صحيفة المثقف

محمود محمد علي: كيف تحطمت أسطورة الجيش الإسرائيلي في غزة؟

محمود محمد عليفي تاريخ وحاضر النضال الفلسطيني، أيام، وأسماء، وأحداث، وإيجابيات، وإنجازات، وأبطال، وبطولات لا تُنسى، ويجب ألا تُنسى، ومسئولية الإعلام أن يبعدها عن النسيان ويبقيها في دائرة الضوء.. يقينًا لنا، بأن الأبناء من نفس جينات الآباء، قادرون على صناعة الإعجازات، ويستحيل أن يفرطوا فى حق الوطن المحتل، مهما تكن التضحيات، مهما دوى الغناء فى سمائك وألقى الشعراء قصائد فى حبك وكتب الأدباء وصفا في جمالك، فلن يكفى ذرة رمل من ترابك سال عليها دماء أبناء فلسطين العظيم.

وقديما كان الإسرائيليون يتحدثون عن جيشهم وكأنه الجيش الذي لا يقهر، والمفاخرون بقدراته التي لا تضاهها، لكن الحقيقة قد تكون أمراً آخر، فثمة ما يحاول إخفاؤه من إخفاقات تجد انتقادات داخل إسرائيل نفسها، وتستغل المقاومة الفلسطينية الغارات الإسرائيلية في أسر جنود وضبط من حينا إلي آخر، بينما يفقد الإسرائيليون جنوداً وضباطاً حتي أثناء المران والتدريب في أوقات لا حرب فيها، فما بالك في أوقات الحرب؟

جزء مما لا يريد قادة الجيش الإسرائيلي في صور حصرية، حيث نجد بين الفينة والفيينة أن إسرائيل تفاخر بجيشها ليل نهار، فتوعدوا من يهدده .. لا تتوقف مناوراتها العسكرية .. تعلن جاهزيتها القدس ولأي مواجهة قتالية، لكن خلف تلك المشاهد، شواهد لا يريد الجيش الإسرائيلي أن تظهر .

ولذلك يقال رب ضارة نافعة، فإذا كان العدوان الإسرائيلي على فلسطين خصوصا غزة، قد تسبب (كما يقول الأستاذ عماد الدين حسين في مقاله بالشروق تحت عنوان "وتحمت الأساطير مع العدوان" ) في خسائر كثيرة للفلسطينيين في الأرواح والبيوت والممتلكات والبنية التحتية، فإن مقاومة الفلسطينيين الباسلة للعدوان، أسقطت العديد من الأساطير وفى مقدمتها ما سمى بصفقة القرن التي كان هدفها الجوهري تصفية القضية الفلسطينية.

لقد كشفت لنا حادثة الشيخ دراج خلال الأيام الماضية أن أسطورة الجيش الإسرائيلي سقطت وأنه لم يعد قادراً على فرض كلمته في كل لحظة داخل الأرض المحتلة وخارجها. صحيح أن آلة الحرب الإسرائيلية جبارة ومدمرة وفتاكة، وأوقعت بالفلسطينيين خسائر بشرية ومادية فادحة، لكن المفارقة أن هذا الجيش المصنف الأول في المنطقة، لم يكن قادراً على منع صواريخ بدائية أنتجتها المقاومة في ورش محلية وبتكلفة زهيدة، مقارنة بثمن الأسلحة الحديثة الموجودة في مخازن الجيش الإسرائيلي.

كما لنا حادثة الشيخ دراج أيضا أنه إذا كانت المقاومة قبل العدوان الإسرائيلي قادرة على ضرب المدن الإسرائيلية المتاخمة لقطاع غزة مثل عسقلان وسديروت، لكن المفاجأة أن الصواريخ وصلت تل أبيب نفسها، وهددت منشآت حيوية مما اضطر سلطات الاحتلال إلى تعطيل العديد من الرحلات الجوية لمطاراتها، كما وصلت الصواريخ الفلسطينية إلى مدن مثل بئر سبع فى النقب.

وثمة حقيقة ميدانية صارخة كشفت عنها الجرائم الإسرائيلية البشعة الأخيرة في (حرب غزة) (كما يقول الأستاذ "داود البصري" في مقاله بعنوان " سقوط أسطورة إسرائيل التي لا تقهر ")، تتمثل بالسقوط الواضح والمتميز لنظرية الأمن الإسرائيلية التي كانت الملف المفضل لقادة الدولة العبرية طيلة عقود إدارة الصراع الإقليمي مع العالم العربي، كما أن حالة الهستيريا والعدوانية الشرسة واللجوء للإفراط في استعمال القوة والإرهاب ضد المدنيين الفلسطينيين والتعمد الإسرائيلي لإيقاع أكبر قدر من الخسائر البشرية في صفوف المدنيين وبما يشكل جريمة حرب متكاملة الأركان هو تعبير فظ وأهوج ولكنه صريح جدا ومعبر عن هزيمة أخلاقية كبرى لم يعد من المجدي أبداً مداراة فضائحها وإشكالياتها.

كما تلاشت معها تلك الأسطورة الوهمية التي شاعت منذ هزيمة الأيام الستة عام 1967 حول القوة السوبرمانية الإسرائيلية التي لا تقهر والقادرة على تركيع العالم العربي وأثبت أحرار فلسطين في غزة بأن هزيمة العدوان الإسرائيلي رغم الفارق النوعي والكمي الهائل في التسليح والدعم اللوجستي هو أمر أكثر من ممكن بل إنه تحقق بفعالية عالية مما جعل الداخل الإسرائيلي يشعر وللمرة الأكبر والأخطر من أنه لم يعد يعيش خلف أسوار أوهام الأمن الكاذب وأن القبة الحديدية غير قادرة أبداً على توفير الأمن بشكل مطلق، وذلك حسب قول يقول الأستاذ "داود البصري".

وقد علقت مجلة “ناشونال إنترست” الأمريكية على فشل نظام القبة الحديدية الذي تستخدمه إسرائيل في التصدي للصواريخ التي تطلقها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وباقي الفصائل الفلسطينية من قطاع غزة، مؤكدة أنه لا يوجد نظام دفاع صاروخي تقليدي مهما كان متقدما يتمتع بحصانة كاملة ضد الهجمات الصاروخية المكثفة.

وتساءل كاتب التقرير مارك إبيسكوبوس عن مدى فاعلية هذا النظام، الذي غالبا ما يوصف بأنه أحد أكثر أنظمة الاعتراض فاعلية في العالم، في التصدي لصواريخ المقاومة الفلسطينية، مشيرا إلى أنه يركز جزئيا، ومن أجل توفير التكلفة، على الصواريخ التي تسير في مسار محدد. ووصف الكاتب هذا بأنه “قرار حكيم خاصة في سياق التصعيد الحالي حيث فشل حوالي 400 صاروخ من بين 1600 أطلقتها حماس في الوصول لإسرائيل.

بيد أنه أكد أنه فيما يتعلق بباقي الصواريخ التي تقترب من أهدافها أن الجيش الإسرائيلي يؤكد أن نسبة النجاح في التصدي لها وتدميرها تزيد عن 90%، وهو رقم تم التشكيك فيه بشكل موضوعي خلال السنوات الأخيرة، وأشار الكاتب في هذا السياق لتحليل دقيق أنجزه لـ”ناشونال إنترست” الأستاذ المساعد بجامعة بروك الأميركية مايكل أرمسترونغ.

وينوه الكاتب أنه حتى لو كانت هذه النسبة دقيقة بشكل إجمالي فهناك بيانات وسوابق تشير إلى أن القبة الحديدية أقل فاعلية بشكل ملحوظ أمام ضربات توجه إلى أهداف قصيرة المدى.

وذكر أن هذا النظام، وهو عبارة عن شبكة اعتراضية تستخدم تكنولوجيا تحليل بيانات رادارات متطورة لرصد وتعقب وتدمير الصواريخ، يعد خط الدفاع الأول والأساسي لدى إسرائيل ضد وابل الصواريخ قصيرة المدى القادمة من قطاع غزة.

وهذا النجاح خلق إضراب شامل وتوترات مستمرة، ومظاهرات، ومناوشات، واشتباكات عنيفة، بين الفلسطينيين والجيش الإسرائيلي، وهذا ما يبدو عليه المشهد في الضفة الغربية .. اشتباك مفتوح مع الفوات الإسرائيلية في نقاط الاحتكاك، فلأول مرة من ستة عشر عاماً نظمت كتائب شهداء الأقصي التابعة لحركة فتح مسيرة في شوارع  رام الله ورفع عناصرها أسلحتهم، وأطلقوا النار في الهواء .

وقبل أيام دعت كتائب شهداء الأقصى مقاتليها إلي الوقوف جنباً إلي جنب مع الشعب الفلسطيني في القدس، وغزة، والضفة، والداخل، كل هذه المستجدات تدفعنا لنسأل أكثر : هل تتجه الفصائل الفلسطينية في الضفة الغربية إلي تنفيذ عمليات عسكرية ضد الجيش الإسرائيلي؟، وهل تل أبيب جاهزة لهذه العمليات ؟، وما المتوقع في الأيام القادمة؟ ... هذا ما سوف تعرفه خلال الأيام المقبلة..

 

أ.د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم