صحيفة المثقف

بكر السباتين: التضليل الإعلامي والمواجهات

بكر السباتينبين "سيف القدس" و"حارس الأسوار" في معركة القدس المفتوحة.

من أسوأ ما يجري في سياق المواجهات بين "سيف القدس" و"حارس الأسوار" في معركة القدس المفتوحة’، هو قيام الدول الكبرى على المستوى الرسمي، ذات التاريخ الاستعماري الطويل بالاعتماد في مواقفها على الدعاية التضليلية الإسرائيلية من باب الدعم المطلق والمفتوح وكأنه واجب أحفاد بلفور برعاية ما اقترفت يدا جدهم المقبور خلافاً لمواقف شعوبها المؤيدة للفلسطينيين؛ لذلك من غير المستهجن أن تتحول دولة عظمى كالولايات المتحدة الأمريكية مدججة بكل الطاقات المالية والتقنية والمستحوذة على آلة إعلامية عملاقة وما يدور في فلكها من إعلام بعض الدول العربية المتصهينة إلى "حال" المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي؛ حيث تجاهل جو بايدن حق الفلسطيني في الدفاع عن نفسه مؤكداً على حق الإسرائيليين في ذلك وكأن الدم الفلسطيني من ماء ..هذا ما قاله يوم أمس الخميس 13 مايو2021 في دعوته للتهدئة وخفض التصعيد بين الفلسطينيين والإسرائيليين (وكأنها طوشة بين الجيران)، مؤكداَ إنه يريد أن يرى "خفضا كبيرا في الهجمات الصاروخية" دون أن يعد بوقف العدوان الإسرائيلي على غزة.. هذا تغييب للحقيقة وتضليل إعلامي مكشوف وطمس لمعالم الجريمة الإسرائيلية التي أدانتها كل منظمات حقوق الإنسان في العالم.. وخاصة أنه ووزير خارجية بلاده وفي أكثر من مقام أكدا على حق الاحتلال الإسرائيلي بالدفاع عن نفسه، وكان قد تملص وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن من الإجابة في لقاء مع قناة الجزيرة، حينما سؤل فيما لو كان يحق للفلسطينيين بالدفاع عن وجودهم إبان هذا العدوان أم لا فما كان عليه إلا أن تهرب من الإجابة إلى تفاصيل أخر مؤكداً على أن "صواريخ حماس" تقتل المدنيين الإسرائيليين وكأنه طالب مبرمج على هذا الجواب المضلل المكشوف.

إنها محاولة عقيمة لشيطنة المقاومة وتشتيت للرأي العام العالمي من أجل رفع معنويات المستوطنين الإسرائيليين المنهارة وتصويرهم كضحايا ل"الإرهاب الحمساوي" وإن العالم "الحر" يساندهم في "معركتهم العادلة"، ما يساعدهم على استعادة صورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر والتي انهارت تماماً أمام استراتيجية المقاومة في الدفاع عن القدس وقطاع غزة، وتحريض فلسطينيي الداخل على الثورة ودخولهم خط المواجهة المباشرة مع العدو في سياق حرب أهلية محتملة ومقلقة بالنسبة للإسرائيليين.. ناهيك عن مشاركة فلسطينيي الضفة الغربية والشتات (بمساندة شعوب العالم وبخاصة العربية) في الحدث من خلال المسيرات التي تحولت في الأردن إلى محاولة اقتحام جدي للحدود مع فلسطين، حيث تمكن متظاهرون قرب الحدود مع الأراضي الفلسطينية المحتلة في منطقة الكرامة من كسر الحاجز الأمني، والتوجه نحو المنطقة العسكرية الفاصلة في محاولة منهم لاجتياز الحدود حسب تقارير محلية وتم منعهم من قبل الأمن الأردني في سابقة لم يشهد لها الأردن مثيلاً؛ ما يدل على أن فلسطين عادت إلى مكانتها العربية وقد تجلى ذلك بوضوح في الخطاب العربي الجماهير والهاشتاغات التي انتشرت عبر منصات مواقع التواصل الاجتماعي وتأجيج الإعلام الإلكتروني الذي تحول على صعيد عالمي إلى جيش سيبراني فلسطيني يقاوم الدعاية الصهيونية بالتغريدات الواقعية المعززة بالصور التي فضحت جرائم الاحتلال وبينت مدى تأثير صواريخ المقاومة على كيان الاحتلال والعقل الإسرائيلي برمته، نقلاً مباشراً عن أرض المعركة ورصد تفاعلات الحدث على الصعيد الإسرائيلي.. وقد باءت جهود الإعلام المتصهين رغم كلفته الضخمة بالفشل الذريع أمام الإعلام الموازي عبر الفضاء الإلكتروني والمؤيد (لو حذفنا ما يروج له الذباب الإلكتروني المكشوف) لحقوق الشعب الفلسطيني ويقوده الجيل الفلسطيني الأخير الذي أنيطت به مهمة تحرير فلسطين في المستقبل الموعود .

وفي المحصلة تنتصب الحقيقة الدامغة في وجه المتصهينين وتقذف بروايتهم ومواقفهم إلى هامش الحدث، وتبرز قواعد اشتباك جديدة في سياق الصراع الوجودي بين الجلاد والضحية تقوم على الحقيقة الدامغة، وتتضمن بعض البديهيات في أن كلمة المقاومة هي العليا حتى تحرير الأرض والإنسان وعودة الحقوق لأصحابها بعيداً عن اتفاقية أوسلو التي ولدت ميتة، وأن الاحتلال الإسرائيلي هش ويمكن إزالته، لا بل تتوارث الأجيال الفلسطينية المتعاقبة شرف الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، وتتعامل معه بطرق مبتكرة، وأن تاريخ الشعب الفلسطيني الذي تم احتلال أرضه عام ثمانية وأربعين كان فتياً ومتقدماً في كل المجالات، ولم يبع أرضه وفق ما يبث من أضاليل، وويشهد له التاريخ أنه كان يخطط لمستقبل بهي صادرته منه العصابات الصهيونية المارقة التي طمست معالمه مدعية أنها جاءت إلى أرض يباب! وكونت نواة جيش الاحتلال الإسرائيلي المهزوم الذي مرغت جبهته في التراب.. وقد صنع الشعب الفلسطيني القابض على الجمر المعجزاتِ في غزة المحاصرة التي تحولت إلى نبراس للأجيال الفلسطينية القادمة، فحفرت المقاومة بأقل التكاليف وفي ظروف قاهرة، شبكة متكاملة من الأنفاق تحت الأرض تضم مساكن وغرف عمليات ومصانع متقدمة للصواريخ وغرف تحكم ورادارات،ومنصات لإطلاق الصواريخ.. مكنتهم من توجيه ضربات ساحقة ماحقة إلى العمق الإسرائيلي بجهود تلك المقاومة التي يحسب الفضل لها في تحقيق الوحدة الوطنية الميدانية من خلال غرفة عمليات مشتركة خلافاً للتشرذم السياسي الذي حول القادة السياسيين إلى بيادق إقليمية تتحكم بها الأجندات الدخيلة.. لا بل ترسخت لدى الفلسطينيين حقيقة أن ما أخذ بالقوة يسترد بالقوة وخاصة بعد انسحاب قوات الأمن الإسرائيلي من باحات الأقصى بعد القصف الصاروخي الفلسطيني للعمق الإسرائيلي، ما يعني أن دولة الاحتلال أوهن من خيوط العنكبوت وأنها تتحلل من الداخل ومفاصلها مصابة بالرومتزم وتعشش في عقول الإسرائيليين فوبيا الخوف من الزوال، رغم تفوقهم العسكري الهائل وامتلاكهم لترسانة أسلحة نووية مهمشة.. وكل ذلك لم يعد يخيف الطرف الفلسطيني الذي بات يطول صهيله عنان السماء ويتجاوز جموحه الآفاق.. وتستمر انتفاضة الأقصى من خلال المواجهات في مدن الداخل المحتلة(اللد الرملة حيفا يافا عكا، ومدن الضفة الغربية المحتلة مثل نابلس والخليل ورام الله والبيرة وجنين وطول كرم وبيت لحم، وغزة التي حولت مشروع التحرير الفلسطيني إلى حلم قابل للتحقيق.. وباتت الرواية الإسرائيلي محض افتراء مكشوف حتى لو صاغها شيخ الكذّاببين أفخاي أذرعي االناطق باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي للإعلام العربي ، الذي ألجمته الأحداث وجعلته يترنح أمام آلات التصوير كمن خرج لتوه من الحلبة مضعضعاً وهو المعروف عنه بالسكينة والدهاء في ارتجاف الأخبار وقلب الحقائق التي كانت تمرر عبر سوق النخاسة فيقتات عليها الذباب الإلكتروني الذي يتبناه المطبعون.

وللتذكير، فإن المتابعين للحدث عبر الفضائيات العربية سيكتشف امتقاع وجه افيخاي أدرعي وتلعثمه بالكلام الذي انفضح كذبه، في مداخلة على قناة "العربية الحدث"، حين عرضت المذيعة صور لقصف إسرائيلي لمباني سكنية في قطاع غزة، نافيًا وجود مدنيين أطفال ونساء بسبب الضربات الإسرائيلية.

وحاول افيخاي أذرعي التأكيد أن القصف الإسرائيلي على قطاع غزة ليس موجهة ضد المدنيين بل عمليات دقيقة لعقارات سكنية تابعة لقادة حماس وكتائب القسام وأنها تستخدم لتطوير الصواريخ وغرفة عمليات لإدارة الضربات الصاروخية على إسرائيل.. فيما ردت المذيعة لإحراجه، بعرض فيديوهات لتدمير عقارات سكنية والتأكيد على وفاة نساء وأطفال ووجود 400 إصابة بين المدنيين وهو ما أدى إلى انفعال افيخاي أدرعي مبرراً في أن القصف الإسرائيلي استهدف منازل قادة الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة والتي تدير مسرح العمليات ضد إسرائيل.. واستمر الحرج يميد الأرض تحت أقدام أفيخاي حتى انهت مذيعة الحدث كلامها بأن "إسرائيل" دائماً ما تكرر أن ضرباتها موجهة ضد الإرهاب في غزة، والنتيجة خلافاً للدعاية الإسرائيلية هي ضحايا من الأطفال والنساء والمدنيين الأبرياء.. وأن غزة محاصرة دائما من الاحتلال الإسرائيلي.

وعلينا أن لا ننسى في ذات السياق تلك الفضيحة التي تعرض لها أفوخاي أذرعي حينما رفض الإعلام الإسرائيلي الاستجابة لدعوته خلف الكواليس إلى الترويج لخبر استعداد جيش الاحتلال الإسرائيلي للقيام بعملية برية في غزة؛ لضرب الروح المعنوية الفلسطينية والعربية، ما اضطر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، يوناثان كونريكوس وكالة "نوفوستي" ليقول بأن "لدينا خطط وأوامر بأن نكون مستعدين للقيام بذلك، لكن في الوقت الحالي لا توجد قوات إسرائيلية داخل قطاع غزة".. إلى أن قال:" حتى لو كان هناك، فلن يتم الإعلان عنها مسبقا".

وقد وصل الحرج مبلغة لبعض المحللين الإسرائيليين عبر الفضائيات العربية حينما كانوا يدافعون عن القبة الحديدية التي سُوِّقَتْ على اعتبارها درّة التكنلوجيا الإسرائيلية العسكرية مع أن الحقيقة على الأرض أثبتت فشلها بفعل تبني المقاومة لاستراتيجية تكثيف عدد الصواريخ (غير المكلفة) المنطلقة باتجاه العمق الإسرائيلي التي طورتها المقاومة بكلفة لا تتجاوز مئات الدولارات لتحمل لوحات إلكترونية وظيفتها التشويش على أجهزة المتابعة التي تحملها رؤوس صواريخ القبة الحديدية التي يكلف الواحد منها أكثر من 60 ألف دولار.. ولعل موجات الصور التي تثبت همجية الاحتلال ستضرم النيران في هشيم الدعاية الإسرائيلية التي جعلت الأسرائيليين وفق ما قالته صحف أسرائيلية لا يثقون إلا في تصريحات أبو عبيدة قائد كتائب القسام التابعة لحركة حماس.. لا بل أيقظت صواريخ المقاومة الحقيقة الصادمة في عقول الإسرائيليين الذين برمجت على الخوف الوجودي والشعور بالوحدة وكأنهم في جيتو كبير

 

بقلم بكر السباتين

14 مايو 2021

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم