتصريح

كشفت مفوضية حقوق الانسان في (4/5/2021) عن ارتفاع الوفيات في عام (2020) بنسبة (8.5) بالمئة، وأنها في تصاعد متكرر للعام الرابع على التوالي..  وعزت دوافع الآنتحار الى اسباب اجتماعية ونفسية واقتصادية.

من المسؤول؟

بوصفنا سيكولوجيين متخصصين في الانتحار فأننا كنا حذرنا ودعونا الحكومة والبرلمان لمعالجة تزايد حالات الانتحار في العراق عبر خمس مقالات ودراسات بينها (ما هكذا نقدم للعالم انتحار شباب العراق-8/1/2018) و(أربعة اسباب وراء ظاهرة الانتحار في العراق – 15/10/2020).. وعبر فضائيات (الشرقية، الحرة ، روداو..). وكالعادة فان البرلمان والحكومات لم تستجب وكأن الأمر لا يعنيها، الا مجلس محافظ بغداد الذي عالج الآنتحار بحل مبتكر هو (بناء اسيجة على جسور بغداد لمنع الشباب من الانتحار!)

ومع ان مفوضية حقوق الانسان معنية بهذا الشأن، وجهة رسمية تابعة للبرلمان، فانها اعلنت ان دوافعه اجتماعية نفسية واقتصادية دون ذكر من كان السبب في تضاعف حالات الانتحار.ولها وللبرلمان والحكومة نقول.. ان احزاب السلطة هي المسؤولة.. ليس فقط عن تزايدها، بل وعن الاستهانة بأرواح الناس في عدم معالجتها.

دوافع الأنتحار

في قراءتنا للادبيات والتحقيقات الصحفية، فان اسبابه تتلخص بثلاثة:

البطالة في قطاع الشباب،

تردي الأوظاع الاجتماعية والاقتصادية،

عادات وتقاليد اجتماعية متخلفة.

تلك هي الاسباب التقليدية للانتحار، والذي حصل بعد التغيير، تزايد شدة وحدة الاسباب التقليدية هذه، اذ اشارت التقارير الى ان نسبة البطالة بمحافظة ذي قار بلغت (34%)، فيما تعدى عدد من هم دون مستوى خط الفقر سبعة ملايين عراقي عام 2015، وصلوا في 2020  الى  13 مليون بحسب وزارة التخطيط.

أسباب عراقية جديدةّ!

والذي حصل أن أسبابا عراقية جديدة ظهرت  نوجزها بالآتي:

توالي الخيبات. صبر العراقي خمس سنوات بعد (2003) ثم خمسا، ثم خمسا.. ولأن للصبر حدود، وقدرة على التحمل، فان البعض من الذين نفد صبرهم عمد الى الانتحار بوصفه الحل الأخير لمشكلته.

الشعور بالحيف والندم.تجري لدى بعض الشباب مقارنة بين شخصه وقدراته وقيمه وبين آخرين يحتلون مناصب بمؤسسات الدولة يقلّون عنه خبرة وكفاءة وقيما، مصحوبا بشعور الندم على اضاعة الفرصة.. فيعاقب نفسه بقتلها.

الاكتئاب واليأس والوصول الى حالة العجز. حين يجد الفرد أن الواقع لا يقدم له حلّا لمشكلته، ويصل مرحلة اليأس والعجز، فانه يلجأ لانهاء حياته. وهنالك اكثر من حادثة بينها انتحار ست نساء في النجف قبل ثمانية أعوام جاءت بسبب وضع اطفالهن الصعب، ولأنهن لم يستطعن اعالتهم فإنهن اخترن الانتحار بشكل جماعي.

فشل السلطة واستفرادها بالثروة. تعرّف السياسة بأنها فن ادارة شؤون الناس، وما حصل في العراق ان الطبقة السياسية عزلت نفسها مكانيا ونفسيا في عشرة كيلومتر مربع لتعيش حياة مرفهة وتركت الناس يعيشون حياة الجحيم، ولم تستجب لمطالبهم وتظاهراتهم من شباط (2011).

القتل هو الردّ. تظاهر الملايين من الشباب مطالبين بشكل سلمي بمعالجة مشكلة البطالة على مستوى الخريجين وتأمين حياة كريمة (دعت لها الآن المفوضية!)، فتعاملت السلطة معهم وكأنهم أعداء غزاة، فقتلت منهم اكثر من ستمئة شابا وشابة في بغداد فقط.

اشاعة الأحباط. يعمد الأعلام ووسائل الاتصال الاجتماعي الى اشاعة الاحباط، بمواصلة العدّ التنازلي للأمل، لاسيما في تغريدات عبر الفيسبوك من قبيل:

- شعب سلبي رافض لكل فعل باتجاه خلاصه.

- تغيير الحال بالعراق.. حلم ابليس بالجنة.

- مع ان اغلب الفاسدين يعترفون بانهم سرقوا الشعب.. فانه سيعيد انتخابهم.

وبتزامن هذه الأفكار (القاتلة) مع مشاهد القتل اليومي والفواجع، فان الانتحار يكون نهاية محسومة لدى من تصل لديه الحال.. درجة الصفر.. في ظل نظام استفرد حكامه بالسلطة والثروة.

للموضوع تتمة علمية.. ان كنتم للعلم تكترثون.

*

أ.د.قاسم حسين صالح

مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم