صحيفة المثقف

علجية عيش: هل الإنتلجانسيا هي الدفاع عن البيروقراطية؟

علجية عيشصور النضال ضد البيروقراطية عند المفكر السلوفيني إدوارد كارديلي

(قراءة في كتاب)

الجديد في عالم اليوم هو مقدرة الإنسان على تغيير العالم والظروف الموضوعية للحياة والوسائل الأكثر كفاءة المتاحة له لتحقيق هذه الأهداف، وباختصار فإن الجديد هو الإتساع المدعم لا للإرادة فقط، وإنما لقوى الوعي البشري الذي اكتسبه الإنسان أو يمكن أن يكتسبه من خلال علاقات جديدة وتحكم متناه في قوى الطبيعة، وهنا تشن المعركة الفاصلة من أجل الإنسان وتحرير المجتمع وإضافء عليه  الصبغة العلمية، في كتاباته وضع  المفكر الإشتراكي إدوارد كارديلي تصورا جديدا للديمقراطية الإشتراكية، كما صوّرالنضال ضد البيرقراطية وكيف يكون الإنسان صانع قرارات، وهنا يمكن أن نفتح قوسا ونقول أن الكثير من لا يفرق بين الإشتراكية كنظام اقتصادي وبين الشيوعية كإيديولوجيا

هي رؤية إنسانية طرحها  المفكر الإشتراكي إدوارد كارديلي في كتابه بعنوان: " في النقد الإجتماعي" ترجمه أحمد فؤاد بديع، مقدما في ذلك أمثلة من الواقع وهي أمثلة  محسوسة يدركها كل إنسان،  فقد كانت الإنسانية الجوهر والهدف معا لكل نزعة إنسانية  مخلصة سواء في الأزمنة القديمة أو الحديثة، والإنسانية هي لب النزعة الإنسانية  الإشتراكية، يقول كارديلي أن الأمر يتطلب حكمة بالغة كي نؤكد أن المعدة الممتلئة هي أفضل علاج للجوع وأن الصحة خير بديل للمرض، فالمرء يجب ان يحصل على الطعام كي يخفف من وطأة الجوع وعلى الدواء كي يحارب المرض، بيد أنه عند معالجة المسائل التعلقة بوجود الإنسان مثل الإنسانية والحرية، فإن الوعي البشري الحديث يفضل الفرار إلى عالم المضاربة الذاتية الذي يمكن إيجازه في التأكيد بأن الحرية هي افضل علاج للعبودية والإنسانية للإنسانية،  ولذ نجد الإنسان في صراع دائم لبلوغ هذه الأهداف.

و الكاتب كارديلي عرف بنشاطه السياسي  داخل الحركة العمالية ودخل السجن عدة مرات بسبب مواقفه الساسية،عاش حياته كلها باسم مستعار  بسبب ملاحقة الشرطة له، عندما كان أحد منظمي حركة للتحرر الوطني إلى جوار تيتو، ضد قوى الإحتلال الفاشية، وكان عضوا في  هيئة أركان الحرب العليا لجيش التحرير الوطني واشرف على تنظيم الإنتفاضة الشعبية في سلوفينيا وكرواتيا، كما انتخب نائب رئيس اللجنة القومية لتحرير يوغسلافيا (الحكومة المؤقتة) وكان من بين الذين أرسوا أسس يوغوسلافيا الجديدة، وإلى جاني نشاطه العسكري اهتم كارديلي ببحوثه في حقوق الإنسان لاسيما الطبقة العمالية، مع تحليله للديمقراطية الشعبية بوصفها شكلا من أشكال الدكمتاتورية البروليتاريا، ليشير في ابحاثه إلى تطور الديمقراطية الإشتراكية وتدعيمها، كانت له مشاركات عديدة في وضع الدستور الجديد ليوغسلافيا، في كتاباته يؤيد كارديلي غقامة تعاون أوسع وأكثر ديمقراطية فيما بين الأمم على قدم المساواة، كما يؤيد تقدم كل الأمم والبلاد بصرف النظر عن أنظمتها السياسية والإجتماعية والحكومية وذلك من اجل غحلال السلام والتعايش السلمي بين الشعوب.

الراسماليون حاولوا إغراء الإنسان على نبذ كل ماهو إنساني

فمن خلال النظرية الكارديلية يلاحظ أن الفكر الإشتراكي حدد شرطين أساسيين لإستمرار الحياة الإنسانية وهي الجوع والمرض،  وكيف يمكن مواجهتهما من أجل إنقاذ البشرية وتحقيق التقدم الصحيح باعتبار أن هذين الشرطين من الضروريات ومن ثم تحرير المجتمع والإنسان من كل ما هو غير إنساني، عكس الرأسمالية التي جعلت الربح هو رأس مال الإنسان مهما كانت الطريقة والوسيلة، وبالتالي يمكن القول ان الفكر الرأسمالي قضى على الوجود الإنساني، لأنه يرى الإنسان كأداة، وقد أفقدته المادة الإتصال بكل ماهو إنساني، لدرجة أن الراسماليون حاولوا إغراء الإنسان على نبذ كل ماهو إنساني، اي جعل الإنسان على صورة ليست صورته بعدما تحول إلى عبد للمادة وداس على كل المقدسات، الأسوأ من ذلك كله هو أن بعض الرأسماليين أو عُبَّادُ المادّة كما يمكن وصفهم جعلوا انفسهم وُعَّاظًا لكن في حقيقة الأمر فإن مواقفهم تتناقض مع الأخلاق والإنسانية تناقضا تاما مع دورهم الفعلي في التطور الإجتماعي، فقد خلق الرأسماليون ظروفا اجتماعية، اقتصادية وسياسية تولدت معها البيروقراطية وتولد الأخطار التي تمثلها البيروقراطية.

حاول كارديلي أن يشرح في كتابه صور النضال ضد البيروقراطية وكيف يكون الإنسان صانع قرارات، كما وضع كارديلي تصورا جديدا للديمقراطية الإشتراكية، وكان يرى أن تحقيق الوجود الإنساني يجب أن يتبعه نضال ضد الإستعمار الإقتصادي، والملاحظ من خلال كتاباته أن كارديلي اعتمد في بحوثه على الأسلوب النقدي لواقع المجتمع في الدول المتخلفة فكان نقده، نقدا للنقد نفسه،  للرد على النقاد الذين أولوا اهتماهم بـ: "الإنتلجنسيا" ويرون أن هذه الأخيرة (أي الإنتلجنسيا) هي الدفاع عن البيروقراطية، وقالوا إنها الضمير النقدي للمجتمع أو بعبارة أخرى، صانعة الأهداف الإجتماعية العليا، وأن الصراع ضد الحكم الذاتي الإجتماعي هو من أجل اغتراب الإنسان، إذ يقول: إن البيروقراطية والتشويهات السياسية المعادية للديمقراطية هي بالتحديد نتاج  لهذا الإغتراب، ويكون ذلك تحت ضغط البراغماتية الضيقة الأفق، ويبدو أن كارديلي من أكثر المدافعين على أفكار ماركس، عندما قال أن ماركس غايته أن يفتح آفاقا جديدة للبحث أو التطبيق العملي للعلم، وأن الماركسية تكمن في نقد المجتمع الرأسمالي وإيديولوجيته، واكتشاف سلسلة من القوانين الإجتماعية التي تسمح للإنسان أن يمارس وعيه، مستندا على مُسَلَّمَتِهِ الشهيرة القائلة بأن الفلاسفة لم يقدموا حتى الآن سوى تفسير العالم بطرق مختلفة، بيد أن الأمر الهام هو تغييره، وهذا يعني أنه ينبغي نقد كل ماهو قائم بصرف النظر عن الموقع الذي ينطلق منه النقد.

الصراع بين المثقف والسلطة هو صراع رأي

 الهدف من هذا النقد، هو أن يتحمل المرء نصيبه من المسؤولية عن الآخرين، إذ لا يمكن التهرب من المسؤولية إلا إذا رفض الإنسان تحملها، يوضح كارديلي أن الذين يفضلون السلبية ويظلون سلبيين خوفا من ارتكاب خطأ  ما، هم أطكصثر خطأ ممن يعملون ويرتكبون أخطاء، لأن الممارسة الإجتماعية تظهر الأخطاء وتعلم كل إنسان كيف يصححها، فليس هناك ما هو أكثر أخلاقية من أن يتحمل الإنسان المسؤولية بشجاعة، كما ليس هناك ما هو أكثر معاداة للأخلاق من أن يتنصل المرء من المسؤولية بالإنسحاب، وجب هنا التفرقة بين النقد الهدام الذي لا يعرف المهادنة والنقد الخلاق الذي يجمع الشمل ويضيق شقة الخلاف، ويدعم الظروف الملائمة لنجاح التعايش السلمي، كما أن اللغة بين النقدين مختلفة تماما، أي أن هناك دائما أندادا بينهما صراع رأي (المثقف والسلطة)، فمن وجهة نظر كارديلي فإن الإنسان لا يستطيع أن يغير العالم وأن يغير نفسه وفقا لصورة مقدسة  مرسومة ومستقرة في داخله، بل يستطيع فعل ذلك عن طريق تغيير الأشياء من حوله، وبذلك يُعَبِّدُ الطريق أمام علاقات بشرية مختلفة لأن ما تخلقه يد الإنسان لا يمكن أن يكون كاملا أو مثاليا، وهكذا بالمثل لا يمكن أن تكون الحرية  أو الإنسانية كاملة.

و بالعودة إلى فكرة الإنتلجنسيا، فإن أيّ مجتمع ما  يبحث بوعي  عن وسائل وطرق التقدم والرقي الحضاري لا ينبغي عليه أن يبخس دور المثقفين بل ينبغي عليهم جعمهم  كمًّا وكيفًا باعتبارهم قسم من المجتمع مهما كان نوع النظام الذي يعيشون فيه، أكان نظاما اشتراكيا أو رأسماليا، فعكس المثقف الذي يعيش في نظام  اشتراكي، نظام يتسم بالحرية والديمقراطية  والعدالة، فالمثقف في النظام  الرأسمالي  يكون مسلوب الإرادة والحرية في التفكير والإبداع وإبداء الرأي واتخاذ القرار، فهو تحت الضغوط يبيع جهده وقوة عمله الفكرية  المتخصصة  للسلطة، فتتوهم أنها القوة الإجتماعية القائدة ولها دور قيادي، حيث تمارس الإحتكار السياسي والإداري في كل مجالاته، وبدلا من أن يكون المثقف صاحب الدور القيادي في المجتمع بوصفه الضمير النقدي للمجتمع، نجده إمّا ملاحق ومتابع قضائيا بسبب مواقفه وإمّا أن تضعه ين خيارين : أي أن يكون منزويا في مكتبه يتأمل ما يحدث من بعيد وليس له حق المشاركة أو إبداء الراي وصنع القرار أو أن يكون اقرب إلى الصعلكة اي تخلق مهه مثقفا صعلوكا، ببيع نفسه من أجل المنصب والمال، وتنظع عنه الصورة المثالية للمثقف المتوحد والمناهض لكل ضروب الطاعة والامتثال لغير مرغوب فيه.

فالسلطة ترى أن رسالة المثقف هي التعليم والنشاط الثقافي، ماعدا ذلك لا يحق له أن يقحم نفسه في المجالات الأخرى وبخاصة الجانب السياسي، وتتجاهل ان دورهم هو ان يكونوا احد العوامل الخلاقة التي ترفع وعي الشعب ليدرك اين تكمن مصالحه الإجتماعية التاريخية والسياسية ايضا وتساعده على تطتشاف طرق ووسائل تحقيق هذه المصالح، ولإبعادهم تعمل السلطة على أن  تبخسهم دورهم وتمنعهم من  تقدم الصفوف، وقد رفعت شعار: الثقافة للمشتغلين بالثقافة"، وهذا يعتبر انعكاس لمستوى التطور الذي وصل اليه الوعي الإجتماعي وللمستوى الثقافي للمجتمع، لأنها لا ترى في المثقفين كصفوة، بل كجماعة أو جمهور متجمع في جماعات، كما تسعى أن تستبدل الصفوة الحقيقية من المفكرين والمبدعين وأصحاب الرأي أو رجل الإجماع بصفوة بيروقراطية لها وهي بالتالي تسعى لنفي الدور الإجتماعي التاريخي والسياسي والقيادي لمصالح الإنسان والنخبة المثقفة، لأنها تريد أن تشكل حكومة بيروقراطية.

 

قراءة علجية عيش

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم