صحيفة المثقف

محمود محمد علي: هل تستطيع مصر أن تضرب سد النهضة أم ستشعل حرباً لا طائل منها؟!

محمود محمد عليحذرت الخارجية المصرية إثيوبيا من مخاطر كبيرة تتعرض لها دولتا المصب (مصر والسودان) خاصة في فترة الجفاف والجفاف الممتد حال مضي أديس أبابا في ملء وتشغيل سد النهضة قبل التوصل إلي اتفاق قانوني ملزم، معتبرا أن تصرفها غير مسؤول ويعد مخالفاً لأحكام اتفاق إعلان المبادئ الموقع بين الدول الثلاث في مارس من عام 2015م .

وزير الخارجية الإثيوبي جدد التأكيد علي أن الملء الثاني للسد سيتم في موعده خلال موسم الأمطار في يوليو المقبل، مضيفاً أن مصر والسودان تمارسان ضغوطاً علي بلاده غير تدويل وتسيس بالمسائل الفنية المشروعة.

يأتي ذلك في خضم مناورات عسكرية مشتركة بين القوات المصرية والسودانية من السادس والعشرين إلي الحادي والثلاثين من الشهر الحالي، وذلك بالتزامن مع حشد للقوات الإثيوبية في مواقع عدة علي الحدود مع السودان .. فإلي أين يمضي الخلاف بشركاء النيل؟.. وما هي الرسائل التي تحملها المناورات والحشود العسكرية ؟

بالطبع أن مصر ومعها السودان لديهم تخوف من أن يتم تهديد أمنهم المائي، خاصة في ظل التصعيد القائم حالياً من إثيوبيا، وعدم التزامها بالقانون الدولي، وبمحاولات الدول الكبرى، في الوساطة لحل الأزمة، وتوقيع اتفاق ملزم بين الدول الثلاث، يضمن لإثيوبيا حقها في التنمية، وأيضاً يحفظ حقوق دولتي المصب من مياه نهر النيل .

بيد أن الوضع متأزم جداً وذلك لأن إثيوبيا لا تتعاطي مع الدول الأخرى ولا حتي مع النداءات الدولية، وقد اتضح ذلك في اليومين الماضيين، حين أصدرت واشنطن في بيانها بأنها تطالب الدول الثلاث في العودة للمفاوضات، علي أساس إعلان المبادئ التي تلتزم به إثيوبيا من البداية، وأيضا علي مخرجات أو بيان الاتحاد الإفريقي في يوليو الذي طال إثيوبيا مع دولتي المصب بعقد اتفاق ملزم، ومن ثم فإن مناورات "حماة النيل" تؤكد بأن هناك رسائل شديدة اللهجة، ربما تكون عسكرية من مصر إلي الجاني الإثيوبي بأنه لن يتم  المساس بحصة مصر المائية، وأن هناك حلول أخري وخيارات متعددة أمام القاهرة، وليس فقط الخيار التفاوضي والدبلوماسي، خاصة بعد مرور عشر سنوات علي مسار تفاوضي مع إثيوبيا لم يثمن ولن يغني من جوع ، بل بالعكس كانت إثيوبيا تماطل ولم تلتزم بأحد بنود إعلان المبادئ الخاصة بالتعاون والاتفاق علي الملء الأول للسد . والآن تؤكد إثيوبيا بأنها قادمة في الملء الثاني، مما يعرض الأمن املائي لمصر في خطر شديد للجانب السوداني، ومن هنا أن مصر بدأت تدرس خياراتها الأخرى من أجل حفظ أمنها المائي.

والسؤال الآن: إلي أن تمضي هذه الأزمة في ظل ما يمكن الاصطلاح عليه، ربما بحوار الطرشان ؟

وهنا نفول عقد من الزمن والأزمة ما زالت تراوح مكانه أزمة سد النهضة، برغم كل المبادرات، والمساعي، والجهود الإفريقية، والأمريكية، والأوربية، حيث إن هذه الأزمة وصلت إلي أفق مسدود دون أدني شك، وهي أمام ثلاثة سيناريوهات افتراضية:

السيناريو الأول: هو سيناريو سياسي- دبلوماسي، قائم علي دبلوماسية الترغيب، والدبلوماسية الأخوية الناعمة من أجل الوصول إلي حل ما، أو تأخير عملية الملء الثاني، أو عملية بنسب أقل من أجل التوصل إلي اتفاق قانوني ملزم .

السيناريو الثاني: هو السيناريو القانوني – الدولي عبر اللجوء إلي القانون الدولي المتبع في النزاعات المائية، أو إلي محكمة العدل الدولية، أو إلي لجنة دولية تقدم تقريرها من أجل الوصول، إلي إدارة تشاركية ثلاثية، مع احترام حصص مصر والسودان التاريخية .

السيناريو الثالث: وهو سناريو افتراضي، حيث تُقرع له طبول الحرب، وهو سيناريو عسكري، إذ يتم فيه ضرب السد سواء بشكل جزئي أو بشكل كلي حسب التكتيكات والاستراتيجيات التي تخطط لها دولتي المصب.

ولدينا السؤال مهم  وهو: ما هي البدائل أمام القاهرة والخرطوم إذا استثنيا الخيار العسكري؟

من المعروف أن إدارة أبي أحمد تستخدم ملف سد النهضة من أجل معارك سياسية في الداخل، ومن المعروف عن مصر أنها ليست لديها حروب أهلية داخلية، ولا النظام المصري متهم بإبادة عرقية كما يحدث في إقليم" تيجراى" .

مصر استنفذت كل الطرق من أجل الوصول إلي تعاون مثمر يفيد كل دول حوض النيل من سد النهضة، ولكن إثيوبيا مصرة من البداية علي تسييس الملف باعتباره أنه أداة تستطيع من خلالها إدارة أبي أحمد أن تبحث من خلالها عن مجدها المفقود؛ بمعني أن تسيطر علي القرن الإفريقي ودول حوض النيل، من خلال فرض السيطرة السياسية والهيمنة علي دولتي المصب، وعلي دول حوض النيل، وهذا في حقيقة الأمر لا يمكن أن يتم قبوله من مصر تحديداً، ومن ثم فمن المعتقد أن الجاني الإثيوبي يقرأ الداخل المصري فراءة خاطئة، وعليه أن يعيد حساباته، لأن الداخل المصري مع الدولة في أي قرار تتخذه، ولكن الأهم هو الحفاظ علي حصته المائية.

وهنا نعود  إلي سؤالنا حول الخيارات غير العسكرية التي يمكن أن تلجأ إليها كل من مصر والسودان، حيث وجدنا الدولة المصرية قد أيدت مقترح السودان في وساطة دولية من خلال أربع جهات: الاتحاد الأوربي، والولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الإفريقي، والأمم المتحدة، وكل هذا تحت رعاية الاتحاد الإفريقي الذي تتمسك به إثيوبيا والتي تسيطر عليه  سياسياً، وتعلم أن أدواته غير ملزمة لأي طرف من الأطراف، وبالتالي فإن حل الأزمة في يد أثيوبيا التي عليها أن تدرك أن مصر التي أقرت بهزيمتها العسكرية أمام إسرائيل كسبت المعركة السياسية مما مكنها من امتلاك القدرة وانتصرت فى حرب أكتوبر 1973، وأن مصر عندما أقرت بأحقيتها ببناء السد اعتبرتها هي انتصاراً على الأرض لكنها كما إسرائيل خسرت المعركة السياسية أمام العالم ومع امتلاك القدرة العسكرية المصرية فخسارة أثيوبيا لسد النهضة أصبحت تلوح فى الآفق لا يملك التحكم فى توقف ساعتها الرملية إلا أثيوبيا ذاتها

ومن ثم لم يبقي إلا الخيار العسكري ، وهنا نضطر إلي اللجوء إلي سؤال مهم وضروري وهو: هل تستطيع مصر أن تضرب سد النهضة ! أم ستشعل حربا لا طائل منها؟!

وهنا في الميزان العسكري الجيش المصري أقوى من الجيش الأثيوبي تدريبا وتسليحا، لكن مصر قابلها في بداية الأزمة عاملين جعلا من اللجوء للمفاوضات طريقا اضطراريا ليعطي فاصلا زمنيا تحتاجه مصر لترتيب أوضاعها:

أما العامل الأول: هو أن أثيوبيا دولة حبيسه جغرافيا، لا تستطيع مصر أن تشتبك معها مباشرة، أو أن تقوم بقصف سد النهضة إلا إذا تدخل طرف ثاني مساند لها، وهو طرف لن يخرج عن إريتريا التى تردد في بعض الأيام أن مصر تريد قاعدة عسكرية بها، والطرف السوداني وهو الأحق والأقرب جغرافيا وله مصالح في ضرب السد ولكن نظام ” البشير ” كان مراوغا، حتى سقط وجاء النظام الانتقالي بقيادة ” البرهان ” وتلاقت المصالح وأصبح هناك موطئ قدم بجوار السد تنطلق منه العمليات العسكرية

والعامل الثانى: وهو تساؤل عريض، هل تمتلك مصر القدرات العسكرية والتكنولوجية لضرب السد؟، وهو تساؤل أجابت عنه مصر عبر السنوات الماضية، بعقد صفقات تسليح نوعيه أضافت لها نوعيه من الأسلحة جعلت ذراعها أطول، مثل صفقات طائرات الرافال، والميج 29، والسوخوى 35، وتلك طائرات ذات مدى كبير وتحمل ذخائر ذات طبيعة خاصه مثل الصاروخ ” سكالب ” الخاص بضرب التحصينات والسدود، وغيرها من الأسلحة التي إن نقلت إلى جوار السد ستحدث فارقا هائلا، ما كان ليكون لولا التغير النوعي لطبيعة التسليح المصري، أو لربما احتاج الفارق لشكل مختلف من السلاح .

ويبقي سؤال أخير وهو: هل تحسبت القاهرة لسيناريوهات ما بعد انطلاق العمليات العسكرية؟

بعد انطلاق العمليات العسكرية من المؤكد أن الوقوف عند التداعيات وحصر الخسائر بين أطراف الصراع فقط هو ضرب من المستحيل، حيث تحتل منطقة القرن الإفريقي مكانه خاصه فى الاستراتيجيات العسكرية للدول الكبرى، وهو ما ينذر بتدخل دولي ربما يتحول لحرب بين الدول الكبرى خاصة وأن أمريكا مثلا لا تريد للنفوذ الصيني في شرق افريقيا أن يتمدد، وكذلك بالنسبة للنفوذ الروسي،المنطقة تحمل بين جنباتها أكثر من قاعدة عسكرية لدول متعددة، أمريكا وبريطانيا وفرنسا والصين وإسرائيل والإمارات، وبالتالي مع اندلاع الحرب ستتقاطع المصالح ويصبح أمن المنطقة كلها في خطر وخاصة أمن الخليج الهش بطبيعته، ناهيك عن الصراع الداخلي فى دول القرن الأفريقي والتي مرشحه لاندلاع حروب أهليه تنتظر فقط الظروف المناسبة، فوق هذا وذاك سيصبح ضرب سد النهضة سابقة عالمية خطيرة وستدشن أولى الحروب على المياه، وستعطى الذريعة لأكثر من أربعون دوله بين بعضها البعض مشاكل على المياه لتسوية نزاعاتها على الحقوق المائية عن طريق الحرب .

 

أ.د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

................

1- ياسر رافع: مصر والطريق للحرب على ضفاف النيل.. هل هناك تلكؤ من الحكومة؟ مقال منشور بصحيفة رأي اليوم.

2- قناة روسيا: مناورات مصرية سودانية .. تحذير لإثيوبيا؟.. يوتيوب..

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم