صحيفة المثقف

علي رسول الربيعي: الديمقراطية التداولية ومشكلة المساواة بين المستفيدة والمحرومة

علي رسول الربيعيتزعم كل من ساندرز ويونغ[1] أن هناك تباينًا وتفاوتا داخل المؤسسات التداولية بين الجماعات المستفيدة والمحرومة. وأن هذا يتجاوز مشكلة الوصول إلى هذه المؤسسات طبقاً لرأيهن. ويؤكدن على أن تمثيل الجماعات المحرومة، في الوقت الحالي، يعتبر تمثيلأ ناقصأ وضعيفا في المؤسسات والمنتديات السياسية – وتصويتها في تلك المؤسسات قليل في أغلب الأحيان، وتلعب دورا أصغر في معظم مجموعات الضغط، كما لديها عدد أقل من الممثلين المنتخبين وما إلى ذلك. هذا أمر غير مقبول من وجهة نظر الديمقراطية التداولية، حيث أن المداولات لا يمكن أن تكون شاملة، وبالتالي لا يمكن أن نتوقع أنها تسفر عن نتائج عادلة، ما لم يعكس تكوين الهيئة المتداولة بدقة كاملة تكوين مجموعة كاملة من المواطنين الذين سيتم تطبيق أو تنفيذ القرارات من أجلهم . كيف يتم تصحيح هذه الحالة هو موضوع نقاش مستمر: فهناك على وجه الخصوص، خلاف حول ما إذا كان يجب أن يكون هناك حصص في حالة المؤسسات التمثيلية لضمان التمثيل النسبي للنساء والأقليات العرقية.[2] لكن يجب ألا يحجب هذا النقاش حول أفضل سياسة لضمان الإندماج، مع ذلك، يدورالاتفاق الأساسي بين الديمقراطيين التداولين ومنتقديهم حول الحاجة إلى وصول الجماعات المحرومة إلى المؤسسات الديمقراطية على قدم المساواة مع المواطنين الآخرين. وفقًا لـ ساندرز ويونغ، فإن الوصول المتكافئ ليس كافيًا، لأنه لا يوفر أي ضمان بمعاملة أفراد الفئات المحرومة على قدم المساواة بمجرد دخولهم داخل المؤسسات. قد يترددون، على سبيل المثال، في الدخول في نقاش سياسي، لشعورهم بأنه ليس لديهم الحق في التحدث أو أن الآخرين لن يأخذوا مداخلاتهم على محمل الجد أو ساهمون بشكل غير متناسب في النقاش الجماعي. تستشهد إيف ساندرز عديدة [3] من تجربتها في المجتمع الأمريكي، ويمكننا نحن ايراد أمثلة من جماعات أخرى كما هو الحال في مجتمعات في الدول العربية حيث تستبعد ليس فقط الأقليات ولكن الأغلبية من خلال هيمنة سطوة زعامات دينية وقبلية. كما يبدو معقولًا، افتراض وجود صلة بين حجم الحجة وراء المنصب واحتمال انتشاره، فإن هذا يعني أنه في الحالات التي يكون فيها الجماعات المحرومة والأقليات العرقية أو الطائفية أو حتى ما يطلق عليهم مسيري شؤون التقديس - اصحاب السيادة على اغلبية بـ" العوام" رغم أغلبيتهم العددية اهتمامات ومصالح مختلفة في منتدى تداولي، تميل وضعية الجماعات المحرومة إلى الخسارة بسبب ترددها في عرض قضيتها على الملأ.

ومع أن رأي ساندرز.[4] حول الموقف أكثر تعقيدًا من يستوفيه شرحي الموجز له. حيث تقول، 'يبدو من المرجح أن بعض أساليب مناقشة الجماعات تظهر للعيان آراء جميع أعضاء الجماعة أكثر من غيرهم.[5] يشجع أسلوب التداول المبني على الأدلة مجموعة واسعة من الآراء التي تتطلب التعبير عنها، وبالتالي يساعد هذا السلوب على جذب المزيد من المشاركين إلى المناقشة ؛ كما أنه يساعد على الانفتاح، بمعنى الرغبة والقبول في تغيير المواقف عند تقديم أدلة جديدة.[6] وبالتالي، فإن الدرس الذي على الديمقراطيين التداوليين استيعابه هو أن لايخافوا من ميل أعضاء الفئات المحرومة إلى المشاركة بشكل أقل أو ضعيف في المداولات الجماعية، ولكن ينبغي عليهم البحث عن طرق لضمان أن تأخذ المداولات نموذج يتوافق مع هيئة محلفين تعتمد على الأدلة، مما يعني أنه بدلاً من محاولة الانتقال بسرعة إلى قرار "نعم / لا"، يجب استكشاف الحجج المؤيدة والمعارضة للخيارات المختلفة دون الحاجة إلى إعلان الأفراد المشاركين عن تأييدهم لها. يبدو لي أن هذا هو ما تتطلبه المداولات السياسية الجيدة على أي حال. فعندما يتعين اتخاذ قرار بشأن مسألة تنطوي على بعض التعقيدات، من الأفضل أن تكون المناقشة مفتوحة واستكشافية في البداية، وسيكون من الخطأ مطالبة المشاركين بالإشارة في وقت مبكر إلى الخيار الذي يدعمونه، لأن التأثير القيام بذلك سيكون تشجيع المتداولين ببساطة على تنظيم الحجج التي تدعم وجهة نظرهم الأولية، بدلاً من الاستماع إلى جميع وجهات النظر المطروحة والمشاركة فيها.

يمكن الإشارة إلى نقطة مماثلة فيما يتعلق بملاحظات يونغ حول المناقشات البرلمانية وإجراءات المحكمة، حيث " التداول هو المنافسة". تهدف أطراف النزاع إلى كسب المحاججة، وليس الوصول الى التفاهم المتبادل.[7] قد تحقق مثل هذه السياقات امتياز لأولئك الذين يجيدون التنافس ومعرفة قواعد اللعبة. يعد الكلام الحازم والمواجهة الصارمةه نا أكثر قيمة من الكلام المتردد أو الاستكشافي أو التوفيقي "و يفضّل الذكور أساليب التحدث هذه أكثر من الإناث". لكن هذا يدل على أن المناقشات البرلمانية والمحاكم، أيا كانت فضائلها الأخرى، لا تمثل أمثلة جيدة على الديمقراطية التداولية في أشتغالها، ومن الصعب تخيل أنصار النظرية التداولية يقولون عكس ذلك. تتطلب الديمقراطية التداولية أن يتم تنظيم النقاش السياسي بطريقة، يجب أن تدخل النقاش مجموعة واسعة من الآراء والحجج ذات الصلة بموضوع النقاش قدر الإمكان، حتى تعكس المناقشة بشكل حقيقي مخاوف ومصالح وقناعات أعضاء هيئة التداول، أولاً؛ وثانياً، عندما تحاول الهيئة المضي قدمًا نحو حل "للقضية التي تواجهها يجب أن يكون ثقل الأسباب المعروضة لدعم المواقف المختلفة التي له أهمية فعلية. هذا يعني أن المشاركين، بدلاً من محاولة الفوز، بمعنى التأكد من أن تفضيلاتهم الأولية تسود، عليهم أن يستمعوا إلى ما يقوله الآخرون ويفكروا فيه، ويبحثون عن الحل الذي لديه أقوى الحجج والأسباب. هذا، بالطبع، هو وصف مثالي. ولكن يمكن تقريبها بشكل أو بآخر اعتمادًا جزئيًا على البنية وجزءًا آخرعلى روح الهيئة التداولية. ولإعطاء مثال على ذلك كما يجري في المجتمعات المدنية الديمقراطية، تؤكد الدراسات التي تجرى عن هيئات المحلفين من المواطنين – وهي مجموعات صغيرة من المواطنين المختارين عشوائياً لمناقشة القضايا ذات الاهتمام الحالي مثل السياسة الصحية - على أهمية وجود المشرفين الذين تتمثل مهمتهم في ضمان تمتع الجميع بفرصة للمساهمة في النقاش، وأن وجهات النظر المختلفة تحصل على استكشاف صحيح وتمحيص نقدي.[8] وترى يونغ - طبقا لهذا الوصف بقدر ما تتطابق شروط المداولات الجيدة هذه مع أشكال الكلام والحجة بقدر ما يكون عادةً هذا الكلام "مبدئيًا أو استكشافي أو تصالحي"، ويستعمل "لإعطاء المعلومات وطرح الأسئلة بدلاً من تقديم آراء أو إثارة الجدل.[9]

 

الدّكتور عليّ رّسول الرّبيعيّ

.....................

[1] L. Sanders, ‘Against Deliberation’, political theory, 25(192,.7.), 347-76; l.M. Young, ‘Communication and the Other: Beyond Deliberative and Democracy’ in Benhabib (ed.), Democracy and Difference ; I.M. Young, ‘Difference as a Resource for Democratic Communication’ in Bohman and Rehg (eds), Delib­erative Democracy; I.M. Young, ‘Inclusive Political Communication: Greet­ing, Rhetoric and Storytelling in the Context of Political Argument ‘ (paper presented to Annual Meeting of the American Political Science Association, Boston, Mass., September 1998).

[2] يمكن العثور على الحجج القوية المؤيدة والمعارضة، على التوالي :

I.M. Young, Justice and the Politics of Difference (Princeton, Princeton University press1990), Ch. 6.

C. Ward, ‘The Limits of “Liberal Republicanism”: Why Group-Based Remedies and Republican Citizenship Don’t Mix’, Columbia Law Review, 91 (1991), 581-607.

لمزيد من المناقشات الدقيقة، انظر:

C. Sunstein, ‘Beyond the Republican Revival’, Yale Law Journal, 97 (1988), 1539-89;

W. Kymlicka, Multicultural Citizenship (Oxford, Clarendon Press, 1995), ch. 7.

A. Phillips, The Politics of Presence (Oxford, Clarendon Press, 1995)..

[3] Sanders, ‘Against Deliberation’ pp. 363-6.

[4] المصدر نفسه، ص 366.

[5] R. Hastie, S.D. Penrod and N. Pennington, Inside the Jury (Cambridge, Mass., Harvard University Press, 1983), ch. 8.

[6] N. Marsden, ‘Gender Dynamics and Jury Deliberation’, Yale Law Journal nal, 96 (1987), 593-612.

[7] Young, ‘Communication and the Other’, p. 123.

[8] . Coote and J. Lenaghan, Citizens' Juries: Theory into Practice (Lon­don, IPPR, 1997);

G. Smith and C. Wales, 'Toward Deliberative Institutions: Lessons from Citizens' Juries' (paper presented to the ECPR Workshop on Innovation in Democratic Theory, 1999).

 [9] Young, 'Communication and the Other', p. 124

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم