صحيفة المثقف

محمود محمد علي: عبد الرحيم كمال.. شيخ عرب الدراما وسيناريست الإبداع الصوفي

محمود محمد علي"عبد الرحيم كمال "هو واحد من أميز كتاب الدراما المصرية، الذي وصل في السنين الاخيرة بعد أن حجز لنفسه مكاناً بارزاً بين كبار كُتاب الدراما الكبار من أمثال "محمد جلال عبد القوى" و"أسامة أنور عكاشة"، و"مجدى أبو عميرة " وغيرهم، وصار اسمه علي "التترات" علامة جودة للعمل، فهو سينارست مبدع نجح في أن يصوّر ما بداخله من أفكار، أو أحداث، أو أخبار يختزنها، لينقلها إلى الآخر في صورٍ تختزن الكلام وتعيد ترتيبه، وفرزه من جديد حسب وعائه المعرفي ومخزونه الخاص.

وهو متصوف في حب كل ما هو موصول بالقلب.. شخصياته تنطق أشعاراً بالعامية، فيُحوّل الأدب العالمي قصصاً شعبية، ويقتبس من التاريخ ما يحلو له ليشارك به الناس أحلامهم وأمنياتهم.. وأفكاره أيضاً.. فكانت لغته الرصينة الراقية مفتاح الوصول الأسهل إلى تثبيت اسمه فى عالم كُتاب السيناريو خلال السنوات الأخيرة.

بل يمكننا القول بأن "عبد الرحيم كمال " بأنه "شيخ عرب" الدراما، وصانع " ونوس" بألاعيبه، وصاحب الكنز الذي تحمل أعماله كل الدهشة، بعد أن أبداع رحايا لم ترحمه، لكنه أخرجت أفكاره ناضجة حتي بانت اللمحة الصوفية واضحة في مسلسله الشهير " الخواجة عبد القادر".

إنه السيناريست والقاص والروائي الكبير "عبد الرحيم كمال" والذي جاء من صعيد مصر ليلمع اسمه في قلب سماء العاصمة بأعمال أثرت الفن المصري الحديث، بدأها بمسلسل "الرحايا" مروراص بمسلسل "أهو ده اللى صار"، ومنتهياُ بمسلسل " من القاهرة إلي كابول"

عشرات الأعمال ورحلته فى الصعود لا تنطفئ فى قلوب متابعيه، وهو أيضا صاحب رائعة الخواجة عبدالقادر.. يشوقنا إلى عمله الخامس "نجيب زاهى زركش" فى 2021 مع شريك نجاحه الأكبر يحيى الفخراني.. غير أن إبداعه لم يتوقف يوماً عند الدراما والسينما.. إنما يفعل كل ما يقوم به القلم من تأثير.. يكتب المقالات، والروايات والشعر والقصص والأغنيات أيضا.. فلم يكن غريبا أن يفاجئنا فى العام الجديد 2021 بنص مسرحي غنائي ضخم.. كاتب يروض أفكاره في كل أشكال الكلمة الممكنة... ولا عجب أيضا أن يظل عبد الرحيم كمال فى قوائم الأكثر تأثيرا من بين من كتبوا السيناريو لهذا العام فكان هذا الحوار بناء على اختيار محبيه.

و"عبدالرحيم كمال" من مواليد 30 أكتوبر عام 1971، حيث ولد بالعيساوية شرق ـ محافظة سوهاج، ثم انتقل والده إلي القاهرة، حيث عاش عبد الرحيم مع أسرته طفلاً في حي شبرا بالقاهرة ليلتحق بالصف الأول الابتدائي، ثم رجع ليستكمل دراسته بالمدرسة الثانوية العسكرية في سوهاج حتي عاد إلي القاهرة عام 1977م ليكمل دراسته في كلية التجارة الخارجية، ثم حصل علي المعهد العالي للسينما- قسم السيناريو عام 2000.

بدأ "عبد الرحيم كمال" حياته الأدبية من قسم السيناريو بالمعهد العالي للسينما متجها بعدها صوب الأدب برواية مجموعتين قصصيتين ورواية، وقد تم نشر بعض الروايات التي ألفها؛ منها (رحلة إلى الدنمارك وبلاد أخرى)، ثم غير بعدها وجهته إلي السينما والدراما في رحلة كبيرة لم يثنيه عنها شئ ؛ وقد تمكن "عبد الرحيم كمال" من إجادة كتابة الأعمال التي تصف الأجواء في الصعيد المصري لطبيعة مكان محل ميلاده بسوهاج.

فاجأ "عبد الرحيم كمال" جمهوره بإصدار أربع كتب جديدة منها : "صاحب الوردة"، وهو عبارة عن مسرحية تطرح معالجة جديدة لشخصية الحلاج المتصوف الشهير. والثاني هو "ظل ممدود"، وهو كتاب في الحكي الصوفي، وكتاب "منطق الظل" وهو كتاب يكمل فيه الكاتب رحلته الصوفية مع الظل مازجا بين سيرته الشخصية وتجربته. وأخيرًا هذه الكتب عبارة عن مجموعة قصصية بعنوان " قصص بحجم القلب".

أما بالنسبة لرواية "بواب الحانة" فنجدها تحمل لمحات صوفية عالية، فنبذة عن الرواية : قال عبد الرحيم كمال: عام كامل هو الأجمل في أعوام العمر. شربت خمرًا يكفي لإرواء فيل، ولم يتطرق الندم إلى قلبي ولو للحظة، يبدو أن القلب فسد.. عام كامل يا مولانا أشرب يوميًا بتلذذ واستمتاع، وأجالس السكارى، أشعر أنهم إخواني، بل أقرب.. يحدثونني عن أطفالهم وزوجاتهم وأموالهم وأحزانهم، وأحلام ضاعت وأحلام قد تأتي، ويبكون ويضحكون بصدق وأنا أحدثهم عن "الطريق والبلاء" وعن "الشيخ والمريد" وأذكر أشعارًا لابن الفارض والحلاج وسيدي محيي الدين، ومقاطع كاملة من "إحياء علوم الدين" ومن "الرسالة القشيرية"، ويستمعون لي في صبر وأدب وعدم فهم. كنت في الشهور الأولى أفيق مع صوت الأذان، وأخرج من الحانة للمسجد وأصلي وأعود، ولكن حينما أحببت الخمر وذقت المذاق لم أتركها. عام كامل يا مولاي حتى رأيتك في حلم الأمس تنادي عليّ وأنا أهرب منك، من أجل أن أمضمض فمي من طعم الخمر ورائحته. هل فسد القلب؟.

تعاون "عبدالرحيم كمال" مع كبار النجوم منذ بداية مشواره مثل : نور الشريف في مسلسل الرحايا، ويحي الفخراني في مسلسلي: (" شيخ العرب همام، و"دهشة")، واستطاع أن يدمج الأدب الكلاسيكي في اجواء الصعيد من خلال رائعة شكسبير الملك لير عبوراً إلي مسلسل دهشة، كما وضع بصمته علي أعمال حازت باهتمام النقاد وتصفيق الجمهور.

ودراما "عبدالرحيم كمال" كما تقول الأستاذة "أميرة همذاني" في مقالها الرائع بعنوان :" دراما عبدالرحيم كمال ما بين الصوفية والشخصيات الواقعية"، تقوم على ثلاث عوامل بشكل رئيسي:

1-الجانب الصوفي: وهذا موجود في كل أعمال "عبدالرحيم كمال" تقريباً من بداياته في فيلم "علي جنب يا اسطى"، ومعه في كل مسلسلاته، حتى ولو بمشهد واحد، وبإمكاننا معرفة أن العمل من كتابته، لما تحس روحه في المشاهد الصوفية تحديداً.

2-شخصيات حقيقية: كثير من دراما عبدالرحيم كمال مبنية علي أحداث حقيقية؛ مثل "شيخ العرب همام"، و "الخواجة عبدالقادر"، و" ونوس "، ودهشة"، وغيرهم، فهو يبني أحداثه علي عصب حقيقي وببدع بعدها خياله في تكوين فلسفة كل عمل فيهم وأحداثه والشخصيات التي يضيفها.

3-الصعيد: لأنه في الأصل صعيدي، فتقريباَ لا يوجد عمل له في الدراما تحديداَ يخلواَ من الصعيد، ولا يذهب لدراما الصعيد الكليشيه عن "الثأر"، و"تجار المخدرات" .. إلخ، بل يذهب لصعيد حقيقي بحواديت جديدة غير تقليدية، بالإضافة إلي أنه في كل عمل صعيدي له، يضيف مصطلحات صعيدية جديدة علي الدراما، وعلي اسماعنا كمشاهدين.

هذه العوامل الثلاثة كما تقول "أميرة همذاني" هم من كونوا كينونته ككاتب صنع من خلالهم تحف وعلامات للدراما المصرية، مثل " الرحايا، شيخ العرب همام، الخواجة عبدالقادر، دهشة، ونوس، يونس ولد فضة و أهو ده اللي صار".

وقد قال "عبد الرحيم كمال": "علاقتي ككاتب بالزمن علاقة قديمة ومركبة لأن التاريخ دائما يعيد نفسه من ماضي وحاضر ومستقبل لأنه امتداد للتجربة، واعتمدت تجربة الفيلم علي التنوع، واختلاف الزمن بالاشتراك مع شريف عرفة من خلال اختيار الورق والتركيز علي المناطق التاريخية المميزة".

وقال "عبد الرحيم كمال"، عن سبب ندرة ظهوره أنها طبيعة المهنة كون الكاتب دائما خلف الكاميرا، وأضاف عبد الرحيم كمال خلال استضافته في برنامج "معكم" الذى تقدمه الإعلامية منى الشاذلى ويذاع على قناة CBC، أن الكثيرين "يظنون أننى كبير فى السن" موضحاً السبب: “من حظى أن بدايتي كانت مع نجوم كبار ففى مسلسل "الرحايا" كان عمرى حينها 36 عاما وفى "شيخ العرف همام" كنت حينها 38 عاما، وهذه الأعمال قد استغرقت منى ما يقرب من عشر أو خمسة عشر عاماً".

وعلى الجانب الآخر، كان قد عرض "عبد الرحيم كمال": في رمضان الماضي مسلسلين رائعين من تأليفه أولهما بعنوان "القاهرة كابول" مع المخرج حسام علي والنجوم طارق لطفي وخالد الصاوي وفتحي عبد الوهاب وحنان مطاوع. والعمل الثاني "نجيب زاهي زركش" مع النجم يحيى الفخراني والمخرج شادي الفخراني.

وقال "عبد الرحيم كمال"، مسلسل القاهرة كابول يعبر عن هوية الطيبة والوسطية التي كل ما نبحث نجدها في مصر، فمصر تعبر عن الوسطية وشعبها طيب، بينما الإرهاب والتطرف فهذه أشياء استثنائية وشيطانية وهجين في المجتمع المصري؛ وأضاف السيناريست عبدالرحيم كمال، خلال برنامج كلمة أخيرة، المذاع على قناة on، الذى تقدمه الإعلامية "لميس الحديدى"، أن مسلسل القاهرة كابول ناقش كيف يتم تحويل الشخص لإرهابى ولكن بعقل وهدوء بدون عصبية والتأكيد على أن مصر أكبر واكرم من هذا.

وتابع "عبد الرحيم كمال": أتمنى أن هذه الفكرة تصل للجمهور، والتأكيد على أن الأنبياء حذروا من الإرهابيين، وأن هؤلاء أبعد ما يكون للدين، متابعا: الإرهابي "رمزي" ملمح يجمع كل الشخصيات الإرهابية التى رأيناها في التاريخ خاصة أن الارهاب متشابك .

وفي نهاية حديثنا عن السيناريست "عبدالرحيم كمال" لا أملك إلا أن أقول تحية طيبة لهذا السيناريست المبدع، والذي جعل مهمته تحويل الأفكار والأقوال التي ينطق بها إلي أفعال وحركات درامية معاشة، بحيث تجسّد أمام الكاميرا، أو تحويل ما هو أدبي إلى ما هو بصري.. فتحيةً طيبة لهذا الرجل السيناريست العظيم الذي نجح في أن يفرق بين نوعين من السيناريو:، الأول هو السيناريو الذي يحول الأعمال الأدبية العظيمة إلى السينما، أو التلفزيون، أو الإذاعة، والثاني هو السيناريو المشغول من أصله للمرئي أو المسموع ؛ وفي كلاهما نجح "عبد الرحيم كمال" نجاح بارع في أن يفدم لنا خلطة وصفية تفصيلية مكتوبة في تسلسل جامع بين الصورة والصوت، تُقدم إلى المخرج الذي يحولها إلى واقع مرئي سمعي.

 

أ.د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم