صحيفة المثقف

قاسم طلاع: اريخ فريد.. مئة عام على ولادته

قاسم طلاعErich Fried

1926 – 1988


من الحياة

ذهبت

إلى الشعر

 

ومن الشعر

ذهبت

إلى الحياة

 

أي طريق سيكون في آخر المطاف

هو الأفضل.

ايريخ فريد شاعر وكاتب ومترجم نمساوي ولد في اليوم السادس من شهر أيار عام 1921 في مدينة فيننا. توفي في 22.11.1988 في بادن ـ بادن في جمهورية ألمانيا الاتحادية. مات والده، الذي ولد عام 1890، على أثر التعذيب التي تعرض له على أيدي الغستابو، بعد دخول القوات النازية إلى النمسا في عام 1938. أما والدته فقد حكم عليها بالسجن مدة خمسة سنوات.

المدن الغريبة

صلبة شوارع المدن الغريبة،

باردة كانت النظرات، التي يستقبلها الغريب،

باردة كانت الرياح، التي تعصف بالسفينة،

أثناء ما كانت تبحر فوق المياه.

قاسية كانت الحياة في هذه السنوات الثلاث،

باردا كان الشتاء.

في عام 1938 (وكان عمره لم لا يتجاوز السابعة عشر) تمكن من بناء خلية محاولة منه، وحسب اعتقاده، بأنه سيتمكن من مقاومة المحتلين الألمان للنمسا، إلا أن هذه الخلية لم يكتب لها العيش بعد أن أكتشف أمرها، على أثرها،  وفي نفس السنة هذه ـ في شهر آب ـ هرب عن طريق بلجيكا إلى بريطانيا والإقامة فيها كلاجئ، حيث بقى هناك حتى مماته عام 1988. وقد انضم بداية اقامته، هناك، إلى عصبة الشباب الشيوعي التي تركها عام 1944على أثر النقاشات والمواقف التي اتخذتها العصبة تجاه ستالين والاستالينية، كما سميت في حينها.

بدأ بنشر ما يكتب عام 1940. وبعد ستة سنوات، أي في عام 1946 تفرغ كليا للعمل الأدبي بعد صدور روايته الأولى " جندي وفتاة " التي تدور أحداثها حول فتاة ألمانية اسمها " Irma Greses " وعمرها 22 سنة، حكم عليها بالإعدام عام 1945 ، لأنها كانت تعمل حارسة في واحدة من معسكرات الإبادة، رغم قيامها بإنقاذ الكثير من المعتقلين من الموت المحقق، إلا أن عملها الانساني هذا لم ينقذها من الموت. بعد انتهاء الحرب عمل في صحف ومجلات أدبية كثيرة منها مجلة " المقتطف الجديد " التي كان يصدرها " Central Office Information " ثم مجلة " Blick in die   Welt " الذي أصبح فيها عضوا في هيئة التحرير. في عام 1952 بدا العمل في محطة الإذاعة البريطانية القسم الألماني وبسبب خلاف فكري ـ سياسي ترك العمل في هذا القسم عام 1968. شارك مشاركة فعلية في تمرد الطلبة عام 1968، حيث كان يتصدر كل المظاهرات جنبا الى جنب مع رودي دوتشه (Rudi Dutsche) زعيم حركة التمرد الطلابية، إضافة إلى مشاركته، إلى جانب الكاتب الألماني هاينرخ بويل (  Heinrich Böll ) في عمليات الاستنكار والاحتجاج ضد أساليب المطاردة والاضطهاد والقتل التي كانت تمارسها حكومة ألمانيا الاتحادية ضد القوى اليسارية والمعاملة الغير إنسانية لسجناء الفرق الحمراء " RAF „. ومواقفه المناوئة للولايات المتحدة الأمريكية في حربها ضد الشعب الفيتنامي ومشاركته، إلى جانب بيتر فايس، في المؤتمر العالمي من اجل فيتنام، الذي انعقد في برلين عام  1968 ( له ديوان يحمل اسم و... فيتنام... و ـ und Vietnam und  صدر عام 1966 وقد ضم هذا الديوان قصيدة قصيرة جدا حول مذبحة دانانغ 17 ـ 22. أيار 1966 )

من دانانغ توالت الأخبار طوال خمسة أيام:

بين حين وآخر عيارات نارية متفرقة

 

في اليوم الخامس تحدثت الأخبار:

في معارك الخمسة أيام الأخيرة

في دانانغ

لحد الآن ألف ضحية

تقريبا

ومن مواقفه المشرفة أيضا، مساندته للانتفاضة التي قادها الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي ومطالبة إسرائيل بالعودة إلى حدود عام 1967 والاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وكان ديوانه " اسمعي، إسرائيل " ( Höre, Israel! ) إدانة صريحة وواضحة لسياستها العدوانية (العنصرية) هذه:

عندما أصبحنا مطاردون كنت واحد منكم

كيف يمكن أن أبق هكذا معكم

عندما صرتم تطاردون الآخر...؟

 

حنينكم كان

أن تكونوا مثل شعوب أخرى

تلك التي قامت بقتلتكم

الآن أصبحتم مثلهم

 

أنتم نجوتم

من الذين كانوا قساة معكم

 

هل تحملون الآن هذه القسوة

في داخلكم...؟

ثم ادانة القوى الامبريالية لمشاركتها الفعالة بإشعال الحرب الاهلية في لبنان ودخول الجيش الإسرائيلي لها، والمجازر التي قامت بها بحق اللاجئين الفلسطينيين هناك (مذبحة صبرا وشتيلا).

وقبل هذا، كانت له مواقف واضحة وجريئة تجاه حركات التحرر الوطني، عندما أعلن تضامنه مع المثقفين الفرنسيين الذين رفضوا الخدمة العسكرية الإجبارية للمشاركة في الحرب الاستعمارية التي كانت تقودها فرنسا ضد الشعب الجزائري في بيان أصدرته جماعة أل " 47 " (وكان هو واحد من أعضائها).

الجدير بالإشارة هنا، انه في واحدة من المناسبات المدرسية ، عام 1927، كان من المفروض على اريخ فريد أن يلقي كلمة أو قصيدة (قيل انه بدأ الكتابة مبكرا، حيث كان عمره آنذاك لا يتجاوز السابعة)، في حفلة كان قد حضرها مدير شرطة مدينة فيننا، وحينما لاحظ اريخ فريد حضور المدير، في اللحظة التي أراد فيها البدء بالقاء القصيدة، توقف وبقى واقف في مكانه دون أن يتفوه بكلمة، وحينما طلب منه المشرف على الحفلة أن يلقي قصيدته، رد عليه اريخ فريد، بأنه لايريد أن يلقي قصيدته أمام شخص مسؤول عن قتل ٨٦ شخصا في في مظاهرة عمالية... وعندما سمع مدير الشرطة ما قاله اريخ فريد، نهض تاركا امكان.

إضافة إلى كتابة الشعر والقصة، عرف أريخ فريد بترجماته التي قام بها من اللغة الانكليزية إلى الألمانية لأشهر كتاب الأدب الانكليزي الذين كتبوا التراجيدية والشعر والنصوص المسرحية، إذ ترجم الملحمة الشعرية لديلان توماس (Dylan Thomas) وترجم أيضا نصوص ت. س. أليوت، وغراهام غرين، ولاوري لي، ومسرح شكسبير، التي اعتبرت ترجمته من أدق من ترجم له.

تنطلق كتابات أريخ فريد في التأكيد من أل " أنا " التي تبحث عن (وتحث) الآخر ضمن منظور اجتماعي ـ سياسي مطالبا ـ الوقوف جنب إلى جنب ـ بتحرير الإنسان من تلك العلاقات أل " الغير متساوية " إضافة إلى مواقفه الواضحة ضد أي شكل من أشكال العنف ـ اللاشرعي ـ الذي يؤدي إلى سلب حرية الإنسان وبالتالي الإطاحة به وجعله عرضة للاضطهاد والقتل. لهذا فقد كانت قصائده، التي طغت عليها المسحة السياسية، محاولة في تعرية مثل هذا الوضع اللاإنساني وشرعية الإطاحة به.

لقد كتب فريد الكثير من القصائد والنصوص التي نشرت على شكل مجاميع في تواريخ مختلفة وجمعت في أربعة مجلدات أصدرتها دار النشر الألمانية "   Wagenbach " عام 1993 نذكر منها. „ شعر صدر عام 1958، مملكة الحجر عام 1963، وفيتنام و عام 1966، مائة قصيدة دون وطن عام 1978.... الخ. إضافة إلى هذه الدواوين الشعرية صدرت له نصوص نثرية أهمها " المثقف والاشتراكية " بالاشتراك مع باول باران وغاشتون سلفاتوره. صدر عام 1968، وكتاب عن انغابورغ باخمان حمل عنوان "  أنا لا زلت متاخما لحدود الكلمة وحدود أرض أخرى "  صدر عام 1983، وكتاب آخر " لا تكن أطرش وأخرس "  وقد ضم هذا الكتاب مجموعة مقالات تدور حول  المقاومة والاحتجاج إضافة إلى مقالات أخرى تحمل وجهات نظر حول الشعر. صدر عام 1984، ومسرحية „ الكل هم قاتليه " صدرت عام 1984 ثم " أفكار حول ألمانيا وهو مجموعة مقالات تحليلية وخطب صدر عام 1988.

منح اريخ فريد الكثير من الجوائز،  ولكن بعد وقت متأخر، أذا منح في عام 1977 جائزة " Prix International des Editeurs "  تبعتها بعد ذلك جائزة الدولة النمساوية وجائزة جـورج بويخنر .

مات اريخ فريد في واحدة من جولاته الأدبية في مدينة بادن ـ بادن الألمانية ودفن في مقبرة  "  Kensal Green  " في لندن.

 

قاسم طلاع

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم