صحيفة المثقف

عبد الجبار الحمدي: إشتباه..

عبد الجبار الحمدييا للغرابة!!! صرخ دون ان يشعر بخروج صوته وهو يرى ذلك الذي يستقبلهم عند باب دخولهم قبو شبه مضيء... فجاة تسارعت الاكف كالمراوح تعمل على قفاهم دون هوادة، يمسك هو بملف كان يحمله ضمن طوابير كثيرة تساق كالعبيد، ربما احدها كان لتقديم معاملته كسجين سياسي سابق هكذا قال له ظنه... لقد علقت أذياله بحافة نتوء في باب سلطة كان ديتها انه لم يصرخ بعدها طالبا الحرية فقد تلونت مقارع السلطة التي قاست جلده شبرا شبرا وأحصت عظامه عظما عظما... قدره قاده ليؤمن بحرية التعبير، كان قد تحرر من قيود وأصفاد سلطة جائرة قبل زمن، هاهو يقف على بوابة حقوق الانسان في الافصاح عن مكنون معاناته، شأنه مثل المئات من الآلاف الذين زحفوا على بطونهم في إتون حرب مزقت ثوب حيائهم فبانت عوارتهم، حتى ان البعض استطالت معاناته مثل خصيتي رجل كهل تدلت من الحرارة والرطوبة وهو يقضي حاجته في العراء يهش الذباب الذي يلاحقه طلبا لمعونة... تلك الحادثة التي رآها اعادته الى زمن تصوره أنه زمن البداوة... فذلك الزمن إما أن تكون غازيا او تكون مغزيا عليك، هاهو الآن يعيده الزمن دون ان يكترث لحاله فعندما تعلو النفايات يكثر حولها الكلاب السائبة ويروج لها طنين الذباب على إنها مائدة مسؤول رفيع المستوى، لا تصاب بالدهشة ولا تصغي لمن يذيب كل دهشتك فالدهشة أحيانا تعطيك عكس حقيقية ما لا يدهشك، لقد صرنا مثل لفافة التبغ نطوي أيام اعمارنا ثم ندخنها بحرقة بعدما نشعل رؤوسها بأحلام كاذبة لنبكي شاهد ذكريات بأننا أحرار في زمن الوئد البشري، كلنا عبيد نباع في اوقات لا نشعر بها إلا حينما ندخل سجون النخاسة حيث ذلك السجان والذي علمت بعدها بأن اسمه المبيد الحشري، سمي بذلك لأننا بالنسبة له حشرات همه ان يبيدنا حتى لا نلوث بيئة السلطة التي شرعت له بأن يمارس الغزو كيفما يشاء، فما نحن بالنسبة له إلا قاذورات علقت بأحذية اصحاب السلطة وكونه لاعق أحذية من الدرجة الأولى التي صنف بها فمآلنا لسانه المتعفن، دميم الشكل شَهِدُت الحقارة فلم اتصورها إلا في وجهه، أما البذائة وسوق الخلق أظنها أنجبته ليكون إبنها الأكثر قذارة ممن حملت بطون عاهرات السلطة، ما يؤخذ على الزمن أن العاهات تسابق الريح، والأدهى انها تصل خط النهاية متأخرة كونها متطايرة كالنفايات الورقية... أما الإنسانية فقد تركوها على أعتاب القضاء تستجدي الحقيقة وهي عارية يتهموها بالفساد ليثبتوا أن ميزان عدالتهم بيد إمرأة عمياء يستحون لمسها فصرت اردد بيت شعر كتبته مرة نلت عليه صفعة جعلتني احفظه فلم انساه ابدا (توافه الزبد تطفو على السطح والدر في قاع البحر يندثر... لعمري انه زمن العاهرات راجت بضاعتها الكل منبهر)، لم اخرج من حالتي إلا حينما امسك بي ذلك السجان وقد أدار رأسي بضربة جعلتني افقد توازني فتطاير الملف والاوراق التي فيه.. فصرخ اظنك ممن يثيرون الفتنة؟ أنت مثقف لابد... جاء الجواب على سؤالة ركلة كسرت البيضتين اللاتي كانتا تثبت اني رجل غير مخصي، شعرت لحظتها ان روحي قد خرجت من أنفي لولا ذلك الخنزير الذي امسك بها قائلا: أين تريدين الذهاب؟ ليس الآن فما زلنا في بداية الطريق ثم دفع بي احدهم فرحت اتدحرج على سلم نال من جسدي الذي تذوق الآه من قبل وهو يصرخ علي اللعنة عليك وعلى الحرية... ها انا اعود بمعيتك حيث خرجت لاشك أنك ملعون بلعنة العراق الذي لم يستكن له امر طوال حياته فمن حرب الى حرب ومن نكسة الى نكسة ومن وبال الى وبال حتى شرعت القوانين في صناعة نعش خاص بكل إنسان من هذه الأرض... اللعنة عليك حتى الصراخ ما عاد يجدي فحياتنا صارت كما أخاديد الألم تتشقق مفردات عطشى لآه طويلة بعنوان أريد وطن، وطن يحيط به مثل مبيد الحشرات هذا ولا ادري هل بسبب الملة ام أم بسبب النفاق؟ فنفاقنا قد فاض وتدلى مثل تلك الخصيتين، وما الثقفي ببعيد في مقولته.. وما ابا الحسنين ببعيد عن مقولته لقد ملئتم قلبي قيحا أظنها قيلت لأهل هذا الوطن، وألا بماذا تفسر تلك الكوارث التي تلاحقنا مثل لعنة الفراعنة، ما أن نفتح بابا حتى تخرح اللعنة تسحق كل من قام بفتحه مواربا للحرية او المعرفة، كنت استمع له وانا اردد عادت ريمة الى حالتها القديمة فما ان خرجت حتى عدت حيث بطانة سجون ودهاليز عكرة، يبدو أن الله قد كتب في شهادة ميلادي وتحت عنوان السكن سجون السلطةهههههههه... يا لضيمي وحتى اكون صادقا في حدسي أظنى اعرف من هو المسؤول عن فهرسة بيان الولادة أكاد أجزم انها تحت توقيع المبيد الحشري.... تقترب ساعة الخلاص عندما يصلب المسيح قصاص فلا مناص، تلك واحدة كانت دلالة على ان العالم لا تسوده الرحمة او العدل فحتى عيسى النبي صلب، كان مثلا كإنسان فما ان قال الله ربي وما انا سوى عبدا لله حتى مزقته المقارع، صلبوه... وها أنا وذلك الطابور ما ان قلنا نريد الحرية واننا عباد الله حتى نزل ابليس يحمل مبيداته ليوسعنا ضربا بأن الله جعلنا احجار شطرنح، فمال بنا العدل ورفعت الصحف وجفت الاقلام، لا عدالة لمظلوم في زمن الموبقات، الدين ترك هناك تحت الشجرة، اما الإيمان فقد مزق مع الصحيفة لم يبقى سوى اسم من خلق وهذا ما لا يستطيع صاحب السلطة ان يقارعه...

أما دون ذلك فمباح... كل شيء يمكن تدويره وإعادة تأهيلة ليكون مطواعا وعبدا حقه ان يكون نعلا للسلطة، كانت ايامي سوداء حفظت وقعها، صرت اسارع في لقم نفسي الخوازيق، اسارع في كل ما يطلبه المبيد الحشري الذي راق له تطبعي بما يقول... حتى في لحظة توقف فيها الزمن، صرخ بي قائلا: هيه أنت... يبدو أننا قد أشتبهنا في حقيقتك، فأنت لست مع الذين اقتيدوا نتيجة تمردهم على السلطة، لم يكن من جانبي خطأك لكن هناك من سأل واستقصى عنك فَعَلِمَ انك كنت في المكان الخطأ لا عليك، هيا جهز نفسك للخروج من هنا فقد كان مجرد اشتباه.

 

القاص والكاتب

عبد الجبار الحمدي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم