صحيفة المثقف

حاتم حميد محسن: كيف أثّرت العوامل الدينية والثيولوجية في الفلسفة الحديثة؟

حاتم حميد محسنفي مقاله الشهير "حول المنهج"، فرض ديكارت بدءاً من عام 1637 فصاعداً فكرة محددة حول ما يجب ان يكون عليه التفكير الفلسفي، وهو القياس الجيد والمنهجية والوضوح والتميز. ديكارت بشاربه المفتول اعتُبر بطل العصر الجديد للعقل، فكان رمزاً ليس فقط لنوع معين من الميتافيزيقا، وانما ايضا لكل الفلسفة الحديثة. هو اصبح بسرعة رمزاً للروح الفرنسية التي سميت بـ "الديكارتية"، مركّزاً اهتمامه على النظام والقياس، اما الفلاسفة الذين لم يتّبعوه وجدوا أنفسهم بسرعة قد تُركوا جانباً. واذا كانت أسماء هؤلاء لاتزال باقية في غوغل، فهم عادة يُنظر اليهم ليسوا كـ "فلاسفة" وانما كـ "كتّاب"، واذا اعتُبروا فلاسفة، فهم ليسوا فلاسفة كلاسيك، وانما كفلاسفة للجمال والإثارة baroque.(1)

ولكن ما هو الفيلسوف المثير؟ هو يعني عدة أشياء، لأن "الاثارة" تعني الوجه الآخر للعملة الديكارتية: تذوّق الجدال الماكر والحوار الغامض المضاد للبيان الهندسي الصريح، والمتعة في الطروحات النخبوية الخاصة مقابل الأفكار الواضحة والمتميزة، والنزوع نحو البانوراما الهائلة مقابل الطريقة التحليلية الديكارتية. ولكي نضعها في منظور جمالي، هي الإحساس بالمنحني بدلا من الخطوط المباشرة. واذا كان ديكارت يناصر الأفكار الواضحة والمتميزة، فان هناك طرق اخرى متميزة في معالجة الفلسفة، والعديد منها يمكن ان تُسمى مثيرة أو أنيقة.

لو بدأنا من مسألة التعريف، فلابد من القول ان المفهوم الديكارتي الواضح للفلسفة – طريقة لتطوير تعليمنا عبر الذهاب من فكرة واضحة ومتميزة الى اخرى- لا ينسجم مع جميع الاستعمالات للكلمة في القرن السابع عشر الفرنسي واللاتيني. الاستعمالات التي جرت لكلمة "فيلسوف" و "فلسفة" اختلفت بالطبع والى اليوم، من مدرسة فلسفية الى اخرى:الديكارتية، الانسانية، المدرسية التقليدية المتأخرة، الايبوقورية، الرواقية، والاوغسطينية، كلها ليست لها نفس التعريف.

لكن هناك معنى جديد برز حينما أصبح مصطلح "فيلسوف" مرادفا لـ "العالِم" في أعقاب ثورة غاليلو في عدد كبير من الاكاديميات الخاصة، ومن ثم لاحقا في التجمعات العلمية العامة، مثل حلقة ميرسين Mersenne’s circle (2) و"الفلاسفة الطبيعيين" الذين ساهموا بمنح فلسفة القرن السابع عشر السمة الطبيعية التي تميزها اليوم. لكن فيلسوف ذلك الوقت، مهما كانت ميوله للفيزياء او الفلك، فانه لا يمكن مقارنته بالخبير العلمي في وقتنا الحالي: هو يبقى فرداً هجينا يجمع في شخص واحد عناصر تبدو اليوم مختلفة.

ولكي نعطي توضيحا للأبعاد الرئيسية لهذ التفرد المثير، فلا بد من النظر الى حدود الفلسفة، الحدود التي هي أكاديمية، ولكنها ايضا دينية وسياسية. من بين المواضيع الرئيسية التي واجهها فيلسوف القرن السابع عشر هي الثيولوجي في المقام الاول. وعي الفيلسوف بمفهوم الله هو شيء لم نعد على اطّلاع به، ليس فقط بسبب ان الايمان كان يفقد جذوته في اوربا، وانما ايضا بسبب صعوبة الايمان بان الفلسفة هي خادم للثيولوجي. ولكن في عصر ديكارت – الذي عرض عدة بيانات لوجود الله - وباسكال – الذي رفض اللامبالاة وطرح رهانا شهيرا حول الحياة بعد الموت – جاء الثيولوجي في الترتيب الأول بين جميع الحقول التعليمية. وبما ان الاهتمام الرئيسي كان منصباً على خلاص الروح فان الثيولوجي وجّه الاختيارات الفلسفية طبقا لمختلف تقاليد النظم الدينية.

ذلك يوضح ايضا سبب الانقسام الفكري الرئيسي العميق في قرن الملك الفرنسي لويس الرابع عشر" – الانقسام الذي استمر اكثر من 150 سنة واثّر بعمق في ثقافة الادب الفرنسي – وهو الانقسام بين الجانسينيين واليسوعيين(3) الذي يصعب فهمه لدى معظم الناس اليوم. كيف يمكنهم ادراك ان الفوضى التي تسببت بالنفي والعقوبات الكنسية واخيرا تدمير الدير الكنسي port- Royal عام 1713، هي ببساطة تتعلق بما اذا كانت التفسيرات الجانسينية للرعاية الالهية مؤمنة بتعاليم القديس اوغسطين ام لا؟.

الرجلان الشابان اللذان بدءا العمل سوية في جنوب فرنسا من عام 1605 فصاعدا ليسوّيا موقفهما من المسائل الخطيرة لم يتوقعا مثل هذا المجد العظيم، وربما لم يسعيا الى التفوق الذي قاد (جين دوفيرجير) و آخرين الى السجن في فينسين عام 1638، والى كتابة (جانسن) لأهم كتاب في القرن "اوغسطينوس" عام 1640. الهجمات الكتابية القوية برزت بعد خمسة اقتراحات حول الرعاية الالهية، وُجدت في "اوغسطينوس"، والتي شجبها البابا انوسينت العاشر بطلب من اليسوعيين، فمن جهة، كان اليسوعيون يعتبِرون تلك المقترحات – مثل المقترح بانه "في حالة السقوط من الجنة وفسوق الانسان الكلي، فان كل شخص ولد في هذا العالم سيكون عبدا لخدمة الإثم، وبعيد عن الرعاية المسبقة لله، وبالتالي هو غير قادر على اختيار طاعة الله او الامتناع عن الاثم او القبول بهدية الخلاص كما قُدّمت له"- كانت مقترحات مناقضة لروح اوغسطين، ومن جهة اخرى، أثبت الجانسينيون ان تلك المقترحات كانت في الواقع ضمن كتابات اوغسطين.

الحقيقة هي ان المذهب الرسمي للكنيسة الكاثوليكية تغير بمرور الزمن، وان القديس اوغسطين، رغم السلطة الرسمية للكنيسة، لم يقل ما ارادت الكنيسة قوله. ولكن من الصواب ايضا ان هذه الأناقة والخلافات الثيولوجية كانت اولاً المصدر للعديد من النقاشات الفلسفية وثانيا، انها كانت تمثل السلوك العملي للمقاومة الفكرية ضد الملك المطلق. النقطة الاولى جرى توضيحها جيدا بالرسائل الشهيرة التي كتبها باسكال تحت عنوان Lettres Provinciales والتي دافع فيها بعنف عن ارنولد واصدقائة الجانسينين الآخرين ضد الفلسفة الاخلاقية لليسوعيين، واتهامها بكونها "اخلاقية رخوة". النقطة الثانية جرى توضيحها عبر رفض الجانسينيين توقيع شهادة رسمية تصرح بان جانسن شوّه تعاليم اوغسطين حول الرعاية الالهية.

ان أصداء الخلاف الكبير حول الجانسينية لا تزال تتردد، نظراً لارتباط الفلسفة باحترام الضمير – لماذا يجب ان اوقّع شهادة تصرح بخطأ في شيء ما انا اعرف انه صحيح؟ لكنها ايضا اصوات بعيدة عن آذاننا، لأن القليل من الناس لا يزال يعتقد بفاعلية الرعاية الالهية، او حتى لا يعرف ماهية الرعاية. لكن في الحقيقة ان الجانسينية كان لها تأثير عظيم، ليس فقط على الفلسفة وانما ايضا على الادب والثيولوجي والبيداغوجي والاخلاق والسياسة، واننا لا نستطيع فهم ذلك التأثير مالم نفهم شيء عن تفاصيل الرعاية الالهية. بدون هذا الجزء الصغير من الثيولوجي، سنكون امام صعوبة فهم (راسين فيدرو) او (ارنولد) او كتاب (نيكول) الشهير" فن التفكير". وهكذا، فان مظهر الأناقة في الجانسينية هو تعقيدية الطبيعة والرعاية، التي توضحت جيدا من جانب باسكال والههُ المخفي مسقطا ظله على واحد من ألمع العقول الفلسفية والرياضية على مر العصور.

مثال آخر شهير ومثير عن أهمية العامل الديني في فلسفة القرن السابع عشر هو اننا لا نستطيع فهم فكرة (هاغنت بير بايل) حول التسامح – التي جرى الدفاع عنها من جانب لوك، ولكن على اساس فلسفي مختلف – ذلك لو نسينا ان جميع البروتستانت الفرنسيين الذين رفضوا التحول نحو الكاثوليكية اُجبروا على مغادرة فرنسا بعد عام 1685. ان مرسوم إلغاء الحريات المدنية والدينية للفرنسيين البروتستانت عام 1685 هو بالتأكيد لم يكن مفهوما فلسفيا، وانما حدثا سياثيولوجيا عجّل من ظهور مفاهيم جديدة، سيما مفهوم الضمير الآثم الذي يشير الى عدم وجود قوة سياسية او كنسية يمكنها إجبار الآخرين على الايمان بما لم تؤمن به.

ولكن حتى عندما تنتقد الفلسفة الفرنسية الثيولوجي والايمان، فهي لا تشبه ما نعنيه اليوم بالالحاد. التفكير المتحرر من التدريسية هو ايضا ظاهرة أنيقة، كما يبدو من (لاموذ ليفير)، مرشد ملك الشمس، الذي اُخفيت حججه المضادة للدين وكُشف عنها عبر التضليل والإنكار والتناقض الذاتي. أحد العناصر الذي يوضح ذلك الشعور بالبعد حين نقرأ إلحاد القرن السابع عشر هو ناتج عن أهمية الادب السرّي خلال تلك الفترة، لاسيما رسالة الدجالين الثلاثة Treatise of the Three Impostors(وهي رسالة تنكر الاديان الرئيسية الثلاثة) . فاذا لم توجد هناك سلطة تقبل التعبير العلني بالنقد الصريح للاديان، فان هذا النوع من الفلسفة لا بد له من تطوير فن سرّي في الكتابة.

وبالرغم من وجود نوع معين من الفلسفة "المختبئة"، لكن لابد من الحذر من إغراءات التمدد بالتنوير رجوعا الى القرن السابع عشر. (جوناثن اسرائيل) التنويري الراديكالي يعطي وصفاً حياُ لتأثير سبينوزا على الفلسفة الاوربية بدءاً من منتصف القرن السابع عشر فصاعدا، ولكن، فيما يتعلق بفرنسا، يجب ان لا ننسى ان تأثير سبينوزا كان مقتصرا على حلقات ضيقة جدا – خاصة حلقة (هنري دي بولانديفيرس) الذي تحدّى كتاب سبينوزا في الثيولوجيا والسياسة عام 1694 (Tractatus Theologico-Politicus) وبدأ بقرائته بقصد تفنيده ودحضه .

وهناك بُعد غريب آخر في هذه العقلانية المبكرة هو ارتباطها بالكيمياء alchemy، والتي تطورت فيما بعد الى الكيمياء الحديثة. كليات الطب كانت نتيجة للأعمال العظيمة للكيميائيين. اولئك العلماء السريين نسبوا لأنفسهم لقب فلاسفة، وهم ايضا اطاعوا مختلف اشكال المعتقدات الدينية اللاارثودكسية. ومع هذا الوجه المخفي للفلسفة الطبيعية، نستطيع ان ندرك جيدا ان ما سميت بـ "العلوم الكلاسيكية" لم تضع نهاية للابيستيمولوجيا الأنيقة.

ان الجانب الأنيق من الفلسفة الفرنسية للقرن السابع عشر تأكّد ايضا من خلال الشراكة غير الليبرالية بين الفلسفة والسياسة والاقتصاد. قبل وقت طويل من اختراع جامعة اكسفورد للـ PPE (فلسفة، سياسة، اقتصاد)، اقترح لويس الرابع عشر موضوعات ملكية، اعتمد فيها الفلاسفة والكتاب كثيرا على المساعدات المالية للسلطات السياسية. اول الاقتصاديين مثل Montchrestien الذي اخترع مصطلح "الاقتصاد السياسي"، ولاحقا بويزجلبرت و فابان، لم ينجحا كثيرا في رسم سياسة مالية جديدة. جميع القرارات السياسية بقيت في ايدي الملك المطلق الذي يحتاج للنقود لتمويل الحروب.

لكن طموح الملك لويس للمجد تطلّب ليس فقط انتصارات وانما ايضا كتّاب ورسامين وحتى فلاسفة ليقولوا كل ما يمجّد جلالته. ولكي يحصل الملك المطلق على تلك النتيجة، قام بمنح امتيازات لكي يطبّق عمليا اول مثال لسياسة ثقافية واسعة الانتشار. ومن خلال الاكاديمية الملكية، سعى العرش الملكي للتحكم والسيطرة على الانتاج الثقافي القومي، بما فيه الفلسفة، وهذا التوجّه بلا شك يوضح القيود الشديدة للفكر السياسي في ذلك الزمن ونفي العديد من الفلاسفة. نحن نعلم ان ديكارت فضّل هولندا الصناعية على فرنسا في ظل القبضة الحديدية لملك فرنسا لويس الرابع عشر. قوائم التعيينات في الاكاديمية الملكية والامتيازات تشير دون شك الى القيود التي ربطت الكتّاب بسادتهم. الجانسينية مرة اخرى تشكل، من هذه الزاوية، مثالا لا لبس فيه عن المقاومة الروحية والفكرية للحكم المطلق.

ورغم حديث البعض عن الدولة الأنيقة، فان الارتباط بين الجماليات من جهة، والفلسفة والسياسة من جهة اخرى يصعب تأكيده. هوبز، الذي قُرأت أعماله من جانب لويس الرابع عشر، بلا شك ترك أثراً في الفكر السياسي الفرنسي، لكن إعادة بنائه للسياسة المرتكزة على عقد هي اكثر كلاسيكية من الاناقة، وان الرسائل عن منطق الدولة، هي بالتاكيد انيقة في تفاصيلها، لكنها حقا لا تنطوي على اي شيء اكثر من امتداح السلطات الحاكمة. وهكذا، فان السياسة الثقافية لذلك الوقت تلقي ضوءا مفيدا جدا على عمل الاكاديميات الملكية، لكنها ايضا تشير الى حدود السمة الجمهورية لجمهورية الرسائل.(4)

بالاضافة الى ذلك، يجب التأكيد بان العدد القليل جدا من النساء الفيلسوفات كان يشكل موقفا نادرا للاقلية المضطهدة . السمعة غير المبررة التي اُعطيت (لماريا دي غورناي)، رغم الاحترام الذي منحه مونتاجين لذكاءها، هو اشارة لعدم انسجام المراة الفيلسوفة في ذلك الوقت. Gabrielle Suchon، المعاصرة للوك وسبينوزا، التي كتبت (On voluntary celibacy or A life without commitment, 1700). طرحت كل حججها النقدية على اساس الانجيل او النصوص الكلاسيكية. اول رسالة حول المساواة بين الجنسين، لـ Scipion Dupleix، وغيرها، يجب ان لا تخفي حقيقة ان الفلسفة كانت، في القرن السابع عشر، هي بالاساس نشاط ذكوري. الحركة النسوية يجب ان تتعلم الكثير من النسوة الفيلسوفات الأوائل، ومحاولاتهن الفلسفية لتبرير مكانة جديدة للمرأة في عصر العقل.

هناك عنصر أخير يجب تذكّره، رغم انه لا يبدو من اول وهلة مرتبطا بالفلسفة الانيقة. ذلك هو استخدام اللغة الفرنسية في تأكيد الفلسفة العالمية. ان السياسة تركت بصماتها على وسائل الفكر من خلال السياسة اللغوية الهادفة التي قادت الى تحوّل هام في فرنسا بين بداية ونهاية القرن. ان إختفاء المفردات المناطقية ورفض اللغة المهنية وولادة القواميس المتعلقة بالاستخدام الجيد، كل هذا حوّل لغة الفلسفة، وخلق الحاجة للّجوء المتكرر للفرنسية في الرسائل الفلسفية – (مقال في المنهج) لديكارت هو المثال الكلاسيكي، ولكن هناك امثلة اخرى. فلاسفة مثل ديكارت و مالبرنش ساهموا في اختراع او تحسين ما يعرف الان بالفرنسية الكلاسيكية، ومن الصحيح القول ان هذا الاختراع تضمّن اختفاء المزيد من اناقة الكاتب الفرنسي مونتاغين .

ما هو غريب للعقول الحديثة هو حقيقة ان اللغة الرئيسية للقرن الفرنسي السابع عشر هي اللغة اللاتينية وليست الفرنسية، ذلك ان استخدام اللاتينية الموروثة من الكنيسة الكاثوليكية في القرون الوسطى، ساعد في تجنب المزيد من الترجمة، لأن نمط المبادئ الفلسفية كان لايزال سائداً في الكليات والاديرة وفي الرسائل العلمية الكبيرة، وبالذات تعليقات توما الاكويني او دونس سكوت. الفلاسفة الفرنسيون في ذلك الوقت كانوا يفكرون ضمن لغتين واحيانا بينهما، لغة الناس العاديين واللغة التعليمية، وهو الموقف الذي أضاف المزيد من التعقيد لأفكارهم. الفلاسفة المعاصرون المتحدثون بالانجليزية ربما يعتبرون هذه الاناقة غير مريحة لكنها مثمرة، حيث ان الذهاب من لغة الى اخرى احيانا يخلق ضبابية في معنى المفاهيم، لكنه يضيف لها عمقا وتعقيدية نفعت الفلاسفة كثيرا أمثال ارنولد وديكارت.

ان علاقة الفلسفة الفرنسية باللاتينية هي ايضا مؤشر لعلاقتها بالثقافة الادبية القديمة بشكل عام، كما يتضح بالخلاف الكبير ونتائجه الفلسفية الكبيرة التي حرضت "القديم" في ظل قيادة Boileau – ضد "الحديث"بقيادة شارلس perrault. هذا النزاع حول مكانة السلطة الادبية هو هام جدا، طالما يرشدنا كثيراً عن الحداثة في تطوراتها المبكرة.

في عصرنا ما بعد الانساني، اصبح من المؤكد صعوبة فهمنا للدور الحيوي للفلاسفة الاغريق واللاتين والشعراء، لكن الرجوع الى الفلسفة الفرنسية الانيقة ربما يساعدنا في فهم ان ما نجده الآن أنيقا هو كان كلاسيكيا في ذلك الوقت، وان ما يبدو لنا اليوم من طرق عادية للتفلسف – التفكيك، مابعد البنيوية، وحتى الفلسفة التحليلية – ستبدو أنيقة جدا للمعاصرين لديكارت وباسكال.

 

حاتم حميد محسن

...........................

Lost baroque, The Philosophers Magazine, August 15, 2012.

الهوامش

(1) يشير مصطلح baroque الى الاسلوب الاوربي الأنيق في المعمار والفن والموسيقى في القرنين 17 و 18 الميلاديين والذين تميزا بالرغبة في إثارة الحالات العاطفية عبر إستدعاء الحواس بطرق دراماتيكية. المصطلح يصف أي شيء غير منتظم او يبتعد عن القواعد السائدة. انه ينطوي على التعبير عن قيم جديدة. أشهر مثال على هذا الاسلوب الجذاب هو رواية الفردوس المفقود لجون ملتن. الشكل الخارجي عادة يُمنح اهتماما خاصا للتعويض عن نقص المحتوى الداخلي.

(2) وهي مجموعة من كبار المفكرين في ذلك العصر، ضمت في صفوفها ديكارت وباسكال. كان ميرسين على اتصال ايضا مع اشهر المفكرين في اوربا. مراسلات ميرسين هذه وعددها (17 جزءاً) في طبعتها الحديثة تُعتبر مصدراً لا يُقدّر بثمن عن العالم الفكري للمفكرين المحدثين الأوائل.

(3) الـجانسينية Jansenism حركة ثيولوجية مسيحية أكّدت على الاثم الأصلي، وخضوع الانسان لإغراءات الاثم، وضرورة العناية الالهية والحماية من الأذى. نشأت الحركة بعد ان نشر الثيولوجي الهولندي Cornelius Jansen عمله عام 1638، والذي ذاع صيته بفعل صديقه Jean duvergier، وبعد وفاة الأخيرعام 1643 تولّى القيادة انتوني ارنولد. كانت الـجانسينية حركة متميزة ضمن الكنيسة الكاثوليكية خلال القرنين 17 و 18 وكان مركز الحركة دير port-Royal الذي كان ملاذاً للكتاب الكبار. لقيت الحركة معارضة من جانب العديد من النخب الكاثولوكية وخاصة اليسوعيون.

(4) جمهورية الرسائل هي جماعة فكرية برزت في القرنين 17 و 18 في اوربا وامريكا. هذه الحركة عجّلت من الاتصالات بين المفكرين والفلاسفة في عصر التنوير وبالذات في فرنسا. ضمت الحركة عددا من المفكرين وامتدت الى ماوراء الحدود القومية مع احترامها للاختلافات في اللغة والثقافة. ونظرا لأن هذه الجماعات عابرة للحدود فانها شكلت الاساس لجمهورية ميتافيزيقية. وبسبب القيود على المرأة فان الجمهورية تألفت في معظمها من الرجال. الرسائل المكتوبة باليد كانت ضرورية لعمل الجماعة لأنها مكّنت المفكرين من التخاطب من أماكن بعيدة. يؤكد المؤرخون على الدور المهم لجمهورية الرسائل في التأثير على حركة التنوير.

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم