صحيفة المثقف

محمود محمد علي في حرب غزة من المنتصر؟

محمود محمد عليالفصائل الفلسطينية أم إسرائيل؟

منذ أن دخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ حتي بدأت الاحتفالات في غزة والداخل الفلسطيني، احتفالات بالنصر علي إسرائيل، وحسم المعركة لصالح الفصائل الفلسطينية .. النصر صنع بأداء المقاومة وعلي رأسها كتائب القسام، وهذا الموقف لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس "إسماعيل هنية"، والذي وجه تحية لغزة في كلمته بعد الهدنة.. احتفالات هنية قابله اعتراف إسرائيلي بنجاح منقطع النظير كما قال نتنياهو الذي اعتبر أن العملية الأخيرة في غزة أسفرت عن توجيه ضربة قوية إلي حركة حماس.

وهنا نقول أنه بقوة الله انتصرت غزة، وبدعاء المسلمين انتصرت غزة، وبرغم الجراح، وبرغم الدمار انتصرت غزة .. أحد عشر يوماً من الحرب والقصف والموت الزؤام.. أحد عشر يوما والعدو لم يرحم فيها النساء ولا الأطفال .. أحد عشر يوماً وغزة تواجه وحدها أقوي قوي الشر في العالم .. ومن كل هذا انتصرت غزة بمقاومتها الباسلة وشعبها البطل وانتصرت معها فلسطين والقدس وتزينت ساحات الأقصى برايات النصر المبين .. من لا شئ صنعت غزة بقوة الله كل شئ .. وهُزم نتنياهو للمرة الرابعة، وهُزمت معه كل المتخاذلين، وسجلوا في صفحات العز مجداً يُسجل بأحرف من نور ..

بيد أن المجتمع الدولي وعلي رأسه الولايات المتحدة الأمريكية يريدون أن ينكروا انتصار غزة، ويريدون أن ينتاسي ما حدث خلال أحد عشر يوما، ولذلك فإن الذي حدث أكبر من المجتمع الدولي، وهو شعور المواطن الإسرائيلي بأنه ليس صاحب الأرض، وأن صاحب الأرض يموت عليها، وأن تبجيل الفلسطينيين داخل الخط الأخضر لا يمكن أن يولد أجيالاً مستسلمة، ورأينا أن العرق الفلسطيني في كل مكان انتفض لكي يدافع عن بقائه، لأن إسرائيل تريد أن تُخرج الفلسطينيين من القدس الشرقية وكل فلسطين، وهناك مخططات كثيرة، ولذلك فإن أكثر إنجاز حدث هو أن الساعة لا تعود إلي الوراء، وانه إذا كان قد تم في القتال وفي الواقع كل الصيغ المطروحة لا تعبر عن الحقيقة القانونية، لأنه ليس هناك قتال، وإنما هناك عدواناً من طرف واحد يقوم بإعمال إبادة ضد الشعب الفلسطيني، وهناك مقاومة ترد علي هذا .

وهنا يجب أن نفرق تفريقا كبيرا بين المعادلة العسكرية وبين المعادلات السياسية التي تحيط بها، والمقاومة الفلسطينية كما نعلم ليست مخصصة لهزيمة الجيوش، وإنما المقاومة هي تعبيراً عن إرادة الصمود والتمسك بالأرض، وهذه هي القيمة الحقيقية للمقاومة الفلسطينية، ولهذا فإننا لا نريد أن نسير مع بعض المتنطعين في العالم الخارجي الذين يقولون بأن المقاومة أطلقت آلاف الصواريخ ولكنها لم تؤثر!.. هي أثرت تأثيراً فادحاً، لأن إسرائيل عبارة عن فكرة نفسية، وأن المواطن الفلسطيني عندما يتواجه مع السلطات الإسرائيلية (سواء العسكرية أو الأمنية)، فإن السلطات تقوم بإعمال إبادة ضدهم؛ ومعني ذلك أن هناك إفلاس من الناحية السياسية لكي يدير المعركة العسكرية.

إذن المعارك العسكرية عادة هي أداة من أدوات السياسة، وإسرائيل فشلت فشل ذريع في أن تخضع الشعب الفلسطيني، بل بالعكس فرب ضارة نافعة، وذلك لأن ما حدث في واقع الأمر يؤكد أن كل الفصائل الفلسطينية وحدة واحدة، وكذلك كل الشعب الفلسطيني كذلك وحدة واحدة، ولعلنا نلاحظ أن الشارع الفلسطيني والمواطن الفلسطيني قد تجاوز كثيراً السلطة الفلسطينية، ولذلك أخذت تلهث السلطة الفلسطينية وراء إنجازات المواطن .

أما الذي حدث الآن هو أننا نحتاج إلي تعاقد جديد وهو ضرورة أن تقبل إسرائيل قرار التقسيم (إذا كانت تريد أن تبقي في هذه المنطقة)، وأن تحترم هذا القرار، وأن تحترم شروط عضويتها بالأمم المتحدة في القرار في 9 مايو 1949م، هذا من ناحية،  ومن ناحية أخري وهو أن فلسطين كلها من الأرض من النهر إلي البحر ملك للفلسطينيين، وإذا أراد اليهود أن يعيشوا بينهم فليقبلوا هذه الحقيقة، ومضي الزمن الذي كان أحفاد اليهود  كما زعموا يأتوا إلي فلسطين لكي يرثوا أرض أجدادهم، وهي نظرية " الإسترداد " التي روج لها المشروع الصهيوني.

وهنا نقول للمطبعين الآن أدركتم أن الرهان علي إسرائيل لحماية مقاعدكم هو رهانا خاطئ، وان الولايات المتحدة التي أصمت أذنها، والأتحاد الأوربي الذي قال بأن لإسرائيل حق في الدفاع الشرعي عن النفس، ليس دفاعاً شرعياً عن النفس، لأن الفيديو الذي انتشر خلال مواقع التواصل الاجتماعي لجندي إسرائيلي وهو يخنق طفلاً فلسطينياً، حتي أن الطفل نطق الشهادتين قبل أن يموت، ولم يرحمه رغم ذلك، وإنما أخذ بضرب برأسه إلي الأرض عدة مرات، وضربه بكفيه عدة مرات وهو ميت .. إذن هذه المشاهد تدل علي الغل والحقد .

ولذلك فإن المطبعين خسروا الرهان، فإسرائيل كما تبين لا تستطيع أن تدافع عن نفسها، فإسرائيل كما قلنا فكرة نفسية ولا تستطيع أن تدافع عن نفسها، وأنها قائمة علي القوة الخرقاء، وأن الجيش الإسرائيلي فشل في أن يؤمن المواطن الإسرائيلي، والرسالة التي وصلت إلي  كل الإسرائيليين، وهي أن المواطن الإسرائيلي أخذ يشعر بأن تل أبيب وإسرائيل ليست الفردوس المفقود الذي وعدوه به، وإنما هذه الأكاذيب كلها سقطت، وأن أمام إسرائيل فرصة واحدة، وهي أن تكون نافعة لهذه المنطقة، وأن تتعاون مع الفلسطينيين في تنمية فلسطين، وإنما إنكار حق صاحب الأرض الذي استضاف اليهود في محنتهم، إنكار هذا الحق في صفقة القرن، في الواقع سقط سقوطاً نهائياً .

ولذلك فإن الظاهرة الجديدة ليست انتصار المقاومة أو حيويتها، وإنما التفاف الشعب حول المقاومة، لأن الرهان الإسرائيلي كلن حول فصل كل المناطق الفلسطينية ببعضها، وخصوصاً مناطق الخط الأخضر التي سارت رغم أن إسرائيل كانت تقول أن الكبار يموتون، والصغار يلهون، وثبت أن الأرض الفلسطينية تطالب بحق أصحابها، وهم الفلسطينيون، ولذلك فإن أمام إسرائيل إذا أرادت أن تعيش في هذه المنطقة فلا يبقي معها إلا فرصة واحدة، وهي أن تكون إيجابية، وان تتخلي عن فكرة إنكار الحقوق للفلسطينيين، وأن يتفهموا علي عقد جديد، أساسه قرار التقسيم إذا أرادت!

والسؤال الان: ما الذي يجب علي الفلسطينيين أن يفعلوه بعد هذا التوحد؟

لاشك في أن هناك مسؤوليات كثيرة حسب القطاع، فمثلا السلطة الفلسطينية مطلوب منها أن تعترف بالمقاومة، وألا تنظر للمقاومة علي أنها حزب سياسي يهدد السلطة، كما كان في السابق، وأن القيادة الفلسطينية الحالية عليها أن تأخذ شعار بأنه يحب الدفاع عن المقاومة كما يُدافع عن السلطة، وأن المفوض الإسرائيلي في المستقبل لا بد أن تكون المقاومة أحد أهم أوراقه أمام الإسرائيليين .

وبالنسبة للشعب الفلسطيني لا بد أن يعتز بنفسه، وأنه صاحب الحق في هذه الأرض، ولذلك من حقه علي السلطة أن تمثله تمثيلاً صحيحاً، وألا تتخلف عنه، وأن تغير نظرتها إلي الشعب الفلسطيني وإلي التعاون مع إسرائيل ومعاهدات أوسلوا وغيرها.

وأما بالنسبة للفلسطينيين في الخارج، وخصوصاً في أوربا الذين وُلدوا خارج فلسطين، وانتفضوا في العواصم الأوربية كلها، لابد من تثبيت إيمانهم بأن فلسطين أرضهم، وأنه مهما طالت الإقامة في الخارج، فإنه في نهاية المطاف لهم حق في فلسطين، ولا بد أن يتجاسروا علي هزيمة الطرف الآخر لدي الدول الأوربية، لأن الدول الاوربية لديها الكثير من الفرص بالنسبة للفلسطينيين، وذلك خلال استخدام البرلمان، والإعلام، والثقافة، والتعليم وغيرها. لابد أن يشعروا أنهم في معركة خارج الحدود، وأن المعركة متصلة ومستمرة .

 

أ.د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم