صحيفة المثقف

محمود محمد علي: محمد أبو القاسم.. فيلسوف الهندسة البيئية

محمود محمد علييعد الأستاذ الدكتور "محمد أبو القاسم محمد أحمد" – أستاذ هندسة البيئة بكلية الهندسة بجامعة أسيوط، واحداً من أهم الأستاذة الذين أسهموا في الاعتماد علي استخدام التطبيقات الهندسية والعلمية، وذلك لخدمة البيئة وحمايتها، حيث عمل أبو القاسم في القطاعات الصناعية والبحثية في سبيل الإنجاز والتوصل إلي حلول تهدف للتحكم بالتلوث، بالإضافة إلي إنجازاته البحثية في تنوع مصادر الطاقة وزيادتها إلي أكبر حد ممكن، وتعد طبيعة عمل أبو القاسم ميدانية أكثر منها مكتبية، حيث يقضي سيادته معظم وقته بين المختبرات، والمكاتب، والمواقع، والمنشآت الصناعية، وذلك لمعالجة القضايا البيئية، كما امتدت جهود أبو القاسم في دراسة مدي تأثير التكنولوجيا وتطورها علي البيئة، حيث وجدناه يجري أبحاثاً في معالجة النفايات، وتقييم مدي خطورتها علي البيئة، بالإضافة إلي دراسته للسبل اللازمة التي تصب في تحسين وتطوير الأنظمة للحد من الحوادث البيئية، وفي اعتقاد أبو القاسم أنه لكي يصبح مهندس البيئة ملماً وناجحاً في مهنته عليه الاهتمام والإلمام بمواضع أخري ذات صلة تشمل قطاع المياه، وإدارة مصادر التلوث، والحفاظ علي التربة من التلوث، بالإضافة إلي التخطيط المدني .

علاوة علي أنه أحد أساتذة هندسة البيئة الذين استطاعوا من خلال بحوثهم ومؤلفاتهم في الهندسة البيئة أن ينقل البحث في دراستها من مجرد التعريف العام بها، أو الحديث الخطابي عنها – إلي مستوي دراستها دراسة موضوعية، تحليلية – مقارنة . وقد كان في هذا صارماً إلي أبعد حد: إن استعمال التطبيقات الهندسية والعلمية لخدمة البيئة وحمايتها لديه هو مادة التحليل الأولي، ومضمونه هو أساس التقييم، والهدف منه هو الذي يحدد اتجاه صاحبه.

كما تميز محمد أبو القاسم بالثقافة الهندسية الواسعة التي اكسبها في مجال هندسة المعادن والفلزات في أناة وصبر، والذاكرة الواعية الحافظة، فهو عندما يقدم علي الحديث لا يتعجل، بل يحاور ويعلق،وبعد ذلك يلم بأطراف ويدلي برأيه، لا تفوته ملاحظة، عشق الهندسة البيئية، وعني بمشكلاتها التاريخية، والسياسية، والاقتصادية، والمسائل الاجتماعية في أبحاث تشهد بريادته في هذا المجال، واستطاع أن يكتب لنا كيف يعمل مهندسو البيئة في القطاعات الصناعية والبحثية، لإنجاز حلول تهدف للتحكم بالتلوث، بالإضافة لتنويع مصادر الطاقة وزيادتها إلى أكبر حد ممكن، كما اشتملت اهتماماته مواضيع أخرى، مثل قطاع المياه وإدارة الملوثات والتحكم بنوعية الهواء والحفاظ على التربة من التلوث والتخطيط المدني.

لقد كان أبو القاسم دون شك بشهادة الكثيرين أحد سادات الثقافة الهندسية البيئية الرفيعة في مصر والعالم العربي في القرن العشرين، وأحد كبار الأساتذة في هندسة المعادن والفلزات الذين قدموا دراسات وأبحاث، أقل ما توصف به أنها "ممتازة"، وأنها من أفضل ما كتب في الإنجليزية في بابها، لمن يبتغي البحث عن البدايات والخطوات الأولى في مدارجها.

وقد حصل أبو القاسم علي بكالوريوس هندسة التعدين والفلزات بتقدير "ممتاز"  في دور يونيو ١٩٨٠ من جامعة أسيوط، كما حصل بعد ذلك علي درجة الماجستير في هندسة التعدين " مجال هندسة البيئة" من جامعة أسيوط عام 1968م في موضوع بعنوان "دراسة حول مسائل الهندسة البيئية في بعض المناجم ووحدات تجهيز ومعالجة الخامات بمصر العليا"، وبعد ذلك نال درجة الدكتوراه في عام 1991م وذلك في موضوع بعنوان " توصيف ومكافحة الحبيبات المحمولة في الجو من العمليات الصناعية والتعدينية وعلاقتها بالظروف الخارجية"، وذلك بنظام الإشراف المشترك بين جامعة أسيوط وجامعة أيوا الأمريكية؛ وبعد ذلك أخذ أبو القاسم يتدرج في المناصب الأكاديمية، فنجح في الحصول علي درجة أستاذ مساعد في 1996، ثم نال بعدها رتبة الأستاذية في عام 2002م.

وعقب حصول أبو القاسم علي رتبة الأستاذية أخذ يتدرج في المناصب الإدارية الجامعية، حيث وجدناه في عام 2012 ينال منصب رئيس مجلس قسم هندسة التعدين والفلزات، وفي ذات السنة يتولي منصب وكيل كلية الهندسة لشؤون خدمة المجتمع والبيئة، وفي عام 2013 يتولى أبو القاسم عميد كلية الهندسة ليستمر في منصبه حتي عام 2016، علاوة مشاركته في كثير من الأعمال الميدانية المتعلقة بمجال الهندسة البيئية في مصر والعالم العربي.

وللدكتور محمد أبو القاسم  دراسات وأبحاث كثيرة في تخصصه " الهندسة البيئية " نذكر منها علي سبيل المصال لا الحصر: دراسة انتشار و ترسيب الخبيبات الدقيقة حول مصنع الألومنيوم بنجع حمادى  مصر، دراسة اخصائية لتأثير الطقس على الإنسان بمنطقة قنا . مصر،  دراسة انبعاثات الحبيبات الدقيقة من بعض المصادر فى المحاجر، دراسة معدل تولد الغبار وعلاقته بخواص الفحم فى مناجم و محاجر الفحم، دراسة طول التلوث الضوضائي من  بعض المصادر فى المحاجر، دراسة ترسب الغبار على المنطقة الزراعية بمزرعة مصنع الاسمنت،  نظم الادارة البيئية، دراسة طول تركيز و رفع جودة  خام الحجر الجيري، رفع جودة مخلفات خام الفوسفات بشركة النصر للفوسفات,, وهلم جرا.

وفي  هذه الأبحاث حاول أبو القاسم أن يطبق مبادئ العلوم والهندسة لتوفير بيئة ومحيط أفضل يتوفر به الهواء النقي والماء والارض الصالحة لتكون محيط وبيئة صالحة لعيش الانسان والكائنات الاخرى، من خلال الهندسة البيئية يتم الحد من التأثير السلبي الناتج عن التلوث البيئي ويتم التحكم به من خلال نشر التوعية والاصلاح ووضع النظم والقوانين التي تحد من التلوث البيئي ويتم من خلال الهندسة البيئية الحفاظ على المصادر والثروات الطبيعية دون تلويثها وإساءة استخدامها عن طريق تطبيق سياسات عديدة كإعادة الاستخدام والتدوير والمعالجة للفضلات .

والهندسة البيئية  كما يؤرخ لها أبو القاسم في كتاباته قد أعطيت تعريفها واسمها المحدد كما يذكر في كثير من كتاباته ومحاضراته التي كان يلقيها علي طلبة قسم التعدين بأنه منذ عام 1900 ميلادي كفرع من الهندسة المدنية. وقد مورست من قبل المهندسين المدنيين منذ عام 1850 ميلادي عندما أصبح للصحة العامة معاهد خاصة بها. كانت مشاريع الصرف الصحي والتزود بالمياه وحل مشاكلها الهيدروليكية من النشاطات الأولى للهندسة البيئية. انتشرت معالجة المياه بشكل سريع حوال1900 ميلادي بينما معالجة المياه الملوثة تأخرت حتى أصبح لها معاهدها الخاصة بهذا العلم

وفي محاضراته كان أبو القاسم كثيراً ما يؤكد لتلاميذه بأن الهندسة البيئية تعد أحد التخصصات الهندسية المثيرة، التى يدرس خلالها الطالب برامجاً متميزة لإعداده بهدف استخدام الطرق الهندسية والرياضية والعلمية لتصميم أنظمة تساعد على حل مشاكل البيئة، والتخفيف من أضرار التلوث، والرصد الدائم والتحكم المستمر فى مراكز تلوث الهواء والأرض والماء، إلى جانب الطرق العملية لحماية الصحة والأمان فى المنشآت.

الهندسة البيئية الآن تشمل في نظر أبو القاسم علي ثلاثة أفكار رئيسية وهي: حماية الناس من الأخطار الناجمة عن سوء نوعية الهواء والماء، بالإضافة إلى حمايتهم من الضجة والإشعاعات. التخلص المناسب من الملوثات. الأمن من تأثير الأضرار الناجمة عن النشاطات البشرية.

وفي نظر الدكتور أبو القاسم فإن تخصص الهندسة البيئية يعد في نظره أحد حد الفروع الهندسة التي تم التفكير بتأسيسها للنهوض بالبيئة المصرية بشتى محتوياتها، وكذلك ليتسع العديد من مناحي الحياة في العصر الحالي، فهي تعالج المشكلات البيئية المختلفة مثل تلوث المياه والهواء والتربة ؛ وتخصص الهندسة البيئية في نظره أيضا يعمل على تخريج مهندسين متميزين يستطيعون فهم المشكلات البيئية وإيجاد حلول مناسبة من أجل الوصول إلى الحفاظ على البيئة مثل طرق معالجة مياه الصرف الصحي والمياه، دراسة تلوث الهواء والحد منه، هذا بالإضافة إلى إدارة المشاريع الهندسية وإدارة النفايات الصلبة ودراسة التلوث البيئي بشتى أنواعه وطرق تخفيف حدته ؛ كذلك يوفر تخصص هندسة البيئة في نظر أبو القاسم علي خريجين ليسوا على النمط التقليدي الذي يعتمد فقط على الهندسة المدنية، بل يعتمد كذلك على مزيج من الهندسة الكيميائية، وهندسة التعدين والهندسة الميكانيكية؛ وهو ما يؤهل المهندس الخريج لأداء دوره بكفاءة وفاعلية أكثر من برامج هندسة البيئة.

وأما عن اهتماماتها فنجد أبو القاسم يؤكد أنها تشمل اهتمامات وتطبيقات هندسة البيئة مجال واسع من المشاريع الهندسية والفنية في القطاعات البلدية والصناعية والبحثية المختلفة لإيجاد حلول تهدف للتحكم بالتلوث، تصميم وإنشاء الأبنية الصديقة للبيئة، تجهيز المياه، إدارة الملوثات، التحكم بنوعية الهواء، الحفاظ على التربة من التلوث والتخطيط المدني. إذاً فالهندسة البيئية وعلومها تمثل التطبيق المباشر للعلوم الفيزيائية والرياضية لتأمين الحلول لمشاكل كوكبنا. إن العلماء والباحثين المهتمين بالبيئة.

وفيما يخص معمل هندسة البيئة فنجد أبو القاسم يؤكد أن هذا المعمل يعد أحد أهم المعامل بقسم الهندسة المدنية بكلية الهندسة. بالإضافة إلى تدريب طلاب القسم على القيام بعمل التجارب، يسهم المعمل في إثراء البحوث، الممولة من قبل لقطاعات الخاصة والغير ممولة، التي يقوم بها أعضاء هيئة التدريس وطلاب الدراسات العليا (الماجستير والدكتوراه)؛ بالإضافة إلي مشاريع التخرج لطلاب مرحلة البكالوريوس.

وأخيراُ وعلي كل حال لسنا نستطيع في مقال كهذا، أن نزعم بأننا قادرون علي تقديم رؤية ضافية شاملة ومستوعبة لكل مقدمات شخصية الدكتور للدكتور محمد أبو القاسم  بأبعادها الثرية، وحسبنا هذه الإطلالة السريعة الموجزة علي الجانبين الإنساني والعلمي لمفكر مبدع في أعمال كثيرة ومتنوعة، ونموذج متفرد لأستاذ جامعي نذر حياته بطوله وعرضه لخدمة الهندسة البيئية .

تحيةً للدكتور محمد أبو القاسم  الذي  لم تستهويه السلطة، ولم يجذبه النفوذ، ولكنه آثر أن يكون صدى أميناً لضمير وطني يقظ وشعور إنساني رفيع، وسوف يبقى نموذجاً لمن يريد أن يدخل التاريخ من بوابة واسعة متفرداً .

بارك الله لنا في محمد أبو القاسم  قيمة جميلة وسامية في زمن سيطر عليه "أشباه المفكرين" (كما قال أستاذي عاطف العراقي)، وأمد الله لنا في عمره قلماً يكتب عن أوجاعنا، وأوجاع وطنناً، بهدف الكشف عن مسالب الواقع، والبحث عن غداً أفضل، وأبقاه الله لنا إنساناً نلقي عليها ما لا تحمله قلوبنا وصدورنا، ونستفهم منه عن ما عجزت عقولنا عن فهمه.

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم