صحيفة المثقف

بكر السباتين: هذا نصر مبين لكنه بداية الطريق فانتبهوا!

بكر السباتينالهدنة لا تعني نهاية الطريق.. فهي جولة انتصرت فيها الفصائل الفلسطينية في غزة وخاصة حماس وقد سُجِلَتْ كإنجاز مرحلي للشعب الفلسطيني، وستمنح الطرفين الفرصة لاستخلاص العبر وتطوير معطيات المواجهة المقبلة بعد سد الثغرات.. إلا مفهوم الحق بين الطرفين يحدث التباين في الإرادات فالمقاتل الإسرائيلي لا يؤمن بأن فلسطين أرضه ويخوض حرباً بدون أهداف.. ولا يرغب بالموت مجاناً بينما هدفه الحياة ولو على حساب الآخرين.. وإزاء إرادة الفلسطيني فإن مفهوم القدرة العسكرية يصبح هامشياً عندما يهمش فائضها لاعتبارات تتعلق بضيق جبهة المواجهة وفقدان قواعد الاشتباك لصالح المقاومة، والتعامل مع غزة كأنها كتلة صلبة يصعب اختراقها، مع وجود فارق الإرادة الذي يميل لصالح الطرف الفلسطيني الذي يقاتل بعقيدة راسخة في أنه صاحب الحق الشرعي بفلسطين، وثقته بالنصر المبين، ومن خلال الاستعداد فإن تحرير فلسطين ممكن وأن الاحتلال هش ومصاب بفوبيا المقاومة.

لا شك أن ذلك يستوجب من الفصائل الفلسطينية العودة إلى خيار الكفاح المسلح الذي شطب من بنود الميثاق الوطني الفلسطيني كأهم شروط معاهدة أوسلو المليئة بالمكائد التي استنزفت حقوق الشعب الفلسطيني؛ حتى جاءت صواريخ المقاومة لتعيد تلك الحقوق إلى نصابها في قلوب الفلسطينيين بكل اتجاهاتهم وطوائفهم، ولتستعيد مكانها كأهم أولويات الشعوب العربية، واستعادة القدس لمكانتها لدى المسلمين كافة، والمقدسات المسيحية لدى مسيحيي العالم نسبياً، وبالتالي دخول القضية الفلسطينية كأهم إحداثيات الوجود القومي في العقل العربي الجمعي، واستعادة أهميتها سياسياً وقانونياً في أروقة الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، ونفض الغبار عن ملفاتها المهملة في محكمة لاهاي.. ولدى منظمات حقوق الإنسان على نطاق عالمي، وكل ذلك عززت من حمّى المقاطعة للبضائع الإسرائيلية التي كبدت كيان الاحتلال المليارات.. وصار علم فلسطين ماركة للحرية مسجلة!

وتجدر الإشارة إلى أن من أهم مخرجات المواجهة الأخيرة بين المقاومة في غزة وجيش الاحتلال الإسرائيلي الوحشي هو تجدد خطاب التحرير  الذي يحتاج للترسيخ والبناء عليه بعيداً عن الخطاب الرسمي الفلسطيني المهزوم والقائم على روح الاستسلام المهين تحت عنوان الواقعية السياسية أو الأمر الواقع.. وتحويل اتفاقية التنسيق الأمني مع الاحتلال كمهمة موضوعية تناط بأجهزة أمن السلطة ولا يمكن التراجع عنها حتى في أحلك الظروف.. وأن موقف السلطة يأتي من باب الحفاظ على المستوى المعيشي للمواطن وكأن الضفة الغربية مستقلة، وكأن النصر لا يحتاج لفاتورة دم.. وأن الأجهزة الأمنية لا تتحرك إلا بإيعاز من الاحتلال الإسرائيلي، بينما السلطة لا تحظى في الضفة سوى بصلاحيات بلدية محدودة.. وهذا أقل حتى من مستوى الحكم الذاتي.. من هنا يخرج الخطاب الرسمي الفلسطيني مروساً بشعارات تشير إلى الاستسلام الذي عرّض الشعب الفلسطيني للعزلة القصرية والتهميش، وقضيته للفناء.. لذلك وفي مرحلة ما بعد انتصار غزة لا بد من التخلي عن خطاب أوسلو الإنهزامي في سياق "الأمر الواقع" وعمل قطيعة مع الموروث الشعبي الذي يرسخ للقبول بالمقولات المحبطة، والتي تهيئ العقل الفلسطيني الجمعي للتعايش مع كل ما يطرأ على قضيتهم من تطورات سلبية، وأهمها فرض سلطة أوسلوا وقيادتها المرفوضة جماهيرياً على الشعب الفلسطيني المغبون، كثيرة هي نصائح الجدات المحبطة التي كانت تنبعث من الخوف الذي ظل يتجدد في عقول الأجيال الفلسطينية المتعاقبة حتى استيقظت الهمم بمعجزة غزة المتكاملة.. وكأن قيادة أوسلو تستمد شعاراتها من هذا الموروث السيء في هذا الجانب.

أيام زمان وبدلاً أن تحرض هذه الأمثال على صعود القمم أخذت تنكس الأعلام وتحبط الهمم حتى أصبحت مزودة للخطاب السياسي الفلسطيني الذي كان يسري في الدم الفلسطيني لأن للحوائط آذان.

كانت أمهاتنا ومن خوفهن علي صغارهن يغرسن الخوف في عقولهم من باب الحرص والنصيحة دون أن يدركن خطورة النتائج على الوعي الفلسطيني..  فماذا يعني أن تستسلم للمقصلة ما دامت مشنقة الجلاد تقطع كل الرؤوس وكأن ذلك يشفع للضحية إذا ابتسمت في وجه قاتلها!  أمثال تتواءم ومفهوم الأمر الواقع، وهذا ما ورّثه لنا الآباء حتى صارت جزءاً من الخطاب السياسي لسلطة أوسلو، وخطاباً ثقافيا  المنهزمين أو المطبعين.. زمن الهزائم المتعاقبة حتى زمن الوعي المتقد بمشاعل الحرية والإيمان بالحقوق والذي نعيشه الآن بفضل انتصار غزة بصواريخها التي حطمت صورة جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي لا يقهر؛ فإذا هو هشًٌ أمام قوة الحق الفلسطيني.

ومن أهم هذه الأمثال المحبطة التي تزرع الخوف، وتبرمجه في عقول الأجيال المتلاحقة، ما يلي:

“إذا كان لك عند الكلب حاجة قول له يا سيدي”.."إمشي الحيط الحيط ويالله الستر" ، "ما دمت بخير  الدنيا وما فيها بخير" ،“بوس الكلب من تمه، لتأخد حاجتك منه”،  "لا تتحدث بالسياسة فالحيطان لها آذان"، "الي بيتطلّع لفوق بتنكسر رقبته”، “حط راسك بين الروس وقول يا قطاع الروس”، “الإيد اللي بتضربك بوسها، وادعي عليها بالكسر”، “ابن الوزير وزير وابن الفلاح فلاح”.

أمثال مخزية زرعها الإستعمار علي مرّ العصور جعلت الإنسان العربي إنهزامي جبان بعيد عن الكرامة، وقد تحولت إلى ثقافة تحكمت بمناهج التفكير لدى كل من تناغمت مصالحه مع القبول بالعدو والتطبيع معه دون وجل أو حياء..حتى سلطة أوسلو فقد عبرت عن هذه الأمثلة الإنهزامية من خلال ما قدمت من تنازلات عل صعيد التفاوض، وأخطرها التوقيع على اتفاقية التنسيق الأمني المذلة.. مع أن خطاب السلطة يحاول ترميم نفسه للعودة بالعقل العربي إلى منطقة الأمر الواقع تحت عنوان المفاوضات لأجل السلام"الاستسلام".

من هنا ينبغي إهمال نصائح من عانوا طوال حياتهم الهزائم منذ نكبة فلسطين والاستماع إلى صوت صواريخ المقاومة وهي تعزز من صمود المقدسيين فيلتف من حولها كل الشعب الفلسطيني في فلسطين الداخل والضفة الغربية والشتات.. ملحمة تحاول الديدان تفتيتها بذريعة السؤال الشيطاني الذي يبحث في الطرف المسؤول عن ضحايا غزة وكأن النصر لا يحتاج لضريبة دم سخية.. أو أن حماس تمثل نفسها والنصر لكل الفصائل فحماس في تقاريرها كانت تنسب النصر للفصائل ولا تتحدث إلا عن غرفة عمليات مشتركة، فيما أن الفصائل الموحدة ميدانياً في غزة وبمعزل عن قياداتها السياسية في الخارج، تدرك فضل حماس عليها من حيث تجهيز البنية التحتية للمدينة من أنفاق وتقنيات وأن حماس هي التي تحكم القطاع تحت شعار البناء والوحدة الميدانية ورفض الاحتلال والسعي لتحرير فلسطين وقد تجلى كل ذلك في المواجهة الأخيرة بين "سيف القدس" و"حارس الأسوار" في معركة القدس المفتوحة.. والتي ما لبثت مشتعلة، لذلك أتوقع جولة جديدة من المواجهات العسكرية؛ فالاحتلال الإسرائيلي لا يقيم وزناً للمعاهدات ولا يؤمن جانبه.

وعليه فلا بد من توقيف التنسيق الأمني وفسح المجال للانتفاضة كي تشتعل في الضفة الغربية أو على سلطة أوسلو أن تغادر الضفة أو تستقيل حتى لا تُطرد كما فعل المقدسيون بمفتي السلطة الذي رُجِمَ بزجاجات الماء الفارغة، لأنه رفض قيام صلاة الغائب على شهداء غزة..وكأنه ترسيخ لخطاب السلطة الاستسلامي الذي يقوم على نصائح الجدات في أن“الإيد اللي بتضربك بوسها، وادعي عليها بالكسر” وخرج المفتي مذلولاً أمام زئير المصلين الذين هتفوا للمقاومة ولقائد كتائب القسام محمد الضيف.. بحماية جيش الاحتلال الإسرائيلي، متناسياً أن من يقف على منبر صلاح الدين لا يهذي بدعوته للاستسلام!!..

إن انتصار المقاومة غير المعادلة.. وفرض على العقل العربي عدة مقولات أهمها:

"لا يموت حق وراءه مطالب"، " لا تكن مطية لمن يسوقك بالعصى".. "أصلب طولك" ولعل أهمها.. " تعلم من غزة كيف تكون الكرامة والنصر"..

وفي الختام أقول للشعب الفلسطيني حتى لا يتعبه الانتظار: أعيدوا القضية الفلسطينية إلى الواجهة ولا تفسحوا المجال لدعاة الاستسلام في أن يؤسسوا لخطاب مهزوم لا يراعي إلا مصالحهم كما يتبدى الآن من خلال تعقيبات مثيري الفتنة وبعض قادة السلطة ومثقفي أوسلو، على الأحداث.. وتذكروا بأنه لولا صواريخ المقاومة لما أنقذ الأقصى من براثن رعاع المستوطنين الهمجيين، ولما اتصل الرئيس بايدن برئيس السلطة المحنطة بعد أن شبعت موتاً.

نريد نفس الهمة على مواقع التواصل الاجتماعي ضد الاحتلال الإسرائيلي وممارساته حتى تستمر شعلة الانتفاضة كيلا يسود ظلام الهزيمةعلى اعتبار أن الهدنة حيدت مؤقتاً، صواريخ المقاومة لتتدخل كلما يحين دورها الاستراتيجي .. أشعلوا تويتر وفيسبوك وأنستغرام وتك توك بتفاصيل القضية الفلسطينية حتى ترسخ في الوجدان الإنساني ولا تعطوا الإعلام الصهيوني وعملائه فرصة حرق الإنجاز الفلسطيني من خلال بث الأكاذيب وممارسة التضليل الإعلامي.. والبحث عن الثغرات لدس السم في الدسم.. ولعل الأهم هو استقالة السلطة وتسليم الراية للشباب الذين لديهم ثقة بالمقاومة والنصر..

 

بقلم بكر السباتين

23 مايو 2021

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم