صحيفة المثقف

حيدر عبد الرضا: دراسة في عوالم سرديات لطفية الدليمي: حديقة الحياة

حيدر عبدالرضامقاربة مبحثية مع فصول رواية (حديقة حياة)

البنية الدالة بين وعي الواقع وواقع الممكن

الفصل الرابع ـ المبحث (2)

توطئة: تتماثل وتتشكل في سياق الفصول الأولى من رواية (حديقة حياة) ذلك الزخم الترتيبي الزمني في لحظة بلوغ الشخصية الروائية أقصى شهودية تفارقها مع الزمن التناسبي المخصوص في مشخصات حالاتها الانفرادية المعنونة في واصلات صيغة (الاسترجاع = المسرود الذاتي) والقارىء إلى مستوى تقانة الاسترجاع الديالوجي والمونولوجي على لسان حال الشخصية ميساء، وقد نعاين أن مهام السرد في النص، غدا مسرودا مركزيا ذاتيا يحدد انتقالات الأحداث الروائية من عين حاضرها وماضيها، بدءا من مناجاة الشخصية ميساء إلى غيابات الحبيب زياد، وكيفية هي اللحظة الكاشفة عن جل خلجات مرورات الشخصية ميساء في استعادة الأحداث ضمن فواصل مرحلية خاصة من زمن ظرفية الواقع الشخوصي لها في النص .

ـ زمن حكاية الرواية وأوليات مؤطرات النص الروائي .

تتعامل الكاتبة لطفية الدليمي في الفصل الثالث الموسوم ب(من أوراق ميساء) مع الواقعة الشخصانية المتمثلة بشخصية ميساء، ضمن وحدة تصدير استهلالية من شأنها الحكي عن ارتباطات ومواقف عاطفية تخص بها حالات الشخصية ميساء، وعندما نتعامل مع تلك الافراغات الناتجة من قبل الشخصية على حال عين شهودها، نجدها عبارة عن نزعة عاطفية خاصة بهموم المرأة والفتاة التي تسعى إلى التمسك بأدنى رأس خيط من خيوط الأمل والحلم في الحياة العاطفية، وبالتالي فأن الكاتبة الدليمي كما هي عادتها في حال رواياتها السابقة، تجعل من شخوصها النسوية ذات أحلام متلاشية وزائلة، قياسا بأرجاعات وااقعها المغمور بالعزلة والحروب والأسئلة المصيرية الغارقة وسط الجدران .

1 ـ راهنية الزمن المفترض وسياق متخيل الفاعل السردي:

يتبين لنا من خلال فقرات ووحدات (من أوراق ميساء) ذلك الرصد العاطفي والوجداني المركب من صراعات الأنثى إزاء عقبات (الزمن = المكان = الذاكرة) ومن الملفت إلى النظر أن واقع الشخصية هنا، قد حل حلولا لا تقوى على نقله مفردات (العرض / السرد) لأن طبيعة اللغة في المنطوق جاءتنا وكأنها مناجاة مونولوجية مستفادة من منظور الرؤية الشخصانية من الداخل حصرا: (لا أسأل لماذا ؟.. وهل يعرف المرء لماذا وجدت الحياة والموت ؟.. أندفع للركض في دائرة مكتملة.. تنبهر أنفاسي، أواصل الركض، تعيدني الدائرة إلى النقطة ذاتها / أحاول الأفلات، لا أجد منفذا.. أعاود الركض في الدائرة الموصلة فلا أجد أحدا كل شيء موحد.. جنون.. هذا هو الجنون.. أخاطر بكل شيء.. ولكن بماذا يخاطر أذا كان لا يملك شيئا . / ص48 الرواية) تسجل هذه الوحدات من النص، فاعلية أداتية تقترب من موضعية قيمة الفقدان العاطفي والفراغ منه، إلتماسا منه إلى محاولة تصعيد الملفوظ الموقفي إلى درجة تحقيق القصد الأقناعي من معرفة حالات الفعل السردي المنقطع .

2 ـ الصعيد الشخوصي وتماثلات الملائمة السردية:

يمكن للحكي في أفعال الشخصية أن تكتسب محورية الفاعل المعروف كمرسلا ضمن محمولات خطاب السارد المحفوفة بكفاءة المسرود الشخصي المتصور، وهذا الأمر ما جعل موجهات السارد ـ انعكاسا داخل صوت الشخصية ـ الممارسة لتتابعية زمن الحكي (لا أملك غير قصة الحب المترنحة على حافة الهاوية.. حبي لزياد.. بالأحرى حبي أنا وليس حب أي واحد.. حبي وحدي.. عامان.. نعم منذ عامين تخرجت في قسم الآثار.. لم أكتشف غير البلايا لم أنقب في الحياة إلا على  المزيد من الميتات، كل خطوة أتعثر بضريح.. مرة واحدة شاركت في عمليات التنقيب مع أساتذتي.. أطروحة التخرج كانت تقوم على تجربة العمل في موقع ـ أورـ هناك وجدتني أعبث بالزمن . / ص48 الرواية) وعلى هذا النحو يتدرج مفهوم الزمن عبر وحدات المسرود، وفي حدود من الأطارية المحملة بخفايا تصورات التأريخ، امتدادا نحو صفات وسلوك الشخصية، وهذه العلاقة المطروحة ما بين (قصة حب = زياد = الميتات) هي الصورة المستعادة من قلب واقع الشخصية فاعلا منفذا، يقوم بمتابعة تقابل الحالة الأدائية في الموضوعة الظرفية له، تقابلا معادلا مع وقائع عوالم التنقيب في الآثار الميتة وكينونتها المتفحصة في مصنفات (إداء الفاعل) ذاته ولذاته، دون حدوث إي معطى كموضوعة واصلة في الدلالة الروائية . يأخذ المحكي المسرود في الرواية بعين الاعتبار، لذلك المنحى المستلب من ذاتية الشخصية، وعلى الصعيد السردي يشكل ـ فاعل الحالة ـ مضادا لعلاقته بقيمة الزمن الراكد والمنسي من حكاية حب الشخصية، وهذا الحد من الضدية للشخصية نحو زمن الأفعال المستعادة، ماراح يشكل بذاته العلامة الفارقة على كابوسية الزمن الشخوصي بعين الاندماج مع حساباته المعنوية , فالشخصية ميساء تنظر إلى الزمن وشخوصه (زياد = الأب المفقود = الأم الصامدة = مناقب الآثار) على أنها معطيات تفعيلية ومتلقية لوقائع زمنها بالنسبة لكونها هي المرسلة والمتمعنة إلى أفعال هذه المرسلات الفعلية . لذا نجدها تتلمس في ذاتها الفعل المتقبل والخاضع إلى هيئات ذلك الزمن الراكد في جداول (الذاكرة / الحرب / الحديقة / الكوابيس) بينما تجاهد الأم ـ  حياة ـ ذات الواقع المرير، ولكنها بدت عليها سمات التشجع والتجبر إزاءه عنوة ، من غير أن تظهر لأبنتها مدى ما خلفه الفقدان والحرمان في ذاتها: (أستخرج دهرا.. قطعة فخار صغيرة.. واتفرج على دهرا آخر.. شظية آجر من سلالة حاكمة أرسلت السلام فكتب بناؤوها قصائد حب على الآجر والعمدة . السلام والحب توأمان.. كيف أقع في الحب ونحن نكابد الحرب في البر والجو.. بيدي الشظية الناطقة بحب سومري لم يندثر . / ص49 الرواية) أن أرسالية المكون السردي الناتجة على لسان حال مواقف وعاطفة الشخصية ميساء، بمثابة تفعيل الخلاصة من فاعلية المؤول من موقعها الشخصاني، فالشخصية تنتشل لذاتها وضعية الفاعل المنفذ ـ استقداما معادلا نحو حالة من المقاربة بين حقيقة مرحلة زمنية معتقة، ولكنها أثبتت خلاصة سلامها وحبها على آجر معمارية تراثها، مما راح يعكس حيثيات المفارقة في حدود زمن الشخصية المستحدث والمحفوف بروائح ركود الزمن وجفاف المعطى الحياتي . ومن خلال وعي الشخصية نتعرف على تفاصيل حياة والدتها ـ حياة ـ وهي تكابد أشق مراحل الواقع الحرماني في تمفصلات الحياة: (أمي ترفض أن يشفق علينا أحد.. لا تقبل أي عون من أي قريب أو كائن.. تتقبل حسب عون الطبيعة.. حذو الشجرة.. هبة العشق.. عطايا الزهرة.. خبرة أمي في مقاومة الجوع مهدت لنا سبل البقاء.. البقاء دونما يأس.. لا نحاول أن نستكين لخراب العالم بل نتعلم من كل شيء يذوي وكل أمر يلم بنا وبالآخرين كيف نخطو في لحظتنا التالية . / ص49 الرواية) .

ـ المعادل المكاني وسيكلوجية الاداء الشخوصي .

لقد أصبحت دلالات الرواية في مسار المد الأحوالي المتكون من (ميساء = الأم حياة = المنظور السردي) كمنظورات تستكمل حكمتها من الأعشاب والأزهار وروائح تربة أرض الحديقة . هذه المستويات تنقسم إلى ثنائية خاصة من (المنظور الموضوعي = المنظور الذاتي) ففي المنظور الأول تقدم لنا الأحداث الشخوصية بطريقة موضوعية، لولا أنها تقترب من لغة القصيدة منها إلى الرواية، غير أن المنظور الآخر يبرر لنا تكاثر المنقول من وجهة نظر الذوات الشخصانية، بواسطة السارد المتمظهر على لسان أحدى الشخوص في الرواية . ومن خلال ما يتبين لنا من علاقات المحورين (ميساء + حياة) فضلا عن المستوى الزمكاني واتجاه الموضوعة الروائية المتقدمة نحو ملامسة إدانة انسحاق المرأة وأبنتها في ظل ظروف قاهرة من الفقدان للحبيب والزوج في ظروف مختلفة، كما تطلعنا فصول (من أوراق ميساء) على الجوانب الأكثر تبئيرا من وجهة نظر الشخصية وعلاقاتها مع أمها ـ حياة ـ وصيغة حبها المتورط بالشخصية زياد . وهذا الأمر ما يدفعنا إلى معايشة مماثلة في أحوال الأم حياة، حيث تجربة المعادل والتعويض لا مع حياة نباتات حديقتها . فالشخصية حياة في حدود هذه الوحدات الأولى من فصول الرواية، تتبين لقارئها ذا وظيفة مزدوجة بين سلطتي (الرهان = الإحباط = الزمن) كما أن التصوير السردي لدورها في النص، لا يزل مشحونا بصبغة مقاومة الأم لأشد أعباء وأهوال مرحلة ما بعد غياب الزوج . إذ تمنحنا مقتطفات تفاعلات السارد المشارك على لسان الشخصية ميساء، جملة مرتكزات استعادية ناتجة من مجمل تخيلات الشخصية ميساء في مواقفها الحاكية لأهم تمفصلات أحداث حياة والدتها مع والدها في مرحلة ما قبل الفقدان له في الحرب (أمي تبتسم.. لعلها ترانا في الأمس قبل غياب أبي.. لعلها ترانا في الأمس قبل غياب أبي.. أو ترانا في الغد بعد عودته ألينا.. تقول لي: ـ أنظري إليه.. لقد أغفى وكتاب الطبري بين يديه.. أخفضي صوت المسجل.. أسدلي الستائر.. دعيه ينام.. تذهب إليه وتدثره بغطاء وتطفىء مصباح الغرفة.. تأخذ الكتاب وتضعه على النضد . / ص52 الرواية) لعل من أكثر علامات تغلغل مأزق الحلم بالواقع الحلمي المتخيل ما شهدته أحداث عوالم روايات (لطفية الدليمي) بدءا ب(سيدات زحل) ورواية (عالم النساء الوحيدات) ورواية (حديقة حياة) موضع مباحث دراسة كتابنا الآن . فكل شخصية نسائية في روايات الدليمي، تشكل حالة مفصلية من حالات مؤرقة من عذاب الحرمان الأنثوي إلى جانب مواجهات غيابات (الذات / الحلم / المصير / سوء الطالع) بحثا دؤوبا منهن نحو ذلك الموضع المناسب من يوتوبيا المرأة الجامحة في أحلامها وصفاتها وأفعالها ومقاومتها لنوازع ظرفيا الواقع الخارجي السياسي والمجتمعي والداخلي المترتب على الجوانب النفسية والعاطفية والقدرية، لذا وجدنا في مركب استطرادات أحوال الشخصية ميساء، ما تخبرنا به الرواية عن حالها المأزوم بكيفيات العطش العاطفي ومصارعة أوجاع الظرف الأقتصادي الحرج والضغط السياسي الخارجي للبلاد، كما تعرفنا تداعيات فضاءات الشخصية ميساء عن تفاصيل حياة الأم ـ حياة ـ والتي تحيا داخل أوهام تخيلاتها المتصادقة حول مواجيد حياة وهمية للأب في تفاصيل يومها الذي هو ككل الأوهام العجاف المصاحبة لها في زمن لياليها القمرية الباردة حيث الحرب والذاكرة والوسادة الفارغة من شبح الزوج: (هل أرى ذلك أم أتخيله ضمن كوابيس ؟.. أقف أمام النافذة.. الحديقة تتضاءل.. تختفي أشجارها ويجف عشبها.. تتهاوى الشجيرات والمتسلقات.. أراها وهي المترملة التي لم تترمل إذ لا تقر بإكتمال غياب المفقود ـ أنا لست أرملة ولن أرتدي ثياب الحداد ـ أرى لوحا من ألواح الأمس.. في لوح الأقدار مكتوب: غربت حضارات الحب.. وأشرقت فينا الحروب.. وأمي تستدرج حمامة نوح في أمسية المطر.. تقول أمي: ـ هذا طوفان قتل واليمام يعود مضرجا بالدم / زياد يغرب في المغرب.. ويشرق مع دموع أمي / تلفعت بشال صوفي سميك واقفة أمام النافذة وقد انهمر عليها فيض أبيض من نور القمر فقسم الغرفة إلى نصفين.. نصف رمادي بارد يغمر أمي.. ونصف أسود يخفي أحزاننا وأشباح الغائبين . / ص52 الرواية) .

1ـ البنية الزمكانية بين المجسد حلما والمتضاعف ملفوظات:

إذا ما تفحصنا مجال البنيات الزمكانية المؤطرة بإملاءات فضاء رؤية ورؤيا الشخصية ميساء، لوجدناها واصلات ذهنية ودلالية، أخذت تستشف من سياق الاستعادة الذاكراتية والاسترجاعية الداخلية، مستويات موازية إلى روح فضاء الاستعارة المعادلة في لغة مجرى الواقعة السردية . إذ أننا نواجه فضاءات من جهة خاصة بالشخصية تستعيد بها الأحداث ملفوظية استدعائية، بلا فواعل حدوثية موقفية متباينة، من شأنها الدخول في مساحة موظفة من الفعل السردي الدال والمجسد، فضلا عن بقاء شخصية الأم ـ حياة ـ كهالة معادلة عن دلالات إدائية ملمحة إلى أقصى درجات مرموز الفقدان وخلفية وجودية العدم . ولو دققنا من جهة أخرى في مقدمات فصل (من أوراق ميساء) لوجدنا أنها عبارة عن مذكرات أو مجموعة حالات حوارية متعددة بوظيفة المونولوج المتمظهر بأيقونة الحلم والرؤيا للواقع بطريقة الاسترجاع في زمن هو خارج إطار حكاية النص الروائي تحديدا . لذا فأننا لا نعثر في هذه المقدمات الروائية، سوى لوجود بنائية المخيلة الواصفة ملفوظا نحو أفعال إيهامية شعرية من شأنها نقل مهام الحكي المسرود تداعيا على حال لسان الشخصية ميساء أو الشخصية الأم كما قلنا مرارا (حياة)، فيما تلعب القابلية لأداة السارد شرطا انتقاليا ما بين كلا المحورين (حياة = ميساء) وفي ضوء هذا التصور يغدو مسار السارد تشاركا في عملية تناوب مضافة إلى مهام الفاعل المسرود ما بين (حياة ـــــــ ميساء / مستوى الحكاية ــــــــــــ تشاكل الخطاب / الأدوار: ميساء + حياة = فاعلان منفذان / جهة الموضوعة: غياب الزوج ـــــــــــ زياد / نتائج المكون السردي: كفاءة الغياب ـــــــــــ معادل تفعيل موضوعة / ملفوظ حالة: إيهام ذاتي ــــــــــ واصلة حلمية / المرسل: أنا الفاعل الموجب ــــــــــــ موقع السارد / تناوب الضمير الفاعل ـــــــــــــ السارد المرسل كعلاقة شخوصية مشتركة في موجهات الفاعل المنفذ) حاولنا من خلال هذه الترسيمة العاملية من لدنا وليس من المنهج النقدي، إيضاح شكل وموضوعة وعلاقة الأدوار الوظيفية والبنائية والتشكيلية في محتوى أسلوب أفعال السرد الشخوصي في ظل مصاحبات نوعية خاصة من مؤشرات الأرسالية العامة والخاصة من أواصر وظيفة المؤلف الضمني ومن خلفه السارد المناوب في تمظهرات الأصوات الشخوصية، فيما تبقى أحوالية المؤلف الحقيقة في علاقات النص كحركية تكوينية مفترضة وحقيقة من خلال مصادر ومراجع الإحالات التأليفية الخاصة .

ـ الأنا الشخوصية كعلامة سيميائية جامعة في المتخيل والنسق المرجعي.

و على نحو أكثر إيغالا في معادلات مسار السرد في وظيفة الشخصية الساردة، توافينا حكاية المرجعية المؤسطرة من دلالات حزن النساء وهموم شعرية الغم والهم النسوي إجمالا، ذلك بدءا من المرأة النواتية الأولى مرورا بالسومرية وحتى شخوص الرواية وكاتبتها، دون إغفال هاجس قصدية الحكي على لسان الشخصية الساردة ميساء، والتي تشكل بدورها الصيغة الأكثر بعدا في تداعيات العلامة المحكية عن مراحل أحزان النساء في الرواية وفي التأريخ النسوي ـ قديما وحديثا ـ وصولا إلى مرجعية النواة الفاعلة في حوارية الأنا الجماعية المرمزة في ضمير أحوال الشخصية الأم حياة: (لا أملك مكيالا لقياس الطوفانات ولكني أتيقن وهي مستغرقة في البكاء أنها تدفع ضريبة الدموع عن نساء البلاد جميعهن من أول الخليقة حتى آخر الحروب وظهور النجم المذنب لقيامة العالم / تبكي أمي ليعود أبي.. وتبكي ليوقظ دمعها سبات الأرض ويبزغ الخصب في تراب حديقتها.. تبكي.. تيامات التي هي أمنا وأمي جميعا . / ص53 الرواية) أن العملية الاستقرائية الدالة لمؤشر دلالات الشخوص الروائية، تدفعنا إلى مقاربة الانبعاث المرجعي في صورة معادلات كونية من الصراع والحلم وقصص الطوفان القرآنية والميثولوجية . فالشخصية الساردة ميساء، بحكم كونها باحثة في علم الآثار السومرية نجدها محملة بحكاية تثاقفات (الميلاد.. الموت.. الجدب.. الخصب.. الحياة.. الموت.. آلهة الحب الوثنية.. آلهة الحرب الوثنية الضالة) وهذا الأمر ما جعل منها جسرا تنافذيا واصلا ما بين الحس المرجعي ومعطى الحاضر الشخوصي في شتى ملامحه الموغلة في القسوة والحرمان العاطفي من الأب والحبيب، إلى جانب فناء الروح والجسد في صومعة أحلام العاشقة المحبطة في مسراتها المتوفاة بين يدي المصير القدري والاحتفاء بموتها المعنوي انتظارا للمحبوب غيابا وحضورا: (في لعبة الحب يبصر الحد الفاصل أو الضفة الأخرى.. خمس سنوات بمقياس الروزنامات المعتمدة في تقاويم البشر.. خمس سنوات بمقياس انحدارات القلب.. خمس ميتات بمقياس السقطات التي مني بها زياد خلال سنوات غربته وما بيننا من الرسائل وجدل اللغة وربما الصمم الذي نتفادى به القطيعة النهائية الآن ننتظر حدوث أمرا ما.. كل الأشياء تتحفز لمواجهة الكارثة التالية / الأشجار التي ستنال نصيبها من النار والشظايا.. الكتب التي سيغرقها الطوفان . / ص55 . ص56 الرواية) .

ـ تعليق القراءة:

في الحقيقة حاولنا في معرض وقائع مقاربة مبحثنا الثاني التابع للفصل الرابع من دراسة كتابنا، هذا القول منا: كان سعينا في تحليل دقائق سياق المسافات الموضوعية والذاتية للشخوص الروائية والدلالات الروائية ضمن خصوصية (الإداء / التماثل / التشكيل / فضاء الاسترجاع / العرض الذاتي للمسرود الشخصاني / مرجعية النص) وصولا إلى معاينة العلاقات الدلالية العضوية اتجاه معادلات مجردة ومزاحة في لغتها الشعرية والتوظيفية، فيما تبقى إجرائية المعاينة لدينا في حدود زاوية خاصة من مؤولات الدارس وحده بمعزل عن معيارية المناهج الجامعية.. أحببت أن أقول أننا لا نتعامل مع سياق المصادر والمراجع في آلية بحثنا، لأننا لدينا في الكتابة منهجية خاصة لا تتوخى سوى مادة الرواية وذائقة وثقافة ومخيلة الدارس نفسه من جملة تحاليل وانطباعات وتقويمات انتخبتها الذائقة النقدية الخاصة للناقد في معاينة الوحدات السردية للرواية بمنظور دلالات القيمة الفنية والجمالية والأسلوبية في صوت الشخصية الروائية المتماهية في موصولات وتداعيات تفاصيل حياتها الحلمية والواقعية المفترضة بدليل المعادل النصي والموضوعي . إلى جانب مباحث دراستنا الفرعية القصيرة أي في صدد هذا المبحث المركزي المتمثل بعنوان (البنية الدالة بين الوعي الواقع وواقع الممكن) فهو من المحكومية في شطره الأول ببنية المدلول التصوري للشخصية الروائية تحديدا، فلكل شخصية في النص سواء كانت (ميساء = حياة) فلها ملكيتها الخاصة من درجات البنية الذهنية المتخيلة والدالة في حدود رقعة موضوعة واقعها الفني والتخييلي في النص . أما بصدد أفق الواقع الممكن في النص، فيتمثل هو الآخر في هيئة علامة الرسم الشخوصي الدال خارج حدود متناول جهة قدراتنا الإحاطية كقراء بذلك الطموح الشخوصي المتجاوز كشرطية واقعة في حدود تعيينها في مركب خطاطة النص اللامقدرة نقديا من قبل قابلية التلقي ووعي القراءة المستأثرة في المعاينة النقدية كممارسة بحثوية ضمن حلقات خاضعة في مقاييسها لأحكام تطور النص .

 

حيدر عبد الرضا

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم