صحيفة المثقف

موراي ألفريدسون: المشكلة الكونية الحميمة

2432 murrayترجمة صالح الرزوق

خفت حدة حرارة الصيف، واجتمعت نساء القرية بحلقات صغيرة في الساحة بين الأكواخ الخشبية، وأصبح الجميع محاصرا بغابة خضراء معشوشبة ويكثر فيها الكتان.  انشغلت بعض النساء بحياكة أقمشة خشنة من الكتان وألياف مختلفة، والبقية انشغلن بتحويل جلود الحيوانات إلى أثواب وسجاجيد. بعض الرجال أعادوا إغلاق الأكواخ، ومن تبقى كانوا يبحثون عن أغصان متساقطة بعيدا من أجل الوقود. وجلست جماعة من أربع نساء، بسيقان متقاطعة، لغزل خيوط الكتان. نظرت راشيل، امرأة قصيرة بالعشرينات، بشعر أسود وعينين كتيمتين بنيتين، إلى الأعلى وسألت بهدوء صديقاتها، هل لاحظن أي تبدل واضح بحياتهن في الشهور الماضية. هل تبدل شيء مع دورة القمر؟.هز البقية رؤوسهن. 

فقالت:“لست متيقنة إن كنت أتخيل ذلك. لكن يبدو أن ناتان تبدل قليلا. هو إنسان طيب ومحب مخلص، ولكن يبدو مختلفا قليلا. كان دائما حريصا، والآن يفرط بالحرص”. نظر البقية إلى الأعلى، ولكنها أشارت لهن لمتابعة العمل والاستماع دون أن يكلفوا أنفسهن عناء النظر. وتابعت تقول:”كان دائما جيدا في ممارسة الحب حتى أبلغ الذروة. ولا يزال كذلك. ولا يوجد من هو أفضل منه بهذا الخصوص”. وصمتت وسمحت لعينيها بالتقاط نظرة مما حولها دون أن تحرك رأسها. وبدا أن بقية النساء الثلاثة على وشك الكلام. لكنها رفعت يدها قليلا نحو ديبورا الجالسة على يمينها. فترنحت للأمام والخلف وقالت:” ما دام الموضوع أصبح مفتوحا.  وجد زاك أيضا عدة أساليب ناجعة للتعامل مع مناطقي الحساسة. يا إلهي!. لم أتصور أنني قادرة على الكلام عن أشياء حميمة جدا. أنتن من فتح هذا الباب فأطلقت لنفسي العنان”.

وأشارت ليه التي لها هيئة تمثال وقالت:”نعم، الأشياء الصغيرة، الأشياء الجميلة التي تدفعني لأتفتح مثل وردة ملونة، كما لو أنني إنسانة خاصة حقا. ولكن الآن أعتقد أن جيديون ليس كالسابق. لم يكن جيديون فنانا بهذا الشكل”.

والتفتت كل العيون نحو هانا المليئة. اشتعلت عيناها وانتشر لون أحمر على كل وجهها. ونكست نظرتها. وقالت:”هذا شيء طبيعي. وليس عليكن أن تتسترن عليه”.  ثم تنهدت ونظرت للأعلى مع ابتسامة ناعسة وأومأت بقوة وقالت:”نعم هذا صحيح. ولكنه مدعاة للتعجب قليلا”.

قالت راشيل بدماثة:”بدأنا نتعلم من أنفسنا، ولكن لا يمكنني الادعاء أننا نعرف الحقيقة بعد. ولدي إحساس أن هناك خطأ ما. وهذا بالنسبة لنا. لكن ماذا عن بقية نساء القرية؟ هل لاحظن شيئا طارئا”.

قالت ديبورا:”أفهمك. أنت تعتقدين أنه علينا أن نسأل الأخريات بشكل غير مباشر عن أي تغيير على العلاقات الحميمة”.

أكدت راشيل قائلة:”بالضبط. يبدو من المستغرب قليلا أن رجالنا لم يكونوا في السابق ماكرين معنا لهذه الدرجة. لم نشعر بالرضا من قبل مثل الآن”. ردت ديبورا:”وما معنى هذا برأيك؟”. 

“لا أعرف بعد. دعينا نتبادل الرأي لنتأكد أن الحالة ظاهرة عامة”.

“نعم”.

“في كل الأحوال احرصي أن لا يتسرب شيء من كلامنا للرجال. هذا أفضل. لا نريد أي فم ثرثار أو إشاعات. اخفضي صوتك قدر المستطاع”.

***

في بواكير ما بعد الظهيرة تبدل الطقس في البلدة. وهبت من الجنوب ريح حارة وجافة ليس هذا وقتها. حملت الغبار من الأرض. والتصقت الأوساخ بالجلد المتعرق. وتورمت زوايا العيون. وغطى الغبار مقلة العينين، وجفت الخياشيم ويبست، وزادت كثافة اللعاب في البلعوم. وتجمع العرق تحت الآباط، وتحت الثديين وفي بقية الغضون والتجاعيد. كانت خطوات راشيل غير متساوية. فلحقت بها ديبورا حينما كانت بالطريق لكوخها، ولمست ذراعها. التفتت راشيل. وتمتمت ديبورا تقول:”هل بمقدورنا أن نتكلم؟”.

“طبعا. من الأفضل أن لا نتكلم في أماكن عامة. يمكننا أن نتابع إلى بيتينا ومن هناك نواصل على طول الممر لمكان الاستحمام”. صمتت قليلا وأضافت:”الطقس مناسب للمسير، والطريق مظلل تقريبا، والهواء أبرد بين الأشجار وفي الغابات”.

ردت ديبورا:”من الأفضل أن نكون بين الأشجار دائما. وربما نغتسل من الغبار والعرق حينما نصل إلى هناك، أو نسبح في البركة العميقة عند الجدار الحجري في الطرف الثاني من الجدول”.

“نعم. هذه فكرة جيدة”.

وتقدمتا بصمت بين الأكواخ المتقابلة واختارتا الممر الرملي لتصلا إلى مكان الاستحمام.

سألتها ديبورا:”هل لديك أخبار مؤكدة عن أولويات الرجال. أود أن أكون متيقنة وأن لا أتسرع بأي شيء”.

“ولكن هل هناك شيء آخر؟”.

“إذا جد جديد يجب أن نعلم به”.

“لعله شيء خطير؟ أقصد خطير جدا. هل بمقدورك أن تخبريني؟. لقد حركت أشجاني”.

وضعت راشيل ذراعها على كتفي ديبورا وقالت:”نعم، بمقدوري ذلك. أنا واثقة من تكتمك”.

“إذا ماذا يجري برأيك؟”.

“لدي عدة أفكار مزعجة. واستشارتك بها قد يساعد في حلها”.

“أنطقيها إذا”.

“سأفعل. ولكن تذكري أنني لست مرتاحة لها. وربما هي غير صحيحة. واحذري قد تبدو لمسامعك سخيفة حين أخبرك بها”.

أومأت ديبورا ووضعت يدها على كتف راشيل القريب منها وقالت:”أفكاري تذهب باتجاه جنوني الآن. وناثان يبدو بنظري مختلفا عما قبل. وصلت لذلك بعد عدة مناسبات غرامية. يبدو لي أن عوده أصلب. وهو شيء لا أعترض عليه.  لقد أصبح ممتعا حقا. المشكلة أن هذا ليس أسلوب ناثان، أو على الأقل لم يكن كذلك. فهو الآن يباشرني بطريقة ألطف قليلا، وأبطأ، وأحيانا أتمنى لو أستعيد ناثان السابق”.

“وهل من دليل على أقوالك؟”.

“كلا. لا يوجد. تقريبا أصبح مختلفا تماما. وهذا شيء مرعب. كما لو أنه غريب عني. كأنه يبالغ ودائما أشعر بالإنهاك. هل تفهمينني؟”.

“هذا شيء متوقع وممكن. ولكن لم أفكر به بطريقتك. مع ذلك كأنه يؤثر بأحاسيسنا المختلفة. أعتقد أنه يشبه الاغتصاب”.

“بالضبط. أنا أتفق معك. لقد مرت على ذلك عدة دورات قمرية”.

وبلغت المرأتان الماء ووصلتهما رائحة الماء الخفيفة المختلطة بعبير الزهور البرية. وكان الهواء راكدا وباردا. وارتفعت روحاهما لمرأى الانعكاسات. وتخلصتا من ثيابهما، وتركتاها عند الحافة ووضعتا عليها حجرة حتى لا تنجرف، ودخلتا في المياه، وتابعتا حتى المياه العميقة عند الجدار الحجري. وبعد ذلك غاصتا في الماء. وسبحتا حتى طهرتا نفسيهما، ثم تبادلتا الكلام وهما ظهرا لظهر، وخرجتا عن صمتهما الذي يقطعه خرير الماء.

قالت ديبورا متعجبة:”نعم، أنا أفهمك. مع أنها فكرة مخيفة. ولكن لم تخطر لي. أنا أشعر بذلك الآن. من المخيف أن نكون على علاقة قوية بأغراب، أغراب شريرين ويتركون نطافهم في أرحامنا. ماذا جرى لرجالنا؟. لو صح ذلك أين ذهبوا؟. هذا شيء جنوني فعلا”.

وتبدل المزاج لهذه الفكرة. واقتربتا من الحافة بعدة ضربات من الذراعين، وغسلتا ثيابهما ثم نفضت كل منهما ملابسها بالحجرة، وبعد أن عصرتاها قامتا بنشرها على الأشجار لتجف بالهواء الحار.

سألت ديبورا:”وماذا الآن؟”. قالت راشيل:”لا يمكننا أن نتصرف حتى نتأكد. نحتاج لعدة أيام إضافية. وهذا سيوضح حقيقة الموضوع. وحتى ذلك الحين علينا أن نصبر ونتظاهر أن كل شيء على ما يرام”.

“كم مضى عليك مع هذه الأفكار؟. ولا سيما أثناء ممارسة الحب؟”.

“هذا أحد الأسباب التي تدعوني لعدم إقلاق الأخريات. لو أن هؤلاء الرجال متنكرون، وهم من قتل أزواجنا الحقيقيين، فهم بمنتهى الخطورة. أنا خائفة يا ديب. ليس علينا فقط ولكن على أولادنا”. 

ارتديتا الملابس التي لم تجف تماما، وعادتا من نفس الممر المغبر.  كانت الشمس منخفضة، ولكن استمرت الحرارة تخنقهما ببربرية.

***

بعد سبعة أيام ترافقت أربع صديقات نحو بقعة الاستحمام. اثنتان معا، واثنتان على انفراد. وجلسن على الشاطئ المغطى بالحصى ووجوههن للداخل.

سألت راشيل:”عن ماذا أسفرت تحرياتنا؟. هل لديك شيء يا ديب؟”.

“نعم. تكلمت مع خمس عشرة امرأة، على انفراد أو بأزواج أو بمجموعات من ثلاث. كانت الاستجابة أفضل مع الجماعات. اثنتا عشرة منهن أكدن ملاحظة التغير”. التقطت أنفاسها وتابعت:”من الأفضل أن أبدأـ مما وصلت له”.

سألت راشيل:”هل تتذكرين من هن؟- اللواتي لاحظن التبدل”.

“بالتأكيد”.

“وأنت يا ليه؟”.

“نفس الشيء. اثنتا عشرة من ثمانية عشرة. وأعرف من لاحظت شيئا”.

“هانا؟”.

“ليس كثيرات. تسعة من اثنتي عشرة”. 

“وهل تتذكرين من؟”.

أومأت هانا عدة مرات. وقالت راشيل:” سبعة عشرة من واحدة وعشرين في حالتي”.

وبعد عدة دقائق تابعت تقول:”أعتقد يكفي أن أقول إننا متأكدات من حدوث شيء ما. والنتائج تختلف بين المجموعات التي تحريناها. ولكن يبدو أن أكثر من نصف عدد النساء شهدن الحالة”.

ووافقت الأخريات بإيماءة. 

تابعت راشيل تقول:”ما معنى ذلك؟. لقد تبادلت الرأي مع راشيل. ولكن من الأفضل لو استمعنا لرأيكن أولا”.

دخلت هانا بالحوار وقالت:”جميعكن تعلمن جيدا أنني استمتعت بالتغير. ولكن بعد التفكير بالأمر، وتبادل الرأي مع الأخريات، تكونت عندي فكرة خبيثة مفادها أن التبدل فاق كل التصورات.  لقد حصل مع عدد كبير من النساء اللواتي تكلمت معهن وسألتهن هل يقوم رجالنا بخدع جديدة، أم أنهم استبدلوا بنسخ مزيفة، وهو شيء يصعب قبوله. هل رجالنا نظائر بالشكل والرائحة واللهجة والإحساس. في كل حال لا يمكنني تصديق أي من هذه المزاعم”. صمتت وتابعت:”ولا يمكن أن أفكر بحل وسط”.

“وأنت يا ليه؟”.

“نعم. هذا مرعب. أن أفكر أنني أقمت علاقة مع غريب متنكر واستمتعت بها. ربما هي علاقة طيبة لكن هل هي حقيقية. ومن يمكنه أن يستمر بهذا الجو لفترة طويلة دون أن يخطئ؟. أن يتنكر بالمظهر والصوت والرائحة وحتى اللهجة دون تردد. هذا يفوق قدرات أي رجل”.

سألت ديبورا:”هل تعتقدن أن هذا يعني أن شركاءنا بالحياة ليسوا رجالنا؟. هل يعني أنهم ليسوا رجالا حقيقيين؟. بل ملائكة سود أشرار مثل الحكايات التي رواها لنا آباؤنا؟”.

قالت ليه:”لست متيقنة. لو أنهم جواسيس علينا من الصعب أن يتقنوا التنكر لهذه الدرجة. وإذا نجحوا بالتنكر في البداية فنحن نشك بهم الآن بسبب ملاحظة الاختلافات البسيطة التي نلمسها. ولكن أن تستمر اللعبة هكذا فهو شيء فوق طاقة أي رجل. نعم، ربما هم ملائكة الله السود”.

“أنا وراشيل لدينا سؤال فظيع آخر. لو تم استبدال أزواجنا ماذا  جرى للأزواج الحقيقيين؟”.

وقالت ديبورا:”هناك نقطة إضافية يمكن أن أثيرها. أراهن أن رجالنا المحبوبين والمخلصين، كعشاق وأشخاص من عامة الناس، هم مثاليون وكاملون. أحيانا يسرعون بممارسة الحب، ونحن لن نتذمر لو أنهم بلغوا النشوة بعدنا بقليل، ولكن هذا يحصل أيضا. أما زاك - سأدعوه بهذا اللقب -  حاليا يقذف بوقت ممتاز”.

اتسعت عينا هانا وليه معا وتنفستا بصوت ثقيل. ووضعت هانا يدها على فمها.

قالت راشيل:”فعلا. هذه نقطة ممتازة. وصحيحة جدا. وأعتقد أننا لاحظنا هذا كلنا. أقول هو تطابق”. ودخلت بفترة صمت مهيب ثم قالت:”ولا زلت أفكر بالموضوع. هل هذا ما أتمناه؟. أم أن عيني ناثان أصبحتا بنيتين؟ هل لاحظتن شيئا من هذا القبيل على رجالكن؟”.

أيدتها الأخريات. ثم سألت راشيل:”ما العمل إذا؟”.

تركت السؤال معلقا قليلا ثم قالت:”أعتقد علينا أن ننظر لهذا الموضوع بحذر شديد. أنا وديبورا نشترك بفكرة واحدة: أن رجالنا قتلوا. وإلا كيف يمكن أن يختفوا بهذه الطريقة؟”.

هقت هانا ثم عوت، وتردد صدى صوتها عند الجدار الحجري في الطرف البعيد من النهر. وعوت مجددا وقالت:”كلا. لا. لا”. وكررت ذلك حتى ابتلع الظلام صوتها وحوله إلى نواح. وفي النهاية تدبرت أمرها وقالت:”هل يمكن أن يكون هذا الغريب سفاحا بربريا. وأنني وقعت بغرامه. وأحببته. وتناكحت معه. واستمتعت برفقته دورات قمرية. وكأننا نكتشف بعضنا بعضا من جديد”.

ورفعت بصرها نحو راشيل، وكانت وجنتاها مبللتين بالدموع. وأضافت:”وأعتقد أنه بعد كل تلك السنوات أحمل في بطني جنينا. فأنا لم أنزف في الشهر الماضي”.

حضنتها الأخريات وربتن على رأسها، وتقاطرن عليها دفعة واحدة، ودمدمت راشيل:”أعلم أنني أحمل طفلا معي. أخفيت هذه الفكرة طوال أسابيع. ولكن هذا مخيف. وعلينا أن نواجه ذلك بجرأة، مع ذلك لم يحن وقت الولادة. لا يزال أمامنا عدة دورات قمرية. وفي نفس الوقت علينا أن نقرر ماذا يتوجب علينا أن نفعل. كي لا يصبح أبناؤنا أيتاما”.

قالت لي:”هل علينا أن نقرر يا راشيل؟. فنحن لم نسأل بقية النساء عن ما مر بهن مؤخرا”.

“معك حق. هذه نقطة ممتازة. ولكن هذا لا يعني أنه لا يمكننا التفكير بالموضوع على انفراد. هذا يساعد الجميع على اتخاذ قرار”. 

وصمتت راشيل. وبدت الموافقة على الجميع. فقد أومأن ورفعن أيديهن.

قالت هانا:”أمامنا سؤالان. ما هو أفضل تصرف، وهل يمكننا نحن معشر النساء أن نتصرف”. ثم أضافت:”أود لو أقتل هذا اللعين”.

سألت ليه:”وكيف يمكننا قتله؟. فهم أقوى منا”.

قالت هانا:”نباغتهم أثناء نومهم”.

وتدخلت راشيل بقولها:”وكيف تفعلينها دون أن يتنبهوا ويستيقظوا؟”.

واعترضت هانا بقولها:”هل أنت معي قلبا وقالبا أم ضدي؟. دائما لديك اعتراضات”.

ردت راشيل:”أنا لا أرفض فكرتك. ولكن علينا التفكير بطرق بلا أغلاط. أول ضربة ستوقظهم. وستدب الفوضى ويفتضح أمرنا”.

وصاحت ليه:”لنقطع خصياتهم”.

وانفجرت البنات بالضحك، وصاحت الثلاثة بصوت واحد ومرتفع:”نعم”.

سألت راشيل:”وهل يمكن أن نفعل ذلك دون أن يستيقظوا؟. ولو صحا أحدهم سيوقظ بصراخه كل القرية. ثم سنقع بالمتاعب”.

”لا أستطيع أن أفكر بطريقة الآن ولكن سأصل لحل مناسب”.

وقالت ديبورا إنها ليست متأكدة أنه بمقدورها أن تقوم بعمل عنيف من هذا النوع. كانت تود أن تحمل أولادها وتهرب. وردت راشيل:”شكرا يا ديبورا. علينا أن نفكر بالموضوع. لدينا ثلاث احتمالات ونحن أربع نساء. أن نقتلهم،  أو نخصيهم، أو ببساطة أن نهرب. وعموما نحن جميعا نود أن نهرب. وبقي علينا البحث بالتفاصيل”.

ثم سألت:”هل يجب أن نفاتح بقية النساء بخطتنا”.

وافقت ليه بقولها:”هذا معقول حاليا. وأقترح أن ندعوا النساء المستعدات لتنفيذ خطتنا برجالهن. والأفضل أن نتكلم معهن فرادى أو اثنتين اثنتين. وبعيدا عن القرية. لنقل حين نكون بعيدات نجمع الطعام”.

ردت راشيل:”هذا معقول أيضا”

تدخلت هانا بقولها:”وأنا أشد من أزرك. علينا أن نتجنب اجتماعا واسعا. وهذا يجعل الأمر واضحا ويضعه على نار ساخنة”.

قالت راشيل:”فكرة طيبة يا هانا”.

قالت راشيل:”بقي أمر واحد قبل أن ننتهي. وهو ليس بالهين. علينا أن نخفي كل شيء وعلينا أن نتصرف مع رجالنا كالسابق قبل أن نشتبه بهم. وعلينا أن نكون عاطفيات دائما وبكل الأساليب الممكنة، وأن نمارس الحب بالحماسة المعتادة”.

وغرست نظراتها بعيون بقية النساء، وبالأخص هانا. فاعترضت هانا بقولها:”هذا صعب جدا. هذا يجعلني أشعر أنني مغدور بها ومهانة”.

وعانقتها كل من ليه وديبورا عناقا شديدا للتخفيف عنها. وقالت لها راشيل:”أعلم أنه صعب يا هانا. ولذلك تكلمت بصراحة. أنا أفعل ذلك لما يزيد على دورة قمرية كاملة. ولو انتبه رجالنا لأي شيء ستفشل الخطة، وسنكون كلنا نحن معشر النساء بخطر داهم”.

“ولكن كيف تمكنت من التمثيل كل هذا الوقت؟”.

“لا يمكنني أن أتكلم بالنيابة عن الجميع. ولكن من جهتي كنت أضع في ذهني حبيبي نايثان كلما نمنا معا. وسأكون هنا جاهزة للكلام والاستماع حتى نحل المشكلة”.

عانقتها ديبورا وليه بقوة أكبر وقالت:”شكرا”.

وقالت ليه:”هذه هي الغاية من الصداقة”. وما أن شرعن بالاستعداد للاستحمام حتى قالت راشيل:”علينا أن نؤكد لكل امرأة نتكلم معها أن تستمر بعاطفتها الفياضة بشكل طبيعي، حتى لا ينتبه الرجال لأي تبدل. وأن نتعاون كلما اشتدت الحالة”. صمت لحظة وتابعت:”يا إلهي أمامنا خطط يجب الاهتمام بها. أين يمكن أن نختبئ لاحقا، وأين نجتمع، وما هي المؤن التي يجب حملها، وهكذا. وكيف نوزع أطراف الخطة بين النساء”.

وأضافت ليه:”وعلى كل امرأة أن تتمرن حتى تتقن دورها وتصبح قوية، وذلك بعد أن نحدد لكل امرأة واجبها. ومن تقرر أن تخصي رجلها يجب أن تستعد أيضا لتقتل. لو أن الفرصة لم تسنح للحل الأول”.

***

 وحلت ليلة التنفيذ أخيرا. ليلة معتدلة في نهايات الربيع، بعد عدة أيام من اكتمال القمر. ولدت راشيل وهانا طفليهما، وجهزتا حمالات قوية لحملهما على الصدر، وحرصتا على ترك ظهريهما حرين لحمل الأمتعة. وكانت ليه وديبورا في مرحلة مختلفة من الحمل. ومن اعترضن على العنف جهزن أنفسهن للهرب فقط.

ربما تقدم أخريات على قتل أزواجهن. مع ذلك أن يبقى القليل من الرجال دون حصاد وقطع عنق ليس شيئا سيئا. هذا يساعد على نشر الخبر وردع الغرباء. وقدمت ليه لـ “جيديون” حساء كثير التوابل، وأضافت له خلاصة الخشخاش والعسل. وحينما غلبه النوم قربها، وبعد أن تركت الوقت الكافي للأخريات لضرب أزواجهن بالفؤوس أو بالعصا الرفيعة، سمعت صوتا محسوسا خارج كوخها. مدت يدها، وبدأت، بخفة ورشاقة لبتر عضو جيديون. غير أنه تقلب قليلا وندت عنه أنة قصيرة ولكنه لم يستيقظ.  ثم التفت نحوها. وقدم نفسه بلباقة، ومد ساقه اليمنى نحو وركها. تمكنت أن تمرر أنشوطة من الكتان حول خصيتيه وشدتها بقوة حتى لا تنزلق ولو تمزق الجلد. ثم بحرص مدت يدها اليسرى للأسفل وربتت على عضوه، وبيمناها لمست كيس الصفن، وبهدوء شدت الأنشوطة من الطرف الثاني فوق قدمه اليمنى حتى تمكنت من الضغط على كاحله. ودمدمت بأذنه أنها ستخرج قليلا لتريح نفسها. وارتدت ثيابها على عجل وهدوء. وغادرت الكوخ، ولملمت أشياءها من المكان الذي أودعتها فيه مسبقا تحت شجرة قريبة جدا من صف الأشجار، وتابعت للانضمام للأخريات في الموضع المتفق عليه. وتحرك فورا جمع من خمسين امرأة. اثنتان بلا أولاد وكانتا في نهاية الطابور، وحرصتا على محي آثار أقدامهن بأغصان مورقة.  وما أن ابتعدن قليلا، حتى شقت سواد الليل صرخة من أول مخصي.  بعد دقائق، تبعها سلسلة من النباح والعويل الذي رن في الأرجاء. من بقي في القرية تسبب بالكثير من الضجيج. قالت ليه مخاطبة هانا:”لا أعتقد أنهم سيطاردوننا. ستكون الصدمة ثقيلة عليهم. ثم إن اكتشاف القتلى سيضاعف من اضطرابهم”.

 ***

..........................

*شاعر أسترالي يقيم في أديلايد.

ترجمة / صالح الرزوق بالاشتراك مع الكاتب. وهذه الترجمة معدلة وملخصة عن نسخة أوسع يعدها الكاتب للنشر.

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم