صحيفة المثقف

عبير خالد يحيي: الشعر الحر وتمثّلات الدعوة لأغراض شعرية جديدة

عبير خالد يحيىدراسة ذرائعية مستقطعة في قصائد للشاعر العراقي وليد جاسم الزبيدي من ديوان مرايا الورد

مقدمة: مما لا شكّ فيه إطلاقًا أن هناك علاقة وثيقة ومحكمة بحتمية التأثير والتأثّر بين الفنون جميعها بالعموم، ومنها الأدب بالخصوص، وبين المجتمع، فالتطوّر الذي يشهده أي مجتمع، وعلى أي مستوى كان، اجتماعيًّا أم سياسيًّا أم اقتصاديًّا أو ثقافيًّا، يرتكس له الأدب، ويتطوّع ليكون أداةً ومؤشّرًا ومقياسًا يقيس هذا تطوّر، وبالأخصّ التطوّر الاجتماعي الذي تدفعه عجلة الحداثة ليحتلّ صدارة المشهد الحضاري والثقافي في أي مجتمع. لقد كان الشعر العربي سيد الأدب، وأول من وعى هذه الحقيقة، ولو بالفطرة بدايةً، تحت ذريعة أن الأدب انعكاس اجتماعي، فكان الشعر القريض، وكان شعراء القريض ينظمون قصائدَ كالمرايا، تعكس صور مجتمعهم وحياتهم الاجتماعية كما هي، فتأتي قصائدهم مباشرة، تشرح المحيط الاجتماعي والبيئة الطبيعية والقضايا المحدودة شرحًا مباشرًا بعيدًا عن الترميز والعمق، فقط منزاحة نحو الجمال، بأغراض شعرية معدودة، لاتتجاوز الذمّ والمدح والغزل والفخر والرثاء.

لقد شهد القرن العشرين تطوّرًا اجتماعيًّا كبيرًا على المستوى الكوني، ولم يكن المجتمع العربي بمنأى عن هذا المدّ الحضاري ولا عن هذا التطوّر الاجتماعي، الذي تعقّد فيه المجتمع تحت ضغط التطوّر العلمي والثقافي والتكنولوجي في جميع ساحات الحياة وزواياها العلمية والاجتماعية والأدبية وغيرها، وهذا التطور بدوره خلق محيطات وبيئات مختلفة لا تمتّ بصلة للبيئة التاريخية التي سبقت، بمعنى أن كل حقبة من الزمن لها بيئة أدبية ومحيط أدبي جديد، لذلك يقف الأدب مرآة عاكسة للبيئة الآنية مثلما كان للبيئات السابقة، مستجيبًا لضرورات الدعوة إلى مواكبة التطوّر الاجتماعي من جهة، ومتأثّرًا بمحمولات الذراع الثقافي لأخطبوط الحداثة الغربية من جهة أخرى، ما دفع الكثير من الشعراء العرب المعاصرين للدعوة الملحّة إلى حرية الشعر، وانعتاقه من كل ما يمكن أن يقيّد مضامينه، سواء كانت الأوزان الشعرية أم الأغراض الشعرية المعتادة، ليكون الشعر حرًّا، كفوءًا وجديرًا بمهمّة نقد المجتمع، فتقتضي حرية الشعر  الالتصاق بقضايا المجتمع طبقًا لتطور البوصلة الاجتماعية واتجاهها نحو الأدب كبديل للصحافة التي تركت موقعها كسلطة رابعة ساندة للمجتمع، فتقدّم الأدب خطوة للأمام لاحتلال موقعه في الريادة، ليكون عرّابًا للمجتمع، وهذه المكانة تفتح للأدب أبوابًا تفرض ظهور أغراضٍ جديدة تمكّنه من القيام بمهام تلك العرابة، وهذه الأغراض تتنوّع بتنوّع قضايا المجتمع المتعلقة بالتطوّر والعصرنة الآنية في جميع جوانبه السلبية والإيجابية، ولو ضربنا مثلًا عمّا قلنا، سنجد الشاعر العراقي جميل صدقي الزهاوي،وهو شاعر يكتب القريض، يدعو لأن يكون في الشعر غرض اجتماعي حر، هدفه متابعة إرهاصات المجتمع، في قصيدة شهيرة له يتناول موضوع حجاب المرأة، بحريّة الرأي الفكري والفلسفي الخاص به يدعو المرأة العراقية إلى نزع الحجاب، بأسلوب راديكالي:

مزّقي يا ابنة العراق الحجابا    واسفري فالحياة تبغي انقلابا

مزقيه أو احرقيه بلا ريب        فقد كان حارسًا كذّابا

ما الغرض الشعري في هذه القصيدة؟

هل هو المدح؟ لا،

هل هو هجاء؟ لا،

هل هو رثاء؟ لا

غزل؟ لا ....

فهو ليس غرضًا من الأغراض التقليدية، هو غرض اجتماعي، دعوة لنقد اجتماعي، بغض النظر عن كون الدعوة سلبية. لأننا سنجد شعراء آخرين يستجيبون لنفس الدعوة ولكن بفكر أعمق، يتجاوز شكل الظاهرة الاجتماعية، متبصّرًا في أعماقها، ومحلّلًا تداعياتها، وهذا ما فعله الشاعر المصري حافظ ابراهيم في قصيدته المشهورة (الأم مدرسة) حيث تناول نفس الموضوع، حجاب المرأة،لكنه تناوله بالعمق، حجب المرأة عن العلم، وعن كل ما يصعد بها فكريًّا واجتماعيًّا وأخلاقيًّا، فجاءت دعوته متعقّلة، متطورة ورزينة، يقول:

الأم مدرسة إذا أعددتها    أعددت شعبًا طيب الأعراق

أنا لا أقول دعوا النساء سوافرا    بين الرجال يجلن في الأسواق

فإذًا، نستطيع أن نقول: إن شعراء القريض، ومع تطوّر المجتمع، كانوا أول من أحسّ بضيق الأغراض الشعرية التقليدية، فانبثق من هذا الضيق بوادر شعر جديد، بأغراض جديدة، وهذا المفهوم لحرية الشعر أيضًا، بعد أن انعكس بشكل متعلّق بالمضمون، ينعكس أيضًا بآخر، بالشكل الشعري، وبما أن النص الأدبي هو سباق بين الشكل والمضمون، نرى هذا السباق يستمر في بوتقة التطور الإنساني، لذلك ما عادت القافية ملزمة للشاعر، فقد خرج عنها نحو التفعيلة، ثمّ نحو الحرية الكاملة تحت ضغط المضمون على الشكل، فتنوّع الشعر الحر طبقًا لدرجة الحرية الماثلة فيه وبشكل نسبي: (قريض /قافية) مقيدة، (وسيط- تفعيلة/ موسيقى تفعيلة) حرية نسبية، (نثر /موسيقى داخلية) حرية كاملة.

في المجلد الثاني من الموسوعة الذرائعية، الموسوم ب / الذرائعية وسيادة الأجناس الأدبية / يميز المؤلف المنظّر الأستاذ عبد الرزاق عودة الغالبي في الشعر الحر المعاصر ثلاثة أنواع: الشعر الوسيط – شعر التفعيلة – وقصيدة النثر . يقول:

"الشعر الوسيط [1]: الشعر الحر هو تأثير غربي دخل الأدب العربي بدافع إذلال قصيدة القريض ومحوها من ذهن الإنسان العربي، وذلك محال، حيث جاء الرد عكسيًّا من شعرائنا حين نحتوا منه الشعر (الوسيط) بموسيقى خليلية، وتعبير غربي مليء بالانزياح نحو الخيال والرمز، فكان لونًا حداثيًّا جميلًا انبثق من سيّدته قصيدة القريض بشكل جميل ومبهر، وحلقة وصل بين القريض والحر المستورد، وتلك حركة عبقرية نابعة من الانزلاق الحيادي للرفض المجتمعي لساكني ذلك الزمن الجميل (منتصف القرن العشرين) الذي يتمسّك بالموروث ولا يرضى بديلًا عنه، ومن هؤلاء الشعراء شاكر السياب ونازك الملائكة، فكانوا عندها مختبئين تحت جلباب الحذر والخجل من أنهم أدخلوا شيئًا غريبًا للخيمة العربية المترعة بشموخ فراهيدي، لذلك جاءت أوزان قصائدهم (وسيطة) تميل نحو الأوزان الخليلية بتحفّظ شديد من تطبيق الحرية الكاملة والاتجاه المستعجل نحو التفعيلة بشكل كامل .... "

لقد أطلقت الذرائعية مصطلح (الشعر الوسيط السيابي) على الشعر الذي يركب موجة الشعر السيابي الذي يجمع بين موسيقى التفعيلة والمضامين المتعددة. وخروجه عن الأغراض الشعرية السلبية من مدح وهجاء وذم، وكسب مفهومًا ذرائعيًّا حين دخل المذاهب والمدارس الأدبية.

هذا النوع من الشعر الحر (الوسيط) والذي ساهم بتقريب الحرية للشعر القريض الذي استفاد منه كثيرًا فصار يلاحق المعنى بدرجة ملاحقته للموسيقى الخليلية وأكثر، والاستفادة الكبرى كانت بخروج الشعر القريض عن الأغراض الشعرية السلبية، وقبوله الانزياحات نحو الرمز والخيال، فصار عميقًا بعد هجره المباشرة التكوينية، مع بقائه متمسّكًا بالوزن والقافية.

في هذا النوع من الشعر، الوسيط السيابي، والتفعيلة، بالإضافة إلى قصيدة النثر كاملة الحرية، كتب الشاعر وليد جاسم الزبيدي ديوانه (مرايا الورد) الذي سنتناول بعض قصائده بالدراسة الذرائعية.

السيرة الأدبية للشاعر:

الاسم/ وليد جاسم الزبيدي، التولد/ العراق- بابل/ 1956م.

عضو اتحاد الأدباء والكتّاب في العراق. / عضو رابطة الأدباء العرب/ عضو اتحاد المؤرخين العرب/ عضو رابطة المبدعين العراقيين/ عضو رابطة الأكاديميين العراقيين/ عضو الاتحاد الدولي للشعراء والأدباء

- خريج الجامعة المستنصرية/ كلية الإدارة والاقتصاد للعام الدراسي 1976/ 1977م.

بكالوريوس لغة عربية –جامعة بابل/ كلية التربية-قسم اللغة العربية للعام الدراسي 1999/ 2000م.

ماجستير تحقيق مخطوطات عربية/ جامعة الدول العربية/ معهد التاريخ العربي- للعام الدراسي 2005/2006م.

دكتوراه تراث فكري –جامعة الدول العربية/ معهد التاريخ العربي – للعام الدراسي 2008/2009م.

التخصص الدقيق: أدب عباسي.

الإصدارات:

ديوان خرافة المرايا- مكتبة الأدباء/ بابل سنة 1995م.

ديوان حصى الانتظار- مكتبة الأدباء/ بابل 1998م.

كتاب جمهرة الإسلام ذات النثر والنظام/ دراسة وتحقيق مخطوطة- دار الضياء للطباعة- النجف الأشرف سنة 2010م.

كتاب (ذاكرة المكان) دراسة اجتماعية، دار الضياء- النجف الأشرف سنة 2010م.

ديوان محارتي/ دار كنوز المعرفة/ الأردن سنة 2011م.

كتاب نقدي (أوراق ورأي)- دار كنوز المعرفة / الأردن 2012م.

كتاب (محمد مهدي البصير مؤرخًا) دار تموز-دمشق سنة 2013م.

ديوان (تغريدات نخلة)- المركز الثقافي بابل- القاهرة سنة 2014م.

كتاب نقدي (فانتازيا النص في كتابات وفاء عبد الرزاق)، تقديم: د. علي حسين عبد المجيد الزبيدي، دار العارف- بيروت سنة 2015م.

كتاب (كمامة الزهر وفريدة الدهر) – دراسة وتحقيق مخطوطة/ دار الميزان – النجف الأشرف/ سنة 2015م.

ديوان (أيقونات على مكتب الذاكرة) –عن المركز الثقافي بابل-دمشق- القاهرة سنة 2017م.

ديوان (مرايا الورد) –مؤسسة نجيب محفوظ- القاهرة / سنة 2017م.

دراسة نقدية (الظاهرة الأدونيسية بين الأصالة وآفاق الحداثة- دراسة في كتاب ديوان الشعر العربي-) دار السكرية/ القاهرة /2018م.

ديوان (أناشيد الرّائي)- دار السكرية/ القاهرة، 2019.

ديوان الظلّ ضوءاً- دار الفرات للثقافة والاعلام – العراق- 2020م.

كتاب نقدي(مرايا وأقنعة في السرد –في كتابات د.فاتحة مرشيد)- دار مقاربات- فاس/ المغرب/ 2020م.

كتب تحت الطبع:

-كتاب غزل المحبين، للشيخ مرعي المقدسي (ت1033هـ)، دراسة وتحقيق.

-كتاب الشراكسة ، للشيخ مرعي المقدسي، دراسة وتحقيق.

مستويات الدراسة الذرائعية

أولًا- المستوى البصري اللساني والجمالي:

المدخل اللساني:

نبدأ بدراسة الدلالات اللغوية التي يطرحها الشاعر في الديوان، لنقف على ثيمة كل قصيدة، وبعدها نحدّد ثيمة الشاعر واستراتيجيته وبؤرته الفكرية.

اخترت من الديوان عشر قصائد:

القصيدة الأولى:  بعنوان "اش زهرون " .

بالبداية سنتفق على حقيقة يقرّها النقّاد باختلاف مناهجهم، وبالأخص المنهج الذرائعي، وهي: إن العنوان هو الدلالة الأولى التي تعطينا بؤرة النص أو ثيمة القصيدة، فإذا أُدغِم العنوان يستقصي الناقد الثيمة في متن القصيدة نفسها، وهذا ما يفعله الشعراء الرمزيون، يقفلون العنوان فيكون (رمزًا مقفلًا) فتُقفَل الثيمة، ويصبح العنوان تجريدي Abstract مثل الفن التجريدي في الرسم تمامًا، حيث يقوم الفنان بتجريد اللوحة من الشكل الصُّوَري، ويعوّض فيها عن الشكل باللون فقط، فتُحلَّل اللوحة انطباعيًّا (المدرسة الانطباعية لقراءة وتحليل الفن التجريدي)، أي وفق نظرية الفن  للفن، وحين امتزج الأدب مع الفن بدأ الأدب يُقرَأ انطباعيًّا، أي وفق نظرية الأدب للأدب، والتي يُكتَب فيها الأدب بلغة أدبية غير خاضعة لشكل، يُكتَب فيها النص بالأسلوب الرمزي المقفل.

بالعودة إلى قصيدة " اش زهرون":

اش: لفظة سومرية تعني فعل أمر (اسكت)، وهي تدل على تكميم الأفواه.

زهرون: " هو زهرون الملا خضر بن بدران بن قارجار ال زهرون عمارة، والملقب ب (زهرون عمارة) صائغ فضة عراقي ولد في محافظة العمارة من الديانة الصابئة المندائية، عرفه تقريبًا كل أشراف وملوك العالم "[2]

" اش زهرون" عنوان أعطى البؤرة، أو ثيمة القصيدة، فاقتران توجيه الأمر بالسكوت لشخصية عراقية ممثّلة بشخصية علَم مشهورة يحيلنا إلى ثيمة سياسية. وهي ثيمة سنجدها مستمرة بدلالات كثيرة على امتداد هذه القصيدة السيابية الوسيطة، وسأشير إلى بعض تلك الدلالات بخط، حيث يبدأ الشاعر قصيدته بشعارات ثورة، تُطلِقُ لسانَ الشعب من عقال الخرس، وتقتلع خوفه من جور السلطان وسوط السجان:

إش .. إش

لا إش بعد اليوم

فالأخرس نطقْ

والخوف مزّق أغلاله

والصوت فِرَق

إيه .. زهرون ..!

تتفيأ بستان السلطان

والبستان ظلال ال (إش)

و(إش) سوط السجان

ويعرّج الشاعر على كل دروب وعيوب المجتمع، فينقد السياسة الاقتصادية والفساد الاقتصادي نتيجة سوء تطبيق النظام الاشتراكي من قبل الحزب الحاكم، بأسلوب الكوميديا السوداء، باستدعاء أرباب الاشتراكية (الروسي كارل ماركس- والألماني فريدريك إنجلز)، وما يمكن أن يفعلوه وهم يشاهدون نِتاج اشتراكيتهم في العراق، وكيف انعكست على حال الوطن والمواطن، فقرًا وتجويعًا وحربًا أهلية وتهجيرًا وتشريدًا:

لو .. (ماركس) يأتينا اليوم

لأخفى " رأس المال "

بجوارب " أنجلز "

لاستحيا خجلًا من هذا العصر

من التنظير

فلا تنظير، ولا تطهير، ولا تحريرْ

فالسوقُ اختلفتْ

والسَوقةُ والأرباب

إيه .. زهرون ..!

اختلفت فيك نظرياتُ:

الموت، والحرب الأهلية،والجوع

ورصيفٍ كان لك مسكن

تلغيه البلديةُ من خارطة التصميم

فأنت المتجاوزُ على حقوق

الأمم المتحدة

وحقوق الحيوان

في عولمة صارت هجرة

يلفظُنا الوطنُ فننزح

وبنفس الكوميديا السوداء، ينتقد الشخصية العراقية التي ما نمّا فيها الظلم الاجتماعي إلّا الممالأة والنفاق الثقافي، وركوب الموجة العريضة، وامتطاء الفكرة الرائجة، تُهلل، على السواء، لزعماء الاشتراكية السوفييتية والرأسمالية الأمريكية، وكلتاهما اغتصبت أمنها ومالها وكرامتها، وكأن هذه الشخصية مصابة نفسيًّا بـ(متلازمة ستكهولم)[3]، شخصية مزدوجة المعايير، تتقلّب بين الخير والشر،تارة تكورة شخصية ملائكية خيّرة، تناصر الفقراء، والأطفال واليتامى، مخلّفات الحروب ومخيمات اللجوء (أنجلينا جولي)، وتارة أخرى تكون شخصية شيطانية فاجرة ك (راسبوتين)، شخصية مهلّلة، مبهورة بكل القادة الكونيين (بوتين- ستالين- كاسترو – ترامب).

زهرون العراقي، وقد انطوى فيه كل الأعلام المذكورين من كلا المعسكرَين الكونييَن المتنافرَين.

إيه .. زهرون..!

كنتُ أظنك تبقى أبيضَ

لا تتقلبْ

تكدحُ.. تتعبْ

لكني .. قرأتُكَ في صحفِ

" بوتينيًا" قُح

أكثر من " بوتين"

تحتسي " الفودكا " مع صورة " ستالين"

وتدخنُ سيكار " كاسترو"

وتأخذ " سيلفي"

مع " أنجلينا جولي"

وتضاهي خسة " راسبوتين"

في فصلٍ آخر

تتبدلُ أوراقَك، تصوّت، وتهلّل

تصدح بلون " ترامب"

" ترامبيٌ" أنتَ ومسكين

مسحورٌ ببرهجة التكوين .

 

القصيدة الثانية: بعنوان " اشتغال"

المعنى القاموسي ل " اشتغال": عَمَل، حركة، سَير

وهو عنوان مُدغم ومُبهم، لا يكشف ثيمة القصيدة، التي وجب علينا استقصاؤها في القصيدة نفسها، عن طريق تقنية الاستنتاج الدلالي: ونعني بها الغوص لمعرفة ما لم يُعرَف .

ونبدأ باستخراج دلالات ملقاة في القصيدة، أشير تحتها بخط:

قد تساعدكِ: الغيرةُ

في حرق أوراق العتب

أو تؤشّري

في بعض الكتب

عباراتٍ للعشقِ، والحبِ

من واضح من الدلالات (الغيرة_ العتب- العشق – الحب- وياء المخاطب المؤنثة) أن القصيدة خطاب عتاب رومانسي بين الشاعر وحبيبة، فالثيمة رومانسية.

وعلينا أن نجد العلاقة الإجرائية بين العنوان و الثيمة، وإلّا كانت القصيدة ساقطة فنيًا.

يتابع الشاعر إلقاء الاحتمالات،(قد تساعدك) مع وسائل المساعدة:

قد تساعدُك: الأسئلةُ

التي صيرتْ عيونَكِ نوافذَ

مكسرةَ الزجاج، مخلوعة الستارة

في الدخول إلى صندوق أسراري ..

أو العبث بأقداري ..

الأسئلة هي حقل الحيرة والشك، والنوافذ مكسرة الزجاج ومخلوعة الستارة هي حقل الهجر والإهمال الطويل، وصندوق الأسرار هو حقل النفس والباطن، والعبث بالأقدار هو حقل الفوضى والكفر والتألّي على الخالق، فحينما تتساءل الحبيبة بعيونها المهجورة المهملة الخربة عن أسباب منعها من الدخول إلى عالم حبيبها الداخلي، تفقد مكانتها ودورها في تشكيل مصيره، فنحن هنا في حقل الهجر .

يستمر الشاعر بنفس الاستراتيجية طرح دلالاته الرمزية، بطريقة الاحتمالات وأدواتها، ليتلقّفها المتلقي لاستكمال العملية الإجرائية:

قد يحيلُكِ: الشكُ آلهةً

تنفخُ غضبها ريحًا

تقتلع سفنَ الحنين

أشرعةَ الدموع

نحو ليالٍ، أولها نسيان ..

وآخرُها: قبلةُ وداع..!!؟

من الدلالات (قد- الشك – آلهة – غضبها ريحًا – سفن الحنين – الدموع- النسيان – الوداع) نحن في حقل الغضب المثار بعواصف الشك، يقصم ظهر الحنين والحزن، ليمضي نحو النسيان وذكرى الوداع.

إن الإحاطة بحقول الدلالات، التي ينبت فيها ما لا يحصى من المدلولات التأويلية، والتي تؤطّرها الذرائعية ضمن نطاق المفهوم، تجعانا ننهي استنتاجاتنا الدلالية التأويلية للوقوف على الثيمة الداخلية للقصيدة، والتي تحوي استراتيجية الشاعر وبراعته الشعرية، ونثبت الغرض في هذه القصيدة على (الرومانسية)، ونستأنف الربط بينها والعنوان " اشتغال"، هذا العنوان يحيل إلى الاحتمالات الإجرائية التي طرحها الشاعر عبر قصيدته منذ الاستهلال إلى قعر القصيدة، والتي حوت كل الدلالات، لبلوغ الثيمة، وبمطابقة المعنى القاموسي للعنوان مع مفهوم الدلالات نجد أن " اشتغال" هو السير والحركة باتجاه الهجر والفراق. بهذه العلاقة الإجرائية بين العنوان والثيمة (غرض رومانسي بثيمة الهجر) استطاع الشاعر ببراعة أن يحولَ دون انهيار القصيدة المحقّق بذريعة انفصال العنوان (المُقفَل)عن الثيمة، هذه العلاقة الإجرائية لو لم تتحقّق لكان الشاعر كمن بنى بيتًا (قصيدة)، ثم وضع بابه الرئيسي (العنوان) عند جاره.

القصيدة الثالثة: بعنوان " الكائن: جلجارا..!"

ثيمة (الأسطورة) واضحة من العنوان، والقصيدة مليئة بالرموز الأسطورية التي وظّفها الشاعر في خدمة قصيدته التي ربط فيها بين أساطير الماضي وأحداث الحاضر، وقارن بين الرموز المتمرّدة الأسطورية (قيثارة سومر- أسد بابل- ثور آشور) وبين الرموز الفكرية الثورية المعاصرة المنادية بالحرية والسلام (حمامات بيكاسو – حصان جودت سليم)، ومزج بين جلجامش المتمرّد الذي بحث عن الخلود،وجيفارا الثائر الماركسي الكوبي الذي بحث عن الحرية، فكان الكائن جلجارا، ولادة رمز (ثوري وطني) أبواه الأسطورة والمعاصرة، وطنه عربي حرّ بلا حدود، غرض وطني بثيمة الأسطورة:

نصفه جلجامش ...

الذي اعتصر في خمّارته

جنون قيثارة (سومر)

نشوة أسدِ (بابل)

عربدة ثور (آشور)

رحلته صوب غابات (خمبايا)

نصفه جلجامش...

الذى رأى نصفه الأسفل

وبلاد الله السفلى ..

ونصفه الآخر: جيفارا ...!

فكرُه: موقدُ ثورة..

كتابٌ يعتقُ نظريات

الديالكتيك .. والميتافيزيك..

نصفه الآخر: جيفارا ...!

حيث الوطنُ، الأملُ

لا تحبسه حدود

يرسم على جدران السجون

حماماتِ بيكاسو،

حصانَ جواد سليم[4]

القصيدة الرابعة: بعنوان " المتجرّدة"

العنوان كدلالة يحيل إلى الثيمة (الصوفية)، النفس الإنسانية عندما تتجرّد من ذواتها باتجاه فضاءات نور الله، يدعم ذلك الدلالات الصوفية التي حوتها القصيدة، غرض وجداني بالثيمة الصوفية:

ما بين ضغينة وبغضاء..

ما بين محبة ووفاء ..

تجردتِ الأسماء..

لتشكلَ دلالات في سماواتٍ

وفضاء..

التوبة ثوب التوت

تداعبه نسمات الخطيئة

وبين مسرةٍ ومسلةٍ

ونبوءة،

القصيدة الخامسة: بعنوان " توكي"

الثيمة واضحة طبعًا من العنوان، لعبة التوكي تحيل إلى ثيمة الطفولة، ومع ملاحظة أن هذه اللعبة هي خاصة بالفتيات من عمر السبع سنوات تقريبًا، وبعد قراءة القصيدة سنجد أننا أمام دلالات رومانسية، حب طفولة، إذا ربطنا بين دلالة المعنى ودلالة العنوان، سنجد أن القصيدة تأخذ غرضًا رومانسيًّا بثيمة الطفولة، وهذا وجدته بكثرة في قصائد الديوان، "غرض رومانسي بثيمات مختلفة ":

زُيّن لي أنكِ طفلتُنا

ولسانُكِ ما زال يُتأتأ،

وأصابعُ ترسمُ في الباحةِ

صورَ مربعْ

و(الغميضةُ)، تسري ليلًا

هل تأتين..؟

تختبئُ (الصايةُ) و(الصرمايةُ)

وغواةٌ سُراق يحكونْ..

أحاديثَ لموسى وهارون..

يرمون الحجرَ، يضجّون..

لكراسٍ تهتزّ بلا فكر

كي .. لا.. ينتبه الناطور

القصيدة السادسة: بعنوان " خائن"

ثيمة الخيانة، أيضًا عنوان مكشوف، وهي ثيمة خاصّة خطرة تشير إلى واقع سلوكي سلبي في المجتمع الإنساني، فالغرض من أغراض الشعر الجديدة وهو غرض نقد اجتماعي بثيمة الخيانة،  وجملة حتى أنتَ .. يا .. تحيلنا إلى جملة هاملت الشهيرة (حتى أنتَ .. يا بروتس)، الشاعر وضع نقطتَين تفيدان الاستئناف، وتشيران دلاليًّا إلى فراغ يجب أن يُملأ بالمنادى، لكنه لا يأتي بالمنادى إلا بعد أن يعدّد مثالبه، يطعن بمدية عمياء(العدالة الزائفة والقوانين المجحفة)، والصعق بالكهرباء (طرق التعذيب الوحشية) :

حتى أنتَ .. يا ..

حتى أنتَ ..

تطعنني بمدية عمياء..

بأجهزة لا كاشفة

تغطي الجريمة والمجرمين

وتصعقني بالتي كانت هي الداءْ..

التي اسمها: الكهرباءْ..

ويستمر الشاعر في سرد انتهاكات وغدر وخيانات (أنتَ)، ثم يكشفه، هو الوطن الذي سمح للقادة بانتهاك الرعية:

حتى أنتَ .. يا وطني..؟؟

ستقتلني ..

وتذبحني..

وتدفنني..

بلا كفنِ..

وهل يُغفَر للوطن الخيانة؟ هنا تتحوّل القصيدة لتلبس الثيمة الوطنية، الشاعر لا يتنكّر لوطنه مهما قاسى منه:

وبرغمها .. أصرخُ:

حتى أنتَ يا وطني..؟؟

ستظل أنت وطني ..

وطني..

وطني..!!

القصيدة السابعة: بعنوان دبابيس كلام

العنوان كدلالة يحيل إلى ثيمة (انتقاد) سلبيات المجتمع، هذه القصيدة نثرية، أي أنها قصيدة مضمون، وعصرنا عصر المضمون، لذلك انتصرت فيه القصيدة النثرية، حين تخلّت الصحافة عن دورها في قيادة المجتمع ونقده وتقويم اعوجاجه، عندها تحرّك الأدب ليكون سلطة رابعة، فتعدّدت أغراضه، وتنوّعت حسب حاجة المجتمع في مطاردة الظلم والفساد والسلبيات، والحضّ على الكفاح في الحياة والمجتمع لنصرة الخير في صراعه الأزلي مع الشر:

دبابيسُ الكلامِ تغصّ بها

تختنق بجرح دمعة

تستفيقُ...؟ لا ...، تجفلُ

مع كل صباحٍ يعلنُ نهوضَهُ

يقرعُ أبوابَ من لا قوتَ لهم ..

كي يشطبوا أيامهم

على خشبِ عرباتهم

المنحوتة على ......

صورة نعش..!!!!!

القصيدة الثامنة: بعنوان " كهرمانة"

" كهرمانة" رمز تقني تاريخي عن العصر العباسي، وهي الشخصية المشهورة في حكاية علي بابا، إحدى حكايات " ألف ليلة وليلة" الفتاة البغدادية التي سكبت الزيت الحار في أربعين جرّة كان يختبئ داخلها أربعون حرامي، فثيمة القصيدة المستقاة من دلالة العنوان هي ثيمة رمزية تاريخية، حيث وظّف الشاعر رمز تقني تاريخي ليقارنه برموز حداثية أشير تحتها بخط، الغرض وجداني بثيمة رمزية تاريخية، القصيدة ترصد حالة الغربة المصاحبة للإنسان حينما تداهمه الشيخوخة، فيجد نفسه فجأة يعيش غريبًا، في غير زمنه:

وفتية آمنوا بصداقات ((الفيس بوك))

وما جمعوا من بوكيمونات فراغهم،

بعدما علّقوا أحلامهم على مسامير:

التوتير .. والواتساب

وأنتَ ما تزال تخاطب العالمَ

ب (الصرصور)

وخطوتُكَ سلحفاةٌ عجوز،

وتجاعيدُك رقيمٌ يتكلّمُ

في زمن بابل

وتكاد تكونُ: أنتَ صوتكَ، أغانيكَ، ذكرياتكَ..

متحفًا

يزورُك طلبةُ الآي باد ..

فيتندّرون .. ويقهقهون..

بل يضعون صورتكَ في صفحاتهم

ليحصلوا على أكثر تعليقات

وأنت ما زلتَ تصبّ

في جراركَ الستين

زيتَ حماقاتك

ليكون زمانك:

كهرمانة ...!!!

القصيدة التاسعة: نخلة صيّون أو حكاية يهودية

قدّم الشاعر لهذه القصيدة بمقدمة عن حال عوائل يهودية كانت تسكن مدينته (المحاويل)أربعينات القرن الماضي، القصيدة قصّة قصيرة بطلها(حمزة القناط) ونخلته (صيّون)، وحمزة شخصية محاويلية كان يعمل ساقيًا للنخل على امتداد طريق المحاويل، القصيدة تحمل ثيمة وطنية، نستدل عليها من الدلالات في القصيدة التي تظهر أن الوطن والمواطنة كانت فوق كل الاختلافات العقائدية:

نخلتُهُ ..

ما يزالُ رطبُها

تأكله السيّارةُ

كان السقّاء يصبّ عليها

من عرقِ جبينه

يسمّونهُ:

(حمزة القناط)

نخلتُهُ:

ظلّتْ مثل مسمارِ (جحا)

يغادرُها ..ثم يعودُ

بعد حنين .. واسترخاء .

 

كان الوطن (العراق) أكبرَ من الحلم القومي لليهود، الصدارةُ فيه للأكفّاء الغيورين عليه بغضّ النظر عن دين النشأة، وكان (ساسون حسقيل)[5] أول وزير مالية في العراق في العصر الحديث، هاجر حسقيل، وهاجر حمزة، وبقيت نخلة صيّون حكاية ترويها الأمهات للأطفال:

هناك رحلةٌ أخرى

في محطة القطار

لمهاجرٍ آخرَ

يسمّى:

(حسقيل)

علّمهم: التجارة والحساب،

لكنّ أمّي،

بين رغيف وآخرَ

تقصّ على طفولتي

قصة نخلةٍ

نأكل منها،

تسميّها:

نخلة (صيّون) ..!

القصيدة العاشرة: بعنوان نبوءات أجاثا كريستي

النبوءة دلالة أسطورية، والثيمة الأسطورة يستخدمها الشاعر بكثرة، ولا غرابة في ذلك، فهو من العراق، سحر الشرق، وبلد الأساطير، تحيط به الرموز الأسطورية أينما أدار وجهه، كما تحيط به أهوال الحاضر ومآسيه، لذلك هو مجبر على الإتيان بالماضي ليستطيع أن يقرأ الحاضر، على مبدأ (وبضدّها تُعرف الأشياء)، وهذه القصيدة أنموذجًا حيًّا عن ذلك، إن نحت الأسلاف حضارتهم النيّرة، فإن الخلف الآن يشهدون نبوءات (أجاثا كريستي) المرعبة عن جرائم فظيعة ترتكبها عصابة داعش:

في مربع يفوق أفق الزمان،

يفوق تكعيبة البحر واللون،

ينحت في رمل دجلة

في صخر (النمرود)

تتفتّح رياضٌ بين كفّيه

وقصورٌ تفتحُ أبوابها لمخيّلتها

مع أنفاسه..... تكتبُ

قصصَها

تأريخًا إلى: نينوى ..

تل عفر

تنبّأتْ قبل قرن ....

في قصصها البوليسية

أن (داعش)

ستأتي هنا ذات ظلام ..

لتسبي النساءْ

وتهتكُ الحياءْ

وتحبسُ المطر..!!

المدخل الجمالي:

شاعر متمكّن من أدواته الجماليّة قبل اللّغويّة. فهو بارع في البديع، وبارع في البيان، وبارع في الجمال، و له استراتيجيته الحسّيّة، عندما يكتب الأسطورة يغدو نحّاتًا تارة، فنسمع وقع إزميله على رمل دجلة، وصخرة النمرود، وعازفًا تارة أخرى، يطربنا بأنغامه على قيثارة سومر،

ينحت في رمل دجلة، في صخر (النمرود)، تتفتّح رياضٌ بين كفّيهِ

تستفيق مع طرقِ فأسهِ

حيث يعلنُ الفتحَ لمقامٍ جديد، زقورة .. معبد

قاموسه في علم البديع ثري:

في الطباق:

الأخرس نطق

السوقة والأرباب

ومضة ظلام

شيخ وطفل

قريبًا، غريبًا

وفي الجناس:

فلا تنظير، ولا تطهير، ولا تحرير

التشريع .. التصريع .. التمييع

خلق، قلق

قدسية، تقديس

الصّاية والصرماية

يحكون ويبكون

مسرّة ومسلّة

في الترادف:

في زمن البؤس وخارطة الحرمان

تكدح تتعب

أوّلها: فنجان نسيان .. وآخرها: قبلةُ وداع

نصفه جلجامش، ونصفه الآخر ُ: جيفارا

ضغينة وبغضاء

وأنتِ النارُ حارقةً، وأنتِ الثلج في الكاسِ

متجرّدةٌ من شرّ ما خلق، من وهمٍ ومن قلق

تأتين بياتًا، وتروحين

تسمع قولي .. وتدعم فعلي

بجرم الخيانة وبيع الأمانة

ستقتلني، وتذبحني، وتدفنني

سنونو العشرين، ونوارسُ الأربعين

يتندّرون .. ويقهقهون

يغادرها .. ثم يعود

أما الصور البلاغية: فغزيرة، معظمها استعارات، وكنايات بالإضافة إلى التشابيه:

يلفظنا الوطن

نؤسس أوطانًا لليتم

لأرامل تلتحف الطرقات

تتسوّل .. تجتر نفايات

شوارع يخنقها الطين

قد تساعدك الغيرة في حرق أوراق العتب

لتفجّر الأفكارُ قدحةَ صورةٍ.. أو ومضةَ ظلامٍ وارتعاشةَ حجر

قد تساعدكِ الأسئلة التي صيّرت عيونَكِ نوافذة مكسّرة الزجاج، مخلوعة الستارة في الدخول إلى صندوق أسراري

قد يحيلكِ: الشك آلهة تنفخُ غضبها ريحًا تقتلع سفن الحنين، أشرعةَ الدموع

صواريه: عناقيدُ كرومٍ تتأرجحُ نجومًا تفطمُ عطشَ المجرات

مجاذيفُهُ: ممالكُ تحضنُ كفَيهِ

مواويلهُ: آهاتُ جوعٍ، وأعوامُ ظمأ تحفر في شفاهٍ آبارَ أغانٍ رعاتُها يسابقون سرابَ ترنيمة ناي.

فكرهُ: موقد ثورة ..وكتاب يعتّق نظريات الديالكتيك .. والميتافيزيك..

وثوبٌ تتجسّد فيهِ مرايا الطفولة،

صورُ كفاحِ نساءٍ يتعلّمنَ حياكةَ صباحٍ يولدُ من دياجير ليل مثقل

حيثُ الوطنُ، الأملُ لا تحبسُه حدود، يرسمُ على جدرانِ سجونٍ حماماتِ بيكاسو، حصانَ جواد سليم

من حقيبتهِ،تخرجُ .... ولادةُ: ج ....ل....ج....ا..ر..ا....!!

التوبةُ ثوب التوت تداعبه نسماتُ الخطيئة

تتناوب غيماتٌ على جبينِ مروءة

تجرّدَ الشجرُ من أوراق همومه، وهو يعدّ دمعاته

تجرّدَ الطريقُ من خطواتِ عشّاقِه، ومن أفولِ لقاء

تجرّدَ الليلُ من قهوةِ حنين، وآخر سيجارةٍ ينفث فيها تعبُ السنين.

تجرّدتِ من خوفكِ، من أسئلةٍ كانت سكاكين في خاصرة استفهام

تجرّدتُ من شكوكي، فكانت غيرتي فزّاعةً تطردُ طيورَ وسواس

وتصعقُني بالتي كانت هي الداء.. التي اسمها: كهرباء.. والتي شُيّعتْ بتلك القرون كسُمِّ المنون

تتقلّبُ بين فكرةٍ، دخانُها يجرّه قلقٌ، يتأرجح بخيوطِ الخوف، تتعلّق بمسامير ذكرى على جدران زمنٍ صاخب

بشعاراتٍ: يحملها النملُ نحو ...مساكنه

أناشيدَ تردّدها خفافيشُ بياضَ السواد

رسوم: تلوّنها ريح غربة .. يوقظها .... حلمٌ

يقتاتُ على ريش جسدها نعومة الصخر، خشونة الحُفاة

دبابيسُ الكلام تغصّ بها، تختنقُ بجرح دمعة

مع كل صباحٍ يعلنُ نهوضَهُ، يقرعُ أبواب من لا قوتَ لهم .. كي يشطبوا أيامهم على خشبِ عرباتهم المنحوتة على صورة نعش..!!!!!

صبابة تعتّقها في جرارِكَ السّتين

تضلّلُ دروب السواقي، تجعلُ لُهاثُكَ طيورًا

خطوتُك سلحفاةٌ عجوز

ينحت في رمل دجلة، في صخر (النمرود)، تتفتّح رياضٌ بين كفّيهِ

تستفيق مع طرقِ فأسهِ حيث يعلنُ الفتحَ لمقامٍ جديد، زقورة .. معبد..

كان السقّاء يصبّ عليها من عرقِ جبينه

على امتداد شارع ما زال يمتدّ أفعى مسالمة، تلوّح لأطفال المدارس بالتحية

على مرمى وردة، كان هناك بيت (الياهو)

نخلتهُ ظلّت مثل مسمار (جحا)، يغادرها.. ثمّ يعود

لكن أمي، بين رغيف وآخر تقصّ على طفولتي قصّة نخلة

ثانيًا – المستوى الأخلاقي:

البؤرة الفكرية الثابتة:

وفيها نثبت ثيمة النص الأدبي، واستراتيجية الأديب وأيديولوجيته الفكرية، وثيمة الناقد أي المنهج الذي يقدم فيه دراسته، وهنا أثبت المنهج الذرائعي كمرجعية منهجية علمية أستند عليه في دراستي هذه.

بالنسبة لثيمة العمل:

بعد استعراض كل القصائد بالديوان، وانتقاء عشرة منها للوقوف على مواضيع القصائد أو ثيماتها، لا بد من العودة إلى الديوان كوحدة دلالية تبحث تحليليًّا عن مدلولاتها المراوغة، وإيقاف مراوغتها التأويلية داخل إطار المفهوم، لقد وجدنا أن في الديوان ثيمات متعدّدة، تراوحت بين الثيمات العامة كالرومانسية بأنواع عديدة، والأسطورية، والوطنية، والسياسية والصوفية، والتاريخية، كما شهدنا ثيمات خاصة تدخل في حقل انتقاد المجتمع السلبية كالخيانة والقمع والازدواجية المعايير .

فإذا عدنا إلى عنوان الديوان (مرايا الورد) وتساءلنا، هل أمكن لهذا العنوان أن يكون قلبَ النص وثيمته؟ هل وُفِّق الشاعر أن يجعل العنوان، كبوابة للديوان، وأولى العتبات، ملخّصًا لكلّ الثيمات التي وجدناها في قصائد الديوان؟

مرايا: جمع مرآة، والمرآة هي أداة لها القابلية على عكس الضوء بطريقة تحافظ على الكثير من صفاتها الأصلية قبل ملامسة سطح المرآة، وتستخدم المرآة للتأنّق الشخصي والتزيين، كما تستخدم في الأدوات العلمية كالتلسكوب والليزر والكاميرا .

وهذا التعريف القاموسي للمفردة الأولى في العنوان يحيلنا إلى حقل عكس صورة الواقع كما هو (مرآة- كاميرا) أي عكس كل مظاهر المجتمع + عكس الجمال (تأنّق شخصي – وتزيين) وأكثر ما يستخدم المرآة للتزيين هنّ النساء الشابات. المرآة كأداة علمية (تليسكوب) تعكس أيضًا دقائق المجتمع البعيدة، وهي أداة معالجة (الليزر) للآفات المستعصية، فالحقل الأول والثالث هو للمجتمع بكل مظاهره وآفاته(الاجتماعية والتاريخية والسياسية والاقتصادية والوطنية،،،،)، والحقل الثاني للرومانسية.  وهي كلّها ثيمات رصدناها في قصائد الديوان .

اقتران (مرايا) ب (الورد) جعل حقل الجمال أكبر، أي جعل ثيمة الرومانسية تطغى، وهذا محقق فعلًا، فالقصائد الرومانسية بأنواعها كانت الغالبة في الديوان.

إذًا، نستطيع أن نقول بمنتهى الأمانة، أن الشاعر عكس حرفنته، وتقدّمه الحسّي الكبير، في اختار عنوان الديوان، وربطَ بدقّة بين العنوان، كعتبة خارجية، و بين قعر النص، أي ثيمته الداخلية التي تحوي استراتيجيته وبراعته النصية.

نحدّد استراتيجية الشاعر من خلال ثيمة الديوان بأنه شاعر رومانسي بالدرجة الأولى، وطني إلى درجة كبيرة، يتألّم لأوجاع وطنه، وينتقد أحوال مجتمعه الحياتية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، هوشاعر مفتون بأساطير حضارات الشرق وسحره،

الخلفية الأخلاقية:

الرومانسيات عنده متحفظة، أنيقة بعيدة عن الابتذال والتجاوز الأخلاقي، مختلفة تمامًا عن رومانسيات التيارات الوجودية الذاتية والإباحية التي لم تحترم كيان المرأة الجنسي تحت ذريعة حرية التعبير، فكانت تلك الحرية تجاوزًا رمزيًّا على الأخلاق،

ثالثًا_ المستوى النّفسي Psychological Level:

الشعر انفعالات وجدانية تهاجم الشاعر الموهوب من حين إلى آخر، مساقة بالحالات النفسية التي يمرّ بها الشاعر، فهي ليست حالات حاضرة التصرّف يستطيع الشاعر أن ينظمَها كيفما أراد، أو يوجّهها حسب ما يُطلَبُ منه من قِبَل الآخرين، ولهذا السبب نجد فرقًا شاسعًا بين نظم الشعر الذي يسلكه مؤلفو الأغاني حينما يُطلَبُ منهم أو يُفرَض عليهم موضوعًا معيّنًا مسبقَ الانفعال، وهذا لا يجوز،لأن الانفعال حالة نفسية عميقة غير مُسيطَر عليها، تُثار بالتأثّر الانفعالي للشخص غير المعنون، وهذا ما أسماه العرب القدماء بشيطان الشعر، (وهل للشعر شيطان؟) .

أمّا التنضيد الشعري فهو حالة تعقب ولادة القصيدة، فحين تولد القصيدة من هذا الانفعال النفسي الواقع بين وعي ولاوعي الشاعر، والذي يتضمّن مفاهيم غير مقرّرة مسبقًا، وإنمّا قُرِّرتْ بحالات نفسية تأثّر بها الشاعر، فتسلّلت إلى أعماق نفسه لتصبح قصيدةً لا يعلمُ وقتَ ولادتها، صباحًا أم مساءً، ليلًا أم فجرًا، وحين تولد القصيدة يبدأ الشاعر بتنضيدها كتنضيد اللؤلؤ في حلية جمالية تعكس إبداعًا مميّزًا، وحرفنة يتقدّم فيها الشاعر خطواتٍ عن أبناء جيله، فالشعر غير السرد، السرد يُكتَبُ بأسلوب، والشعر يُكتَب بإحساس. لذلك فإن للشعر حصّة كبيرة في المستوى النفسي ومداخله المتعددة:

المدخل السلوكي Behaviorism Theory:

من خلال التّساؤلات المطروحة ضمن متن القصيدة، ومحاولتنا البحث عن الأجوبة التي من الممكن أن يضعها الشّاعر مخفيّة أو ظاهرة، أو من خلال محاولتنا استنباط أجوبة لتلك التّساؤلات، سنتمكّن من الدخول إلى أعماق الشّاعر لاستخراج مخبوءاته والوقوف على جوانب عديدة من أفكاره، ولا يُعد النّصّ حيويًّا ما لم يطرح تساؤلات تدخل في مضمار الإشكاليّات الجدليّة، وقد رصدتُ في الدّيوان عددًا لا بأس به من التّساؤلات على أنواعها...

في قصيدة " اش اش .. زهرون": يطرح سؤالًا وجوديًّا عن ماهيّة الإنسان، وهي أدرى بها، وإنما يلقيها تحت ضغط نفسي، حرقة النفس وقهر الروح، عن الجرائم التي ارتكبتها النظام الاشتراكي بحقه كإنسان، يستقدم ماركس ويبدأ في طرح أزماته، لتغدو الأسئلة قضايا كبيرة، تلوّث بيئي، وانهيار اقتصادي، وفساد تشريعي، وتهجير وتسطيح:

لو تعرف ما الإنسان..؟؟

لو يأتي .." ماركس"

ماذا سيكتب عن نفايات برية ..؟

ماذا يقترحُ لحل الأزمات القهرية؟

ماذا سيطرح من مشروع للتأميم ..؟ببلد الفقر

ولمن .. سيعطي حق اللجوء..؟

ماذا سيكتبُ في فلكلور التشريع .. التصريع .. التمييع

بعد طرح الأسئلة، يطرح إجابات فيها استشراف قائم على مقتضى الحال، استشراف فيه تهكّم بقدر مرارة حال الشرق، فما صلح للغرب ما صلح، ولن يصلح، للشرق الغارق في سكرة الشعارات والمغيّب بأفيون السياسة والجري وراء لقمة العيش:

لو يأتينا ...؟؟ لتمرّد

يساريو الشرق

وغنّت جوقة " ماو"

ألحان كفاح لا مصرّح

على شواطئ الكافيين

وتجاهل يساريو الغرب

ستايلَ (لينين)

في تقليعة لحيتهِ

واستغراقٍ في التلوين

وشوارعُ يخنقها الطين

وسؤال وجودي آخر حائر، في القرن الواحد والعشرين، عن حال شاذ لا يقبله العقل ولا العصر  :

أين تكون ..؟ وكيف تكون ..؟

في عولمة صارت هجرة

يلفظُنا الوطن فننزح

خلف بحار، خلف سهول

وماذا نفعل خلف البحار وخلف السهول؟ جواب يفوق السؤال لوعة، نؤسس (أوطانًا لليتم) مأوى ومخيّمات لجوء لأطفال في حكم اليتم، ونساء في حكم الترمّل، ينامون في الطرقات، ويقتاتون من المزابل :

نؤسس أوطانًا لليُتم

لأرامل تلتحف الطرقات

تتسوّل .. تجترّ النفايات

من قصيدة كهرمانة:

تساؤل وجداني: عن غربة النفس حين تداهمها شيخوخة العمر، ومازال فيها قلبٌ مراهق يخفق بالحب:

لماذا الآن؟؟ لماذا في هذه الصفحة؟؟ في هذا الخريف..؟؟ لماذا تذكّرتَ بعد رحيل سنونو العشرين ونوارس الأربعين

اليوم دقّت طبولُ صدرِكَ هل تقوى على الركض في مراثون الصّبابة..؟؟

أيُّ صبابةٍ وأنتَ تصبغُ الصدأ، وتجاعيدك رقيم يتكلّمُ في زمن بابل..؟

 

المدخل العقلاني / التّناص والتّوازي في نصوص الشّاعر:

كتب القصيدة الحرّة (الوسيطة) كما كتبها السيّاب، بخروج خجول عن القافية، وموسيقا الفراهيدي، وعدّد في حروف التفعيلة، وجعلها متقاربة، وتناصّ مع جميل صدقي الزهاوي في الدعوة للنهوض بالأغراض الشعرية،بالرغم من أن جميل صدقي الزهاوي ليس شاعرًا حرًّا، لكنه دعا لتجديد الأغراض بقصيدة القريض، عبر طرح ثيمات خاصة تخرج القصيدة عن الأغراض التقليدية باتجاه العصرنة التي تسيّدت المجتمع، وطرحت فيها قضايا جديدة، يجب على الشاعر أن يتابعها حتى لا ينفصل شعره عن مجتمعه، وحتى لا يكون شعره مجرد نظم فارغ من المضمون، والشعر في هذا العصر هو شعر المضمون.

رابعًا- المستوى الحركي في التّحليل Dynamic Level:

الموسيقى الشّعريّة:

لقد اشتمل الديوان على قصائد تفعيلة، وقصائد نثرية.

في قصائد الوسيط والتفعيلة، الموسيقى محقّقة في حرف التفعيلة، وقد نوّع الشاعر في تفعيلاته، فجعلها على حروف عديدة في القصيدة الواحدة، وجعلها تفعيلات متقاربة، ونسوق بعض الأمثلة:

أولًا- عن التفعيلات المتعدّدة المتقاربة: نجدها في قصيدة "إش زهرون" وهي قصيدة سيابية، فيها خروج جزئي عن القافية، نوّع فيها الشاعر تفعيلاته بين حروف (القاف – والنون- والميم- الراء- والتاء المربوطة والعين- والتاء المفتوحة والباء) ويعود إلى النون بتقنية التدوير الذرائعية.

لا إشّ بعد اليوم

فالأخرس نطق

والخوف مزّق أغلاله

والصوت فِرق

إيهٍ .. زهرونْ

تتعمّدُ، والدمع عيونْ

والناس نيام

من تعبٍ تحرسها الأحلام

تتفيأ بستانَ السلطان

والبستانُ ظلال ال(إش)

و(وإش) سوط السجان

نفس الشيء نجده في قصيدة (اشتغال) التي نوّع فيها التفعيلات المتقاربة على حروف (الباء، التاء المربوطة، والياء والنون، والعين)

في قصيدة(المتجردة)أيضًا تفعيلات متقاربة على حروف (الهمزة – التاء المربوطة- اللام – والهاء – الياء – السين) مع التدوير على الهمزة، التفعيلة الرئيسية.

يندرج تحت نفس النوع، قصيدة توكي..! وخائن ...!،

ثانيًا- القصائد الكاملة الحرية أي قصائد النثر: نستقصي الموسيقى في الإيقاع الداخلي للقصيدة.

وقصيدة النّثر، أشدّ القصائد صعوبة في ضبط الموسيقا الدّاخلية فيها، وذلك لشدّة السّرديّة فيها، والسّرديّة علّة كبرى في هذا الجنس الرائع، لأنّها تأخذ القصيدة نحو الخاطرة، والعودة إلى الشّعريّة فيها تتمّ عن طريق الجانب الموسيقي في شطورها، والمبالغة في ذلك، فكلّ شطر يجب أن يكون موزونًا موسيقيًّا، أي لا كسر فيه، بنهاية مختلفة عن سابقه ولاحقه، وهنا تشتدّ الصّعوبة على كاتب هذا الجنس، فعليه أن يدرس التّشابه النّغمي بين جميع الأصوات العربية، كأن يلاحق الأصوات القوّيّة والضّعيفة، وأن يزاوج بينها، وأن يبحث عن الأصوات المتشابهة في نبرة الصّوت النّغميّة، وتلك عمليّة وعرة على شاعر هذا الجنس مقارنة بسهولة النّظم بالشّعر الخليلي، فالشّاعر الخليلي يجد هيكليّة موسيقية جاهزة تسمّى بالبحر الخليلي، أما شاعر النثر فإبداعه بخلق بنيّة موسيقية خاصّة به، وقد كان الشاعر وليد جاسم الزبيدي مجيدًا في خلق هذه البنية الموسيقية، عبر اختيار الألفاظ ذات الأصوات التي تملك ذات النبرة الإيقاعية، نذكر مثالًا على ذلك قصيدة: الكائن جلجارا

يخافُه البؤساءُ المطرودون

من موائِدِ القصر

ومراقِصِ البغي

ف (موائد القصر، ومراقص البغي) لها نفس الرتم الإيقاعي (متحرّك فتحة- متحرك فتحة – ألف ممدودة – متحرك كسرة- متحرك كسرة – أل تعريف – متحرك فتحة – ساكن- متحرك كسرة).

أيضًا: (جنونَ قيثارةِ، نشوةَ أسدِ، عربدةَ ثورِ)

نصفه جلجامش ...

الذي اعتصر في خمّارته

جنونَ قيثارةِ (سومر)

نشوةَ أسدِ (بابل)

عربدةَ ثورِ (آشور)

كما لجأ الشاعر في بناء إيقاع قصيدته إلى تكرار جملة بعينها (نصفه جلجامش) لتكون لازمة موسيقية أكثر من أنها لازمة فنية، يستخدمها كلما خفّ أو خبا إيقاع القصيدة تحت وطأة السردية، يستأنف من بعدها السرد:

مواويلُه: آهاتُ جوعٍ، وأعوام ظمأ،

تحفر في شفاه آبار أغانٍ رعاتُها يسابقون سراب ترنيمة ناي

نصفه جلجامش...

الذي رأى نصفه الأسفل

وبلاد الله السفلى

ونصفه الآخر جيفارا...!

في قصيدة (دبابيس الكلام)، هناك إيقاع موسيقي متحقّق بحسّية الألفاظ الشعورية والمادية، ومفارقاتها البارادوكسية(بياض سواد، نعومة خشونة)، وتراتبيّة الأفعال (تردّدها – تلوّنها- يوقظها- يقتاتُ):

أناشيدها: تردّدها خفافيشُ

بياضَ السواد..

رسومَ: تلوّنُها ريح غربة ..

يوقظُها..........حلُمٌ

يقتاتُ على ريش جسدها

نعومةُ الصخر

خشونةُ الحُفاة

في قصيدة (كهرمانة)، بنى الشاعر إيقاع القصيدة على نبرة السؤال، وتكرار علامة الاستفهام:

لماذا الآن؟؟

لماذا في هذه الصفحة؟؟

في هذا الخربف ..؟؟

لماذا تذكّرت بعد رحيل

سنونو العشرين

ونوارسُ الأربعين

اليومَ دقّتْ طبولُ صدرِكَ؟

هل تقوى على الركض في ماراثون الصبابة ..؟؟

فالإيقاع الموسيقي هو عامل سحري له تأثير مباشر على المتلقّي في اللّغة، كما نراه عند التّعامل مع نوم الأطفال (التّهليلة والرّبت الإيقاعي) .

التجربة الشعرية:

هو شاعر رومانسي، وطني، فانتازي.

وظّف القصيدة الشعرية كطريق معبّد لحرية الأغراض وتعدّدها في القصيدة الحرّة، تلك الأغراض التي فرضها التطور الاجتماعي ما أعطى القصيدة الحرّة المعاصرة مبرّرات خروجها من جلباب أمّها القريض لتلحق بقطار العصرنة الموجّه نحو عربة المضمون وليس الشكل، لذلك توجّب أن يخرج الشاعر بقصائده من مجتمعه بالدرجة الأولى، على اعتبار الشعر انعكاس لحالة نفسية، والشاعر هو أول من ينفعل نفسيًّا اتجاه أي ظاهرة تلمّ بمجتمعه، فينزف انفعاله إحساسًا حقيقيًّا على الورق من رأس قلمه، لتولد القصيدة ولادة حسيّة، بإحساس حقيقي، لتكون القصيدة موقفًا وليس تعبيرًا، وبذلك يقدّم الشاعر مجتمعه على ذاتيّته، والغرض الرومانسي لم يعدغرضًا مهمًّا أو مؤثّرًا في هذا العصر، والبعض يعتبره غرضًا فارغًا من الثيمة، إلّا إذا اقترن بثيمات أخرى، تتبع للأغراض الشعرية الجديدة، وكان هذا ديدن شاعرنا وليد جاسم الزبيدي الذي تميّز بازدواجية الغرض الشعري، وإدراكه لحقيقة أننا نعيش في عصر القضايا الجسام، في عصر المضمون، وهذا مبرّر آخر لاكتمال الحرية في قصيدة النثر، والتي هي مضمون، وتقدّمها بخطوة كدليل للشعر نحو نهاية النفق.

والشاعر وليد جاسم الزبيدي، ما فتئ يحاول أن يجعل قصائده متعدّدة الأغراض قدر الإمكان، وكأنه يكتب قصصًا سردية تمتاز بالوصف الجميل والصور الجميلة، كان متقدّمًا في المستوى الدايناميكي في بناء القصيدة الفني والموسيقي، كما كان متميّزًا في البناء الجمالي،حيث زاوج أيضًا في بناء الصور الجمالية بين علم الجمال وعلم البلاغة، وجعلهه معمّدة بالحس الشعري الحقيقي، إيمانًا منه بأن الشعر هو بالدرجة الأولى إحساس حقيقي يكتبُ نفسَه موقفًا وليس تعبيرًا. لذلك وجدناه في القصائد ذات الغرض الوطني يكتب بهمّ كبير، يعرض المثالب، وما آل إليه حال الوطن والمواطن، بحرقة مغموسة بغصّة القهر وقلّة الحيلة، وجلد الذات، يأتي من الماضي العريق بقبس من نور، يحاول أن يضيء به مساحات العتمة، لعل في قصص الماضي دروسًا مفيدة قد تسهم في نهضة الحاضر. هو شاعر لم ينفصل عن عصره أبدًا، كما لم ينفصل عن ماضيه، فنراه يذكر (الفيس بوك – تويتر – واتساب – بيكاسو- لينين – ترامب – بوتين – ستالين – ماركس – ماو – جيفارا ....... وشخصيات رسمية في حكومة بلده، أو شخصيات من بلدته)، لا ينفصل عن حضارته، رموزها وشخوصها(الزقورة – شبعاد – جلجامش- وأسد بابل- ثور آشور - قيثارة سومر .....). وظّف ثقافته العامة، وهي غزيرة ومتنوّعة في مختلف المجالات، الفنية والتاريخية والحضارية والأسطورية والثقافية والسياسية والاقتصادية..... إلخ، في قصائده توظيفًا دلاليًّا موفّقًا .

شاعر، في قلبه إيقاعات حب، ونبضات وطن.

***

د.عبير خالد يحيي -  الاسكندرية

 ................................. 

المراجع والمصادر

1- الذرائعية وسيادة الأجناس الأدبية – تأليف / عبد الرزاق عودة الغالبي – تطبيق / د.عبير خالد – دار النابغة للنشر والتوزيع – مصر – الطبعة الأولى 2019- ص57

2- زهرون عمارة- ويكيبيديا – المصادر كتاب شخصيات مندائية في التاريخ المعاصر تأليف (خالد ميران دفتر)

3- متلازمة ستوكهولم: Stockholm syndrome هي ظاهرة نفسية تصيب الفرد عندما يتعاطف أو يتعاون مع عدوه أو من أساء إليه بشكل من الأشكال.... ويكيبيديا

4 - جواد سليم هو فنان تشكيلي ونحاة عراقي مشهور واسمه الكامل جواد محمد سليم عبد القادر الخالدي، ويُعتبر من أشهر النحاتين في تاريخ العراق الحديث – ويكبيديا -

شارك بنحت نصب الحرية مع عدة نحاتين، كانت مشاركته منحوتات: الحصان ورواد الثورات والطفل والباكية والشهيد والأم وطفلها والمفكر السجين والجندي والحرية ودجلة والفرات والزراعة والثور والصناعة (من مدوّنة ثائر الأطرقجي)

5- ساسون حسقيل أول وزير مالية للعراق في العصر الحديث، استلم وزارة المالية العراقية سنة 1921 وفي 13 آب 1923 فوضته الحكومة العراقية آنذاك لمفاوضة البريطانيين حول امتياز شركة النفط العراقية التركية، حيث ثبت بأن يكون الدفع بالشلن الذهب سعرًا للنفط المباع، مماأفاد الميزانية العراقية فيما بعد _ ويكيبيديا

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم