صحيفة المثقف

كريم المظفر: حرب اللقاحات على حساب معاناة العالم

كريم المظفرقرار المؤتمر العالمي للقاحات، حول منح جائزة أفضل دواء للقاحات COVID-19، للقاح الشركة الأمريكية Moderna وحصولها على جائزة الابتكار، كشف حجم الصراع العالمي بين الولايات المتحدة الامريكية والغرب من جهة وروسيا والصين ويضاف له الهند من جهة أخرى، للحصول على مثل هكذا جائزة، لان الحديث هنا يدور عن جني المليارات من الدولارات للقاح الذي يثبت كفاءته في سوق الادوية العالمية، على الرغم من ان لقاح Moderna وبشهادة المختصين لا يستحق مثل هذه الجائزة، وفيه من الاثار الجانبية الكبيرة، ما يدل على ان القرار جاء نتيجة دوافع سياسية واقتصادية وضغوط دولية .

نافس في المؤتمر العالمي للقاحات (والذي يقام كل عام في واشنطن العاصمة، وعقد هذا العام بتنسيق مغلق عبر الإنترنت للمستخدمين المسجلين) بالإضافة الى عقار الشركة المصنعة الأمريكية Moderna، كل من لقاح Sputnik V الروسي، وكذلك AstraZeneca، وBharat Biotech، وJanssen، وMedicago، وNovavax، وPfizer / BioNtech، ولقاح الحيوانات Zoetis الذي يعمل منذ أكثر من 20 عامًا، وفي الوقت نفسه وبالإضافة الى منح لقاح "موديرنا " الأفضلية في العالم، فقد منح المنافسين من شركة Pfizer وBioNTech "درجات عالية جدًا" فقط، وأُدرج لقاح "سبوتنيك الخامس" الروسي في القائمة المختصرة للترشيح، إلى جانب العقار الذي طورته شركة أسترا زينيكا البريطانية السويدية، الا ان المؤتمر لم يعلن ولا حتى موقعه الإلكتروني المعايير التي تم من خلالها اختيار المتأهلين للتصفيات النهائية والفائز، وشدد مارك فان رانست، أحد علماء الفيروسات البارزين في بلجيكا، إلى أن الاعتراف ب Moderna كأفضل لقاح ضد فيروس كورونا هو خطوة ذات دوافع جيوسياسية، لأن العقار الروسي Sputnik V ليس أسوأ من المنافس الذي فاز في مؤتمر اللقاح، في حين صف مطورو Sputnik V من مركز أبحاث موسكو للأوبئة والأحياء الدقيقة باسم" غماليا "قرار المؤتمر بأنه متحيز ومسيس.

ويعرب الخبراء والمختصين عن استغرابهم لمثل هكذا خطوة، التي افتقرت للمعايير التي تم تقييم كل لقاح، على الرغم من نسبة الاثار الجانبية التي يتركها اللقاح الفائز، وارتفاع نسبة الوفيات ليس فيه فقط وانما في اللقاحات المحتوية على الحمض النووي "الريبي" وكذلك (العقار الذي طورته) AstraZeneca،، وان كان الأخير أقل بكثير من أن اللقاحات المحتوية على الحمض النووي "الريبي"، ويؤكد مدير مركز " غماليا " الكسندر غينسبرغ، ان قرار منح المركز الأول إلى Moderna كقرار سياسي واقتصادي بسعر إصدار 100 مليار دولار.

ويوضح الخبراء ان "American Moderna وAmerican-German Pfizer / BioNTech هما نوعان مختلفان من اللقاحات، يعتمدان على الحمض النووي الريبي المرسال"، وان مبدأ العمل فيها مختلف - ويحتوي الدواء على مصفوفة حمض الريبونوكليك (مرنا) من فيروس كورونا، الذي يحفز إنتاج الأجسام المضادة، ومثل هذه اللقاحات وفقا للخبراء لم تُستخدم على نطاق واسع في الطب البيطري أو في الطب من قبل، باعتبار ان هذه تقنية جديدة، على عكس لقاحات ناقلات الأمراض، وانه قبل إنشاء اللقاحات، تم إجراء اكتشافات علمية مهمة جعلت من الممكن إنشاء مثل هذه الأدوية المستقرة وسهلة التصنيع والفعالة، ما يعتبر هذا " انجاز عظيم. "

ويتفق الجميع على انه من السابق للأوان القول بأن لقاح "موديرنا" أو أي لقاح آخر هو "الأفضل في العالم" وأنه في قرارات مثل تلك التي اعتمدها مؤتمر اللقاحات العالمي 2021، قد يكون هناك أكثر من مجرد دوافع علمية، وعلى أي حال، وقبل تطوير مناعة القطيع في مكان ما، فإن عقار ناقل تقليدي، مثل Sputnik V، له مزايا واضحة - وهذه تقنيات مجربة وإمكانية إنتاج ملايين الجرعات، واجتاز ثلاث مراحل ضرورية من الاختبار وأثبت فعاليته وأكد الأخصائي أنه من السابق لأوانه الحديث عن تفوق أي لقاح.

وفي واقع الامر، وفي أوائل شهر مارس في الولايات المتحدة، سجل الأطباء تأثيرًا جانبيًا متأخرًا مع "موديرنا "، في عدد من المرضى، وتسبب اللقاح في حدوث طفح جلدي والتهابات بعد أكثر من عشرة أيام من التطعيم الأول، وفي أوائل أبريل، تم تسجيل حقيقة الإصابة بمرض COVID-19 في أحد سكان نيويورك بعد شهر من تلقيح هذا الدواء، وفي منتصف الشهر في كلايبيدا الليتوانية، توفي رجل يبلغ من العمر 78 عامًا فور تناول الجرعة الثانية من لقاح " موديرنا "، وبحسب رئيس العيادة، فإن وفاة شخص مسن، حسب البيانات الأولية، لا علاقة لها باللقاح، لكن سيتم التحقيق فيها بمزيد من التفصيل.

وفي المقابل تشير البيانات المجهرية إلى أنه بعد استخدام Sputnik V، يقل عدد الوفيات بمقدار 20-32 مرة، ويقل عدد حالات الإصابة بـ COVID-19 بمقدار 2-6 مرات لكل 100000 لقاح مقارنة بلقاحات الحمض النووي الريبي المستخدمة في المجر،، ووفقا لما صرح به ؤخرًا مدير مركز غماليا القومي لبحوث الأوبئة وعلم الأحياء الدقيقة، ألكسندر جينتسبيرغ، فان هناك أمل معقول في عمل "مدى الحياة" إلى أجل غير مسمى طوره مركز سبوتنيك الخامس، على الأقل لمدة 5-10 سنوات، وليس لمدة عام أو عامين كما كان يعتقد سابقًا، وانه يتم إنشاء لقاح في روسيا من شأنه أن يحث على المناعة ليس ضد نوع واحد من COVID-19، ولكن للعديد في وقت واحد.

والوضع ليس رائعًا عند استخدام منتجات Pfizer / BioNTech، ففي أوائل مارس، تم الإبلاغ عن 41 حالة وفاة من لقاح فايزر في النمسا، وفي ولاية كوينزلاند الأسترالية، تم إدخال مريض مصاب بجلطات دموية إلى المستشفى في أواخر أبريل بعد ثلاثة أيام من تلقي التطعيم، واعتبارًا من 26 أبريل، أعلن حوالي 5 ملايين مقيم في الولايات المتحدة أنهم لن يتم تطعيمهم باستخدام موديرنا أو فايزر، في المقابل فقد وصلت فعالية اللقاح الروسي Sputnik V  الى 97.6٪، وبناءً على تحليل بيانات 3.8 مليون روسي تم تطعيمهم - وهذا أعلى من البيانات التي نشرتها سابقًا المجلة الطبية The Lancet (91.6٪)، والتي تم الإبلاغ عنها في منتصف أبريل في صندوق روسيسكي للاستثمار المباشر (RDIF )

اذن نتائج المؤتمر العالمي للقاحات 2021 أظهرت وجود مظهر من مظاهر المنافسة السياسية والاقتصادية، وان قراره سياسي بحت ولا تمليه مصالح العلم أو الممارسة الطبية، وإن المكون السياسي مفهوم بالنظر إلى الوضع الحالي للعلاقات الدولية، لذلك، من الضروري النظر في منح البطولة في المقام الأول من هذه النقطة، وليس من وجهة نظر جودة اللقاح، ويقول البروفيسور ألكسندر بوتينكو، رئيس مختبر علم الأحياء ودلالة فيروسات المفصليات " هناك تساؤلات حول نقاء التصويت الجماعي في المؤتمر " .

وفي الجانب السياسي فيُنظر إلى قرار المؤتمر العالمي على أنه مصلحة مشتركة، وانه وبمساعدة مثل هذه العلاقات العامة، يحاول مستثمرو " موديرنا " تضخيم أسعار أسهمهم بشكل أكبر، وهذا مثال على أساليب المنافسة غير السوقية تمامًا التي تستخدمها الشركات الأمريكية ضد الشركات الأوروبية، والتي تتضمن، من بين أمور أخرى، لقاح Sputnik V الروسي، ويعرب غليب كوزنتسوف، أستاذ العلوم السياسية، ورئيس مجلس الخبراء في معهد الخبراء للبحوث الاجتماعية (EISI) عن اعتقاده أن خطط المستثمرين الأمريكيين تهدف إلى سحق السوق المتميز بأكمله لأنفسهم، ولذلك، فإنهم يريدون أن يُظهروا أن لقاحات الحمض النووي "الريبي"، بما في ذلك "موديرنا"، مخصصة للأثرياء والمحترمين، وللجميع - الفقراء، وبلدان العالم الثالث، وأفريقيا، وأمريكا اللاتينية، والهند - لقاحات ناقلات الأمراض، مشيرا إلى أن الألعاب التي تؤدي إلى معدل وفيات هي أيضًا أداة تنافسية لمصنعي اللقاحات.

ان سعي السلطات الروسية التي بدأت في تكثيف المنافسة في سوق اللقاحات الدولية مرة أخرى، قابله إطلاق وابل تحذيري من بنادق دعائية غربية على عدو يعد لتخريب المعلومات - بما لا يقل عن القتل الجماعي المنظم لأشخاص من استخدام "سبوتنيك الخامس"، وان الجمهور المستهدف للمعلومات المضللة المزعومة هو دول أوروبا الشرقية: المجر وسلوفاكيا والجبل الأسود وسان مارينو ومقدونيا الشمالية وصربيا، وفي الأخير، تم بالفعل الإعلان عن أن هذه الحملة الغامضة محكوم عليها "بالفشل في البداية"، ويكشف الميجر جنرال إيغور كوناشينكوف، الممثل الرسمي لوزارة الدفاع،، بان لدى وزارتهم كل تفاصيل الأموال والموارد التي تم إلقاؤها من الخارج لتشويه سمعة اللقاح المحلي في العالم وفي روسيا، ويجري إعداد سلسلة من "التحقيقات" التحليلية الزائفة والشهادات الزائفة من "شهود العيان" حول "الخطر" المزعوم للقاح الروسي على الشبكات الاجتماعية وموارد الإنترنت باللغة الروسية الممولة من المنح الأجنبية، لكن، برايه من الواضح، أنه لم يكن مقنعًا بدرجة كافية.

وعلى خلفية النجاحات الواضحة مع انتشار لقاح Sputnik V الروسي، الذي تم تسجيله بالفعل في أكثر من 40 دولة، قررت الولايات المتحدة شن هجوم على "جبهة اللقاح"، بعد ان فشلت واشنطن في اتهام موسكو، وفي الوقت نفسه بكين، بأنهما تجريان "دبلوماسية اللقاحات"، وتوزع اللقاحات في جميع أنحاء العالم إلى جانب التأثير السياسي على الدول المعنية، بينما يقولون، يجب عليهم التصرف بشكل متواضع من خلال منظمة الصحة العالمية وبرنامج المساعدة في التطعيم ضد COVAX للبلدان الفقيرة،وتلا ذلك اتهامات بأن الروس يتعمدون تقويض الثقة في اللقاحات الغربية من شركة فايزر ومودرنا.

وتخطط الولايات المتحدة وحلفاؤها، وفقًا لأجهزة الاستخبارات الروسية، لإطلاق حملة إعلامية واسعة النطاق تهدف إلى إنشاء انحياز نحو التطورات العلمية المحلية في مجال مكافحة انتشار عدوى فيروس كورونا COVID-19 " / "من خلال المنظمات غير الحكومية الخاضعة للرقابة والهياكل الإعلامية مثل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، ومؤسسة طومسون رويترز، ومؤسسة سوروس، بالإضافة إلى بي بي سي، ورويترز، وإنترنيوز، سيتم الترويج للأطروحات حول عدم فعالية وخطر اللقاح، كما يترتب على كلمات "مصدر رفيع المستوى في الكرملين" أن الولايات المتحدة في نفس الوقت تنتهج سياسة عدوانية غير مسبوقة للترويج للقاح " فايزر "، وتسعى إلى تحرير الجانب الأمريكي ليس فقط من دفع مبالغ تعويض محتمل للمواطنين في الدعاوى القضائية في حالة الآثار الجانبية، ولكن أيضًا من المسؤولية المالية عن إهمال المصنع المباشر لكن على ما يبدو .

ان الهجوم الإعلامي الأكثر وضوحًا ضد لقاح سبوتنيك الروسي، والذي سمحت به ممثلة الوكالة الطبية الأوروبية لنفسها عندما قالت، انه من الصعب تخيل أن أي لقاح آخر ينتظر الموافقة سيكون صريحًا للغاية، وبحسب السيدة فيرتومر هوهي، فان "عملية التواصل مع الجانب الروسي بشأن تسجيل اللقاح في أوروبا صعبة، ومن الصعب التنبؤ بتوقيت إدخال الدواء في أوروبا"، ويقال هذا بالضبط على خلفية الموافقة المبدئية للمفوضية الأوروبية على خطة إدخال لقاح ما يسمى بجوازات السفر، مما يسمح بحرية الحركة في أوروبا، ولكن لا يريد الجميع، على ما يبدو، أن يكون لدى الروس جواز سفر كامل أيضًا.

 

بقلم الدكتور كريم المظفر

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم