صحيفة المثقف

بكر السباتين: سقوط الصاروخ الصيني وعاصفة من الأسئلة والرسائل

بكر السباتينخطرت لي جملة من الأفكار من خلال متابعتي لأخبار الصاروخ الصيني الذي تحول إلى فوبيا لدى بعض أولئك الذين لديهم حساسية مرهفة مع الموت وربطه بالكوارث وكأنه زائر غريب لم نعتد على زياراته المتكررة.. فيأخذنا الخوف إلى المعابد لاستجاء الرحمة أو نلوذ إلى الملاجئ إن توفرت أو نعامله كحدث عابر دون أن نطرق رؤوسنا بسؤال يتعلق بنا.. ماذا علينا أن نفعل حتى نجنب كوكبنا من كوارث حقيقية تتهدد كوكبنا دون أن نلتفت إلى أسبابها التي تنموا بين أيدينا بدون وعي! وما حادث تحطم الصاروخ الصيني المنتظر إلا مبعث لذات السؤال.

 فننن نعيش الدقائق الأخيرة لموعد سقوط الصاروخ الصيني على الأرض وكل واحد منا يتحسس رأسه متسائلاً فيما لو أخذت الصدفة حطامه إليه! وحينما تنتهي الاحتمالات بوقوع الحادث الجلل سوف ينشغل العالم بمعالجة النتائج ومحاسبة الجهة المسؤولة دولياً، ثم تحفظ التفاصيل في ملف خاص ليوارى كأنه حدث عابر.. مع أنه من المفروض أن يلفت الانتباه إلى كوارث بيئية تتهدد كوكبنا للتسريع في معالجة الأسباب قبل أن يهجرنا الأمان إلى الأبد. فلا أحد في هذه المعمورة خارج احتمالات الموت في حياة لا تدوم لأحد.. ومهما انشغلت المراصد في تتبع الأسباب ستجد عزرائيل يطرق الأبواب في دورة من الخيارات التي لا تتحكم بها معايير البشر القائمة على الحسابات الإقليدية لأن الزمن الذي يُحَدِّبُ الكونَ سيجعل من نقطة التلاقي مع اللحظة الأخيرة خاضعةً للمراوغة في كون مخادع.. فيبدو في الحقيقة على غير ما نراه.. فكم من نجم طواه الغياب بينما نراه كأثر  لضوء ما يزال في طور التلاشي، في الوقت الذي ما تزال بعض النجوم في علم الغيب تنتظر حتى تلتقي عيوننا بضوئها الذي قد يحتاج لمليارات من السنين الضوئية حتى يعانق وهجه الشعراء فيتغنون به..  فهل في غياب تلك الأجرام المشعة والباعثة للحرارة وبال مقبل علينا أم أمل منتظر! مثل هذه الأسئلة نحتاجها كي تطبخ الإجابات على نار هادئة.

وفي سياق هذه الحسابات النسبية القائمة على مبدأ عدم اليقيم بدءاً من المكونات الذرية الأصغر في عالم النانوميتر وصولاً  إلى الكون الواسع المحدب المليء بخليط من الحقائق الموجودة أو المزيفة والأخرى التي غيبتها المسافات لتظهر لنا في مواقيت مقبلة ومتفاوتة؛ ستكتشف بأن عالمنا في جانب كبير منه افتراضي ولا يمكن الوقوف على محدداته إلا من خلال حسابات تتعلق بالبعد الذي أشار إليه العم أينشتاين في نسبيته الشهيرة.

 هذا هو الكون الغامض المُلْهِمْ والمليئ بالمعطيات التي تنتظر العقل البشري كي يكتشفها من أجل أن يفهم الإنسان إحداثيات وجوده في كون يتمدد وعالم محكوم بالمثل التي يخترقها الإنسان.. وليكتشف لنفسه ملاذات أخرى إذا ضاقت الأرض بأهلها.. وربما كي يعربد في متاهات كون لا يمتلكه إلا الخالق الذي حدد مساراته، ومن المؤكد أنها ليست الصدفة بل "الموجود المطلق" الذي أحدث الحركة الكونية الأولى؛ لذلك لا يشبهه في الخليقة أحد.. لأنه من أيقظ الحياة في أرض تدور حول الشمس كل عام، وحول نفسها كل يوم؛ فيحظى الإنسان بالغنائم دون أن يراعي أسباب وجودها فيخرب في الطبيعة بذريعة التنمية والإعمار  دون أن يعي تراكم أسباب الخراب ليتعامل معها بالحكمة والرشاد، حتى لو أدى الأمر به إلى تدمير هذا الكوكب الذي بات أسيراً للأطماع وقد صار مجرد كرة صغيرة في جهاز حاسوب تعصف بها الأفكار والافتراضات، وكأن كل واحد من البشر يمثل مركز الكون الذي في عرفه هو مجرد خريطة كونية سيورثها لأبنائه.

 لذلك فالكوكب يحترق والإنسان أعمى وغشيم، أبكم لا يعترف بالأخطار المحدقة به إلا حينما تباغته الأسباب المهملة بالنتائج الكارثية التي لم يأخذها بالحسبان أو تجاهلها من باب الأنانية والتسيب؛ لتصاب البشرية بالهلع فيلجأ الناس بعد أن يتكشف الغطاء عنهم إلى بيوت الله فتلهج قلوبهم بالدعاء وكأنهم محاصرون بالموت الذي يتربص بهم.. لذلك فالإنسان ما يزال معانداً للطبيعة وخاصة في بذر أسباب توسع ثقب الأوزون، وقد لا يستيقظ إلا إذا داهمته النتائج كأن ترتفع مناسيب مياه البحار فتغرق مدن كبيرة وجزر.. وتتحول الأرض إلى يباس، وتصبح الحرارة مميتة.. فبدلاً من إنقاذ الكوكب الجميل سيبحث إنسان المستقبل عن ملاذ افتراضي يعيشه في الغرف المغلقة المكيفة درءاً للتلوث حتى يتمكن من إعمار المريخ ومن ثم اللجوء إليه تاركاً الأرض وما عليها للشيطان.. مع أن الآباء هم الجناة بتصديرهم هذه الكوارث الافتراضية إلى المستقبل لضبابي.

 هكذا يفكر الإنسان حينما تتزاحم في عقله المتطلبات وينسى في سعيه إليها بأن أي إخلال في توازن الطبيعة إنما يمثل الشرارة الأولى التي من شأنها أن تأكل الهشيم في لحظات.. وبوسعه منذ اللحظة أن يكفّ بلاه عن الطبيعة التي ما زالت تعطي بدون حساب؛ ولكن إلى حين! فهل تصيخ الآذانُ السمع إلى ناقوس الخطر الذي ما فتئ يدق منذ عقود!؟ لماذ لا نأبه بالأسئلة التي تشير إلى الأسباب فلا نحتاط بها على الأقل من أجل حماية أنفسنا! أسئلة ليست عابرة بل هي كالشهب التي تذوب بفعل الاحتكاك أثناء سقوطها فلا تصل الأرض لكنها توحي بخطورة الشهب التي لو أصابتنا فقد تحدث الكوارث.. وحينما يحصل ذلك لا نتعظ بالنتائج المخيفة.. فمثلاً، كنا نشعر بأن كوكبنا في خطر داهم كلما اقترب منه مذنب أوجسم فضائي مجهول.. ولمسنا هذه التداعيات في مارس 2020 وفق ما نشرته وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) بأنه من المنتظر أن يصطدم كويكب صغير بالأرض بحلول يوم 29 أبريل2020"، وأن "أي جسم فضائي بذلك الحجم ويتحرك بهذه السرعة يمكن أن يقضي على كوكب الأرض تماماً" طبعاً لم تحدث الكارثة وتنفس الناس الصعداء وناموا في بيوتهم ومر الخبر عابراً دون أن يوحي بفكرة أن مصير كوكبنا بأيدينا إذ ثمة كوارث مقبلة نحن صناعها ما لم نعالج الأسباب.. أي أننا لا نستثار إلا بفعل الضجيج الذي يحدثه الإعلام وكأن الإنسان مجرد هدف تتربص به الأشياء التائهة في مدارات توشك أن تلامس جاذبية الأرض.. دون أن تستيقظ الأفكار التي من شأنها إعادة الأمل لكوكبنا الأزرق الجميل.

إن المطلوب فقد هو التصالح مع كوكبنا كي يعزز من دفاعاته لحمايتنا من أجل العيش في أمان.. ومعالجة الأسباب التي يتنبأ بها العلماء ليس لإشاعة الخوف بدوافع سياسية أو دينية بل لإيجاد سبل التطور والنجاة وتصدير الأمل إلى الأجيال القادمة لتيسير حياتهم فيقولون بأن  الآباء زرعوا الخير ونحن حصدنا النماء لتدور عجلة التطور متوائمة مع الطبيعة ومظللة بالأمان.

هي مجرد خاطرة انبعثت في عقلي وأنا أترقب موعد سقوط الصاروخ الصيني على الأرض في زمن مبهم ومكان مجهول ما يزال خاضعاً للاحتملات المتقلبة.. أي أن الخطر الداهم يحيق بالإنسان أنّا تخاطفته الأمكنة والأزمنة المتقاطعة في كون مراوغ يُبْطِنُ أكثر مما يظهر، وإنسان أعمى أبكم أصم لا يريد أن يبحث في الأسباب ومخرجات التفكير التي يحولها الكبار إلى مكتسبات ذاتية على حساب توازن البيئة فلا يبقى للطبيعة إلاّ أنصار قيدتهم الرأسمالية تحت عنوان الرخاء والحرية المطلقة.. ولتتوسع طبقة الأوزون التي من شأنها جلب الكوارث إلى الأرض وتشجيع السياحة إلى المريخ.. ومن المبكر الحدجيث عن كوكب آخر قد يصلح للحياة!

 

بقلم بكر السباتين

5 مايو 2021

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم