صحيفة المثقف

محمود محمد علي.. وداعا سمير غانم.. صانع البهجة في تاريخ الأداء التمثيلي

محمود محمد عليفقدت الحياة الفنية في مصر والوطن العربي فقدت أحد رموز الكوميديا في مصر والوطن العربي النجم الكبير، سمير غانم، عن عمر يناهز 84 عاما، وذلك بعد تعرضه لوعكة صحية خلال الأيام الماضية، حيث عانى خللا في وظائف الكلى، ونقل على إثرها لغرفة العناية المركزة بأحد مستشفيات المهندسين، وتدهورت حالته الصحية في الأيام الماضية حتى لفظ أنفاسه الأخيرة هناك.. لقد فقد الفن واحد من أهم رموز الفن الكوميدي في مصر والعالم العربي، الفن خسر كثيرا برحيل فنان لن يتكرر، ولكن ستظل متواجدا يا سمير بين الناس بفنك الجميل الراقي

ويعد سمير غانم أحد العباقرة وأيقونة كوميدية فذة، والذي رسم صفحات من البهجة في تاريخ الأداء التمثيلي، فأسلوبه المميز نجح في جذب قلوب الجمهور عبر سنوات طويلة شهدت أعمالا ستبقى راسخة في الوجدان بشخصياتها ومفرداتها، وهو أيضا علامة رئيسية في تاريخ الكوميديا المصرية في المسرح والسينما والتليفزيون،  وهو أيضا يعد كذلك من أهم نجوم الكوميديا في تاريخ الفن المصري.. كون مع صديقيه الضيف أحمد وجورج سيدهم فرقة ثلاثي أضواء المسرح، التي حققت نجاحا كبيرا، وبعد وفاة الضيف أحمد استمر "جورج" و"غانم" في تقديم أعمال مسرحية سويا.

وقال وصفه الأستاذ محمد قناوي في مقاله عنه بعنوان "وداعا سمير غانم بأنه: "إمبراطور الضحك": "إمبراطور الضحك.. القشاش.. عملاق كوميديا الارتجال.. ملك خشبة المسرح بلا منازع، إمبراطور المسرح الكوميدي».. ألقاب حصل عليها الفنان الراحل "سمير غانم" خلال مشواره الفني الطويل، الذي يمتد لأكثر من ستين عاماً، استطاع خلالها رسم الابتسامة على الوجوه وأن يخلق لنفسه مكاناً ومكانة لا ينافسه فيها أحد.. فهو حالة خاصة في عالم الكوميديا، وتفنن في كيفية إسعاد الملايين، ببساطة وسلاسة دون فلسفة أو تعقيد، فقدم كوميديا السهل الممتنع التي لا يستطيع غيره تقديمها، وعلى امتداد تاريخه الفني الطويل كان مختلفاً، وذكياً طوال الوقت، قدم فناً لا يشبه غيره، فأصبح إمبراطور المسرح الكوميدي بلا منازع".

يذكر أنّ سمير غانم، من مواليد 15 يناير 1937، بمحافظة أسيوط، بصعيد مصر، وعقب اتمامه دراسته الثانوية التحق بكلية الشرطة متأثرا بوالده ضابط الشرطة، إلا أنه بسبب رسوبه لمدة عامين متتاليين تم فصله من الكلية، ليعاني من فترة صعبة، قبل أن يلتحق بكلية الزراعة جامعة الإسكندرية، التي كانت المهد الذي احتضن بداياته الفنية من خلال نشاط التمثيل بالجامعة

وعقب تخرجه في الستينيات من القرن العشرين، أسس سمير غانم فرقة "ثلاثي أضواء المسرح" في الإسكندرية، مع الفنان وحيد سيف وممثل آخر يدعى عادل نصيف، ومع الوقت انسحب من الفرقة وحيد سيف وعادل نصيف لينضم لها الثنائي جورج سيدهم والضيف أحمد ليصنعا مع سمير غانم المجد الذهبي للفرقة.

وقدمت الفرقة عدة أفلام واسكتشات كوميدية ناجحة أشهرها "كوتوموتو" و"شفت الحليوة"؛ كما قدمت الفرقة عدداً من المسرحيات منها "حدث في عزبة الورد"، "الراجل اللي أتجوز مراته" ، "حواديت"، والأفلام مثل "المجانين الثلاثة" و"30 يوم في السجن".

وظلت فرقة "ثلاثي أضواء المسرح" في أوج مجدها حتى توفى الضيف أحمد بشكل مفاجئ عام 1970. وبعد وفاة الضيف أحمد قرر غانم وسيدهم عدم الاستعانة بأي فنان آخر مكانه وقدما معاً عدة أعمال مسرحية أشهرها "المتزوجون" و"أهلا يا دكتور". .

وفي الثمينينات تعرف سمير غانم على الفنانة دلال عبد العزيز خلال تقديمهما مسرحية "أهلا يا دكتور" ليقع في حبها ويتزوجها وينجب منها ابنتيه اللتين ورثتا منه خفة الظل وموهبة التمثيل، دنيا وإيمي.

ومن أبرز أعمال الفنان سمير غانم المسرحية "المتزوجون"، "جحا يحكم المدينة"، "أخويا هايص وأنا لايص"، "دو ري مي فاصوليا"، "أهلا يا دكتور"، وغيرها.

وعلى الرغم من أنه في السينما لم يكن نجماً أول إلا في الثمانينيات، لكنه على العكس في المسرح استطاع أن يحصل على البطولة مبكراً، سواء مع فرقة ثلاثي أضواء المسرح أو أعماله المسرحية التي قدم بطولتها، وقد بدأ من مسرح الجامعة، وهو يعتبر المسرح بيته الأول وعشقه الأكبر، واستطاع سمورة أن يصنع فيه حالة خاصة من النجاح والإبهار، وأن يكون علامة من علاماته التاريخية، وملكاً للارتجال والإفيهات، فحققت مسرحياته نجاحاً منقطع النظير واستمر عرض الكثير منها لسنوات عديدة ؛ ففي عام 1964، شارك في مسرحية "طبيخ الملايكة"، و"فندق الأشغال الشاقة"، و«انت اللي قتلت عليوة"، و"موسيكا في الحي الشرقي"، و"جوليو ورومييت"، و«منطقة ممنوعة» ومسرحية «المتزوجون» والتي حققت نجاحاً كبيراً ولا تزال تحقق النجاح أثناء عرضها على التلفزيون، و«فارس وبني خيبان»، و«أخويا هايص وأنا لايص"، و"بهلول في إسطنبول"، و" دو ري مي فاصوليا"، و"جحا يحكم المدينة، و"أنا والنظام وهواك"، و"أنا ومراتي ومونيكا"، و«ترا لم لم"، و"مراتي زعيمة عصابة".

أما أشهر أفلامه "الرجل الذي عطس"، "تجيبها كده تجيلها كده هي كده"، "خلي بالك من زوزو"، "يا رب ولد"، "البنات عايزة إيه"، "ممنوع في ليلة الدخلة" و"طبيخ الملايكة" و"روميو وجوليت"، ثم قدم الثلاثة بعدها عددًا من الأفلام والمسرحيات الناجحة.

كما تعد مسرحيته "المتزوجون" من أبرز وأنجح الأعمال في تاريخ المسرح المصري، التي شاركه في بطولتها كل من جورج سيدهم وشيرين، كما قدم العديد من الشخصيات التي لا تنسى في تاريخ الفن في مصر، من أشهرها فطوطة، والكابتن جودة وغيرها.

وتمتد مسيرة أسطورة الكوميديا لأكثر من 60 عاما كان خلالهم جزء من وجدان محبيه، ورسم البسمة على وجوه الملايين؛ ففي ثمانينات القرن العشرين لمع نجمه في سماء الفوازير، فقدم سلسلة من فوازير رمضان تحت اسم شخصيتي "سمورة" و"فطوطة"، ثم عاد في رمضان في أوائل التسعينيات من القرن نفسه ليقدم فوازير المطربون والمضحكون، ويعتبر واحد من نجوم المسرح بين عادل إمام ومحمد نجم ومحمد صبحي.

روى أنه حينما كان طالبًا في كلية الشرطة تم حبسه كثيرًا، وقدم فيلمًا واحدًا فقط في السينما، وجسد فيه دور ضابط شرطة، مضيفا: "حينما سقطت في الكلية حالتي النفسية ساءت ومرجعتش البيت ورحت اتمشى على الكورنيش، وأمي وأبويا فضلوا يدوروا عليا، وأما رجعت محدش اتكلم معايا بسبب حالتي".

وأكد أنه انتقل من كلية الشرطة إلى كلية الزراعة بسبب رسوبه المتكرر ورفده من الكلية، موضحًا أن كلية الزراعة، كانت من كليات نجوم الفن وكان بها جميع ألوان الفن، منهم عادل إمام ومحمود عبد العزيز وغيرهم من النجوم، مضيفا: "كنت بعيد السنة عشان أفضل في الكلية ومخرجش منها، والدكتور كان يقولي تعالى أحضر الامتحان وهنجحك.

رحم الله الفنان القدير سمير غانم القدير وأسكنه فسيح جناته وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان .. والبقاء لله.. الله يرحمك ويغفر لك على قدر ما أسعدت ملايين بفنك من الوطن العربي النجم الكبير.. أعزي نفسي وعائلته وجماهيره وعشاق فنه لأنه فنان لن يتكرر، تربع على عرش الكوميديا، السنين الطويلة كلها حافظ على خفة دمه..

 

أ.د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم