صحيفة المثقف

راضي المترفي: نهضة ذاكرة الموت المجاني

راضي المترفياليوم طلب مني صديقي إيصاله إلى كراج (النهضة) ممارسا هروب انا اول من حسده عليه من حر بغداد إلى جبال الشمال وعند دخولي إلى هذا المكان (النهضة) شعرت بشعور كمن يخترق الزمن او يعود به إلى سنين خلت مع ان النهضة لم تتغير كجغرافيا او تغادر مكانها فهي لازالت محاطة من شرقها بسريع محمد القاسم ومن غربها بشارع الشيخ عمر ومن شمالها بكراجات ومعامل أمانة بغداد ومن جنوبها يحدها الشارع المؤدي إلى ضريح الشيخ الكيلاني لم تتوسع على حساب غيرها ولم يزحف عليها آخرون كما أن معالمها لم تتغير كثيرا فلازال كراجها يرزح في مكانه ومحالها ومطاعمها وفرن صمون الاعاشة في مكانه وليس بعيدا عنه مركز شرطة بني سعيد ودائرة البريد ومدرسة ابن الجوزي وحتى بائعات الشاي اللواتي كن من اهم علامات النهضة وشاخ منهن من شاخ ورحل من رحل الا انهن لازلن هناك يقاومن أزمنة التغيير المتسارعة ويبتهلن إلى الله بأن يرزقهن بقائد ضرورة وبطل تحرير ليحمي البوابة الشرقية ويسعر الحروب من أجل أن تستعيد النهضة عافيتها ولونها الخاكي ويتزاحم في مجالسهن المقاتلون الا ان اهم ماافتقدته النهضة هما عنصران لا ثالث لهما الأول سيارات الريم والثاني (ابو خليل) ومعلوم أن كل مواليد الخمسينات والستينات من القرن الماضي مروا من هنا وعرف بعضهم عن قرب بائعات الشاي وابحروا نحو الموت الكامن في السواتر البعيدة في بطن الريم كما ابحر يونس في بطن الحوت .. لقد ماتت الكثير من الأحلام والآلام على مصاطب الانتظار في النهضة وولدت اجمل الصداقات على مقاعد الريم المبحرة إلى كل الاتجاهات التي تشم منها رائحة الموت ويسمع منها أزيز الرصاص وكم كتبت من ذكريات على جدران النهضة او مقاعد الريم وكان الأكثر واقعية في النهضة ان المغادر لها يحلم بالعودة مع انه يعرف تماما انه سيواجه الموت بين ساعة وأخرى على مدار (٢٨) يوما لكن حلمه بالحياة يبقى متوهجا مالم تسكته رصاصة قناص او شظية مدفع اما في زمن الديمقراطية المختلف عن زمن القائد الضرورة فقد أصبح الموت في غنى عن النهضة كبوابة وداع مفضية إلى موت في سواتر بعيدة بعدما تحولت كل المناطق إلى بوابات موت وتحول الوطن إلى أرض حرام مسورة بالموت المحاني وتحول اسم القاتل من العدو إلى (الطرف الثالث) .

 

راضي المترفي

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم