صحيفة المثقف

صلاح حزام: الشهادة العليا، بداية ام نهاية؟

صلاح حزامالشهادات العليا وإن تشابهت بالأسم، الّا انها تختلف في مستواها واهميتها وقيمتها العلمية بين شخص وآخر.

فالبحث للتحضير لدرجة الدكتوراه، مثلاً، يعتمد في مستواه وقيمته العلمية على عدة عوامل، من اهمها شخصية وطبيعة الباحث ومدى حبه وشغفه وايمانه بموضوع البحث . كذلك باقي طبائع هذا الباحث في حياته عموماً، كالدقة والتمحيص وطول البال والتأني والنزاهة والموضوعية واحترام النفس. واحترام التزاماته كشخص سوف يطالبه المجتمع بما هو جديد ويعتمد على آراءه في مجال اختصاصه ..

كذلك تلعب شخصية وطبيعة الاستاذ المشرف ومدى جديته واخلاصه في عمله ومدى علاقته بموضوع بحث الطالب وخبرته وعمق ودقة قراءته لبحث الطالب ..

كما ان مستوى الجامعة وارتفاع معاييرها وتوفر التسهيلات العلمية والادارية للطالب، يلعب دوراً مهماً في رسم ملامح الشخصية العلمية لذلك الطالب.

بناء على ذلك كله، تتشكل نظرة الطالب الى نفسه كحامل شهادة عليا.

وهل ستكون تلك بداية عمله كباحث متخصص ملم بشروط وقواعد البحث العلمي ام انها ستكون خاتمة البحث والقراءة.

في الحالة الاولى ستبدأ مرحلة الباحث الواثق المتخصص الذي يعرف ماذا يريد وكيف يعمل واين يجد معلوماته وكيف يستخدم المصدر والمعلومة وكيف يقتبس وكيف يحلل وكيف يربط الظواهر وكيف يخرج بنتائج مفيدة.

اما في حالة تحقق الاحتمال الثاني باعتقاد الطالب أنه قد ادّى ماعليه، فانه سوف يعتمد لباقي حياته المهنية على ما يتذكر من مرحلة البحث والدراسة . سوف تحصل له قطيعة مع التطور العلمي ومجريات الأحداث في العالم الاكاديمي والتطبيقي.

سوف ينعزل عن الوسط الجاد ويجد نفسه في خلاف مع الكثيرين الذين يتحدثون بلغة لايعرفها مع انه، نظرياً، منهم..

لايستطيع البحث والكتابة حتى لأغراض الترقية العلمية !! والبعض تم اخراجهم من الجامعات لعجزهم عن البحث اللازم لاغراض الترقية (عندما كانت المعايير العلمية تُحترم في العراق)..

يعتقد اليابانيون، ان نفس النوعية من الشاي اذا قام عدد من الناس بإعدادها، فأن الشاي المُحَضَّر سوف يكون مختلفاً بحسب شخصية كل شخص قام باعداده حتى وإن كان الشاي هو نفسه.

فما بالك ببحث الدكتوراه ؟؟

العنوان واحد لكن الطلبة مختلفون .

هنالك صنف ثالث من حملة الشهادات العليا وهو الأخطر على الاطلاق، حيث ان بعض الناس، ليس لدينا فقط بل في الدول الغربية ايضاً، يعجبهم العنوان وتتولد لديهم الرغبة في " امتلاكه" كأيِّ منزلٍ أو سيارةٍ او ساعة فاخرة، ويقوم باستئجار أحد تجار الشهادات لغرض اقتناء واحدة جميلة!!! لكنهم في العالم المتقدم لن يكونوا قادرين على العمل والنعيين بموجب تلك الشهادة بسبب اختلاف آليات الاختيار والتعيين select and recruit.

انهم سَواء امام القانون مع الذين اجتهدوا وحصلوا على شهاداتهم باستحقاق . كذلك هم سَواء امام المجتمع الذي يجهل كيفية حصولهم على الشهادة.

اصبح هؤلاء يشكلون خطراً على المستقبل لانهم يصبحون بمثابة مرجعيات علمية كاذبة ومزيفة . قد تعتمد الدولة ومؤسساتها عليهم وتستمع الى آرائهم الفاسدة والاعتباطية ..

كذلك قد يُصغي لهم عموم الناس في الحياة العامة باعتبارهم يمتلكون سلطة علمية منحتها لهم الشهادة المزيفة او التي يُساء فهمها والتصرف بها من قبل حاملها..

ان وجود هؤلاء يسبب التضليل وان الحياة بدونهم افضل ..

 

د. صلاح حزام

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم