صحيفة المثقف

صادق السامرائي: الموالي يحكمون!!

صادق السامرائيالمَوالي: المناصرين المساندين أو الخَدم.

تجربة الحكم في الدولة الأموية التي إستمرت لأقل من قرن، تمخضت عن رؤى وتصورات جديدة للحكم، إتضحت في زمن الدولة العباسية.

فمؤسس الدولة الأموية خاض حربا عربية - عربية، قُتِل فيها عشرات الآلاف من المسلمين العرب حتى إستتب له الحكم.

ومن بعده، كان السيف لا يعرف سوى جز الرقاب، ولا يعنيه هوية الرأس الذي سيبتره، ما دام معارضا للحكم أو لا يؤيده، أما إذا ثار عليه أو خرج عن طاعته، فتلك قضية يكون القتل فيها قد بلغ ذروة التوحش والعدوان.

ويبدو أن مؤسس الدولة العباسية الحقيقي كان يرى، "يجب أن يحكم العرب غير العرب"، تلك نظرية أبو جعفر المنصور (95 - 158) هجرية، بعد أن أمسك بسلطان القوة (136 - 158)  هجرية، فأباد من بني أمية ما أباد، ومن أبناء عمومته ما تمكن منهم بالقتل الشديد.

فهو "أول مَن أوقع الفتنة بين العلويين والعباسيين"، وهما أولاد عمومة بسبب التنافس على السلطة.

و"أول من إستعمل الموالي على العرب"!!

وقيل له: " لقد هجمت بالعقوبة حتى كأنك لم تسمع بالعفو، قال: لأن بني أمية لم تبل رممهم، وآل أبي طالب لم تغمد سيوفهم، ونحن بين قوم رؤنا أمس سوقة، واليوم خلفاء، فليس تتمهد هيبتنا في صدورهم إلا بنسيان العفو واستعمال العقوبة".

أبو جعفر المنصور ذو ثقافة واسعة وخبرة ومحب للعلم والمعرفة، فهو الذي أطلق حركة الترجمة والتدوين والتوثيق، وبدأ عصر الثورة الحضارية العلمية الحقيقية التي تواصلت بعده.

وهو المؤسس الحقيقي للدولة العباسية وواضع أسسها المتينة الضامنة لإستمرارها لقرون.

فبنى بغداد (140 - 149) هجرية، ويبدو أنه كان صاحب رؤية حضارية ثاقبة، إنطلق منها لتكوين دولته، وقد ربى إبنه المهدي (127 - 169)  هجرية، على وعي أسسها وأتخمه بوصاياه، ولهذا خلع ولي عهده عمه (عيسى بن موسى) سنة (147) هجرية.

نظرية ابو جعفر المنصور في الحكم لم تكن إعتباطية أو إنفعالية، وإنما ناجمة عن فهم عميق لتجربة الحكم عند العرب، فالأمويون قتلوا من العرب المسلمين مئات الآلاف للبقاء في الحكم، لأن العربي على ما يبدو يأبى أن يحكمه العربي، ويرى أنه أحق بالحكم من غيره، وهذا الموقف قد تسبب بتداعيات مروعة، فالكل يحسب نفسه من السادة والقادة والذي يأمر ولا يؤمر، وتلك مصيبة العرب بالعرب، ومنذ إنطلاق دولتهم في المدينة، التي اعجزت حتى نبيهم على حسم آلياتها وتأمين سلوكهم القويم، وما حصل بعد وفاته لا علاقة له بدين، وإنما بمنظومة حكم وإرادة تحكم وقيادة وإمرة.

وكادت الدولة الأموية أن تنتهي بعد وفاة مؤسسها (معاوية بن أبي سفيان)، ولِما إرتكبه من خطايا إبنه من بعده، لكن (مروان بن الحكم) وخصوصا بقيادة إبنه (عبد الملك بن مروان) وقائده (الحجاج بن يوسف الثقفي)، إستطاعوا تثبيت أركانها بعد أن قتلوا الآلاف من العرب المسلمين، وفعلوا ما فعلوه في مكة والمدينة والصحابة أجمعين.

والعباسيون إتخذوا منهج القتل للقضاء على دولة بني أمية، وأبادوهم عن بكرة أبيهم، ومضوا في قتل أبناء عمومتهم من العلويين، بقيادة عم المنصور (عيسى بن موسى)، فكانت أيام المنصور دامية حتى إستتب أمر الحكم لبني العباس، وبرغم أن (أبو مسلم الخراساني )، هو الذي قاد الثورة على الأمويين، لكن المنصور قتله شر قتلة، ولا يُعرف الدافع لذلك، إلا لتأكيد قوته وهيبته وإرادته المطلقة، ومع ذلك إستعمل الموالي في الحكم وجعل العرب دونهم، لكي يبتعد عن المواجهة الإستنزافية (العربية – العربية) التي أطاحت بدولة بني أمية.

فالخلفاء الذين جاؤوا بعد المنصور إتبعوا نظريته في الحكم، وقد بلغ الموالي ذروة هيمنتهم على الدولة في زمن (هارون الرشيد)، (149 - 193) هجرية، وإنتهت بنكبة البرامكة (187) هجرية.

وكان لهذه النكبة تداعياتها التي تسببت بمقتل الأمين، وخراب بغداد، وعزل القاسم ولي العهد الثالث والملقب بالمؤتمن.

ومع ذلك مضت دولة بني العباس يتحكم بها الموالي والخليفة عبارة عن رمز، إلا ما قل وندر من الخلفاء، الذين إستطاعوا أن يؤكدوا دورهم وهيبتهم، ولهذا إستمرت، ولو أنها إتخذت طريق بني أمية لإنتهت في غضون عقود قليلة.

والخلاصة أن العرب ربما لا يمكنهم أن يحكموا العرب، ولا بد من أجنبي يحكمهم، لأن العربي يعتبر نفسه سيدا وأميرا ولا يعلو عليه عربي، ولهذا فأن الميل عند العرب للآخر أن يتحكم بمصيرهم ويقودهم من العاهات الفاعلة فيهم، ولهذا لم يحكم (فعليا) العرب عربي منذ سقوط دولة بني أمية، إلا فيما ندر وقلما تكرر.

وبعد سقوط الدولة العثمانية لم ينجح العرب في حكم أنفسهم بأنفسهم، وربما يصلح أمرهم أن يحكمهم الأجنبي، كأن يؤتى بملك من غير أهل البلد يتولى أمرهم، ويكون الحكم بعد ذلك وفقا لدستور وتوريث، وهذا ما إجتهد به (معاوية بن أبي سفيان) وفشل، لأن خليفته لم يكن قريبا من قدرات أبيه في القيادة والحكم والحلم.

فالعربي لا يحكم العربي، وإنما على الأجنبي أن يكون متحكما بمصير العربي، وهذا ما سيحصل في القرن الحادي والعشرين، رغم ما يتصور البعض ويرى ويتوهم بأن الديمقراطية ستكون جنة العرب، بل هي ميادين محترب، ومضطرب، ولن يكون في الحكم إلا دمية لأجنبي يتحكم بمصير البلاد والعباد.

فهل سيشفى العرب من كيد العرب؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم