صحيفة المثقف

محمود محمد علي: كيف تعود القدس العربية إلي الحضن العربي؟

محمود محمد عليكلها ضاعت ولكن كيف ضاعت؟ كلمات صاغها الشاعر إيليا أبوماضى عن أيام حياته. لكن أطرحها هنا عن فلسطين وكيف ضاعت. ضاعت لأننا أنكرنا الواقع ورفضنا مواجهته ولعلنا نتدارك ذلك بعد فوات الأوان وقبل مزيد من الخسارة. بدأ التفوق الإسرائيلى قبل قيام الدولة بوقت طويل بالاهتمام بالعلم وإنشاء المؤسسات العلمية مثل إنشاء معهد التخنيون العلمى عام 1912 وجامعة القدس العبرية عام 1925.

وفى 5 يونيو عام 1967، ضاعت القدس ، وضاعت معها غزة والجولان والضفة وسيناء بأكملها. وبعد ست سنوات عبرنا القنال فى أكتوبر واستعدنا كرامتنا المهدرة وحطمنا الصلف الإسرائيلي وأسطورة التفوق التى توهّموها، وأصبحنا فى مركز قوة سار بنا إلى «كامب ديفيد»، ولولاها ولولا السادات العبقري العظيم لكان نصف سيناء محتلاً إلى الآن.

وللأسف خلال الأيام المقبلة ستحل علينا ذكري الخامس من يونيه،والتي تذكرنا بهوان الهزيمة أمام إسرائيل واحتلالها القدس بشرقها وغربها بما فيها المسجد الأقصى الذى يغزونه من وقت لآخر من باب المغاربة بقطعان المستوطنين مع نوايا إسرائيلية معلنة بتقسيم ساحة المسجد الأقصى قسمين أحدهما بما يسمونه الهيكل ضد إرادة ملايين المسلمين فى كل أنحاء العالم.

كما ضاعت القدس العربية يوم 15/5/2018 من خلال اغتصابها بواسطة إسرائيل ومساندة أمريكا وإعلانهم ان القدس العربية هي عاصمة إسرائيل وتلي ذلك نقل دولتين آخريتين سفارتهما إلي القدس. وتبذل إسرائيل وأمريكا أقصي مجهوداتهما لاقناع العديد من الدول لنقل سفارتهم من تل أبيب إلي القدس العربية لتكريس الاغتصاب والاحتلال خاصة في غياب الوجود العربي المؤثر علي الدول الأجنبية.

وبرغم هذا الضياع أقول : مخطئ من ظن أن القرار الأمريكى «القدس عاصمة لإسرائيل» تحقق بمجئ ترامب، هو نتاج مشوار طويل قطعته إسرائيل منذ احتلالها القدس عام67، واستغلالها السينما أكثر وسائل الدعاية تأثيرا بالساحة الدولية، لقلب الحقائق وتحويل الجانى إلى ضحية، وإظهار «الفلسطينى والعربي» همجيا وإرهابيا.

دعونا من الولولة والهتاف بالكلام فقط  بالقدس العربية.. دعونا من الأغانى والرفض والشجب والتنديد والتصويت على «تويتر ».. دعونا من كل هذا، فالواقع الذي نراه الآن في فلسطين وفي غزة وفي حي الشيخ جراح مخيف.. الدول العربية الآن منها من يحتضن قواعد عسكرية أمريكية، ومنها من يستضيف قوات أمريكية، ومنها من يقاتل بعضه بعضاً، ومنها من يبيع الجميع بالأموال، ومنها من يلملم جراحه.. لن يتوحد أحد لاستعادة القدس، فالجميع منكبُّون على مشاكلهم.. قُضى الأمر والبقاء للأقوى. لدينا أمل وحيد فى النشء الصغير أن نتكاتف لنحكى لهم ونعلمهم كيف كانت المأساة وكيف كان التقصير ومن أين جاءت الهزائم ومَن أضاع القدس.. نعلمهم حتى إن شبُّوا ظلوا يرددون أن هناك فى أرض كنعان الفلسطينية دولة مجرمة غاصبة سطت مثل اللصوص على أرض عربية، واستولت فى غفلة منا نحن على قبلة الأديان ورمز العروبة الضائعة.. نعلمهم أن الحلم الأمريكى كذبة كبرى، وأن كل الشرور تأتى من خلف المحيط يظلها العلم الأمريكى وهو يرفرف كوجه الشيطان القبيح.

والسؤال الثاني كيف تعود القدس العربية إلي الحضن العربي حالياً أو مستقبلياً؟

والإجابة ان ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة وهذا هو المفهوم الدولي لكل الصراعات القديمة والحالية. ولكي نستطيع استرداد ما تم اغتصابه لابد من تعميق مبدأ القوة للدول الراغبة في تنفيذ ذلك. ولذلك نري ان ما يتم تنفيذه من سياسات وأعمال داخل الدولة المصرية منذ ثورة 2013 برئاسة السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي وحتي تاريخه ما هو إلا الخطوة الأولي في تكريس مبادئ القوة للدولة المصرية وهي الدولة المحركة والرائدة للدول العربية.

أنا ما زلت أؤمن بعدالة القضية الفلسطينية ونبلها وبأن إسرائيل تمثل خطرا سرطانيا ينتشر فى الجسم العربى ولكنى على قناعة بأنه من أجل السيطرة على هذا الخطر وتلافى مزيد من الخسائر والانتكاسات علينا أن ننظر- كعرب- إلى التجربة ومواجهة أخطائنا حتى نعالجها وعلينا أن ندرك أن هناك علما اسمه إدارة الصراع Conflict management وأن العرب ضد كل قواعد هذا العلم وأنه يمكن تدريس تناولنا لقضية فلسطين تحت عنوان كيف تخسر صراعا؟!

قلوبنا مع الإخوة الفلسطينيين (سواء في غزة أو في رام الله أو في القدس )فى كفاحهم المستمر أمام الغاصب الإسرائيلي الذى يواجه تجمعهم السلمى ضربًا بالرصاص الحى فى مشهد لا يراه مجلس الأمن إلا بعيون الأمريكان المنحازة انحيازًا أعمى لإسرائيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله الذى يشد من أزر الفلسطينيين فنراهم يتجمعون فى ساحة المسجد الأقصى بمئات الألوف التي تبهر الدنيا بعظمة صمود أصحاب الأرض المقدسة. وهو صمود يعلن عدالة القضية الفلسطينية وشرعية دولة مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية وردًا على جبروت إسرائيل فى اقتحام المسجد الأقصى بحشد من المستوطنين المتعصبين لإعادة هيكل سليمان مكان المسجد الأقصى الذى تستبيحه إسرائيل باقتحامه واعتقال المصلين الذين يقرأون القرآن بصوت مرتفع وكأنهم يريدون أن يخرصوا الألسنة من تلاوة القرآن الكريم.

وكي تعود القدس العربية إلي الحضن العربي حالياً  ، فاعتقد بأن الحل يتوقف على وجود ارادة عربية إسلامية مشتركة.. لاستخدام قواها ونفوذها المالى والسياسى فى معاقبة كل دولة تقدم على اتخاذ هذا القرار.. بمقاطعتها اقتصاديًا وسياسيا.. ومنع سفر مواطنى هذه الدول إلينا.. أو منع مواطنينا العرب والإسلاميين من السفر إليها.. وبما أننا نملك المال الوفير والوفورات الاقتصادية الهائلة.. خاصة الدول الخليجية فينا .. فهذا كفيل بتخويف كل دولة.. وجعلها تفكر الف مرة ومرة.. قبل اتخاذ هذا القرار.. حتى لا تتعرض للخسائر.. وضرب مصالحها السياسية والاقتصادية!!

وعلى صعيد القضية الفلسطينية، أسرعت مصر بمد يد العون منذ أن بدأ العدوان الإسرائيلى تصعيده ضد الفلسطينيين بغزة، والذى سبقه بقليل أحداث الشيخ جراح المؤلمة، وقد ذكرت مصادر طبية فلسطينية، أن حصيلة شهداء العدوان الإسرائيلى المتواصل على قطاع غزة لليوم السادس على التوالى ارتفعت إلى 139 شهيدا.

وعلى صعيد التحرك الدبلوماسى، يكثف وزير الخارجية سامح شكرى اتصالاته مع نظرائه العرب والأجانب بعدد من الدول لبحث موقف موحد داعم للفلسطينيين فى مواجهة العدوان ومحاولة إيجاد سبل للتوصل لتسوية الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، فبحث فى اتصال هاتفى مع وزير الخارجية التونسى عثمان الجرندى جهود إنهاء الهجوم الإسرائيلى والمواجهة فى الأراضى الفلسطينية.

وكان سامح شكرى وزير الخارجية أجرى، أمس الخميس، اتصالاً بوزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان، حيث أكدت وزارة الخارجية، أنه تم بحث تطورات الأيام الأخيرة فى القدس والمسجد الأقصى الشريف، فضلاً عن التطورات المتصلة بقطاع غزة، وقد أكد الوزير شكرى خلال الاتصال على أهمية وقف الهجوم الإسرائيلى على غزة، وأهمية حقن الدماء وإنقاذ الأرواح عبر وقف كامل وفورى لإطلاق النار حتى يتسنى العمل على إطلاق الجهود السياسية وفتح آفاق التسوية النهائية للقضية الفلسطينية.

 

أ. د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

................

1- لميس جابر: متي ضاعت القدس .. مقال بالوطن المصرية.

2- مصطفى هدهود: لماذا ضاعت القدس العربية وكيف تعود؟.. مقال.

3-محمد عبدالمنعم الشاذلي: كيف ضاعت؟!.. مقال.

4- د. الشافعى محمد بشير: القدس لنا ولو بعد حين.. مقال.

5- عصام العبيدى: إشراقات .. القدس.. والسفارات القادمة! .. مقال.

6- سمير شحاتة: القدس بين سينما الاستخفاف والاستغلال.. مقال.

7- جمال سلطان: هل يتبلور الغضب العربي الإسلامي من أجل القدس؟.. مقال.

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم