صحيفة المثقف

مريم لطفي: وحملها.. شرف الامانة

"إنّا عرضنا الامانة على السموات والارض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الانسان.."الاحزاب 72

ألامانة هي الوديعة وفلان أمين اي وفي لايتعدى على حق. والامانة اصطلاحا هي كل حق لزمك اداؤه وحفظه، وقيل انها التعفف عما يتصرف الانسان فيه من مال وغيره، وما يوثق به عليه من الاعراض والحرم مع القدرة عليه، ورد مايستودع الى مودعه.

والامانة هي اداء الحقوق والمحافظة عليها، والانسان الامين من اعطى كل ذي حق حقه"ان الله يأمركم أن تؤدوا الامانات الى اهلها"فهذا الامر والتكليف الذي خص الله به الانسان انما ياتي من القدرة الهائلة التي منحها الله اليه في الوقت الذي رفضت هذا التكليف السموات والارض والجبال واشفقن على انفسهن من هذاالحمل الثقيل، كيف لا وهو مقدرابالعدد والذرة"واوفوا الكيل والميزان".

واذا تاملنا كثيرا وكثيرا لوجدنا ان كل شئ في الحياة هو امانة باعناقنا، والانسان هو المسؤول الاول عن هذه الامانة سواء كان رجلا او امراة، رئيسا او مرؤوسا، سيدا او عبدا، والدا او ولدا، فكل انسان راعٍ وهو مسؤول عن رعيته، قال رسول الله(ص)"الا كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ على اهل بيته وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم، والعبد راع على مال سيده وهو مسؤول عنه، الا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته".

فالامانة شرف ويتشرف بحملها كل من كان كفوءا لذلك، فالكلمة أمانة، والتربية امانة، والتعامل امانة، والتجارة أمانة، وحفظ حقوق الاخرين مهما كانت امانة، واداء الواجبات امانة، وبر الوالدين امانة، والعمل أمانة، ونقل الحقيقة دون تحريف امانة، والتعليم امانة، واحترام الاخرين امانة، وقول الحق امانة، والحفاظ على الارض والعرض أمانة، والحفاظ على اسرار الاخرين أكبرأمانة وكل تفاصيل الحياة التي تنظم حياة الانسان هي امانات تعطى وتؤخذ، يغرسها الاباء فينا لنغرسها بنفوس ابنائنا بمنتهى الصدق، وهذا التكليف الهي يحقق الخير والسلام لصاحبه ويفوز برضا الله واحترام الناس"والذين لاماناتهم وعهدهم راعون".

والامانة من أجمل وأكمل الاوصاف التي اتصف بها النبي محمد(ص)منذ نشاته فقد كان يلقب ب"الصادق الامين" واشتهر بامانته عند اهل مكة فحكّموه واستودعوه اماناتهم لما تحلى به وعرف عنه حفظه للامانات وصونه للعهود.

وقد وردت الامانة في كتاب الله بمواضع عديدة لما لها من اهمية في بناء الفرد والمجتمع، فهي تكليف الهي صادر من الله جل وعلا لتنفيذه وقد تصدرت الاية بكلمة التحقيق"إن" تاكيدا لوجوب امتثال الامر واضافة الامر الى الله يفيد معنى التاكيد ايضا"إن الله يأمركم أن تؤدوا الامانات الى اهلها.."

وتتعدد الامانات تبعا لمضمونها وتتشابه بطرق ايفائها وتختلف بمواضيعها ومنها على سبيل المثال:

- امانة الكلمة:فالكلمة شرف وشرف الكلمة يكمن بامانتها، فالكلمة هي الفيصل بين الخير والشر، الحق والباطل، الجنة والنار، الظلمات والنور، العدل والظلم، فالكلمة الطيبة صدقة جارية عن صاحبها وبها يرتفع شأن الانسان وتعلو قيمه"ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة اصلها ثابت وفرعها في السماء".

- أمانة العهد:وشرف العهد يكمن بايفائه والحفاظ عليه، فكل عهد أمانة والامانة عامة يجب على الانسان حفظها والايفاء بها واجب "الذين لاماناتهم وعهدهم راعون"، وغالبا مايقترن العهد بالميثاق"واذ اخذنا من النبيين ميثاقهم".

- أمانة الجوارح:وعلى الانسان ان يعي ان جوارحه امانة اؤتمن عليها فالحفاظ عليها من التشرذم والشذوذ هو اكبر امانة، فالحفاظ على الحواس وعدم الاسراف باستخدامها بصورة مسيئة للامانة لهو الضمان الحقيقي لمفهوم الامانة.

- الامانة الانسانية وهي حفظ كرامة وثقة الانسان مهما كانت قرابته واحترام حدود البيت والاسرة التي فرض الله علينا احترامها، والحفاظ على اسرار وممتلكات البيوت التي ندخلها"تلك حدود الله".

- امانة العمل:فالعمل عبادة وعليه تقوم المجتمعات وتزدهر وامانة العمل تكمن باشاعة قيم الفضيلة والاخلاص وعدم الانحراف والانخراط في دهاليز الفساد التي تؤدي الى فساد وافساد المنظومة الاخلاقية التي تؤدي الى فساد وانهيار المنظومة الاقتصادية، فكل انسان مكلف بواجب عليه ان يكن امينا باداءه.

- امانة التعليم والتثقيف وهذه من اقوى واصعب الامانات لانها مسؤولة عن صنع جيل الحياة الذي يحمل على عاتقه مسؤولية نهضة الامة، وعليه ان يكون منصفا لادارة هذه المسؤولية العظيمة التي انيطت به.

- امانة العدل: فالحاكم العادل مسؤول عن اقامة مجتمع يسوده العدل والتسامح والابتعاد عن الظلم وحفظ حقوق الناس، والقاضي العادل يجب ان يكون امينا باصدار احكامه التي تبنى عليها مصائر الناس. "إن الله يأمركم أن تؤدوا الامانات الى اهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ".

- أمانة المال وهي كل انواع الودائع مهما كانت التي تعطى للانسان لحمايتها من الضياع ثم ارجاعها الى اهلها دون قيد اوشرط.

- امانة الروح والجسد ويتم ذلك بالحفاظ على النفس من الانحرافات السلوكية التي تؤدي الى التفريط بعفة النفس وطهارتها من خلال الحفاظ على الاخلاق والتمسك بقيم الفضيلة.

- أمانة الموقف وذلك يتطلب حزما وشجاعة واقداما لاعطاء الموقف حقه وعليه تترتب سلسلة من الاحداث والحيثيات والقرارت المصيرية، وهذا مانجده مثلا بشهادة الشهود في المحكمة تلك الشهادة التي يترتب عليها مصير انسان.

واذا ابحرنا بمفهوم الامانة سنجد ان الحياة كلها امانة في اعناقنا وعلينا ان نكون امناء عليها وعلى حجم المسؤولية الملقاة على اعناقنا.

ومن الجانب الاخر فإن نقيض الامانة هي الخيانة، والخيانة هي انتهاك اوخرق فاضح لامانة او عهد او ثقة، وهي احدى علامات النفاق، قال رسول الله(ص)"آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، واذا وعد أخلف، وإذا أئتمن خان" فلايخون ولايضيع الامانة الا منافق وخائن لعهد الله ورسوله في حفظ امانات النفس والاخرين"إن الله لايحب كل خوان"والاية واضحة التفسير فالخيانة صفة مذمومة مرفوضة جملة وتفصيلا، لما لها من قبح وفتنة واشاعة للفساد بين افراد المجتمع الواحد، وقبح الخيانة مرتبط بخيانة الله ورسوله لما له من دور كبير في انهيار المجتمعات ولعل اسوء انواع الخيانة هي الخيانة الزوجية وخيانة الصديق، وخيانة الزاد، والتاريخ ممتلئ حد التخمة بمن خان الامانة وتسبب بهلاك ودمار مجتمعات باكملها."ياايها الذين امنوا لاتخونوا الله والرسول وتخونوا اماناتكم وانتم تعلمون".

 

مريم لطفي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم