صحيفة المثقف

عمرون علي: محنة الدرس الفلسفي في الجزائر من الديماغوجيا إلى البيداغوجيا

عمرون علي "الحماقة التي تقال تذهب مع الريح، أما الحماقة التي تكتب فهي

لا تمر سريعا بل من الممكن أن تتحد مع التفكير، وأن تصبح مسلمة

فتعرقل لاحقا التفكير والعمل في أن واحد" مالك بن نبي


مدخل عام

يشهد الدرس الفلسفي في التعليم الثانوي بالجزائر من حيث الممارسة حالة من البؤس ومن جهة التنظير البيداغوجي يعاني من الهزال والفقر، إنه يمر بأزمة عميقة يمكن رصد أعراضها في حالة القلق والاكتئاب والتمزق والتوتر لدى الأستاذ والتلميذ معا، وكذا الإفلاس والركود والتحجر على مستوى المنهاج وطرق التدريس والضعف والمرض والنقص على مستوى النتائج. هي أزمة مركبة تدفعنا الى اقتحام إشكالية محنة تدريس الفلسفة في التعليم الثانوي بالجزائر ونحن ندرك منذ البداية ان هذه المحنة قاسم مشترك بين الدول العربية، فالفلسفة تكابد في المجتمعات العربيّة ألوانًا شتّى من العذاب الفكريّ. ويرشقها الكثيرون بتهمة العقم في الأثر والإرباك في الحياة. وقد يطول المقام إنْ شاء المرء أن يتق الأسباب القصيّة التي تبرّر بعضًا من التأزّم الفلسفيّ في العالم العربيّ، ومنها الأسباب الاجتماعيّة) بنية العلاقات الفوقيّة، النمطيّة المسلكيّة التقليدية والثقافية و تمجيد الهويّة الذاتيّة وازدراء الغيريّة والغربة المقلقة، استرهاب النقد الذاتيّ واستقباح المسّ بمسلّمات العمارة الفكريّة الذاتيّة، انعطاب الوصال النقديّ بالتراث الفلسفيّ العربيّ القديم والحديث، تحجّر القوالب اللغويّة وتجمّد المعاني والتعابير، العجز عن ابتكار الإشكاليّة الفكريّة المناسبة لطبيعة الوضعيّة التاريخيّة العربية والاقتصادية وتسلّط الهمّ العيشيّ على الهمّ الفكريّ، الانبهار بالفاعليّة التقنيّة والتشكيك في أثر الفكر التاريخيّ [1] من هذا المنطلق نتساءل:

اذا كان الدرس الفلسفي في الجزائر يعيش أزمة فماهي أعراض هذه الازمة؟ وهل يمكن رصدها وقياسها؟ وعلى اعتبار ان منهاج الفلسفة يمثل الأرضية وخارطة الطريق فهل الكفايات المحددة ضمن هذا المنهاج يمكن قياسها وتحقيقها؟ وهل مدرس الفلسفة في الجزائر يمتلك من الأدوات معرفيا ومنهجيا التي تؤهله الى اقتحام هذه الإشكاليات وإنزالها الى الواقع وفق أسلوب استدلالي فالفلسفة على حد تعبير الفيلسوف كانط بناء من الاستدلالات؟ وهل المادة التعلمية التي يتضمنها الكتاب المدرسي – اشكاليات فلسفية – تثير المتعلم وتدفعه الى الإقبال عليها؟ وهل المتعلم خاصة الشعب العلمية والتقنية وحتى آداب ولغات يمتلك من الرغبة والتأهيل نفسيا وبيداغوجيا وجسديا ما يؤهله لخوض تجربة فلسفية؟ وهل نظام الامتحانات في صورته الحالية عادل ومناسب لقياس مدى تحقق هذه الكفايات؟ وعلى ماذا يراهن مدرس الفلسفة من خلال تدريس المقرر على بناء الانسان كحامل للقيم الإنسانة ام على اكمال المقرر الذي تحول بالتقادم الى وثن مقدس؟ ومن يتحمل مسؤولية هذه النكسة في ظل خطاب سياسي ديماغوجي؟ وكيف يمكن الارتقاء بالدرس الفلسفي في شكله ومضمونه؟

عوائق الدرس الفلسفي في الجزائر 

الدرس الفلسفي الذي يراهن على المتعلم على اعتبار أنّ التلميذ هو محور تدريس مادة الفلسفة ومع ذلك ينظر اليه  اغلب التلاميذ  في الطور الثانوي عندنا نظرة استخفاف ويتم التعالي عليه والزهد فيه والقفز عليه،من منطلق ان القدرة على حفظ المقال الفلسفي واستظهاره واسترجاعه، وهو الذي يقدم في العادة كوصفة جاهزة  يمثل العلامة الحقيقية في مخيال وذاكرة التلميذ على جودة التفكير وحسن التدبير،كل ذلك يتم ذلك  تحت تأثير  اكراهات الامتحانات الرسمية،من هنا كان  الدرس الفلسفي عندنا ولازال  هجينا تلفيقيا يغلب الكم المعرفي على الكيف، ينظر اليه بعين الاستغراب والتردد  يتأرجح حال دارسه  بين الخوف والحقد بالنسبة للشعب العلمية والتقنية،والتهكم والسخرية لدى تلامذة الشعب الادبية،بالمحصلة هو درس منبوذ ومرفوض محمول على الاكراه، وهذا الذي يفسر تزايد حجم  المشاعر والانفعالات السلبية لدى طلبة الأقسام النهائية والتي سرعان ما تجد متنفسا لها بداية من ازدراء الكتاب المدرسي  ووصولا الى هجرة قاعات الدراسة والزحف نحو مستودعات الدرس الخصوصي تحت تأثير عقدة النقص والبحث عن التعويض في الغالب .

وفي ظل انعدام الرغبة في خوض تجربة فلسفية وضعف الإرادة وعدم القدرة على الارتقاء الى مستوى هذه التجربة وهشاشة تكوين أستاذ الفلسفة، أصبح هذا الأخير يراهن على ضعف المتلقي وعلى نزواته وتخوفاته وغرائزه، إنه يريد جمهورا لا يبذل أي مجهود، جمهورا غير مقيد بواجب معين، وما تقوله الكلمات. [2] فتحول الدرس الفلسفي عندنا داخل قاعة التدريس الى ما يشبه الكوميديا تحقيقا لمطلب الفرجة، حيث يتظاهر الأستاذ بقدرته على اتقان فن الالقاء ووجوب الانصات والاصغاء والانتباه الى ما يقول ويكتب. و الى ما يشبه الدراما عندما يعلن المتعلم انزعاجه وعدم رغبته في الكتابة والتحجج بالتعب، وعدم الفهم فالمعارف المكثفة المتناثرة دون انتظام في الكتاب المدرسي وعلى السبورة والمدونة على الكراس  لا تثير فيه الدهشة ولا يلمس فيها أي احراج ولا تدفعه الى التساؤل. وهكذا ليس الفراغ هو الذي عطل ويعطل العقل هذا التلميذ، بل كثافة الأفكار هي التي تؤدي إلى ذلك؛ على هذا الأساس يراهن الدرس الفلسفي - منذ بدايته- على تجنب الآراء الجاهزة والأحكام المسبقة التي تحتل العقل وتمنعه من التفكير الذاتي؛ فلا يمكننا سماع درس معين، إن لم يعكس الجسد انتظامه للموضوع ذاته بتركيز الانتباه. فالذي لا يستطيع الإنصات وغير قادر على الالتزام بالصمت، وبالتالي كبح آرائه ونزعاته، فلن يفهم ولن يتعلم شيئا أبدا، ولهذا فالدرس يخالف المحادثة الملازمة للكوميديا الاجتماعية. من النادر أن نقبل بالتعلم أو التكوين بالشارع، أو في قاعة أو على طاولة حيث من المفروض أن تتقاطع المحادثات[3]. ان الدرس الفلسفي اليوم في الجزائر تقف في وجهه عوائق وعقبات يمكن الإشارة الى أهمها:

01- التدريس وفق طريقة تقليدية سكونيه تغلب الكم المعرفي على حساب الكيف دون مرجعية، هي طريقة تتميز بالثبات والجمود وفق مبدأ الترغيب من خلال اغراء التلميذ ببعض المقالات المتوقعة في الامتحانات الرسمية وترهيبه. طريقة تشجع على الكذب والغش في الأكثر وفي أحسن الأحوال على الحفظ والقدرة على الاستظهار. لهذه الأسباب فإن الأستاذ سيجد التلميذ منذ الوهلة الأولى متسلحا بالرفض والاستهزاء،.. نجد الأستاذ في كثير من الأحيان يحذر التلميذ من الأحكام المسبقة ثم يزوده بمجموعة منها ويقدمها على أنها الأصوب بل الحقيقة، وينتقد عقائد وأوهام وخرافات ثم يقترح عليه أخرى، وهو يمتدح المواقف الفلسفية الحرة والجريئة ومن جهة أخرى يحط من أهمية موقف التلميذ ويحاسبه حسابا عسيرا لأنه لم يجاريه الرأي.. يرهقه بكم هائل من المعلومات الموجهة في إطار غايات لا هي بيداغوجية ولا هي فلسفية ولا حتى تعليمية وإنما ديماغوجية، تدجينية، دغمائية، فلن يكون موقف التلميذ منها في أحسن الأحوال إلا أن يتلقنها ظرفيا استجابة لشروط النجاح في امتحان آخر السنة، وهو في حقيقة الأمر يقابلها بعزوف نفسي وعقلي . [ 4] بيداغوجيا تعليم الفلسفة محسن سعيد السيد

02-  الضعف من حيث التأهيل والتكوين: يُوجَّه أفضل التلاميذ في الطور الثانوي نحو الفروع العلمية والرياضية، ويُوجَّه البقية نحو الشُعَب الأدبية والعلوم الإنسانية، وتنفرد الفلسفة بأن تستقطب الأضعف تكويناً: «هكذا نلاحظ أنّ الطلبة الموجَّهون لدراسة الفلسفة هم ذوو المستوى المحدود جدًّا، مما يجعل أحسن طرق التدريس تفشل في النجاح مع هؤلاء الطلبة». النقص في التكوين مردُّه أنّ الفلسفة في الطور الثانوي تأتي متأخّرة بالمقارنة مع المسار التعليمي للتلميذ، أي في السنة الثانية (الآداب) وفي السنة الثالثة (العلوم)، في عالم يُفكّر جدّيًّا في تعليم الفلسفة للأطفال بالتمرُّن على أدوات التبادل الحر في الكلمات والأفكار أو الآراء التي تنطوي عليها. بالفعل: تأتي الفلسفة في الثانوي متأخّرة جدًّا، مثلها مثل «بومة مينيرفا» الهيغلية، التي تأتي في نهاية النهار بعد أن يُسدل الليل ستاره. هل من إمكانية أن تُمارَس الفلسفة في وضح النهار، أي في بداية التعليم المتوسّط؟ [5] وقد اعتبر الدكتور محمود يعقوبي أستاذ فلسفة وباحث ومفكر أن الإشكالية التي يعرفها اليوم تدريس مادة الفلسفة في الجزائر لا تكمن في المنهجية وإنما هي مرتبطة بضعف المستوى المعرفي بالنسبة للمدرسين والطلبة الذين يوجهون الى هذا التخصص وفي مداخلة له في افتتاح الملتقى الوطني الذي نظم لمدة يومين بالمدرسة العليا للأساتذة بقسنطينة بعنوان “تدريس الفلسفة في الجزائر واقع وآفاق” انتقد الدكتور “نوعية تدريس  الفلسفة حاليا في الجزائر”.” بالنظر أن الفلسفة تعتبر حاليا “ملجأ للطلبة ذوي المستويات الضعيفة” الذين لا يمكن توجيههم إلى شعب علمية مشيرا أن الفلسفة  تستدعي “كفاءة المدرس” و”توفر الكتب المرجعية نوعا وكما” وأن يكون لدى الطالب الموجه إلى هذه الشعبة  “مستوى جيد حتى يستطيع استيعاب الدروس”. وذكر في هذا الصدد أن طلبة شعبة الآداب هم الذين يوجهون حاليا إلى شعبة الفلسفة في حين أن هذا التخصص “انبثق عن العلوم” مضيفا أن ” الفلسفة هي بنت العلوم وليست أمها حسب ما هو شائع”.

03- العائق الأيديولوجي وهو مرتبط أساسًا بسياسة الدولة وتوجهها الثقافي والاجتماعي والديني، يقول الدكتور  زواوي بغورة: «لعل من بين العناصر التي ميّزت المنظومة التربوية والجامعية هو خضوعها المباشر للقرارات السياسية الكبرى المحددة لتوجهات المجتمع، ولقد تجسّدت تلك القرارات بشكل آلي في المنظومة التربوية والجامعية، وهكذا نجد قرارات من مثل ديمقراطية التعليم، والجزأرة، والتعريب والأسلمة، وإن كان ذلك من دون تصريح وإعلان، تتحقق وتعمل بشكل فاعل سلبًا وإيجابًا، وفي مختلف أطوار المنظومة التربوية في الجزائر. إن هذه القرارات والرهانات السياسية بالدرجة الأولى قد وجدت مجالها التطبيقي أول ما وجدته في حقل الفلسفة»

04- غياب التفكير النقدي فالطالب أثناء دراسته بالثانوي يفتقر الى التفكير المجرد والى مرونة التفكير الرياضي وهذا ما تعبر عنه مقولة أفلاطون لايدخل علينا من لايتقن الرياضيات . وفي مقال لي حول محنة هيباتيا الميسوجينية ومحاكمة الوعي اشرت الى انها  درست الرياضيات أولا على اعتبار انها المدخل الضروري لدراسة الفلسفة،وفي سنواتها الأولى اتجهت ثانيا الى تعلم قواعد النحو والتدرب على الأساليب البلاغية واتقان فن القراءة والكتابة، وثالثا  قراءة النصوص الفلسفية فتحولت من وضعية التلميذ الى وضعية المعلم، وضعية سمحت لها بتدريس الفلسفة وكان عمرها آنذاك خمس وعشرون سنة.

03- مركزية المقال الفلسفي وتقزيمه واختزاله في اشكال معلبة وفق أسئلة نمطية مستهلكة الأنشطة المحدودة المعتمدة في إطار تعليم الفلسفة بما يسرّع من وقوع المتعلم في الملل.

05- العائق الثقافي  إن تطبيق مفهوم “العائق الثقافي” على تدريس مادة الفلسفة بالمعاهد الثانوية والجامعات العربية تطبيقا مجهريا ميكروثقافيا يمكننا من تناول آليات اشتغال هذا العائق في شكل تصورات ثقافيّة تتفاعل في مستواها المكونات المعرفيّة مع المكوّنات الوجدانيّة والعاطفيّة. وهذا بدوره يكشف لنا أن الصعوبات التي يعاني منها درس الفلسفة لا تعود إلى أسباب مؤسساتية أو ديداكتيكيّة فحسب بل كذلك إلى أسباب ثقافيّة لأن هذا التدريس لا يتم ضمن فراغ أيديولوجي تام بل ظل دائما في علاقة بالسياق الثقافي العام.*

06- وتُشخَّصُ أزمةُ الفلسفة في الجزائر والعالم العربيّ بغياب الحرية وحقوق الانسان حيث يعيش المواطن حالة من القهر والتبعية ولايمكن ان يزدهر الدرس الفلسفي الا في وطن يعشق ويقدس الحرية .

07-  يعاني تدريس الفلسفة في الثانوي كما في الجامعي من الانغلاق والعزلة مما أدي إلى ضعف في المستوى وفي تشكيل تصور خاطئ عن الممارسة الفلسفية في العالم، وحتى التقارير الرسمية تشير إلى هذه الوضعية المزرية وتقربـ: " انه لا يمكن الذهاب بعيدا في هذا الاتجاه، [اتجاه الإصلاح والتعليمية] اذا بقيت المادة معزولة عما يجري من تطورات في العالم من حولنا في ميدان الأفكار، وفي مجال تعليمية هذه المادة، التي لا تكون إلا كونية وإنسانية، ولا تنشأ من البداية إلا عالمية، إنها تطرح مشاكل الإنسان في كل مكان، وتحاول إيجاد الحلول الجذرية لها، بتطوير قدرات العقل ذاتها، ...من هنا فان العزلة في هذا المجال تقود إلى موت لاريب فيه للفكر المبدع ...لهذا ندعو إلى فك العزلة الخانقة عن الفلسفة في بلدنا عن طريق التوثيق .. [و] استضافة المؤطرين المبدعين في ميدان تعليمية المادة [و] تنظيم تدريبات وبرمجتها للمشتغلين بالفلسفة ...[و] استغلال منح التعاون كما هو الشأن بالنسبة لمواد أخرى، بل ان مادتنا هي الأجدر بهذا والأكثر حاجة إليه، باعتبارها أداة التفتح المفضلة على العالم المتحضر المعاصر ."

 

08-  غياب التخطيط وانعدام الفعالية وتهافت  المشروع التربوي  فهذا ضياء الدين زاهر يشخص وضعية التعليم في العالم العربي محددا سبعة عوامل لعقم العملية التربوية في العالم العربي معتبراهذه العوامل خطايا، لكنه يطرح فكرة الاعتراف أولا بوجود هذه الخطايا كخطوة للحل الجذري " تحديد الخطايا السبع كما حددها مرتبة تتمثل فيما يلي: 1-تنمية تربوية هشة.2- تفاقم الفجوة بين الخطابين الرسمي والواقعي الممارس.03- تعظيم التمايزات.04- ارتفاع التكلفة مع انخفاض المردود.05-تنمية البطالة.06- تهافت محتوى التعليم.07-غياب التخطيط المستقبلي للتعليم.[6]

اقتراحات من اجل تجاوز العوائق وتطوير الدرس الفلسفي

تدريس الفلسفة وفق نمط شعبوي هي ولاشك  ظاهرة ملازمة للدرس الفلسفي في الجزائر وتحديدا التعليم الثانوي، فالشعوبية كانت ولازالت مصدرا للديماغوجيا، انها نظرة تبسيطية اختزالية مرتكزها الأول  الغاية تبرر الوسيلة، من منطلق هذا ما يريده الشعب وهذا ما يرغب فيه  التلميذ  ويرضي السلطة السياسية،هي في الظاهر دعوة وسعي وراء مصلحة الناس و في الباطن مكر وخداع  وتخطيط للحصول على أصوات المواطن المغبون والمغلوب على امره  والسيطرة عليه،وانظر مثلا الى الى ماوقع في العام الماضي  وربما سيقع أيضا هذا الموسم الدراسي من تنازل وبتر لمعدل النجاح في البكالوريا . وكنا قد حذرنا من خطورة هذا الفعل الشنيعي والذي أدى و  سيؤدي حتما الى اوخم العواقب، فقد كتب الفيلسوف ميشيل أونفراي: "الشعبوية هي أخطر أنواع المخدرات، وهي أقوى أنواع الأفيون لتهدئة وتدمير الذكاء والثقافة والصبر والجهد المفاهيمي" والحل يكمن في المراهنة على اقتحام مباحث علم التدريس وسنستخدم هنا الديداكتيك والبيداغوجيا كمترادفين  و ” يقصد بعلم التدريس الدراسة العلمية لطرق التدريس وتقنياته ولأشكال تنظيم مواقف التعلم التي يخضع لها التلميذ في المؤسسة التعليمية، قصد بلوغ الأهداف المسطرة مؤسسيا، سواء على المستوى العقلي أو الوجداني أو الحس– حركي، وتحقيق لديه، المعارف والكفايات والقدرات والاتجاهات والقيم .“ [7] وقد ذكر الدكتور محمود يعقوبي أن الإصلاح الذي تعرفه المنظومة التربوية يهدف إلى وضع المتعلم في سياق تعليمي يسمح ببناء معارفه الخاصة من خلال استثمار كل الموارد والإمكانات انطلاقا من جملة من المبادئ أهمها التعلم الذاتي وإدماج المعارف وإنجاز المشاريع والتعاون. وتسهم الفلسفة -كما قال المتحدث -كمادة دراسية في تجسيد هذه المفاهيم بدرجة عالية إذ تعد من أهم المواد التي تعمل على تفسير المعرفة تفسيرا عقليا والتعمق في التحليل وتحريك الفكر وتحريره بشكل عام كما تعلم التلميذ كيف يفكر ويتأمل ويبحث وتزرع فيه روح المقاربة والاستدلال والاستنتاج . ولن يتأنى ذلك يضيف المتدخل إلا من خلال استغلال احدث ما توصلت إليه البحوث والدراسات الخاصة بتعليمية الفلسفة ومسايرة أحدث التطورات الحاصلة في ميدان تعليم الفلسفة. ويصب موقف الدكتور فارح مسرحي أستاذ الفلسفة بجامعة باتنة والفائز بجائزة محمد أركون العالمية لتعايش الثقافات والسلام وفي هذه النقطة بالذات نقترح تدريس الفلسفة بداية من السنة الأولى ثانوي ويتم التدرُّج في تدريسها بصورة سلسة غير منفّرة، كأن يدرس التلاميذ في السنة الأولى: مفاهيم فلسفية، وفي السنة الثانية: مدارس فلسفية، وفي السنة الثالثة: قضايا أو إشكاليات فلسفية، وهذا بعد القيام بإصلاح البرنامج المقرر في المرحلة الثانوية بما يناسب هذا المقترح بإشراك الخبراء والأستاذة الثانويين والجامعيين» (ص50). يُضاف إلى ذلك «توفير الكتاب الفلسفي وتجديد المكتبات الجامعية وربطها بوسائل الاتصال المستحدثة» (ص51)، بحكم أنّ التكوين لا يستقيم دون السنَد المادي واللامادي (الافتراضي) الّذي ينقل المعلومة ويُوفّر طرائق الحصول عليها، الحل يكمن أيضا في تنويع التمارين في الدرس الفلسفي كأن يشتغل الأستاذ على التعاريف التي يعتبرها أكثر ملاءمة من غيرها لتحديد المفهوم، مفهوم التفلسف هنا، ثم اثنتان من التعاريف التي يعتبرها الأقل ملاءمة، وعلى المتعلم أن يقوم بتبرير خياراته لجهة القبول وكذا  عمل مجموعات صغيرة: تتكون كل مجموعة من تلميذين إلى خمسة. يطلب منهم توضيح خياراتهم لبعضهم البعض ومناقشة التعليلات والحجج التي استندوا إليها في إنتاجهم الكتابي. جمع الحجج والكلمات المحورية المختلفة والمتمايزة في عمود أول. ثم يطلب من المتعلمين، وكل بدوره أن يبادروا إلى تصنيف الحجج أو المصطلحات الرئيسية في عمود ثان شرط عدم تكرار حجج أو كلمات محورية متشابهة تمت مناقشتها في المجموعة الصغيرة. ويمكن أيضا القيام  بنشاط مبتكر: للمعلم أن يبتكر تمريناً أو نشاطاً خاصاً بحيث قد يحوّل دراسة المفهوم إلى مشروع بحثي يُشرك فيه جميع المتعلمين، يمكن له أن يقيم منتدى حواري حول الموضوع داخل الصف واستضافة ضيوف من خارج المدرسة من المختصين، وهكذا.

ومن الحلول التي نقترحها تجربة الاشتغال على ترجمة النصوص الفلسفية  "(لشعبة اللغات الأجنبية ) وتحقيق مبدأ التكامل بين المواد فيشتغل مدرس الفلسفة والادب العربي واستاذ اللغات الأجنبية على بعض المباحث المشتركة التي لها علاقة بالمواطنة وحقوق الانسان والديمقراطية وبناء الدولة والمجتمع المدني وقضيا المراهقة، كما يمكن الاشتغال على القاموس في ضبط المفاهيم على مستوى جميع الشعب،وتجديد المشكلات المطروحة للدراسة بما يتناسب مع روح العصر مثل موضوع الذكاء الاصطناعي و المشكلات والآثار الفلسفية للتكنولوجيات الجديدة "(وهي قضايا اقرب للشعب العلمية ) ثم لا بد من إعادة النظر في نموذج بناء الامتحانات فقد جاء في « المرجعية العامة  للمناهج » من واجب المنظومة التربوية أن تعيد لتعليم الفلسفة في التعليم الثانوي العام والتكنولوجي مكانته، وتعطيه التناسق الذي ينبغي أن تكون عليه. ومن الضروري تحديد الأهداف المسندة إليه وشرحها وتوجيه مضامينه المتنوعة نحو تعّلم التفكير والنقد، والابتعاد عن تقديم معلومات مجردة يرهق التلاميذ أنفسهم في حفظها واسترجاعها يوم الامتحان. ص 44 حيث لا ينبغي أن تُعّلم التيارات الفلسفية (القديمة منها والحديثة) على شكل معارف مخزنة، بل ينبغي أن تقدم  بطريقة تمكن  التلاميذ من فهم هذه التيارات في التسلسل التاريخي للفكر الإنساني بحثا عن الحقيقة، سالكين في ذلك طرقا عقلانية، ومجابهة نسبية الآراء والتصورات الفلسفية حول مسائل الإنسان والعالم.كما يمكن التفكير في التخطيط لشعبة جديدة يمكن تسميتها علوم وفلسفة .

 

المقارنة بين تدريس مادة الفلسفة في عامها الأولى بين الجزائر وتونس والمغرب

السنة الثانية شعبة آداب وفلسفة-  الجزائر-

يراهن منهاج الفلسفة للسنة الثانية شعبة أداب وفلسفة على ان يكون التلميذ، قد بلغ مستوى إنجاز الكفاءتين الختاميتين اللتين بھما یتأھل للارتقاء إلى السنة الثالثة، و ھما:الكفاءة الختامية الأولى:  وتتمثل في التحكم الفعلي في آلیات الفكر النسقي

الكفاءة الختامية الثانية: خوض تجارب فعلية، في طرح القضايا الفلسفية و فھمھا و من ثمة، الارتقاء إلى محاولة حلھا. ولذلك تم توزيع من الحجم الساعي على النحو التالي: الحجم المخصص للدروس النظریة: 53 مقابل55  للأعمال التطبيقية ومن حیث النشاطات الجدیدة: تم استرجاع نشاط العروض وإقرار نشاط جديد یتمثل في مبادرة إدراج الإنتاج الفلسفي اما من حیث تعیین المحتوى المعرفي: فقد تم العمل بما يسمى الإشكالات الفلسفية، تتفرع عنها مشكلات جزئیة. وتم توزیع الحصص: بين  حصص النظریة: عدد ساعاتھا 55،وحصص تطبیقیة: عددھا 53 ؛ و تتوزع كما یلي:دراسة النصوص: 18 ساعة ·إنجاز المقالات الجماعیة و الفردیة: 20 ساعة ·تقدیم العروض: 06 ساعات ·دراسة الإنتاج الفلسفي: 09 ساعات ومن حیث وتیرة تنظیم النشاطات التعلمیة: الدروس النظریة: ساعتان أسبوعیا؛ النصوص: ساعة أسبوعيا، مرتین كل ثلاثة أسابيع، المقالات: ساعة أسبوعیا، لكل من الجماعیة و الفردیة مرتین كل ثلاثة أسابیع: · بحیث تنجز  على العموم  إحدى المقالتین مرة في كل ثلاثة أسابیع؛ العروض: ساعة في كل شھر، ما عدا شھر الدخول المدرسي و شھري ·الاختبارات المبتورین ؛الإنتاج الفلسفي: ساعة في كل شھر من الأشھر التسعة. ...

الملاحظات الأولية:

الكفايات التي تم رصدها غير قابلة للتحقق هي اقرب الى الاخلاق الكانطية، فلا يمكن القيام  بتجارب فعلية، في طرح القضايا الفلسفية و فھمھا و من ثمة الارتقاء إلى محاولة حلھا في ظل غياب جودة  اللغة التي بها ومن خلالها يفكر التلميذ  وفي ظل ضعف التأطير وغياب كفاءة احترام الاخر وانعدام التواصل .و لا يمكن تحقيق هذه الكفايات والكتاب المدرسي الحالي- كما أشار محمد بصري في مقال له بموقع كوة بعنوان الدرس الفلسفي في الجزائر قراءة في المنهاج والكتاب المدرسي- لان الكتاب المدرسي  لم يحرر التلميذ من هواجسه الخفية المتمثلة في فوبيا الدرس الفلسفي بل عمق شرخا كبيرا بينه وبين استلهام التجربة الصفية كما يقدمها الدرس .هذا الانفصام جعل المتمدرسين يتجنبون في كثير من الحالات الاستئناس بمضامين وعناصر وخلاصات الكتاب ويفرون الى نماذج اجتهادية تفرضها مدرسة ربيبة فرضها واقع الدرس ألخصوصي، التخمة في المحتوى وأحيانا الاسهاب اللامعقول ضيع فرصة ان يكون هذا الكتاب منفذا ومنقذا ومرجعا للطلبة. [8]للأسف أصبحت تسند مهمة تدريس الفلسفة للسنة الثانية الى الأقل كفاءة وبعض الأساتذة يسعى لتدريسها للتفرغ لسوق الدروس الخصوصية وبحكم غلبة العنصر النسوي وكثرة العطلة المرضية باتت هذه الأقسام بدون مدرس وبعضها تحول الى تجارب لما يسمى أساتذة الاستخلاف. ويمكن وفق استقراء واقعي ملاحظة  تدني المستوى المعرفي وغياب التفكير الناقد عند اغلب تلامذة شعبة اداب وفلسفة ونرصد بكل ألم ضعف الكتابات الفلسفية سواء الانشاء الفلسفي او العروض المقدمة وعدم القدرة على التبليغ فضلا عن انعدام صحة التفكير وهذا الذي يفسر القلق والعزوف عن المشاركة في النشاطات الدراسية. والإخفاق في الاختبارات والامتحانات (عدم التكيف مع الوضعيات الجديدة

الفلسفة بالسّنوات الثّالثة من التعليم الثّانوي- تونس –

يشتمل برنامج الفلسفة في السّنة الثّالثة- وهي اول سنة لتدريس الفلسفة - على عنوان واحد هو "مطلب التّفكير: من اليوميّ إلى الفلسفيّ

" I- اليومي:يتعرّف من خلالها التلميذ إلى اليومي الّذي كان يحياه دون أن يفكّر فيه. وذلك لردم الهوّة المفتعلة بين التّفلسف والحياة لإقامة الرّابط القائم بين المعيش والتّفكير.

- مقتضيات التّفكير: تتفرع إلى ثلاثة عناصر الوعي بالمغالطات: لحظة للتفكير في بعض مظاهر سوء استعمال العقل، وامتلاك الأدوات الّتي يصبح بمقتضاها قادرا على كشف المغالطات.

إجرائيّات التّفكير: هي إجرائيّات يستعيض بها التّلميذ عن المغالطات والأخطاء بقواعد ومسارات يتمرّس عليها حتّى يستقيم تفكيره ويُحْسِنُ استعمال عقله. من خلال التأسيس والأشكلة، والتعريف والحجاج والفحص...

إيتيقا التّفكير: للوقوف على الأفق الإنساني الّذي يمكن أن نتصوّره للتّفكير، أفق يحلّ فيه التّعق‍ّل محلّ الانفعال، والحوار محلّ الإرغام، والنّقد محلّ التّسليم والتّعصب.

- تجربة الالتزام: شخصيّات فكريّة:  يتعرّف فيها التّلميذ إلى شخصيّات يستلهم من سيرهم أشكال الرّبط بين الفكر والممارسة، وتُفْسَحُ أمامه الطّريق للنّظر في وجاهة الالتزام، وجاهة تقاس بمدى قدرة الفرد على التّوجّه نحو الكونيّة ضمن فعل يحوّل الفكرة إلى موقف ويضفي على الحياة الشّخصيّة معنى يرقى بها إلى الكونيّة. يتمّ كلّ ذلك من خلال شخصيّات تكشف للدّارس جدّيّة الالتزام وصدقه وتذهب بالتّجربة الفلسفية إلى أقصاها. وتعتبر هذه التجربة فريدة بالمقارنة مع المغرب.

الدّراسة المسترسلة لأثر فلسفيّ: هي ركن إجباريّ في البرنامج تعطي الفرصة للتلميذ للتعود على القراءة واكتشاف آليات التفكير والادوات المنهجية لبناء الاثر. ويعتبر هذا الركن جديدا في برامج الفلسفة بالمقارنة مع البلدان الأخرى.

يهدف تدريس الفلسفة في السّنوات الثّالثة من التّعليم الثّانوي إلى:

التّمهيد لدراسة هذه المادّة في السّنة الرّابعة، والتّرغيب فيها بتحسيس التّلميذ بأهميّة المساءلة الفلسفيّة في أهمّ السّجلاّت التي يحيل إليها وبالنّظر إلى أهمّ المرجعيّات التي يستوجبها.

إيجاد موقف تساؤلي لدى التّلميذ ينطلق من الدّهشة ويقود إلى صياغة أسئلة تستدعي منه استخدام جملة من المسارات الفكريّة، ضمن تمشّ مبنيّ يساعد على التقدّم في حلّ هذه الإشكاليّات حيث يكتسب القدرة على التّمييز بين المسائل والمفاهيم ومستوياتها.

مساعدة التّلميذ على الانتقال من التّجربة العفويّة للحياة إلى التّفكير، وذلك ببيان أنّ في الحياة نفسها ما يحملنا على ذلك التّفكير.

مساعدة التّلميذ على إدراك العلاقة الوطيدة القائمة بين الفلسفة وسائر المعارف الأخرى باعتبار أنّ كلاّ منها يعبّر بطرقه المخصوصة عن مختلف التّجارب الإنسانيّة المتّصلة بعلاقة الفرد بذاته وبالآخرين، ويكون ذلك بالنّهل من النّصوص الفلسفيّة على وجه الخصوص والنّصوص الإبداعيّة عموما إضافة إلى سندات أخرى (سمعيّة بصريّة، رقميّة...)

طرق بناء الدرس أو في القراءة التأليفية: لا ينص منهاج تونس على طريقة معينة في التدريس، ولا يتضمن أية توجيهات حول الطرق التي ينبغي اتباعها في انجاز برنامج المادة، وهو ما يعني عمليا أن المقاربة البيداغوجية لها طرق خاصة، بالنظر إلى أن بنية التفقد تشمل على ثلاثة درجات: المتفقد، المرشد البيداغوجي، ثم المساعد البيداغوجي. ونسجل هذه الملاحظة بالنظر إلى أن منهاجنا التعليمي يتضمن تصريحا وبيانا وافيا بالمقاربة البيداغوجيا وضمنها الكفايات والبناء بالمجزوءات، وهو الأمر الي يجعل بعض الانتقادات تتجه صوب القول بأن المنهاج لا ينبغي أن يتضمن الاختيارات البيداغوجية لأنها مجرد أدوات وأساليب اختيارية يتعرف عليه المدرس ويوظف ما يناسبه من طرق لبناء درسه وإشراك المتعلم في ذلك البناء. فهل يصح فعلا التصريح بالمقاربة التي يتوجب على المدرس توظيفها في تفعيل البرنامج؟ أم أن للمدرس كامل الحرية في توظيف ما يراه مناسبا؟

ما هي القراءة التأليفية؟تمثل القراءة التأليفية الدرس كما يتصوره الاستاذ وكما ينجزه فعليا في الفصل، فهو بناء لمجموعة المعارف والمضامين المعرفي التي يوظفها بمعية تلامذته من خلال الاستعانة بالسندات الديداكتيكية (النصوص) التي يتضمنها الكتاب المدرسي. ويدمج في هذه القراءة بين التمشي المعرفي والإشكالي. وهي "قراءة شمولية، تأويلية تستحضر الكل في الجزء (روح التفكير الفلسفي) وتربط الأهداف الخصوصية بالأهداف العامة وتنسق بين عناصر المسألة الواحدة من ناحية وبين مسائل البرنامج من ناحية ثانية. ويشمل الربط والتنسيق، المضمون والمهارات والمقاصد في نفس" (عمر الفقيه حسن مرشد بيداغوجي، المجلة التونسية للدراسات الفلسفية، عدد 23 – 33 ص 113).

الملاحظات الأولية: تمثل النصوص ثلثي الكتاب المدرسي حيث تتم الدروس وفق نموذج النصوص المقروءة عوض المنهج التاريخي او الاشكالي واغلب النصوص هي حول الفلسفة الحديثة والمعاصرة يقول الأستاذ التريكي:" المناهج المطالب بها الأستاذ هي مناهج ذات طابع تفاعلي لايكون فيها التلميذ مجرد متلق بل شريكا مطالبا بتحمل مسؤولية ذاته والمشاركة في بناء المعرفة انطلاقا من نص دعامة " 106الفلسفة مدرسة الحرية تعليم الفلسفة وتعلم التفلسف تقرير صدر 2009 من طرف منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة .

-تحول التلميذ الى رهينة لنظام مدرسي عجز عن توفير قاعة لعرض فيلم فلسفي او خشبة مسرح لتجسيد اشكال فلسفي، إضافة الى اكراهات الدرس الخصوصي بحثا عن النتيجة ولو على حساب جودة التعلم قتل الروح الفلسفية في مهدها نظرا لانعدام الشغف بالحكمة او ليست الفلسفة هي حب الحكمة .

الجذوع المشتركة -المغرب-

وضع برنامج الجذوع المشتركة على قاعدة التعرف على الفلسفة كنمط فكري متميز يلتقي به التلاميذ لأول مرة في مسارهم الدراسي .ويتم التعرف على الفلسفة من خلال تناول نشأة الفلسفة ولحظات أساسية من تاريخها ومن خلال اكتشاف معالمها المميزة ونمط اشتغالها،ثم من خلال تناول قضية فلسفية مناسبة تمكن من ممارسة أولية للتفكير الفلسفي في الانسان وانتاجاته الثقافية داخل عالم الطبيعة .وينبغي في انجاز هذ البرنامج مراعاة بساطة التناول والدعامات البيداغوجية وجاذبيتها ومثاليتها (نصوص في متناول التلاميذ، ووضعيات تعليمية حافزة لانخراطهم في التفكير) ومن اهم الكفيات التي يجب تحقيقها:* الأشكلة انطلاقا من وضعية مشكلة *صياغة أسئلة منظمة والتعبير عنها شفويا وكتابيا * القراءة الفلسفي * إدراك المعنى المتضمن في الاقوال والنصوص * الوعي بالذات وتقديرها الإيجابي * الانفتاح على الغير وقبول الاختلاف* التفكير المنطقي، الاستدلال، المحاججة.* النقد، وضع المواقف والأطروحات موضع تساؤل * الانصات اليقظ والتعبير المنظم * التلخيص، تمييز الأساسي من الثانوي * النقد والحكم، والاستنتاج * المفهمة: إدراك العلاقة بين المفاهيم، تفريع * المفهوم المركزي، رسم خريطة مفاهيم.. يشير احد الباحثين الشباب الى مايلي: أن نشتغل على قضية نشأة الفلسفة مع الجذوع المشتركة، ليس معناه أن نخبر التلميذ أن الفلسفة قد ظهرت عند اليونان في القرن السادس قبل الميلاد وانتهى الأمر، فلا أرى في ذلك فلسفة، بقدر ماهو حكي أو نقل وإخبار، يتعارض مع جوهر الفلسفة نفسها، فمهمة الفلسفة هي أن تجعل ما يبدو واضحا وبديهيا ولا مفكر فيه عند الناس، غير واضح وغير بديهي ومفكر فيه (مهمة الإستشكال)  إن الرهان هنا هو أن يستوعب المتعلم أنه إذا كانت نشأة الفيزياء ونشأة الرياضيات لا تطرح مشكلا كبيرا بين المؤرخين، فإن نشأة الفلسفة في حد ذاتها إشكالية فلسفية، تدور رحاها بين ثانية المركز والهامش، التي مازالت مطروحة إلى اليوم في حواراتنا اليومية في ثقافتنا وفي وعيينا الجمعي (النزعة المركزية الأوربية والعقل الإستعلائي / نقد النزعة المركزية الأوربية والاعتراف بجدية الشرق (مصر / بابل / الصين..)، وهو أمر ينبعي أن يتم من خلال استثمار نصوص فلسفية وتاريخية وأنثروبولوجية، هكذا تكون لحظة التعرف على الفلسفة بالنسبة للجدع المشترك، ليست مجرد نقل للمعرفة، بل ممارسة لفعل التفلسف وأدوات التفكير الفلسفي بشكل مضمر وغير مصرح به (الأشكلة: التقابلات والمفارقات / المفهمة: مفاهيم ومعرفة وأطروحات / المحاجة: مبررات تاريخية وثقافية وفكرية) جاء في بيان الجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة الوطني للجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة تعليقا على قرار وزير التربية الوطنية والتكوين، رقم 3295.17الصادر في06 2017.12. اقصاء مادة الفلسفة تدريسا وامتحانا من مستويات الأولى والثانية  بكالوريا بالشعب والمسالك المهنية إن الجمعية، وهي تدرس هذا القرار، ترى أن صلب المشكل، لا يتعلق ب”وضعية تدريس

مادة الفلسفة فحسب”، بل يتخطاها إلى “الارتجالية والمزاجية” التي تحكم النظام التربوي المغربي، وانعدام “الإرادة السياسية” للقيام بإصلاح حقيقي، يأخذ بعين اعتباره التحولات الهائلة التي يشهدها العالم المعاصر، والاهتداء بها في إصلاح أوضاع التعليم، وبالأخص ما تعلق منها بمراجعة الآليات والمضامين، والوضع الاعتباري للمدرسين، وتحقيق الانتقال من "مدرسة الحفظ” إلى “مدرسة التفكير”، ومن “مدرسة الحلول” إلى “مدرسة الاستشكال” وبالتبعة (من منطق الجامع إلى منطق الجامعة).

الملاحظات الأولية: يمكن الاستئناس هنا بما كتبه إسماعـيل فائــز في مقال له بعنوان "الدرس الفلسفي" بالتعليم الثانوي التأهيلي بالمغرب: رؤية نقدية إن الاكتظاظ الذي تعرفه الفصول الدراسية، وعدم تلاؤم الغلاف الزمني المخصص للمادة مع حجم المقررات الدراسية (خاصة بالنسبة للثانية من سلك البكالوريا، وبالأخص شعبتي الآداب والعلوم) يدفع بالمدرس، في الكثير من الأحيان، إلى تعليم الفلسفة لا التفلسف. أي إلى نقل معارف فلسفية للمتعلم الذي يحفظها ليستظهرها لحظة التقويم، وسرعان ما يتخلص منها عند "التحرر من قيود الامتحان". إذ يتم الإنشغال بمسألة الفشل والنجاح والجانب المعرفي  على حساب "هاجس" التفلسف. علاوة على ذلك يحول الاكتظاظ داخل الفصول الدراسية دون إعطاء التمارين الفلسفية العناية التي تليق بها، ودون التمرن على الكتابة الفلسفية داخل الفصل، ويفرض على المدرس تقليص مساحة الحوار. بل ويتحول النص الفلسفي المفعم بالحياة إلى نص عادي. هذا فضلا عن تعامل بعض المدرسين مع النصوص الفلسفية باعتبارها غايات في حد.

خلاصة

بوجه عام وفي الأخير نتفق مع ايفان ايليتش Ivan Illich ونقول معه:"أن النظام المدرسي ليس سوى نظام سباق من اجل الحصول على الشهادات، انه نظام مغلوط يهدف إلى إنتاج تلاميذ طيعين مستعدين لاستهلاك مقررات مهيأة من لدن “السلطات “ومن اجل طاعة المؤسسات وبذلا منها يجب أن تحل محلها علاقات بين “أطراف متساوية ” وتربية حقيقية تعد التلاميذ للعيش في الحياة" لابد والحال هذه من تحرير الدرس الفلسفي من سلطة الديماغوجيا والاستثمار وفق إرادة عامة وتحت ضغط النخب المثقفة في البيداغوجيا وهذا يعني الاستثمار في الانسان الذي هو أساس بناء الحضارة بعيدا عن النخب المزيفة وعن اكراه رجل السياسة المعطوب في فكره ووعيه.

 

   عمرون علي - أستاذ الفلسفة المسيلة – الجزائر 

........................

الهوامش

[1] يمكن العودة الى مقال أزمة الفلسفة في العالم العربي . ميشال بسيل عون . الاخبار .

[2] الــدرس الــفــلــســفــي - جاك ميجليوني ترجمه عن النص الفرنسي: جواد بلكامل

[3] نفس المصدر

[ 4] بيداغوجيا تعليم الفلسفة. محسن سعيد السيد. https://www.cndp.dz/?p=1884

[ 5] فارح مسرحي، الفلسفة في الجزائر (الدرس والنص)، منشورات الوطن اليوم، سلسلة «كتاب الجيب/ألفية القراءة».

* يمكن العودة الى مقال بعنوان معوقات استنهاض العقل بقلم محسن بن الحطات التومي .

[6] اتجاهات أساتذة التعليم المتوسط نحو الإصلاح التربوي في الجزائر .مذكرة مكملة لنیل شھادة الماجستیر في علم اجتماع التربیة.  جامعة منتوري – قسنطينة. كلية العلوم الإنسانية. قسم علم الاجتماع. ص 70

[7] محمد الدريج، تحليل العملية التعليمية وتكوين المدرسين،2004، ص15

[8] محمد بصري الدرس الفلسفي في الجزائر قراءة في المنهاج والكتاب المدرسي. https://couua.com

 

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم