صحيفة المثقف

يسري عبد الغني: المنتديات الأدبية والتواصل التقافي

يسري عبد الغنيتعد اللقاءات في المنتديات والمؤتمرات والصالونات الأدبية سبباً مهماً لانتقال الآداب من لغة إلى أخرى، وبذلك تقوم هذه المنتديات بدورها الواضح في عملية التأثير والتأثر في الآداب والفنون المختلفة.

ففي المنطقة الإسلامية كان بعض العلماء والأدباء يلتقون في  مجالس أو صالونات أدبية (بلغة عصرنا الحديث)، ويثيرون بعض القضايا الأدبية والعلمية والفكرية عند العرب والفرس والروم والهنود، وقد يطلعون على عض الكتب أو المؤلفات الأدبية والعلمية المترجمة من الفارسية أو غيرها إلى العربية، أو من العربية إلى غيرها من اللغات التي كانت معروفة ومستعملة في تلك الآونة .

وهذه المنتديات يبدو منها التأثر الواقع بين هذه الآداب، وكان هذا يعتمد على معرفة المجتمعات الإسلامية باللغة العربية أو الفارسية أو غيرها من اللغات المعاصرة، وكثيراً ما دفعت هذه اللقاءات الأدبية والتي كانت تعقد في بيت أحد الأدباء أو العلماء، أو في قصر الحاكم أو أحد الأمراء، كثيراً ما دفعت إلى ترجمة بعض الكتب أو المؤلفات من لغة إلى أخرى، وذلك كترجمة أو تعريب ابن المقفع لحكايات كليلة ودمنة، وذلك من الفارسية إلى العربية، وبعد ذلك تم ترجمتها مرة أخرى من العربية إلى الفارسية .

ومما جرى من آثار تلك الترجمة ما نلحظه من بديع الزمان الهمذاني رائد فن المقامات، والصاحب بن عباد الشاعر واللغوي المعروف، ولعلنا نعرف أن الهمذاني كان يجيد قول وكتابة الشعر باللغة العربية، فسأله الصاحب أن يترجم على الفور ثلاثة أبيات فارسية، ومن نظم الشاعر الفارسي / منطقي، وذلك في صورة شعر عربي، وبالفعل قام الهمذاني بالترجمة الفورية، بعد أن سأل الصاحب عن البحر والقافية التي يريدها، وهذا يدل على علو كعب بديع الزمان الهمذاني في مضمار الترجمة الفورية، ومضمار النظم الشعري .وقد تناولت ذلك عند تحقيقي لديوان بديع الزمان الهمذاني الشعري في أوائل التسعينات من القرن الماضي وصدر ببيروت في العديد من الطبعات--

أعود لأقول : لقد كان هذا الموقف بين الصاحب والهمذاني في أحد المجالس الأدبية التي ضمت المبدعين الكبيرين، بالإضافة إلى لفيف من الأدباء والعلماء الذين عاصروا الأديبين .

ولا يخفى ما لهذه المنتديات الأدبية من أثر كبير في نقل آثار الأدبين العربي والفارسي كل منهما إلى الآخر .

وفي أوربا قامت نواد أدبية مكنت لبعض الآداب أن تنتقل من قطر إلى آخر، ومن أقدم النوادي الأدبية ما سمي (رامبو بيه) في فرنسا والذي ازدهر في الفترة ما بين عامي 1624 م إلى 1648 م، وعن طريقه انتقلت الآداب الإيطالية والأسبانية إلى فرنسا في العصر الكلاسيكي .

وفي القرن الثامن عشر كان للنوادي الأدبية في فرنسا آثار كبيرة في اتصال الآداب الإنجليزية والألمانية بالأدب الفرنسي، ومن أهم النوادي الأدبية في أوربا خلال العصر الرومانسي، نادي مدام / دي ستايل الذي كان يعقد في قصر كوبيه ما بين عامي 1795 م إلى 1821 م، والذي ضم بين جنبتيه العديد من الأدباء والفنانين والمفكرين الأوربيين، وقد ذهب بعض النقاد ومؤرخي الأدب إلى أن هذا المنتدى الذي كانت تديره مدام / دي ستايل الأديبة والناقدة، هذا المنتدى شهد مولد الأدب المقارن، أو فلنقل : شهد بداياته الحقيقية .

وبالطبع لا ننسى عندنا الصالون الأدبي الذي كانت تعقده الأديبة اللبنانية الأصل / مي زيادة، كل يوم ثلاثاء، في شارع علوي بوسط القاهرة، والذي ضم العديد من الشعراء والأدباء والمفكرين العرب، وكان له بدون شك دوره الفاعل في الأدب والفكر، وكذلك المنتديات والصالونات التي كانت تعقد في العواصم العربية المختلفة –ولنا بحمد الله العديد من المقالات حول موضوع المنتديات الادبية في القديم والحديث.

وعلى كل حال فهذه النوادي الأدبية وغيرها من وسائل تبادل القيم الأدبية بين الشعوب تؤدي إلى لقاء وتلاقي الأدباء، ونقل آداب أو أفكار أمة إلى أخرى، وهذا له أثره البالغ الذي يؤدي إلى قيام المقارنات الأدبية بين الأمم  المختلفة .

 

بقلم: د. يسري عبد الغني

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم