صحيفة المثقف

صلاح حزام: شروط الانتماء لنادي المثقفين لدى البعض

صلاح حزاممنذ ان كنّا صغاراً كان لنا جيران ومعارف للعائلة، يُشاع عنهم انهم لايؤمنون بالله وانهم مثقفون ويتكلمون بكلام صعب (مع المجتمع البسيط، بالطبع).

كانوا يصرّون على احتساء الخمر (العَرَق)، جهاراً وعلناً كجزء من مواصفات الشخصية المتمردة المثقفة التي لاتعترف بما هو شائع من اعتبارات اجتماعية..

احياناً كان يتم اعتقال البعض منهم بتهم سياسية ...

تثقيفهم المستمر للناس المحيطين بهم وثرثرتهم التي لاتتوقف، تتركز على ان الله غير موجود !! وان زيارة اضرحة الأئمة عمل تافه وسخيف !! لكنهم لم ينجحوا وكان الجميع ينظرون اليهم بريبة، لكنهم كانوا يعتبرونهم شخصيات ظريفة ( وفاسقة)!!

في السبعينيات التقيت بجماعات اخرى من المتعلمين وزملاء الجامعة، لكني فوجئت بانهم يتحدثون بنفس لغة اولئك القدماء: الله ماموجود وعليكم بشرب الخمر (كانوا يتباهون بانهم من كبار عشّاق الخمر).

أحد زملائي في الكلية وكان اسمه علي، جائنا الى الصف ذات يوم وهو يهتف: لقد سقطت فكرة وخرافة الله لان العلماء السوفييت توصلوا الى اختراع الخلية الحيّة، وبذلك اثبتوا ان لاداعي لوجود خالق مزعوم !!!

طبعاً الموضوع كان كذبة وان العلماء السوفييت لم يقولوا ذلك بل قالوا انهم يحاولون ذلك فقط من باب البحث العلمي..

قلنا له: ماذا تريد؟ هل تريد ان يلتف الناس حولك مع انك تعيش في مجتمع محافظ ويقدّس الدين ورجال ورموز الدين؟

هل لديك برنامج اقتصادي اجتماعي لتنمية المجتمع؟؟

هل تعرف ياعلي، بأن محو الأمية ورفع مستوى المعيشة واشاعة الثقافة الحديثة وجعل حياة الناس ذات معنى، كلها تعتبر مقدمات لتخفيف الهوس الديني ومحاربة الخرافات؟

هذه الايام التقي مع ناس واتعرف عليهم من خلال بعض الأصدقاء، فيكون اول ما يقوله أحدهم لي لتقديم نفسه: أنا غير مؤمن بالدين وبالله وهذه الخرافات، وأنا تقريباً أشرب ويسكي كل ليلة !!

حاول ان يقدّم نفسه كشخص متحضّر،

لكنه وكما قال أحد السياسيين في سياق حواره مع سياسي آخر من حزب آخر:

"بينما حاول فلان ان يبدو يسارياً، سقطَ فجأةً في هُوَّة اليمين..."

تسأله لماذا تفعل ذلك فيقول لك انه ماركسي، مع انه لم يقرأ الماركسية او ربما قرأ عنها بعض الشيء..

ماركس بالمعنى الفلسفي العميق لم يكن عدواً لرسالات الدين الاخلاقية لانه كان من اكبر المدافعين عن الفقراء والمحاربين للظلم والاستغلال ...

وعندما قال ان الدين افيون الشعوب كان على حق لانه كان يتحدث عن الفكر الكَنَسي السائد في اوربا الذي وقف بوجه التقدم وكان يحرق العلماء الكبار ويعذبهم ..

اليس البعض الآن في العراق يستخدمون الدين كأفيون لتخدير وسرقة الناس؟؟

ايها الاصدقاء، اذا كنتم ديمقراطيين وتحترمون حق الناس في التفكير والاعتقاد، لماذا تهينون عقائدهم؟ كونوا ماشئتم فأنتم أحرار لكن دعوا الناس يعتقدون بحرية.

اذا كنتم اصحاب مشروع او مشاريع اصلاحية وتنموية، فليس السبيل الافضل هو شتم الدين وشتم الله . قدموا انفسكم من خلال برامج وسياسات نافعة وبناءة، تكون نتيجتها الارتقاء باسلوب تفكير الناس ولكن دون قسر ودون سخرية وتسفيه لانهم سوف يبتعدون عنكم ويزيد التصاقهم بالخرافات التي تخدم الفاسدين.

احد الأشخاص كان محكوماً بالاعدام في العراق لذلك هرب الى اوربا وهو مُقيم الآن هناك، حدثته في أحدى المرّات عن قانون " الأجر الحديدي" الذي وضعه ماركس وكيف بذل جهوداً بحثية كبيرة لإنصاف العمال وتحسين أجورهم . تفاجأ الرجل وقال: كدتُ ان أُعدم بسبب تهمة الماركسية لكني لم اسمع اطلاقاً بهذا القانون وتعلمت فقط ان ماركس ضد الله .

قلتُ له: أنا لست ماركسياً ولكني درستُ ودرّست الماركسية في الجامعة كَمَدرَسة من مدارس الفكر الاقتصادي.

 

د. صلاح حزام

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم